الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحاديث لا تصح في شأن معاوية رضي الله عنه مدحًا وذمًا
قال ابن خلدون: «وكثيرا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل، غثا أو سمينا» (1).
وقد طفحت كتب الأخباريين والتواريخ بأخبارٍ عن معاوية، وجُلها مقاطيع ومراسيل، وهي ضعيفة، فهذا أكثر مَن نقل أخبار معاوية، وهو البلاذري يقول:«قال لي هشام بن عمار: «نظرتُ في أحاديث معاوية عندكم فوجدتُ أكثرها مصنوعا .. » ، وذكر أحدها (2).
ناهيك عن مصادر الأخبار غير الموثوقة أصلًا، كتواريخ الضعفاء المتروكين؛ أمثال أبي مخنف لوط بن يحيى الكوفي، والكلبي، والواقدي، والعباس بن بكار، أو كتب الشيعة مثل كتابَي (الأغاني) و (مقاتل الطالبيين) لأبي الفَرَج الأصفهاني، وكتب المسعودي (3) وابن أبي الحديد، أو الكتب الموضوعة المنحولة: كالإمامة والسياسة، وتاريخ اليعقوبي، وكتاب السقيفة المنسوب للجوهري، أو الكتب غير المُسندة، أو غير المختصة: كـ (العقد الفريد)، فضلا عن كتابات أمثال طه حسين وخالد محمد خالد!
وبمثل هذه الأخبار يتعلق أعداء معاوية رضي الله عنه، وقد شاء الله أن يرفع درجات معاوية بكثرة من يسبُّه من الرافضة ومَن لا خَلاق له، وقد قام أولئك بوضع الكثير من الحكايات التي تطعن فيه، بل وصل الأمر إلى وضع أحاديث في ثَلْبه رضي الله عنه، ولا يُستغرب ذلك من أكذب الناس، وهم الرافضة.
(1) المقدمة (1/ 13).
(2)
أنساب الأشراف (4/ 19 - 317) تحقيق العظم.
(3)
طُبعت رسالة جامعية من إعداد إبراهيم بن يوسف الأقصم، بعنوان:«الدولة الأموية في كتابات المسعودي» ، خلص فيها إلى أن المسعودي يمثل وجهة نظر الخصم الشيعي في كتابة العهد الأموي، وأنه لم يكن حياديًا ولا موضوعيًا ولا منصفًا، وأنه وقع في تناقضات عديدة، وأورد خرافات وموضوعات.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك ما أورده الطبري (5/ 323) وغيره أن معاوية لما أوصى إلى ابنه يزيد قال له: «إني لا أتخوّف أن ينازعك هذا الأمر الذى أسَّسْتَه إلا أربعة نفر: الحسين بن على، وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير، وعبد الرحمن بن أبى بكر، فأما ابن عمر فهو رجل ثقة قد وقدته العبادة وإذا لم يبق أحد غيره بايعك.
وأما الحسين فإن أهل العراق خلفه لا يدعونه حتى يخرجوه عليك؛ فإن خرج فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحمًا ماسة وحقًّا عظيمًا.
وأما ابن أبى بكر فهو رجل إن رأى أصحابه صنعوا شيئًا صنع مثله ليست له همة إلا النساء واللهو.
وأما الذى يجثم لك جثوم الأسد ويراوغك روغان الثعلب وإذا أمكنته فرصة وثب فذاك ابن الزبير؛ فإن هو فعلها بك فقدرت عليه فقطّعه إربًا إربًا».
وهذا الأثر باطل، في سند الطبري أبومخنف، وهو أخباري تالف، ثم إن متنه منكر، وفي سياقه ما يُكذبه، قال ابن كثير:«كذا قال! والصحيح أن عبد الرحمن [أي ابن أبي بكر] كان قد توفى قبل موت معاوية» ، ثم أشار راويه عن أبي مخنف إلى مخالفته (1).
فإذا كان أحاديثٌ وأخبارٌ قد وُضعت لها أسانيد تطعن في الصحابي الجليل معاوية، فكيف بالحكايات التي لا سند لها أصلا؟
ولا شك أن تاريخ معاوية خاصة، وخلفاء بني أُمَيَّة عامة، قد أصابه ظُلمٌ عظيم من قِبَل أعدائه المختلفين ـ سياسيين وعقائديين ـ وعلى الباحثين من أهل السنة الاجتهادُ في تخليص الأكاذيب عن ذلك العهد ـ بل القرن المفضّل ـ وتجلية واقعه عبر المنهج الحديثي العلمي.
قال المؤرخ محمود شاكر رحمه الله: «إن هذه الافتراءات على بني أمية ليس لها سند صحيح، ومعظمها مجهول المصدر، الأمر الذي يدل على كذبها، وبهذا لا يمكن الاعتماد عليها أبدًا، وإذا أخذنا بمنهج الحديث في الجرح والتعديل، وهو أفضل منهج
(1) انظر: البداية والنهاية (8/ 123).
للوصول إلى صحة الخبر، فإننا سنطرح هذه الروايات كلها التي تقوَّلت على بني أمية» (1).
تنبيه: الأحاديث التي رُويت في ذم بني أمية مطلقا لا يصح منها شيء ألبتة، ويكفي للدلالة على بطلانها أنها تشمل عثمان بن عفان: ثالث الأمة فضلا ومنزلة، وأم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وغيرهما من الصحابة الأجلاء، ومَن بعدَهم، كعمر بن عبد العزيز، مع ما حصل من التصاهر بين الأمويين والهاشميين وغيرهم، مع قرابتهم أصلًا.
فهذه الأحاديث من وضع أعداء الأمويين السياسيين والعقائديين.
قال ابن الجوزي رحمه الله: «قد تعصب قوم ممن يدَّعي السنة فوضعوا في فضله (2) أحاديثَ ليغضبوا الرافضة، وتعصب قوم من الرافضة فوضعوا في ذمه أحاديث، وكلا الفريقين على الخطأ القبيح» (3).
أولا: من الأحاديث التي لا تصح في ذم معاوية رضي الله عنه:
وقد نص الإمام ابن القيم على أنه لا يصح حديث في ذم معاوية رضي الله عنه (4).
1 -
2 -
عن أبى برزة قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمع صوت غناء فقال انظروا ما هذا؟ فصعدتُ فنظرتُ فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان فجئتُ فأخبرتُ نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: «اللهم اركسهما في الفتنة ركسًا، اللهم دُعَّهُمَا إلى النار دعًّا» . (هذا حديث لا يصح).
(1) انظر: مقدمته القيّمة للمجلد الرابع من (التاريخ الإسلامي ص46).
(2)
أي معاوية رضي الله عنه.
(3)
الموضوعات (2/ 15).
(4)
المنار المنيف في الصحيح والضعيف (ص 94).
4 -
«لكل أمة فرعون وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفيان» (موضوع).
ثانيًا: من الأحاديث التي لا تصح في مدح معاوية رضي الله عنه (1):
1 -
«كاد معاوية أن يبعث نبيًا من حلمه وائتمانه على كلام ربي» . (موضوع)
2 ـ وعن أبي موسى: نزل عليه الوحي، فلما سُرِّي عنه، طلب معاوية، فلما كتبها ـ يعني آية الكرسي. قال:«غفر الله لك يا معاوية ما تقدم إلى يوم القيامة» . (موضوع).
3 ـ وعن أنس: هبط جبريل بقلم من ذهب، فقال يا محمد:«إن العليَّ الأعلى يقول: قد أهديتُ هذا القلم من فوق عرشي إلى معاوية، فمره أن يكتب آية الكرسي به ويشكله ويعجمه» ، فذكر خبرًا طويلًا. (موضوع).
4 ـ وعن ابن عباس، قال: لما أنزلت آية الكرسي، دعا معاوية فلم يجد قلمًا، وذلك أن الله أمر جبريل أن يأخذ الأقلام من دواته، فقام ليجيء بقلم، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم:«خذ القلم من أذنك، فإذا قلم ذهب مكتوب عليه لا إله إلا الله، هدية من الله إلى أمينه معاوية» . (موضوع).
5 ـ «يبعث معاوية يوم القيامة وعليه رداء من نور» . (موضوع).
6 -
7 -
«يا معاوية، أنت مني وأنا منك، لتزاحمنِّي على باب الجنة» . (موضوع).
8 -
«الأمناء سبعة اللوح والقلم وإسرافيل وميكائيل وجبرائيل ومحمد ومعاوية بن أبي سفيان» (موضوع).
(1) لو كان أهل السنة كهؤلاء الشيعة الذين لا يفرقون بين صحيح وضعيف وموضوع لتركوا التنبيه على ضَعْف هذه الأحاديث ولَعُدَّتْ من مناقب معاوية رضي الله عنه، ولكن أهل السنة لهم منهج فريد في نقد النصوص وتمحيصها لا يعرف المجاملة ولا المحاباة، قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره:«أهل العلم يكتبون ما لهم وما عليهم، وأهل الأهواء لا يكتبون إلا ما لهم» .