الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
7- سورة الأعراف
نزولها: نزلت بمكة إجماعا..
عدد آياتها: مائتان وست آيات.
عدد كلماتها: ثلاثة آلاف وثلاث مئة وخمس وعشرون كلمة.
عدد حروفها: أربعة عشر ألف حرف وثلاثمائة وعشرة أحرف..
بسم الله الرحمن الرحيم
الآيتان (1- 2)[سورة الأعراف (7) : الآيات 1 الى 2]
بسم الله الرحمن الرحيم
المص (1) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2)
التفسير: «المص» .. ذكرنا فى أول سورة البقرة الأقوال التي قيلت فى تأويل الحروف التي بدئت بها بعض سورة القرآن الكريم.. وقلنا رأينا الذي ارتضيناه فيها، وأنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، والراسخون فى العلم، الذين آتاهم الله من فضله علما وحكمة.
قوله تعالى: «كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ» خبر لمحذوف دل عليه النظم، وتقديره:
هذا الكتاب.. أي هذا الكتاب.. كتاب أنزل إليك.
ويجوز أن يكون كتاب مبتدأ، وخبره قوله تعالى:«أُنْزِلَ إِلَيْكَ» ..
وفى تنكير الكتاب مبالغة فى التعريف به، وبأنه بذاته مستغن عن كل تعريف، وهذا هو الرأى الذي نميل إليه.
وفى إسناد الفعل للمفعول «أنزل إليك» بدلا من أنزلناه، أو أنزله الله
إليك- فى هذا توافق بين المبتدأ والخبر، من حيث التنكير والتجهيل، اللذان هما- فى تنكيرهما وتجهيلهما- أعرف وأظهر من كل معروف ومن كل ظاهر..
«كتاب أنزل إليك» أيها النبىّ، فلا تتلّبث فى شأنه، ولا تقف لتقول:
ما هذا الكتاب؟ ومن أين جاء؟ .. هو كتاب أنزل إليك وكفى! إنه واضح الدلالة، بيّن القصد.. فى كل كلمة من كلماته، وفى كل آية من آياته، شاهد يشهد له، ويشير إلى متنزّله.. «فلا يكن فى صدرك حرج منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين» أي إذا كان هذا الكتاب الذي أنزل إليك على ما ترى من هذا السلطان الذي له، ومن هذا الإعجاز الذي بين يديه، فلا يكن فى صدرك ضيق، أو خشية من لقاء المشركين به، ودعوتهم إليه، وكشف ما يكشف من ضلالاتهم، وسفاهاتهم، ولو ساءهم ذلك فى أنفسهم وفى آلهتهم.. فإنه الحقّ الذي تصدم به الباطل، وإنه النور الذي تجلى به غياهب الشرك والضلال..
فيا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك.. ولا يكن فى صدرك حرج مما يسوء قومك من هذا الحق الذي تكشفه لهم.. لتنذر به المشركين منهم، وتذكّر به المؤمنين الذين اتبعوك..
ولقد كان النبىّ الكريم- صلوات الله وسلامه عليه- كريما مع قومه، محبا لهم، حريصا على أن يلقاهم- كما اعتادوا منه- بالمودة والإحسان.. فلما أكرمه الله بالرسالة، ليحرر قومه من ضلالاتهم، ويجلو العمى عن أبصارهم، بدأ يتلمس طريقه إليهم فى رفق وحذر، حرصا على ألا تنقطع بينه وبينهم وشائج القربى، وصلات المودة.. ولكن سفهاء قومه لم يستقبلوه بالحسنى، بل علا صراخهم فى وجهه، وتطاولت ألسنتهم بقول السوء فيه، ثم سعوا إليه بالأذى المادي، حتى لقد همّوا بقتله.. وهو- مع هذا- حريص على أن يمسك قومه على هذا الخير الذي بين يديه، وأن يفيض عليهم منه، ثم هو من جهة مطالب
بأن يجهر بدعوته، وأن يملأ بها أسماع الدنيا، ولو تقطعت بينه وبين أهله الأسباب.
ومن أجل هذا كان صلوات الله وسلامه عليه واقعا فى هذا الحرج، أول الأمر من دعوته، يريد أن يجعل من الزمن جزءا من العلاج، لحلّ هذه العقد التي بينه وبين قومه.. ولهذا كانت آيات الله تتنزل عليه كلما ألمت به حال من تلك الأحوال، التي تدعوه إلى أن يتلبث ويستأنى: فتجىء تلك الآيات لتقطع عليه هذا الشعور الذي يطرقه، ولتدفع به إلى ملاقاة المشركين لقاء مواجها متحديا:
«فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ» (94: الحجر)
…
«يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ» (67: المائدة) .
وقد صدع النبىّ بأمر ربه، وواجه قومه مواجهة صريحة بكل ما أوحى إليه من ربه، غير ملتفت إلى ما يصيبه من ضر وأذى، وغير عابىء بما ينكشف عنه الحال بينه وبين أهله، ولو كانت الحرب وكان القتال، والقتل.. وقد كانت الحرب، وكان القتال والقتل! ومع هذا فقد ظلّ النبىّ الكريم- فيما يتصل بخاصة نفسه- على ما عوّد قومه، وما اعتاد الناس منه.. لا يمس شعور أحد من أصحابه، ولا يجرح حياء أحد من معاشريه ومخالطيه، إلا أن يجار على حق من حقوق الله، أو تنتهك حرمة من حرماته، فإن حق الله فوق كل شىء، وحرمته فوق كل حرمة..
كان بيت الرسول- صلوات الله وسلامه عليه- مجمع صحابته وملتقى المسلمين من كل أفق.. يجلسون إليه فيطيلون الجلوس، فى ظل هذا النور الهادي، وفى محضر هذا الخير العميم، ويطرقون بيته فى أيّة ساعة من ساعات
الليل أو النهار.. يستخبرون ويخبرون، ويقولون ويقال لهم، غير مقدّرين حاجة الرسول- كإنسان- إلى أن يسكن إلى بيت، أو يفىء إلى راحة.. وكان من هذا أن تولىّ الله سبحانه وتعالى التخفيف عن النبىّ من هذا الحمل الذي ينوء به، ولا يجد من نفسه القدرة على أن يواجه أحدا بكلمة تردّه عن بيته، أو تنزعه من مجلسه.. وفى هذا يقول الله تعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ» (53: الأحزاب) .
ويقول سبحانه فيما أدب به المؤمنين فى حديثهم مع الرسول: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ» .. لقد قالتها السماء، ولم يقلها الرسول الكريم.. هكذا كان الرسول مع الناس- فى خاصة نفسه- يحتمل الجهل والسفه من الجاهلين والسفهاء.. وعلى هذا يفهم الحديث الشريف:
«إنا لنهشّ فى وجوه قوم وقلوبنا تلعنهم» ففى هذا الأدب النبوي دعوة إلى مداراة الناس، وعدم مجابهتهم بما نكره منهم، فإن فى هذا تأليفا بين القلوب وتواصلا بين الناس، ولو أننا لقينا الناس أو لقينا الناس بما نكره منهم وما يكرهون منّا لما التقى إنسان بإنسان إلا على عداوة وبغضاء، ثم مشاحنة وخصام..
وفرق بين هذا الموقف وموقف الملق والريا، الذي يتخذ منه صاحبه وسيلة للخداع والتمويه، بتزييف الحقائق، وطمس معالم الأمور.. أما هذا الموقف فلا يعدو أن يكون صورة كريمة من صور دفع السيئة بالحسنة، مع ما يصحب ذلك من كظم الغيظ، ودفن الألم.. وأما اللعنة التي يشير إليها الرسول الكريم فى قوله:«وقلوبنا تلعنهم» فهى كناية عن هذا الغيظ المكظوم،