الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تقديم الأستاذ الدكتور: أنور السنوسي
رئيس قسم اللغة العربية بكلية التربية بدمنهور
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله ـ وحده لا شريك له ـ وأن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلِّمْ وبارك عليه كما تحب أن يصلى عليه، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
…
وبعد
فإن {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ} (1)، وعدنا ربُّنا وعدَ الحق:
…
{وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ} (2) بالسنان واللسان، وهاهم أولاء يفعلون دائبين لا يفتُرون، ووعدنا ربنا وعد الصدق:{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} (3).
وهاهم أولاء يؤذون الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنين بألسنة حدادٍ، وقلوبٍ سُودٍ، وغيظٍ قاتلٍ، وحقدٍ أعمى، ونفوسٍ موتورة، وكلابٍ مسعورة، وأقلامٍ مأجورة، وأخبرنا ربنا عز وجل بالخبر الموثوق:{هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ} (4) فترانا
(1) الأحزاب:22.
(2)
البقرة:217.
(3)
آل عمران:186.
(4)
آل عمران:119.
نوادّهم ونتزلف ونتملق ونطلب الرضا والقبول، ولا يُلقون إلينا إلا بالبغضاء والاحتقار والاستنزاف وابتزاز المزيد من الصَّغار وإعطاء الدنية.
{وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} (1) إلا على المسلمين وكتابِهم ونبيِّهم، ورموزهم، وتاريخهم؛ فتتحد قلوبهم على شنآنهم، وتتحد ألسنتهم فيقولون ـ وصدق ربي ـ:{لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى} (2)، ويتعاون على ضرب الإسلام أحبارُهم ورهبانُهم ومستشرقوهم، واستعمارهم، وصهاينتهم، ومجامعهم، ونواديهم، وكل جند لهم.
ويشاركهم أصحاب الأعراق من الفرس وغيرهم، من الذين يبغضون العرب والنبي العربي صلى الله عليه وآله وسلم، ويواليهم المحسوبون على الإسلام من كل فرقة ضالة فيقولون للذين كفروا ـ وصدق ربي ـ:{هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا} (3)، ويرونهم أقرب إليهم من أهل السنة، فـ {يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ} (4).
ويتسلق على بنيانهم الآثم نباتُ العلمانيين الآكلين على موائد اللئام، المتسولين أجر الكفر، الطالبين وجاهة أبي لهب وامرأته، تبت يداهم من رجال سوء وناءت بحملها من طابورهم كل حمالة للحطب.
ويعينهم (طيبون) من مثقفي المسلمين من حيث لا يدرون أن السم في الدسم، وأمةٌ غلب عليها الجهل بدينها وسلفها وتاريخها، وصدق ربي:{وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} (5).
(1) الحشر:14.
(2)
البقرة:111.
(3)
النساء:51.
(4)
الحشر:11.
(5)
التوبة:47.
صدق ربي وعده وتكالبوا جميعًا، وصدق رسوله فتداعوا جميعًا على قصعة الإسلام وثروات المسلمين، يريدون أن يطفئوا نور الله، فتعجز أفواههم العفنة، فيدورون ويناورون، فيرمون الرجال، وخيرهم نبي هذا الدين صلى الله عليه وآله وسلم، فيرومون نسف الجبل الأشم فلا يُوهُون إلا قرونهم، فيقصدون أصحابه، لينالوا من صخرتهم الباذخة (1)، ليقال:«رجل سوء وصحبته صحبة سوء» ، فتتحطم رؤوسهم، وتنفجر آذانهم بدويّ الحق من ربهم:{وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (2)، وصحبة الصدق في قرآنهم:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29)} (3).
ولكنهم لا يزالون يقاتلون، فيرمون أبا بكر وعمر وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم، وهاهم أولاء يقصدون معاوية رضي الله عنه، يريدون كما أراد أسلافهم أن يكسبوا جولة في معركة التشويه، ويريدون ما هو أخطر: أن يفسخوا وجدان الأمة؛ لتفرق في محبتها بين معاوية وعلي رضي الله عنهما، وأن يُفقدوها ثقتها في خلفائها وملوكها، وفاتحيها ومجاهديها، الذين أذلوا الفرس والروم من قبل، ولا يزالون بفضل الله شوكة في حلوق أحفادهم
(1) بَذِخَ الْجَبَلُ يَبْذَخُ بَذَخًا: طَالَ فَهُوَ بَاذِخٌ. انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، مادة (ب ذ خ).
(2)
التوبة:100.
(3)
الفتح:29.
الموتورين.
وهم يستغلون جهل الأمة، وفساد منهج التلقي عندها، وبعدها عن القراءة الصحيحة لتراثها، وإعجاب كل ذي رأي فيها برأيه، وانبهار عقول كثير منها بالغرب وفكره المسموم.
ولكن الله غالب على أمره يقيّض في كل عصر ومَصر ـ من أهل السنة الراشدين، والعلماء العاملين، والدعاة الحارسين للحدود ـ مَن يردّ الحملة المسعورة فينفي الجهالة، ويكشف الضلالة، ويبيِّن المنهج السويّ بالفهم الجلي والنقل السلفي.
وأحسب أن من بين طالبي هذه المنزلة السامية والهمة العالية أخانا الشيخ شحاتة صقر الذي ندبني لمراجعة هذا البحث لُغَويًا، فأهدى إليَّ خير ما يهدي الأخ لأخيه، من العلم النافع المجموع من مظانه الحسنى الوثيقة، والمفهوم فهمًا صحيحًا راسخًا، كما أشركني وأشْرك كل قارئٍ في همّه، وما همُّه إلا قضايا الإسلام والهجمة الشرسة عليه.
لقد جلّى دواعي الشانئين للطعن في الصحابة رضي الله عنهم، نقلة الدين، ووارثي العلم، ومؤسسي الدولة المسلمة، ومجسدي نموذج الإسلام المتحرك الفاعل، ومخرجي الناس ـ بمشيئة الله ـ من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد.
كما بيَّن وسائل تشويه التاريخ وأمسك بالأيدي الآثمة الدساسة، وأرشد إلى كيفية قراءة التاريخ على هدى وبصيرة نافذة، ومنهج رشيد، لا يغادر سندًا إلا حققه، ولا متنًا إلا دققه، ولا دعوى إلا محصها، ولا فهمًا إلا راجعه.
ونبَّه على أن موقف السلف مما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، هو الإمساك عن الخوض فيه، واعتقاد الخير في جميعهم، والتماس العذر لهم في اجتهادهم.
ثم فرغ لشخص معاوية رضي الله عنه، فتحدث عن شخصه الكريم الفذ وعن أبويه وإخوته وابنه يزيد، وعن كتابته الوحي للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ونبوءات النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، وما جرى بينه وبين علي رضي الله عنهما، وما كان من التحكيم وما تلاه، ثم موقف الحسن بن علي بعد أبيه
- رضي الله عنهما، وما كان من ملك معاوية رضي الله عنه وجهاده وفتوحه.
ثم عكف على شبهات الشيعة حول معاوية التي بلغت ـ فيما عدّه المؤلف ـ خمسًا وثلاثين شبهةً، واجتهد ما أمكنه في دحضها.
وأظن أن الأخ شحاتة صقر قد أحسن الجمع والترتيب، والاستنباط والنقد، وأرجو أن يكون له أجور المصيبين، ودرجات المرابطين على ثغور هذا الدين، وأن يرزقنا وإياه الإخلاص، ويعفو عن زلاتنا وخطراتنا. والله حسبنا ونعم الوكيل.
كتبه: أنور السنوسي.