الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآيتان: (12- 13)[سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 13]
قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (12) وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (13)
التفسير: قوله تعالى: «قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» هو سؤال من الحق جلّ وعلا، على لسان نبيّه الكريم، وهو سؤال وارد على خاطر كل ذى لبّ.. فهذا الوجود بما فيه من عجائب وغرائب، لا يمر عاقل على آية من آياته، إلّا وقف عندها، ونظر فيها، واجتهد فى التعرف على أسرارها.. ثم سأل نفسه أو سألته نفسه، عن صانعها: من هو؟ وأين هو؟ وكيف هو؟
وما تزال هذه الأسئلة تلحّ عليه حتى ينسب هذا الوجود إلى صانع عظيم قدير، ليس كمثله شىء، لا يسأل عنه: بأين؟ ولا كيف؟ .. إذ هو فوق كل أين، وغير كل كيف..
وقوله تعالى: «قُلْ لِلَّهِ» هو جواب قاطع، لا جواب غيره، عن هذا السؤال، الذي مطلوب من كل عاقل أن يسأله نفسه، وأن يجيب عليه..
وسيهديه نظره وعقله إلى هذا الجواب الذي أجاب به الحق سبحانه وتعالى:
«قُلْ لِلَّهِ» - فالمالك لهذا الوجود، القائم على كل موجود، هو الله رب العالمين، لا شريك له فى سلطانه.
وقوله تعالى: «كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ» أي الذي كتب على نفسه الرحمة، - وتلك صفة من صفات الله- هو الذي له ما فى السموات وما فى الأرض..
ومعنى كتب على نفسه الرحمة، أي أوجبها سبحانه وتعالى على نفسه، حيث اقتضتها حكمته، واستدعاها فضله..
فالملك الذي بين يدى المالك سبحانه وتعالى، هو من آثار رحمة الله.. تلك الرحمة العامة الشاملة التي تمسّ كل مخلوق، وتنال البرّ والفاجر، والمؤمن والكافر.. ولولا هذه الرحمة لما تنفس الكافر نفسا فى هذه الحياة، ولما أمهل فى محادّته لله، وعدوانه على رسله، ولكن رحمة الله التي وسعت كل شىء، لم يحرم الكافر نصيبه منها، فأفسح الله له فى الحياة، ليرجع إليه، ويصلح من أمره ما أفسده.
فإذا مضى الكافر على كفره، ثم أخذ بذنبه، كان من رحمة الله أن يؤدب وأن يعاقب، ففى هذا العقاب إصلاح لنفسه التي فسدت، وصقل لمعدنه الذي أكله الصدأ! وقوله تعالى:«لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ» فى توكيد الفعل «ليجمعنكم» بالقسم وبنون التوكيد، إشارة إلى أن البعث أمر كتبه الله سبحانه وتعالى على نفسه، كما كتب الرحمة، وأن البعث هو رحمة من رحمة الله، إذ هو إعادة الحياة التي ذهب بها الموت، والحياة نعمة من نعم الله، ورحمة من رحمته.. إنها نعمة تستوجب الشكر، والحمد لله رب العالمين:«كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ، وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (28: البقرة) .
وفى تعدية الفعل «ليجمعنكم» بحرف الجرّ «إلى» إشارة إلى أن الجمع هو استدعاء من جهات شتى، ودعوة قاهرة إلى مكان معلوم، تصبّ فيه وفود المدعوين، وتجتمع إليه.. فمعنى الجمع، هو السّوق، أي ليسوقنكم إلى يوم القيامة، إذ كان يوم القيامة هو موعد اللقاء الذي يلتقى عنده الموتى، المبعوثون
من القبور.. «وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ» (51: يس) .
وقوله تعالى: «الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ» أي أن الفساد الذي اشتملت عليه نفوس أهل الضلال، هو الذي حجبهم عن الإيمان، وصار بهم إلى طريق الكفر والضلال.. وهذا يعنى أن فى الكافرين- قبل كفرهم- نفوسا مهيأة لهذا الكفر، مستعدة له، لما فيها من فساد، وهذا الفساد من شأنه أن يرفض الطيّب، ويقبل الخبيث الفاسد، الذي يلائمه، ويتفاعل معه.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى:«فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً» (10: البقرة) .
وقوله تعالى: «وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ» فهذه قلوب لا تقبل خيرا، ولا تمسك به، ولهذا ختم الله عليها، فلم يسمعها كلماته، ولو أنها سمعت كلمات الله ما قبلتها ولا استجابت لها.
وقوله تعالى: «وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ» هو استكمال للجواب الذي أجيب به على قوله تعالى: «قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ» فكأنه قيل: قل لله ما فى السموات وما فى الأرض، وله كذلك ما سكن فى اللّيل والنهار، أي ما اشتمل عليه الليل والنهار من موجودات..
فكل ما طلع عليه النهار، واستولى عليه سلطان الضوء، وكل ما غشيه الليل، واستولى عليه سلطان الظلام، هو فى ملك الله، وتحت سلطان علمه وسمعه.