الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حقيقة ما حدث بين علي ومعاوية رضي الله عنهما
-
يرجع أصل هذه القضية إلى استشهاد عثمان بن عفان رضي الله عنه على أيدي المنافقين وتأجيل علي رضي الله عنه إقامة القصاص على قتلة عثمان، مما أدى إلى مطالبة معاوية لعلي بتسليمه قتلة عثمان.
قَالَ: لَا، وَإِنِّي لَأَعْلَم أَنَّهُ أَفْضَل مِنِّي وَأَحَقّ بِالْأَمْرِ، وَلَكِنْ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ عُثْمَان قُتِلَ مَظْلُومًا وَأَنَا اِبْن عَمّه وَوَلِيّه أَطْلُب بِدَمِهِ؟ فَأْتُوا عَلِيًّا فَقُولُوا لَهُ يَدْفَع لَنَا قَتَلَة عُثْمَان».
فَأَتَوْهُ فَكَلَّمُوهُ فَقَالَ: «يَدْخُل فِي الْبَيْعَة وَيُحَاكِمهُمْ إِلَيَّ» .
فَامْتَنَعَ مُعَاوِيَة فَسَارَ عَلِيّ فِي الْجُيُوش مِنْ الْعِرَاق حَتَّى نَزَلَ بِصِفِّينَ، وَسَارَ مُعَاوِيَة حَتَّى نَزَلَ هُنَاكَ وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّة سَنَة سِتّ وَثَلَاثِينَ، فَتَرَاسَلُوا فَلَمْ يَتِمّ لَهُمْ أَمْر، فَوَقَعَ الْقِتَال») (1).
فأصل الخلاف لم يكُنْ حول اعتراض معاوية على أحقية علي بالخلافة، بل كان بسبب تأجيل إقامة القصاص على قتلة عثمان إذ كان علِيٌّ يرى تأجيل إقامة القصاص على قتلة عثمان حتى تستتب له الأمور بعد استشهاد عثمان رضي الله عنهم أجمعين.
ولا شك أن الحق الذي سعى إليه علي رضي الله عنه مقدم على الحق الذي سعى له معاوية رضي الله عنه، إذًا فالمسألة تتعلق بالأولويات وهو ما فقهه علي رضي الله عنه.
(1) فتح الباري (13/ 92).
وروى ابن عساكر من طريق سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: ذكر عند عليّ يوم صِفِّين ـ أو يوم الجمل ـ فذكرنا الكفر، قال:«لا تقولوا ذلك، زعموا أنا بغَيْنَا عليهم، وزعمْنا أنهم بغَوْا علينا؛ فقاتلناهم على ذلك» (1).
يقول الحافظ ابن كثير: «ثم كان ما كان بينه ـ أي معاوية ـ وبين علي بعد قتل عثمان على سبيل الاجتهاد والرأي، فجرى بينهما قتال عظيم
…
وكان الحق والصواب مع علي، ومعاوية معذور عند جمهور العلماء سلفًا وخلفًا» (2)).
وخلاصة القول أن عليًّا ومعاوية رضي الله عنهما كانا يسعيان إلى الحق ولا شيء سوى ذلك، لكن عليًا كان هو الأقرب إلى الحق والدليل في ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «تَكُونُ فِي أُمَّتِي فِرْقَتَانِ فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ» .
وَقَدْ أَخْرَجَ اِبْن عَسَاكِر عَنْ أَبِي الْقَاسِم اِبْن أَخِي أَبِي زُرْعَة الرَّازِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُل إِلَى عَمِّي فَقَالَ لَهُ: «إِنِّي أُبْغِض مُعَاوِيَة» ، قَالَ لَهُ:«لِمَ؟» ، قَالَ: «لِأَنَّهُ قَاتَلَ عَلِيًّا بِغَيْرِ
(1) تاريخ دمشق (1/ 343)، وإسناده صحيح.
(2)
البداية والنهاية (8/ 126).
(3)
المقدمة (1/ 257).
حَقّ»؛ فَقَالَ لَهُ أَبُو زُرْعَة: «رَبّ مُعَاوِيَة رَبّ رَحِيم، وَخَصْم مُعَاوِيَة خَصْم كَرِيم، فَمَا دُخُولُك بَيْنَهُمَا؟» (1).
وشهد شاهد من أهلها:
تذكر مصادر الشيعة الاثني عشرية أن معاوية ما قاتل عليًّا إلا في أمر عثمان رضي الله عنهم، وهذا هو ما يؤكده عليّ رضي الله عنه فقد أورد الشيعي الشريف الرضي في كتابه (نهج البلاغة) خطبة نسب فيها لعليٍّ رضي الله عنه قوله:«وبدءُ أمرِنا أنّا التقَينا والقوم من أهل الشام، والظاهر أن ربنا واحد ونبينا واحد، ودعوتنا في الإسلام واحدة، ولا نستزيدهم في الإيمان بالله والتصديق برسوله، ولا يستزيدوننا، الأمر واحد إلا ما اختلفنا فيه من دم عثمان ونحن منه براء» (2).
فهذا عليّ رضي الله عنه يؤكد أن الخلاف بينه وبين معاوية هو مقتل عثمان رضي الله عنهم جميعًا وليس من أجل الخلافة أو التحكم في رقاب المسلمين كما يدعي الشيعة، ويقرر أن معاوية وشيعته هم أهل إسلام وإيمان ولكن القضية اجتهادية كل يرى نفسه على الحق في مسألة عثمان.
ولقد ذكر الحميري الشيعي عن جعفر عن أبيه أن عليًّا رضي الله عنه كان يقول لأهل حربه: «إنا لم نقاتلهم على التكفير لهم ولم يقاتلونا على التكفير لنا، ولكنا رأينا أنّا على حق ورأوا أنهم على حق» .
وروى رواية أخرى عن جعفر عن أبيه محمد الباقر: «إن عليًا عليه السلام لم يكن ينسب أحدًا من أهل حربه إلى الشرك ولا إلى النفاق ولكن يقول: «هم إخواننا بغوا علينا» (3).
(1) تاريخ دمشق (59/ 141).
(2)
نهج البلاغة (3/ 648).
(3)
قرب الإسناد للحميري الشيعي (ص45) ط. إيران.