الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الرابعة والعشرون
هل معاوية رضي الله عنه ذمه كثير من المهاجرين
والأنصار من البدريين وغيرهم رضي الله عنهم
-؟!!
أما ذم معاوية رضي الله عنه على ألسنة كثير من المهاجرين والأنصار فهذا كذب محض! فعمر رضي الله عنه المحدث الملهم مدحه وأثنى عليه وولاه الشام مدة خلافته وكذلك عثمان رضي الله عنه، وناهيك بهذه منقبة عظيمة من مناقب معاوية رضي الله عنه فلم يَشْكُ أحد منه ، ولا اتهمه بجور ولا مظلمة مدة ولايته (1).
أما قول من قال: «ثبت ذمه على ألسنة كثير من المهاجرين والأنصار» ، فلم يُورِدْ ولا إسنادًا واحدًا صحيحًا:
أولا: أثر علي رضي الله عنه لما طلبوا منه أن يبقي معاوية على الشام فتلا الآية الكريمة: {وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا (51)} (الكهف:51)، رواه ابن عساكر في (تاريخ دمشق 59/ 127)، وفي سنده نصر بن مزاحم رافضي كذاب.
ثانيًا: عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال: شهد خزيمة بن ثابت الجمل وهو لا يسلُّ سيفًا وشهد صِفِّين، وقال أنا لا أقتل أحدًا حتى يُقتَل عمار فأنظر مَن يقتله فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:«تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ» .
قال: فلما قتل عمار بن ياسر، قال خزيمة:«قد بان لي الضلالة» ، واقترب فقاتل حتى قتل» (2).
(1) انظر الاستيعاب (699)، السير (3/ 132)، منهاج السنة (4/ 369)، البداية والنهاية (8/ 18).
(2)
رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (3/ 259)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (16/ 370).
وهذا الأثر لا يصح؛ في سنده محمد بن عمر الواقدي الكذاب، كان يضع الحديث.
ثالثًا: حديث عبادة بن الصامت مرفوعًا «سيلي أموركم بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى، فلا تعتلوا بربكم» ، قال عبادة:«والله إن معاوية لمن أولئك» .
تقدم في جواب الشبهة التاسعة عشرة أن هذا الحديث لا يصح، وقد رواه الإمام أحمد بدون ذكر معاوية رضي الله عنه، ورواه الحاكم كذلك ولكن ذكر فيه قول عبادة:«فو الذي نفسي بيده إن معاوية من أولئك» .
وهذا الحديث قد ضعفه الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة والموضوعة (3/ 528) وضعفه الشيخ شعيب الأرنؤوط في تحقيقه للمسند.
وعلى فرض صحة الحديث فهذا اجتهاد من عبادة بن الصامت رضي الله عنه في حمله الحديث على معاوية رضي الله عنه ، فعمر وعثمان رضي الله عنهما جعلا معاوية واليًا على الشام ولم يتهماه مدة ولايته، وأدرك جمع من الصحابة وكبار التابعين ملك معاوية ، ولم ينزعوا يدًا من طاعة رضي الله عنهم أجمعين.
رابعًا: هل كفّر أبو بكرة معاوية رضي الله عنهما؟!
روى ابن عساكر عن هوذة بن خليفة عن عوف عن أبي عثمان النهدي قال: «كنت خليلا لأبي بكرة فقال لي يوما: «أترى الناس إني إنما عتبت على هؤلاء في الدنيا، وقد استعملوا عبيد الله ـ يعني ابنه ـ على فارس، واستعملوا روادًا ـ يعني ابنه ـ على دار الرزق، واستعملوا عبد الرحمن ـ يعني ابنه ـ على الديوان وبيت المال، أفليس في هؤلاء دنيا؟ كلا، والله إنما عتبتُ عليهم لأنهم كفروا ـ فذكر كلمة وكان في نسخة أخرى ـ كفروا صراحة أو صراحًا» » (1).
الجواب:
(1) تاريخ دمشق (62/ 217).
أولًا: بعض رواة هذا الأثر لم أجد من ترجم لهم.
ثانيًا: هذا الأثر رواه هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ عن عوف بن أبى جميلة العبدى الهجرى وقد نقل الذهبي والمزي عن أَحْمَدُ بنُ زُهَيْرٍ: قَوْلَ يَحْيَى بن معين: «هَوْذَةُ بنُ خَلِيْفَةَ، عَنْ عَوْفٍ ضَعِيْفٌ» .
ونقلا عن أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ مُحْرِزٍ، عَنْ يَحْيَى بن معين أيضًا قوله في هَوْذَةَ:«لَمْ يَكُنْ بِالمَحْمُوْدِ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِهَذِهِ الأَحَادِيْثِ كَمَا جَاءَ بِهَا، وَكَانَ أُطْرُوشًا» (1).
ثالثًا: على فرض صحة هذا الأثر ـ وقد تبيَّن ما فيه ـ يجاب عنه بأن هذا ليس صريحًا في أن أبا بكرة قاله في حق معاوية رضي الله عنهما؛ فليس لمعاوية رضي الله عنه ذِكْر في هذا الأثر، بل إنه يتكلم عن (هؤلاء) ومن زعم أن المقصود بـ (هؤلاء) معاوية فليأتنا بالدليل.
رابعًا: على فرض أن أبا بكرة قال هذا في حق معاوية رضي الله عنهما فلماذا اعتزل أبو بكرة الفتنة ولم يقاتِلْه وهو يرى كُفْرَه؟! ولماذا لم يقاتل مع علي رضي الله عنه؟!
عَنْ الْحَسَنِ عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ:«أَيْنَ تُرِيدُ؟» .
قُلْتُ: «أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ» .
فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا الْقَاتِلُ؛ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟» .
قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» (رواه البخاري).
ورواه مسلم عَنْ الْأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: «خَرَجْتُ وَأَنَا أُرِيدُ هَذَا الرَّجُلَ فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ، فَقَالَ: «أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَحْنَفُ؟» .
قَالَ: قُلْتُ: «أُرِيدُ نَصْرَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم» ـ يَعْنِي عَلِيًّا ـ.
قَالَ: فَقَالَ لِي: «يَا أَحْنَفُ، ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «إِذَا تَوَاجَهَ
(1) سير أعلام النبلاء (19/ 104)، تهذيب الكمال (30/ 323) والأُطْروشُ: الأصَمُّ.
الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا؛ فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ».
قَالَ: فَقُلْتُ أَوْ قِيلَ: «يَا رَسُولَ اللهِ، هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟» .
قَالَ: «إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ» .
واستدلال أبي بكرة رضي الله عنه بهذا الحديث يدل على عدم تكفيره لمعاوية حيث يعتبره وعليًا رضي الله عنهما ومن معهما من المسلمين.
خامسًا: هل خفي على أبي بكرة رضي الله عنه أنه روى ثناء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على الحسن رضي الله عنه في حقنه لدماء المسلمين وتنازله عن الملك لمعاوية، فعن أَبي بَكْرَةَ رضي الله عنه قال:«رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ وَالْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ إِلَى جَنْبِهِ وَهُوَ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ مَرَّةً وَعَلَيْهِ أُخْرَى، وَيَقُولُ: «إِنَّ ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ» (رواه البخاري).
فهل يعقل بعد ذلك أن يكفِّر معاوية؟!!
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «فَلَمَّا أَثْنَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عَلَى الْحَسَنِ بِالْإِصْلَاحِ وَتَرْكِ الْقِتَالِ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْإِصْلَاحَ بَيْنَ تِلْكَ الطَّائِفَتَيْنِ كَانَ أَحَبَّ إلَى اللهِ تَعَالَى مِنْ فِعْلِهِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الِاقْتِتَالَ لَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ.
وَلَوْ كَانَ مُعَاوِيَةُ كَافِرًا لَمْ تَكُنْ تَوْلِيَةُ كَافِرٍ وَتَسْلِيمُ الْأَمْرِ إلَيْهِ مِمَّا يُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ؛ بَلْ دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا مُؤْمِنِينَ؛ كَمَا كَانَ الْحَسَنُ وَأَصْحَابُهُ مُؤْمِنِينَ؛ وَأَنَّ الَّذِي فَعَلَهُ الْحَسَنُ كَانَ مَحْمُودًا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى مَحْبُوبًا مُرْضِيًا لَهُ وَلِرَسُولِهِ صلى الله عليه وآله وسلم» (1).
(1) مجموع الفتاوى (4/ 467).