الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسيلة يتوسلون بها إلى الخلاص من هذا البلاء الذي هم فيه. وهكذا: لقد تقطعت الأسباب بينهم وبين كل ولىّ من أوليائهم، أو قوة من قواهم.
الآيتان: (95- 96)[سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 96]
إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96)
التفسير: بعد أن شهد الظالمون المشركون هذا المشهد الذي تقطت له أنفاسهم، من مشاهد يوم القيامة، ردّوا إلى ما كانوا فيه من تلك الحياة التي كانوا يحيونها، مع أموالهم وأولادهم وأصنامهم، وما كانوا عليه من عناد وخلاف مع النبىّ، وما كان يدعوهم إليه من التعرف إلى الله والإيمان به..
وهنا تلقاهم كلمات الله وآياته، يرتّلها المؤمنون، تمجيدا لله وتسبيحا بحمده، وإذا هذه الآيات، وتلك الكلمات، هى استعراض لجلال الله، الذي كانوا منذ لحظات بين يديه، فى هذا الموقف العظيم، الذي طلع عليهم منه ما لم يكونوا يحتسبون، من شدة وبلاء..
«إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ» .. ذلكم هو الله، وتلك هى بعض آثار قدرته.. فلينظروا فى هذا الذي أبدعته القدرة القادرة، التي قام سلطانها على كل شىء، ونفذ علمها إلى كل شىء..!
فهذه الحبة الصغيرة، التي لا تكاد تمسك بها العين، يفلقها الخالق العظيم
فيخرج من كيانها الضعيف، وجرمها الصغير، شجرة عظيمة مورقة مزهرة مثمرة..!
وهذه النواة اليابسة، التي لا يتجاوز جرمها جرم حصاة صغيرة، يفتّقها الخلّاق العليم، فيخرج من أطوائها نخلة باسقة، تطاول السماء، وتناطح السحاب..
«إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ» وفلق الحبّ والنوى.. شقّه، حين يغرس فى مغارس الإنبات، فيفتّق كما تفتّق الأرحام عند الولادة لتخرج ما فيها من أجنّة.. ومن بين هذا الحبّ والنوى.. الميت الهامد.. تخرج الحياة ممثلة فى شجيرة صغيرة، أو نخلة باسقة، أو دوحة عظيمة.
وقوله تعالى: «يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ» هو خبر ثان ل (إنّ) فى قوله سبحانه: «إِنَّ اللَّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوى» .
وقوله سبحانه: «وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ» عرض لصورة أخرى من صور الإبداع فى الخلق.. وهو أنه سبحانه إذ يخرج الحىّ من الميت، فإنه سبحانه يخرج الميت من الحىّ، كهذا الحبّ وذلك النوى فإنهما من مواليد النبات الحىّ النامي..
وفى هذا العرض للإحياء والإماتة، والإماتة والإحياء، مثل ظاهر يرى فيه الإنسان العاقل صورة لحياته هو.. وأنه كان فى عالم الموات، ثم إذا هو كائن حىّ عاقل.. ثم إذا هو مردود إلى عالم الموات مرة أخرى.. فهل تعجز القدرة الإلهية عن ردّه مرة ثانية إلى الحياة؟ إن ذلك- فى تقدير الإنسانية- أمر أهون مما سبقه من إيجاد الحياة من العدم!! «كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (28: البقرة)
وقوله تعالى: «ذلِكُمُ اللَّهُ» إشارة إلى الله، سبحانه، وأنه هو الإله الحق الذي لا ينبغى لعاقل أن يتخذ إلها غيره.. فذلكم هو الله، وتلك هى بعض آثار قدرته.
وقوله سبحانه: «فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ» إنكار على هؤلاء الضالين، أن يكون لهم متجه غير الله، ثم هو دعوة مجدّدة لهم أن يتركوا هذا الطريق الآثم الذي هم فيه، وإلا كانوا فى الهالكين.
والإفك، هو الباطل والبهتان، والميل عن طريق الحق إلى الضلال.
قوله تعالى: «فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً» هو استمرار لعرض آيات من قدرة الله، حتى إذا كان هناك من تنبّه من غفلته من هؤلاء الضالين، بعد أن رأى ما رأى من آيات الله فى خلق الحب والنوى، وخلق الحىّ من الميت، والميت من الحىّ، وبعد أن نبهه صوت الحقّ إلى ما هو فيه من ضلال وغفلة- إذا كان هناك من تنبّه لهذا، وجد بين يديه هذا النور الذي يكشف له معالم الطريق إلى الله، فيما يشهد من آثار صنعته فى هذا الوجود..
«فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً» فذلك مما خلق، الخالق، وأبدع البدع..
وفى قوله تعالى: «فالِقُ الْإِصْباحِ» مقابلة بين فلق النواة التي تخرج منها أجنّة الحياة ومواليدها، من عالم النبات، وبين فلق الإصباح، أي الصبح الذي يتفتق من تفتّقه الحياة، التي يستولى عليها سلطان النهار، ويغذيها ضوء الإصباح.. فهذه الكائنات المتحركة فى ضوء الإصباح، والمنتشرة على بساط ضوئه فى النهار، هى المواليد التي تفتح عنها الضوء، وبعث فيها الدفء والحياة، كما يتفق الحبّ والنوى عن هذه الحياة التي تتمثل فى عالم النبات.
وقوله تعالى: «وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً» هو فى مقابل: «وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ»