الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الرابعة والثلاثون
هل تعامل معاوية رضي الله عنه بالربا
؟!
عَنْ أَبِي قِلَابَةَ قَالَ: كُنْتُ بِالشَّامِ فِي حَلْقَةٍ فِيهَا مُسْلِمُ بْنُ يَسَارٍ فَجَاءَ أَبُو الْأَشْعَثِ.
قَالَ: قَالُوا: «أَبُو الْأَشْعَثِ، أَبُو الْأَشْعَثِ» ، فَجَلَسَ.
فَقُلْتُ لَهُ: «حَدِّثْ أَخَانَا حَدِيثَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ» .
فَرَدَّ النَّاسُ مَا أَخَذُوا، فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ فَقَامَ خَطِيبًا فَقَالَ: «أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ.
فَقَامَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ فَأَعَادَ الْقِصَّةَ ثُمَّ قَالَ: «لَنُحَدِّثَنَّ بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَإِنْ كَرِهَ مُعَاوِيَةُ ـ أَوْ قَالَ وَإِنْ رَغِمَ ـ مَا أُبَالِي أَنْ لَا أَصْحَبَهُ فِي جُنْدِهِ لَيْلَةً سَوْدَاءَ» (رواه مسلم).
الجواب:
أولًا: القول بجواز ربا الفضل وأنه لا يحرم إلا في نسيئة لم ينفرد به معاوية رضي الله عنه ، بل جاء عن جمع من الصحابة: عبدالله بن عباس ، وابن عمر ، والبراء بن عازب ، وزيد بن أرقم رضي الله عنهم ، فلماذا يُخَصُّ معاوية رضي الله عنه دون بقية هؤلاء؟!
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ؛ فَقَالَ: أَيَدًا بِيَدٍ؟
قُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ.
فَأَخْبَرْتُ أَبَا سَعِيدٍ فَقُلْتُ: إِنِّي سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ: أَيَدًا بِيَدٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَلَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ: أَوَ قَالَ ذَلِكَ؟ إِنَّا سَنَكْتُبُ إِلَيْهِ فَلَا يُفْتِيكُمُوهُ.
قَالَ: فَوَاللهِ لَقَدْ جَاءَ بَعْضُ فِتْيَانِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم بِتَمْرٍ فَأَنْكَرَهُ فَقَالَ: «كَأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِنْ تَمْرِ أَرْضِنَا» .
فَقَالَ: «أَضْعَفْتَ، أَرْبَيْتَ لَا تَقْرَبَنَّ هَذَا، إِذَا رَابَكَ مِنْ تَمْرِكَ شَيْءٌ فَبِعْهُ ثُمَّ اشْتَرِ الَّذِي تُرِيدُ مِنْ التَّمْرِ» . (رواه مسلم).
وعَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الصَّرْفِ فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا، فَإِنِّي لَقَاعِدٌ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَسَأَلْتُهُ عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ:«مَا زَادَ فَهُوَ رِبًا» ، فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِمَا فَقَالَ:«لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم، جَاءَهُ صَاحِبُ نَخْلِهِ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ طَيِّبٍ ـ وَكَانَ تَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم هَذَا اللَّوْنَ ـ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَنَّى لَكَ هَذَا؟» .
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «وَيْلَكَ، أَرْبَيْتَ، إِذَا أَرَدْتَ ذَلِكَ فَبِعْ تَمْرَكَ بِسِلْعَةٍ ثُمَّ اشْتَرِ بِسِلْعَتِكَ أَيَّ تَمْرٍ شِئْتَ» .
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «فَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ أَحَقُّ أَنْ يَكُونَ رِبًا أَمْ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ؟» .
قَالَ: «فَأَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ بَعْدُ فَنَهَانِي وَلَمْ آتِ ابْنَ عَبَّاسٍ» .
قَالَ: «فَحَدَّثَنِي أَبُو الصَّهْبَاءِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْهُ بِمَكَّةَ فَكَرِهَهُ» (رواه مسلم).
وعَنْ أَبِي صَالِحٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: «الدِّينَارُ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّرْهَمِ مِثْلًا بِمِثْلٍ مَنْ زَادَ أَوْ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى» ، فَقُلْتُ لَهُ إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ غَيْرَ هَذَا، فَقَالَ:«لَقَدْ لَقِيتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ: «أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي تَقُولُ أَشَيْءٌ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَوْ وَجَدْتَهُ فِي كِتَابِ اللهِ عز وجل؟» .
فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَلَمْ أَجِدْهُ فِي كِتَابِ اللهِ، وَلَكِنْ حَدَّثَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ:«الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» (رواه مسلم).
قال الإمام النووي في شرحه لهذه الأحاديث من صحيح مسلم:
«مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ أَوَّلًا عَنْ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس أَنَّهُمَا كَانَا يَعْتَقِدَانِ أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَأَنَّهُ يَجُوز بَيْع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ، وَدِينَار بِدِينَارَيْنِ، وَصَاع تَمْر بِصَاعَيْنِ مِنْ التَّمْر، وَكَذَا الْحِنْطَة وَسَائِر الرِّبَوِيَّات، كَانَا يَرَيَانِ جَوَاز بَيْع الْجِنْس بَعْضه بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا، وَأَنَّ الرِّبَا لَا يَحْرُم فِي شَيْء مِنْ الْأَشْيَاء إِلَّا إِذَا كَانَ نَسِيئَة.
وَهَذَا مَعْنَى قَوْله: «إِنَّهُ سَأَلَهُمَا عَنْ الصَّرْف فَلَمْ يَرَيَا بِهِ بَأْسًا» ، يَعْنِي الصَّرْف مُتَفَاضِلًا كَدِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ، وَكَانَ مُعْتَمَدهمَا حَدِيث أُسَامَة بْن زَيْد:«إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَة» ثُمَّ رَجَعَ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس عَنْ ذَلِكَ وَقَالَا بِتَحْرِيمِ بَيْع الْجِنْس بَعْضه بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا حِين بَلَغَهُمَا حَدِيث أَبِي سَعِيد كَمَا ذَكَرَهُ مُسْلِم مِنْ رُجُوعهمَا صَرِيحًا.
وَهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم تَدُلّ عَلَى أَنَّ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُمَا حَدِيث النَّهْي عَنْ التَّفَاضُل فِي غَيْر النَّسِيئَة، فَلَمَّا بَلَغَهُمَا رَجَعَا إِلَيْهِ.
وَأَمَّا حَدِيث أُسَامَة: «لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَة» فَقَدْ قَالَ قَائِلُونَ بِأَنَّهُ مَنْسُوخ بِهَذِهِ الْأَحَادِيث، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَرْك الْعَمَل بِظَاهِرِهِ، وَهَذَا يَدُلّ عَلَى نَسْخه.
وَتَأَوَّلَهُ آخَرُونَ تَأْوِيلَات:
أَحَدهَا: أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى غَيْر الرِّبَوِيَّات، وَهُوَ كَبَيْعِ الدَّيْن بِالدَّيْنِ مُؤَجَّلًا بِأَنْ يَكُون لَهُ عِنْده ثَوْب مَوْصُوف، فَيَبِيعهُ بِعَبْدٍ مَوْصُوف مُؤَجَّلًا، فَإِنْ بَاعَهُ بِهِ حَالًّا جَازَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ مَحْمُول عَلَى الْأَجْنَاس الْمُخْتَلِفَة، فَإِنَّهُ لَا رِبَا فِيهَا مِنْ حَيْثُ التَّفَاضُل، بَلْ يَجُوز تَفَاضُلهَا يَدًا بِيَدٍ.
الثَّالِث: أَنَّهُ مُجْمَل، وَحَدِيث عُبَادَة بْن الصَّامِت وَأَبِي سَعِيد الْخُدْرِيِّ وَغَيْرهمَا مُبَيِّن، فَوَجَبَ الْعَمَل بِالْمُبَيِّنِ، وَتَنْزِيل الْمُجْمَل عَلَيْهِ. هَذَا جَوَاب الشَّافِعِيّ رحمه الله».انتهى كلام الإمام النووي رحمه الله.
وقال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري) في شرح حديث أُسَامَةُ بنِ زيد أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «لَا رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ» :
«وَالصَّرْفُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ: دَفْعُ ذَهَبٍ وَأَخْذُ فِضَّةٍ وَعَكْسُهُ، وَلَهُ شَرْطَانِ:
مَنْع النَّسِيئَة مَعَ اِتِّفَاقِ النَّوْعِ وَاخْتِلَافِهِ وَهُوَ الْمُجْمَعُ عَلَيْهِ.
وَمَنْع التَّفَاضُل فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ مِنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَخَالَفَ فِيهِ اِبْن عُمَر ثُمَّ رَجَعَ، وَابْن عَبَّاس وَاخْتَلَفَ فِي رُجُوعِهِ.
وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيق حَيَّانَ الْعَدَوِيّ: «سَأَلْت أَبَا مِجْلَز عَنْ الصَّرْفِ فَقَالَ: كَانَ اِبْن عَبَّاس لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ مَا كَانَ مِنْهُ عَيْنًا بِعَيْن يَدًا بِيَد، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَلَقِيَهُ أَبُو سَعِيد ـ فَذَكَرَ الْقِصَّة وَالْحَدِيث، وَفِيهِ: «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْل، فَمَنْ زَادَ فَهُوَ رِبًا» ، فَقَالَ اِبْن عَبَّاس:«أَسْتَغْفِرُ اللهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ» ، فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ».
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّةِ حَدِيثِ أُسَامَةَ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُ وَبَيْن حَدِيث أَبِي سَعِيد فَقِيلَ: مَنْسُوخ، لَكِنَّ النَّسْخَ لَا يَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ.
وَقِيلَ الْمَعْنَى فِي قَوْلِهِ: «لَا رِبًا» الرِّبَا الْأَغْلَظ الشَّدِيد التَّحْرِيم الْمُتَوَعَّد عَلَيْهِ بِالْعِقَابِ الشَّدِيدِ كَمَا تَقُولُ الْعَرَب: «لَا عَالِمَ فِي الْبَلَدِ إِلَّا زَيْدٌ» مَعَ أَنَّ فِيهَا عُلَمَاءَ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا الْقَصْدُ نَفْيُ الْأَكْمَل لَا نَفْيُ الْأَصْلِ، وَأَيْضًا فَنَفْيُ تَحْرِيم رِبَا الْفَضْل مِنْ حَدِيثِ
أُسَامَةَ إِنَّمَا هُوَ بِالْمَفْهُومِ، فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ حَدِيث أَبِي سَعِيد لِأَنَّ دَلَالَتَهُ بِالْمَنْطُوقِ، وَيُحْمَلُ حَدِيث أُسَامَةَ عَلَى الرِّبَا الْأَكْبَرِ كَمَا تَقَدَّمَ وَاللهُ أَعْلَمُ».
وَقَالَ الطَّبَرِيّ: «مَعْنَى حَدِيث أُسَامَة: «لَا رِبًا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ» إِذَا اِخْتَلَفَتْ أَنْوَاع الْبَيْعِ وَالْفَضْل فِيهِ يَدًا بِيَد رِبًا جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْن حَدِيث أَبِي سَعِيد». (انتهى كلام الحافظ ابن حجر).
ثانيًا: معاوية وغيره من الصحابة رضي الله عنهم ممن قالوا بجواز ربا الفضل ، قالوا ذلك متأولين أن الربا لا يحرم إلا في النسيئة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «إِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَغَيْرَهُمَا رَخَّصُوا فِي الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ وَكَانُوا مُتَأَوِّلِينَ أَنَّ الرِّبَا لَا يَحْرُمُ إلَّا فِي النَّسَاءِ؛ لَا فِي الْيَدِ بِالْيَدِ
…
وَلَيْسَ لِأَحَدِ أَنْ يَتَّبِعَ زَلَّاتِ الْعُلَمَاءِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ إلَّا بِمَا هُمْ لَهُ أَهْلٌ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى عَفَا لِلْمُؤْمِنِينَ عَمَّا أَخْطَئُوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة:286)، قَالَ اللهُ:«قَدْ فَعَلْت» (1)، وَأَمَرَنَا أَنْ نَتَّبِعَ مَا أُنْزِلَ إلَيْنَا مِنْ رَبِّنَا وَلَا نَتَّبِعَ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ وَأَمَرَنَا أَنْ لَا نُطِيعَ مَخْلُوقًا فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ وَنَسْتَغْفِرَ لِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ؛ فَنَقُولَ:{رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} الْآيَةَ (الحشر:10).
وَهَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَا كَانَ يُشْبِهُ هَذَا مِنْ الْأُمُورِ.
وَنُعَظِّمُ أَمْرَهُ تَعَالَى بِالطَّاعَةِ للهِ وَرَسُولِهِ؛ وَنَرْعَى حُقُوقَ الْمُسْلِمِينَ؛ لَا سِيَّمَا أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْهُمْ كَمَا أَمَرَ اللهُ وَرَسُولُهُ.
(1) رواه مسلم.
وَمَنْ عَدَلَ عَنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ فَقَدْ عَدَلَ عَنْ اتِّبَاعِ الْحُجَّةِ إلَى اتِّبَاعِ الْهَوَى فِي التَّقْلِيدِ وَآذَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا: فَهُوَ مِنْ الظَّالِمِينَ. وَمَنْ عَظَّمَ حُرُمَاتِ اللهِ وَأَحْسَنَ إلَى عِبَادِ اللهِ كَانَ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللهِ الْمُتَّقِينَ» (1).
ثالثًا: قد يُحْمَلُ قولُ مَن قال مِن الصحابة رضي الله عنهم بجواز ربا الفضل ، على أن ذلك لم يبلغه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومن ذلك قول معاوية رضي الله عنه لما بلغه عن عبادة النهي عن ربا الفضل: «أَلَا مَا بَالُ رِجَالٍ يَتَحَدَّثُونَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَحَادِيثَ قَدْ كُنَّا نَشْهَدُهُ وَنَصْحَبُهُ فَلَمْ نَسْمَعْهَا مِنْهُ» (رواه مسلم).
قال النووي في شرحه على صحيح مسلم: «وَهَذِهِ الْأَحَادِيث الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِم تَدُلّ عَلَى أَنَّ اِبْن عُمَر وَابْن عَبَّاس لَمْ يَكُنْ بَلَغَهُمَا حَدِيث النَّهْي عَنْ التَّفَاضُل فِي غَيْر النَّسِيئَة، فَلَمَّا بَلَغَهُمَا رَجَعَا إِلَيْهِ.» ا. هـ.
وكذلك معاوية رضي الله عنه.
(1) مجموع الفتاوى (32/ 238).