الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وصلت رحمًا يا أمير المؤمنين.
وكتب أبو سفيان لمعاوية ينصحه في بداية عمله هذا فمما قال: «يا بني إن هؤلاء الرهط من المهاجرين سبقونا وتأخرنا، فرفَعَهم سَبْقُهم وقدمهم عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وقصر بنا تأخيرنا، فصاروا قادة وسادة، وصرنا أتباعًا، وقد ولَّوك جسيمًا من أمورهم فلا تخالفهم، فإنك تجري إلى أمد فنافس، فإن بلغته أورثته عقبك» .
ففي هذه الرواية طعن في أبي سفيان رضي الله عنه حيث يظهره بمظهر الحريص على الزعامة وأن حزنه لتأخره في الإسلام كان من أجل الدنيا، وأنه يحث ابنه على المنافسة في هذه الزعامة، وتحريضه على توريث الحكم.
7 - وقال هذا الغيور أيضًا ما يلي:
«كان عمر رضي الله عنه ـ وهو الخبير بمعادن الرجال ـ يدرك أكثر من غيره ما يتمتع به معاوية من صفات تؤهله للقيادة، فحين قدم عمر الشام وافاه معاوية بموكب عظيم أنكره عليه عمر فقال: أنت صاحب الموكب العظيم؟
قال: نعم.
قال: مع ما بلغني عنك من طول وقوف ذوي الحاجات ببابك.
قال: هو ما بلغك من ذلك.
قال: ولم تفعل هذا؟ لقد هممت أن آمرك بالمشي حافيًا إلى بلاد الحجاز.
قال: يا أمير المؤمنين إنا بأرض جواسيس العدو فيها كثيرة، فيجب أن تظهر من عز السلطان ما يكون فيه عز للإسلام وأهله ويرهبهم فإن أمرتني فعلت، وإن نهيتني انتهيت.
فقال له عمر: ما سألتك عن شيء إلا تركتني في مثل رواجب الضرس (1)، لئن كان ما قلت حقًا، إنه لرأي أريب، ولئن كان باطلًا إنه لخديعة أديب.
قال: فمرني يا أمير المؤمنين.
قال: لا آمرك ولا أنهاك.
فقال رجل: يا أمير المؤمنين، ما أحسن ما صدر الفتى عما أوردته فيه.
فقال عمر: لحسن مصادره وموارده جَشَّمناه ما جَشَّمناه.
وكان عمر رضي الله عنه يتعهد معاوية بالتربية والوعظ والنصح، وأحيانًا يشتد ويغلظ عليه، فعن أسلم مولى عمر رضي الله عنه قال: قدم علينا معاوية وهو أبيض أو أبضُّ الناس وأجملهم، فخرج إلى الحج مع عمر، فكان عمر ينظر إليه، فيعجب له، ثم يضع أُصبُعَه على متنه ثم يرفعها عن مثل الشِّراك، فيقول: بَخٍ بَخٍ، نحن إذا خير الناس، أن جمع لنا خير الدنيا والآخرة.
فقال معاوية: «يا أمير المؤمنين، سأحدثك، إنّا بأرض الحمّامات والريف» .
فقال عمر: «سأحدثك ما بك إلطافك نفسك بأطيب الطعام وتصبحك حتى تضرب الشمس متنيك وذوو الحاجات وراء الباب» .
قال: فلما جئنا ذا طوى أخرج معاوية حُلة فلبسها، فوجد عمر منها ريحًا كأنه ريح طيب، فقال: يعمد أحدكم حاجًّا تَفِلًا، حتى إذا جاء أعظم بُلدان الله حرمة أخرج ثوبيه كأنهما كانا في الطيب فلبسهما.
فقال معاوية: إنما لبستهما لأدْخل فيهما على عشيرتي أو قومي، والله لقد بلغني أذاك ههنا وبالشام، والله يعلم إني لقد عرفتُ الحياء فيه.
ثم نزع معاوية ثوبيه، ولبس ثوبيه اللذين أحرم فيهما.
وقال عمرو بن يحي بن سعيد الأموي، عن جَدِّه قال: دخل معاوية على عمر وعليه حُلَّةٌ خضراء فنظر إليها الصّحابة، فلما رأى ذلك عمر وثب إليه بالدِّرَّة (2)، فجعل يضربه بها، وجعل معاوية يقول: يا أمير المؤمنين، اللهَ اللهَ فيَّ.
فرجع عمر إلى مجلسه، فقال له القوم: لم ضَرَبْتَه يا أمير المؤمنين وما في قومِك مثله؟
(1) الرواجب: جمع راجبة: وهي ما بين عقد الأصابع من داخل أي: أضيق ما يكون.
(2)
الدِّرَّة: السوط.
فقال: والله ما رأيت إلا خيرًا وما بلغني إلا خيرٌ، ولكنِّي رأيته وأشار بيده (1) ـ فأحببت أن أضع منه».اهـ.
هذا الكلام يشير إلى شدة مراقبة عمر رضي الله عنه لولاته واستدل بها هذا الغيور ـ حفظه الله ـ على ثقة عمر بمعاوية رضي الله عنهما واهتمامه بنصحه ولكن:
هل كان معاوية رضي الله عنه مشغولًا عن رعيته بالطعام والشراب، وهل يعقل ألا يثق عمر في كلام معاوية رضي الله عنهما فيقول له:«لئن كان ما قلت حقًا، إنه لرأي أريب، ولئن كان باطلًا إنه لخديعة أديب» ؟.
وما هو أذى عمر الذي بلغ معاوية في مكة والشام.
وهل يُعقل أن يعاقب عمر رضي الله عنه والِيَه الذي يثق به بأن يضربه بالدِّرة أمام الناس ويهمّ بأن يأمره بالمشي حافيًا إلى بلاد الحجاز؟
وما الجريمة التي اقترفها معاوية حتى يضربه عمر بالدِّرة.
وفي القصة اتهام لمعاوية بالتكبر أو الخيلاء أمام خليفة المسلمين.
وهل اطلع عمر على ما في قلب معاوية فعلم فيه الغرور أو الكبر فأحب أن يضع منه.
وماذا على عمر لو عزله وولى مكانه من هو أصلح وأنفع للمسلمين منه.
(1) يعني: أشار بيده إلى فوق.