المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الآيات: (44- 51) [سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51] - التفسير القرآني للقرآن - جـ ٤

[عبد الكريم يونس الخطيب]

فهرس الكتاب

- ‌الآيات (82- 86) [سورة المائدة (5) : الآيات 82 الى 86]

- ‌(الآيات: 87- 88) [سورة المائدة (5) : الآيات 87 الى 88]

- ‌الآية (89) [سورة المائدة (5) : آية 89]

- ‌(الآيات: (90- 92) [سورة المائدة (5) : الآيات 90 الى 92]

- ‌الخمر.. مادتها، وصفتها، وحكم شاربها

- ‌الآية (93) [سورة المائدة (5) : آية 93]

- ‌الآية (94) [سورة المائدة (5) : آية 94]

- ‌الآيات (95- 96) [سورة المائدة (5) : الآيات 95 الى 96]

- ‌الآيات (100- 97) [سورة المائدة (5) : الآيات 97 الى 100]

- ‌الآيات (102- 101) [سورة المائدة (5) : الآيات 101 الى 102]

- ‌الآيات (104- 103) [سورة المائدة (5) : الآيات 103 الى 104]

- ‌الآية (105) [سورة المائدة (5) : آية 105]

- ‌الآيات: (106- 108) [سورة المائدة (5) : الآيات 106 الى 108]

- ‌الآية: (109) [سورة المائدة (5) : آية 109]

- ‌الآية: (110- 111) [سورة المائدة (5) : الآيات 110 الى 111]

- ‌الآيات: (112- 115) [سورة المائدة (5) : الآيات 112 الى 115]

- ‌الآيات: (116- 118) [سورة المائدة (5) : الآيات 116 الى 118]

- ‌(الآيتان: 119- 120) [سورة المائدة (5) : الآيات 119 الى 120]

- ‌مبحث فى المسيح الإله والمسيح الإنسان

- ‌6- سورة الأنعام

- ‌الآية: (1) [سورة الأنعام (6) : آية 1]

- ‌الآيات: (2- 5) [سورة الأنعام (6) : الآيات 2 الى 5]

- ‌الآية (6) [سورة الأنعام (6) : آية 6]

- ‌الآيات: (7- 11) [سورة الأنعام (6) : الآيات 7 الى 11]

- ‌الآيتان: (12- 13) [سورة الأنعام (6) : الآيات 12 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 16) [سورة الأنعام (6) : الآيات 14 الى 16]

- ‌الآيات: (17- 19) [سورة الأنعام (6) : الآيات 17 الى 19]

- ‌الآيتان: (20- 21) [سورة الأنعام (6) : الآيات 20 الى 21]

- ‌الآيات: (22- 24) [سورة الأنعام (6) : الآيات 22 الى 24]

- ‌الآيات: (25- 26) [سورة الأنعام (6) : الآيات 25 الى 26]

- ‌الآيات: (27- 29) [سورة الأنعام (6) : الآيات 27 الى 29]

- ‌الآيات: (30- 32) [سورة الأنعام (6) : الآيات 30 الى 32]

- ‌الآيات: (33- 34) [سورة الأنعام (6) : الآيات 33 الى 34]

- ‌الآية: (35) [سورة الأنعام (6) : آية 35]

- ‌الآيات: (36- 38) [سورة الأنعام (6) : الآيات 36 الى 38]

- ‌الآيات: (39- 41) [سورة الأنعام (6) : الآيات 39 الى 41]

- ‌الآيات: (42- 45) [سورة الأنعام (6) : الآيات 42 الى 45]

- ‌الآيات: (46- 47) [سورة الأنعام (6) : الآيات 46 الى 47]

- ‌الآية: (48- 49) [سورة الأنعام (6) : الآيات 48 الى 49]

- ‌الآيات: (50- 52) [سورة الأنعام (6) : الآيات 50 الى 52]

- ‌الآيات: (53- 55) [سورة الأنعام (6) : الآيات 53 الى 55]

- ‌الآيات: (56- 58) [سورة الأنعام (6) : الآيات 56 الى 58]

- ‌الآيات: (59- 62) [سورة الأنعام (6) : الآيات 59 الى 62]

- ‌الآيات: (63- 65) [سورة الأنعام (6) : الآيات 63 الى 65]

- ‌الآيات: (66- 67) [سورة الأنعام (6) : الآيات 66 الى 67]

- ‌الآيات: (68- 70) [سورة الأنعام (6) : الآيات 68 الى 70]

- ‌الآيات: (71- 73) [سورة الأنعام (6) : الآيات 71 الى 73]

- ‌الآيات: (74- 79) [سورة الأنعام (6) : الآيات 74 الى 79]

- ‌الآيات: (80- 82) [سورة الأنعام (6) : الآيات 80 الى 82]

- ‌الآيات: (83- 87) [سورة الأنعام (6) : الآيات 83 الى 87]

- ‌الآيات: (88- 90) [سورة الأنعام (6) : الآيات 88 الى 90]

- ‌الآيتان: (91- 92) [سورة الأنعام (6) : الآيات 91 الى 92]

- ‌الآيات: (93- 94) [سورة الأنعام (6) : الآيات 93 الى 94]

- ‌الآيتان: (95- 96) [سورة الأنعام (6) : الآيات 95 الى 96]

- ‌الآيات: (97- 99) [سورة الأنعام (6) : الآيات 97 الى 99]

- ‌الآيات: (100- 103) [سورة الأنعام (6) : الآيات 100 الى 103]

- ‌الآيات: (104- 107) [سورة الأنعام (6) : الآيات 104 الى 107]

- ‌الآيات: (108- 110) [سورة الأنعام (6) : الآيات 108 الى 110]

- ‌الآية: (111) [سورة الأنعام (6) : آية 111]

- ‌مبحث: فى مشيئة الله ومشيئة العباد

- ‌تفصيل بعد إجمال

- ‌آراء القدرية

- ‌وهذه مقولات لبعض رجالهم رأى واصل بن عطاء:

- ‌رأى النّظام

- ‌ثورة على المعتزلة

- ‌رأى أهل السنة

- ‌[كسب الإنسان]

- ‌حركة الأشاعرة

- ‌لسان الدين بن الخطيب ورأيه فى الكسب

- ‌إمام الحرمين ورأيه فى الكسب

- ‌رأى الغزالىّ في الكسب

- ‌رأى الفارابي فى الكسب

- ‌رأى الفيلسوف محمد إقبال

- ‌الله والإنسان.. مرة أخرى

- ‌أباطيل بعض المتصوفة

- ‌طريق المؤمنين

- ‌الآيات: (112- 113) [سورة الأنعام (6) : الآيات 112 الى 113]

- ‌الآيات: (114- 117) [سورة الأنعام (6) : الآيات 114 الى 117]

- ‌الآيات: (118- 121) [سورة الأنعام (6) : الآيات 118 الى 121]

- ‌الآيات: (122- 124) [سورة الأنعام (6) : الآيات 122 الى 124]

- ‌الآيات: (25- 27) [سورة الأنعام (6) : الآيات 125 الى 127]

- ‌الآيات: (128- 129) [سورة الأنعام (6) : الآيات 128 الى 129]

- ‌الآيات: (130- 132) [سورة الأنعام (6) : الآيات 130 الى 132]

- ‌الآيات: (133- 135) [سورة الأنعام (6) : الآيات 133 الى 135]

- ‌الآيات: (136- 137) [سورة الأنعام (6) : الآيات 136 الى 137]

- ‌الآيات: (138- 140) [سورة الأنعام (6) : الآيات 138 الى 140]

- ‌الآيات: (141- 144) [سورة الأنعام (6) : الآيات 141 الى 144]

- ‌الآيات: (145- 147) [سورة الأنعام (6) : الآيات 145 الى 147]

- ‌الآيات: (148- 150) [سورة الأنعام (6) : الآيات 148 الى 150]

- ‌الآيات: (151- 153) [سورة الأنعام (6) : الآيات 151 الى 153]

- ‌الآيات: (154- 157) [سورة الأنعام (6) : الآيات 154 الى 157]

- ‌الآيات: (158- 160) [سورة الأنعام (6) : الآيات 158 الى 160]

- ‌الآيات: (161- 164) [سورة الأنعام (6) : الآيات 161 الى 164]

- ‌الآية: (165) [سورة الأنعام (6) : آية 165]

- ‌7- سورة الأعراف

- ‌الآيتان (1- 2) [سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 2]

- ‌الآيات: (3- 9) [سورة الأعراف (7) : الآيات 3 الى 9]

- ‌الآيات: (10- 13) [سورة الأعراف (7) : الآيات 10 الى 13]

- ‌الآيات: (14- 18) [سورة الأعراف (7) : الآيات 14 الى 18]

- ‌الآيات: (19- 25) [سورة الأعراف (7) : الآيات 19 الى 25]

- ‌الآيات: (26- 30) [سورة الأعراف (7) : الآيات 26 الى 30]

- ‌الآيات: (31- 34) [سورة الأعراف (7) : الآيات 31 الى 34]

- ‌الآيات: (35- 39) [سورة الأعراف (7) : الآيات 35 الى 39]

- ‌الآيات: (40- 43) [سورة الأعراف (7) : الآيات 40 الى 43]

- ‌الآيات: (44- 51) [سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

- ‌الآيات: (52- 53) [سورة الأعراف (7) : الآيات 52 الى 53]

- ‌الآيات: (54- 58) [سورة الأعراف (7) : الآيات 54 الى 58]

- ‌الآيات: (59- 64) [سورة الأعراف (7) : الآيات 59 الى 64]

- ‌الآيات: (65- 72) [سورة الأعراف (7) : الآيات 65 الى 72]

- ‌الآيات: (73- 79) [سورة الأعراف (7) : الآيات 73 الى 79]

- ‌الآيات: (80- 84) [سورة الأعراف (7) : الآيات 80 الى 84]

- ‌الآيات: (85- 87) [سورة الأعراف (7) : الآيات 85 الى 87]

الفصل: ‌الآيات: (44- 51) [سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

‌الآيات: (44- 51)[سورة الأعراف (7) : الآيات 44 الى 51]

وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ (45) وَبَيْنَهُما حِجابٌ وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ (46) وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (47) وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (48)

أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (49) وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (50) الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (51)

التفسير: تعرض هذه الآيات مشهدا من مشاهد المناظرة والمحاورة، بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، كما كان ذلك الشأن بين المؤمنين والكافرين، فى الدنيا..

وفى هذا المشهد نرى:

أولا: أصحاب الجنّة ينادون أصحاب النار، ويذكّرونهم بما كانوا يجادلونهم به فى الدنيا.. حيث كان المؤمنون يقولون: إننا نعمل على وعد من ربنا، بأن من آمن وعمل صالحا، فله جزاء الحسنى، وأن من كفر وصدّ عن سبيل الله، فقد حبط عمله، وهو فى الآخرة من الخاسرين.

ص: 403

وها هم أولاء جميعا- المؤمنون والكافرون- فى يوم الحساب، والجزاء، ولقاء ما وعد الله..

وها هم أولاء المؤمنون قد أنجز الله لهم وعده، وأدخلهم جنته، وها هم أولاء الكافرون، قد أخذهم الله بوعيده، فألقى بهم فى جهنّم..

وفى سؤال أهل الجنة أصحاب النّار هذا السؤال: «قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟» خرى لأصحاب النار، وتقريع لهم، وعذاب فوق العذاب الذي هم فيه..

وفى قوله تعالى على لسان أهل الجنة: «فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا» بلفظ الوعد مطلقا من غير ذكر الموعودين- إلفات لأهل النار إلى ما وعد الله المؤمنين به، من رضوان، وليحققوا ما تم فى هذا الموعد.. وإنه لنعيم عظيم، يراه أصحاب النار، ولا يدنون منه..

وفى جواب أصحاب النار بقولهم: «نعم» - يقولونها فى ذلة واستخزاء- فى هذا ما يكشف عن مضاعفة آلامهم وإذلالهم.. وإنهم ليقولون هذه الكلمة فى حشرجة أشبه بحشرجة الموت، من هول ما يلاقون من عذاب.

ثم ما يكادون ينطقون بهذا الجواب الذي يشهدون به على أنفسهم ويدينونها بما هم فيه من عذاب، حتى يقرع آذانهم هذا الصوت الذي يملأ الآفاق من حولهم:«أن لعنة الله على الظالمين» .. إنه صوت الوجود كله، يلعن الظالمين ويخزيهم، ويفضح ما كان منهم من كفر بالله، وصدّ عن سبيله:«الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ كافِرُونَ» لقد كانوا هكذا فى دنياهم، يصدّون أنفسهم ويصدّون الناس عن طريق الحق المستقيم، ويريدونها طريقا معوجّة، قائمة على الضلال، والبغي والعدوان.. إذ كانوا يكفرون بالآخرة، ولا يرجون لقاء الله.

ثانيا: بين أهل الجنة وأصحاب النّار حجاب، يعزل كل فريق عن

ص: 404

الآخر، عزلة، لا ينفذ منها شىء من نعيم الجنة، إلى أصحاب النار، كما لا ينفذ منها شىء من لفح جهنم، إلى أهل الجنة، ولكنهم- مع هذا- بمرأى ومسمع من بعض..

وبين الفريقين سور يشفّ عما وراءه وأمامه.. وعلى هذا السور رجال، ليسوا من أهل الجنة، ولا من أصحاب النار.. إنهم لم يتقرر مصيرهم بعد، إذ لم تكن سيئاتهم بالتي تدفع بهم إلى النار، ولم تكن حسناتهم بالتي تفتح لهم أبواب الجنة، فأوقفوا هكذا «على الأعراف» . والأعراف: ما ارتفع من الأمكنة، ومنه عرف الديك الذي هو أعلى شىء فيه، ومنه المعرفة بالشيء، حيث تكشفه، وتستولى على حقيقته..

وهؤلاء «الرجال» أشبه بالنظّارة الذين يشهدون موقفا بين فريقين متناقضين.. ينظرون إلى هؤلاء نظرة، وإلى هؤلاء نظرة أخرى، فيكون لهم فى ذلك حال من العجب والدهش، ومن المسرّة والغم، ومن الرجاء والخوف.. إنه نوع من العقاب الذي يمسّه لطف الله، وتحفّ به رحمته..

وليس يخفى على هؤلاء «الرجال» من هم أهل الجنة، ومن هم أصحاب النار، فلكلّ من الفريقين سمات ظاهرة تدل عليه، وتكشف عن حاله.. وشتّان بين وجوه يجرى عليها ماء النعيم، وتسفر فيها شموس الأمن والسلامة والرضا، وبين وجوه عليها غبرة ترهقها قترة.. قد كربها الكرب، واستولى عليها البلاء..

ومن هؤلاء الرجال، أو النظارة، تنطلق كلمات الإعجاب بتلك التحية الطيبة إلى أهل الجنة:«سلام عليكم» .. تماما كما يفعل النظارة على مسارح الحياة..

يحيّون الفائزين، ويرجمون المنهزمين!! وإذ يلتفت أهل الجنة إلى هذه الأصوات التي تجيئهم من بعيد، وإذ يرون أنها صادرة من أناس ليسوا من أهل النار، وليسوا كذلك من أهل الجنة-

ص: 405

إذ ذاك يتساءلون: ما بال هؤلاء القوم؟ وما شأنهم فى هذا الوضع؟ وإذا كانوا قد نجوا من عذاب جهنم، فلم لم يدخلوا الجنة مع من دخلوها؟.

وعلى هذه الأسئلة وأشباهها يجىء الجواب من قبل الحق سبحانه وتعالى:

«لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ» أي لم يدخل هؤلاء الجنة بعد، ولكنهم على طمع من دخولها، وعلى رجاء من رحمة الله بأن يصيروا إليها، ولن يخيّب الله رجاءهم فيه.. ولكن صبرا..

وثالثا: ما يكاد هؤلاء الرجال «النظارة» يرفعون أبصارهم عن أهل الجنة، ويلقون بها إلى أصحاب النّار، ليروا كيف يفعل الزمن بهم، وكيف تستمسك حياتهم وهم فى هذا البلاء- ما يكادون يلقون بهذه النظرة حتى تضطرب قلوبهم فزعا ورعبا، وحتى تنطلق ألسنتهم بهذا الصوت المكروب:«رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ! وفى قوله تعالى: «وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ» إشارة إلى أن هذه النظرة التي ألقوا بأبصارهم إليها نحو أصحاب النار، لم تكن إلا عن قهر وقسر، بداعي حبّ الاستطلاع، الكامن فى طبيعة الإنسان.. فهم قد صرفوا أبصارهم صرفا، وحوّلوها بقوة عن مكانها الذي كانت فيه، من النظر إلى أهل الجنة..

رابعا: وإذ يفزع رجال الأعراف- أو النظارة- إلى الله سبحانه، ألّا يجعلهم مع هؤلاء القوم الظالمين من أصحاب النار- إذ ذاك يذكرون أهل الجنة وما هم فيه من نعيم، وكيف كان استهزاء هؤلاء الظالمين بهم فى الدنيا، وأنهم لم يكونوا أهلا لكرامة الله، إذ لو كانوا أهلا لتلك الكرامة لما وضعهم بهذا الوضع الذليل من الحاجة والفقر والضعف.. هكذا كان المشركون والكافرون يلقون المؤمنين بمثل هذه المقولات- وعندئذ يسأل هؤلاء «النظارة» أصحاب النار فى سخرية واستهزاء، مشيرين لهم إلى أهل الجنة:

ص: 406

«أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ؟» انظروا كيف أورثهم الله جنات النعيم، وكيف ألقى بكم فى أفواه جهنم؟ «ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ» .

وخامسا: وفى كلب البلاء، وكظمة العذاب، يتلفت أصحاب النار إلى هؤلاء النظارة الذين يرشقونهم بسهام الاستهزاء والسخرية، ويفتحون عليهم هذه الأبواب المغلقة، من ذلك الماضي الأسود الذي كانوا فيه على طريق الشرك والضلال- وتحدثهم أنفسهم أن ينتقموا من هؤلاء الذين يهزءون بهم ويسخرون، وأن يجذبوهم إليهم ليكونوا معهم فى هذا البلاء، وليذوقوا ما يذوقون من عذاب السعير!! وما يكاد هذا الإحساس يجتمع فى كيانهم، ويتحول إلى رغبة متحركة تسعى إلى الغاية التي يريدونها، حتى يفجؤهم هذا الصوت السماوي المنطلق إلى هؤلاء النظارة، يحملهم فى سرعة خاطفة إلى الجنة، وقد فتحت لهم أبوابها، ومدت إليهم يد الرحمة من تلقائها، وإذا هم وقد أخلوا هذا المكان الذي كانوا فيه، وإذا هم فى جنات النعيم:«ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» ..

وإذن فكل الناس فى الجنة، إلا هؤلاء الظلمة.. حتى هؤلاء النظارة الذين كانوا على مشارف جهنم.. قد نجوا من هذا العذاب، وصاروا إلى جنات النعيم..

أما هم فباقون فى هذه الوحشة القاتلة، ومع هذا اليأس المطبق، ومع هذا العذاب الأليم..

وهكذا تتغاير صور العذاب، وتتنوع وجوهه وأشكاله.. كلما تجرع منه الظالمون كأسا، وكادوا يستمرئون مرارتها، سقوا كأسا أخرى غيرها، أمرّ مرارة وأشنع طعما.. وهكذا يتقلبون فى العذاب، على حين كما يتقلب أهل الجنة فى ألوان النعيم..

ص: 407

وسادسا: إذ يخلو الموقف إلا من أصحاب النار فى النار، وأهل الجنة فى الجنة، وإذ يصير أصحاب النار إلى هذا اليأس القاتل، بعد أن يخلى رجال الأعراف مواقفهم التي كانوا فيها- إذ ذاك لا يجد أصحاب النار إلا أهل الجنة، يشخصون إليهم بأبصارهم ويمدّون إليهم أيديهم، طالبين النجدة والغوث:«وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ» ! ..

هكذا تبدلت بهم الحال، وقد كانوا من قبل فى دنياهم بأنفون أن ينظروا إلى الناس إلا من آفاق عالية، حتى لكأنهم آلهة، والناس عبيد أذلاء لهم..

وها هم أولاء اليوم، يمدون أيديهم فى ذلة وانكسار إلى هؤلاء الذين كانوا عبيدا أو أشبه بالعبيد لهم، يطلبون شيئا من تلك الموائد الحافلة التي بين أيديهم.. «أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله!» ويجيئهم الجواب مفحما مخرسا موئسا..

«إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ..»

ولا يكاد هذا الجواب يبلغ أسماعهم، ويملأ قلوبهم يأسا، وهما وكمدا..

حتى يصادق على هذا الجواب من عند الله، فتجىء كلمات الله مكملة لهذا الحكم، مصدقة عليه، شارحة لأسبابه:«الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ» ..

وهكذا يدل الستار على هذا المشهد العظيم من مشاهد القيامة.. لقد انتهى الحساب وفضّت المحاكمة، ووقع الجزاء.. وصار أصحاب النار إلى دارهم التي أعدت لهم، يلقون فيها الويل والبلاء، وصار أهل الجنة إلى دارهم ينعمون فيها، بما أعد الله لهم من نعيم ورضوان مقيم..

والمشاهد لهذه المشاهد من خارج، يرى فى كلمات الله التي صورتها، ما لا يراه على مسرح الحياة، ولو أتيح لهذه المشاهد من أبرع المخرجين من يخرجها ويتخير لها كل ما فى الحياة من إمكانيات.. فى الممثلين وأدوات التمثيل!

ص: 408