الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذم في ثوب المدح، تشويق وتشويه
إن من وسائل الأخباريين في تزييف الحقائق التاريخية وضع الذم في ثوب المدح، فتجد أحدهم يذكر واقعة معينة بها فضيلة لأحد الصحابة ولكن لو دققت فيها لوجدت طعنًا فيه أو في غيره من الصحابة.
وهذه الخدعة قد تنطلي حتى على بعض الغيورين من أهل السنة فتجده يستدل بالواقعة على شيء مع أنها في نفس الوقت تهدم شيئًا آخر.
ومن أوضح الأمثلة على ذلك:
1 - قصة ابن الأكرمين:
رُوِيَ عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلًا من أهل مصر أتى إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: «يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم» .
قال: «عُذْتَ بمعاذ» .
قال: «سابقتُ ابنَ عمرو بن العاص فسبقتُه، فجعل يضربني بالسوط ويقول: أنا ابن الأكرمين» .
فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه، ويَقْدم بابنه معه، فقدم، فقال عمر: أين المصري؟ خذ السوط فاضرب.
فجعل يضربه بالسوط، ويقول عمر:«اضرب ابن الألْيَمَيْن» .
قال أنس: فضرب، فوالله لقد ضربه ونحن نحب ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري:«ضع على صلعة عمرو» .
فقال: «يا أمير المؤمنين إنما ابنه الذى ضربني، وقد اشتفيت منه» .
فقال عمر لعمرو: «مُذْ كم تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟» .
هذه القصة الموضوعة رواها ابن عبد الحكم في (فتوح مصر وأخبارها ص290، وأوردها محمد يوسف الكاندهلوي في (حياة الصحابة 2/ 88، باب عدل النبي وأصحابه). وقد استدل بها على عدل عمر رضي الله عنه.
وقد ذكرها أحد الدعاة ـ حفظه الله ـ في أحد دروسه على إحدى القنوات الفضائية مستدلًا على عدل الفاروق عمر رضي الله عنه.
وقد بيَّن الشيخ علي حشيش في مجلة التوحيد عدد شعبان 1422هـ أن هذه القصة واهية وسندها منقطع ومظلم.
ويظهر هذا الانقطاع في السند، حيث قال ابن عبد الحكم فى (فتوح مصر ص 290): «حُدِّثْنا عن أبى عبدة عن ثابت البُنانى وحُمَيْد عن أنس
…
» ثم ذكر القصة.
ولفظ الأداء فى رواية ابن عبد الحكم للقصة مبنى للمجهول، وبهذا لم يُعرَف مَن الشيخ الذي أخذ عنه وتلقى عنه القصة. وترتب عليه عدم معرفة أبى عبدة الذي روى عنه هذا المجهول وأصبح السند مظلمًا بهذه الجهالة.
وهذه القصة لو دققت فيها لوجدت طعنًا في عمرو بن العاص رضي الله عنه حيث اتهامه باستغلال ابنه لنفوذ أبيه في ظلم الرعية.
وفيها طعن في عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمخالفة الكتاب والسنة؛ إذ ورد في القصة قول عمر للمصرى: «ضع السوط على صلعة عمرو» .
وقد قال الله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (الإسراء:15).
قال ابن كثير: «أي لا يحمل أحد ذنب أحد، ولا يجني جَانٍ إلا على نفسه» (1).
وقال القرطبى: «أي لا تحمل حاملة ثقل أخرى، أي لا تؤخذ نفس بذنب غيرها، بل كل نفس مأخوذة بجرمها ومعاقبة بإثمها» (2).
(1) تفسير القرآن العظيم (5/ 34).
(2)
الجامع لأحكام القرآن (3/ 2676).