الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفى هذه القصة يُنْسب إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للمصري وهو يضرب ابن عمرو بن العاص: «اضرب ابن الألْيَمين» . يعنى الألْأمين، وهذا اللفظ أشد من لفظ (لئيم) لأن هناك اللئيم والألْأم، ولفظ (اللئيم) معناه:«الدنيء الأصل الشحيح النفس» (1) والتعيير بالأصل لا يجوز؛ لأنه من أمور الجاهلية.
2 - قصة أصابت امرأة وأخطأ عمر:
أخرج سعيد بن منصور في سننه عن الشعبي قال: «خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: «ألَا لَا تُغالوا في صداق النساء، فإنه لا يبلغني عن أحد ساق أكثر من شيء ساقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو سيق إليه إلا جعلت فضل ذلك في بيت المال» ، ثم نزل فعرضت له امرأة من قريش فقالت:«يا أمير المؤمنين أكتاب الله أحق أن يتبع أم قولك؟» .
قال: «بل كتاب الله عز وجل، فما ذلك؟» .
قالت: «نهيت الناس آنفًا أن يغالوا في صداق النساء، والله عز وجل يقول في كتابه:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (النساء:20).
فقال عمر: «كل أحد أفقه من عمر» مرتين أو ثلاثًا، ثم رجع إلى المنبر، فقال للناس:«إني نهيتكم أن تغالوا في صداق النساء؛ ألا فليفعل رجل في ماله ما بدا له» . (2)
وهذه الرواية قد بيَّن ضعّفها الشيخ الألباني في (إرواء الغليل رقم 1927)، والشيخ علي حشيش في (سلسلة تحذير الداعية من القصص الواهية) التي تصدر تباعًا في مجلة (التوحيد) المصرية.
وهذه الرواية باطلة سندًا ومتنًا.
فأما من ناحية السند: ففيه علّتان:
(1) انظر: لسان العرب (12/ 530).
(2)
سنن سعيد بن منصور (ج1، باب ما جاء في الصداق برقم (595، 569،579).
الأولى: الانقطاع، قال البيهقي عقب روايته:«هذا منقطع؛ لأن الشعبي لم يدرك عمر» .
والعلّة الثانية: أن فيه مجالدًا وهو ابن سعيد، ضعفه الأئمة النسائي والجوزجاني وابن عدي وأحمد بن حنبل وابن معين وابن حجر. (1)
وأما من ناحية المتن: ففيه نكارة وذلك للأسباب التالية:
أـ أنه ثبت عن عمر صريحًا نهيه عن المغالاة في المهور بالسند الصحيح، فعَنْ أَبِي الْعَجْفَاءِ السُّلَمِيِّ قَالَ: خَطَبَنَا عُمَرُ رحمه الله فَقَالَ: «أَلَا لَا تُغَالُوا بِصُدُقِ النِّسَاءِ؛ فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا أَوْ تَقْوَى عِنْدَ اللهِ لَكَانَ أَوْلَاكُمْ بِهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم، مَا أَصْدَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ، وَلَا أُصْدِقَتْ امْرَأَةٌ مِنْ بَنَاتِهِ أَكْثَرَ مِنْ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً» (رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وصححه الألباني).
فهذه الرواية الصحيحة تُظهِر نَهْيَ عمر رضي الله عنه عن المغالاة في المهور وهي تُظهِر بطلان الرواية الأخرى.
ب ـ مخالفتها لنصوص صحيحة صريحة في الحث على عدم المغالاة في المهور وتيسير أمر الصداق منها: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُهُ» (رواه أبو داود، وصححه الألباني).
ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ تَيْسِيرُ خِطْبَتِهَا وَتَيْسِيرُ صَدَاقِهَا، وَتَيْسِيرُ رَحِمِهَا» (رواه ابن حبان والحاكم وغيرهما، وحسنه الألباني).
ومنها أيضًا ما أخرجه مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ:
«جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: إِنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ.
(1) الضعفاء الصغير للبخاري (ص116) رقم (368)، الضعفاء والمتروكين للنسائي (ص 236) رقم (552)، الشجرة في أحوال الرجال وآيات النبوة للجوزجاني (ص 144)، تهذيب الكمال للمزي (27/ 222)، رقم (5780)، تقريب التهذيب (2/ 159).
وانظر: القول المعتبر في تحقيق رواية كل أحد أفقه من عمر.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «هَلْ نَظَرْتَ إِلَيْهَا؛ فَإِنَّ فِي عُيُونِ الْأَنْصَارِ شَيْئًا؟» .
قَالَ: قَدْ نَظَرْتُ إِلَيْهَا.
قَالَ: «عَلَى كَمْ تَزَوَّجْتَهَا؟» .
قَالَ: عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ.
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «عَلَى أَرْبَعِ أَوَاقٍ؟ كَأَنَّمَا تَنْحِتُونَ الْفِضَّةَ مِنْ عُرْضِ هَذَا الْجَبَلِ، مَا عِنْدَنَا مَا نُعْطِيكَ، وَلَكِنْ عَسَى أَنْ نَبْعَثَكَ فِي بَعْثٍ تُصِيبُ مِنْهُ» .
قَالَ: فَبَعَثَ بَعْثًا إِلَى بَنِي عَبْسٍ بَعَثَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فِيهِمْ».
قال الإمام النووي في شرحه لهذا الحديث من صحيح مسلم:
(الْعُرْض) بِضَمِّ الْعَيْن وَإِسْكَان الرَّاء هُوَ الْجَانِب وَالنَّاحِيَة، (وَتَنْحِتُونَ) بِكَسْرِ الْحَاء أَيْ تُقَشِّرُونَ وَتُقَطِّعُونَ. وَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام كَرَاهَة إِكْثَار الْمَهْر بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَال الزَّوْج.
ت ـ هذه الآية التي استدلت بها المرأة {وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (النساء:20) معترضَةً بمفهومها على عمر رضي الله عنه في نهيه عن المغالاة في مهور النساء، لا تنافي توجيه عمر، فغاية ما تدل عليه جواز دفع القادر على الصداق الكثير المنوه عنه بالآية بالقنطار، لا تكليف العاجز ما لا يقدر عليه أو يستطيعه، بدليل إنكار النبي على الرجل المتزوج امرأة من الأنصار بأربع أواق صنيعهما لكون ذلك لا يتناسب وحالهما أو لكثرته، هذا فيما لو كانت الآية تدل على المغالاة في المهور.
أما وأنها لا تدل على إباحة المغالاة في الصداق لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة، قال القرطبي رحمه الله بعد أن حكى قول من أجاز المغالاة في المهور:«وقال قوم: لا تعطي الآية جواز المغالاة، لأن التمثيل بالقنطار إنما هو على جهة المبالغة، كأنه قال: وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد، وهذا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا للهِ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ أَوْ أَصْغَرَ بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» (1).
(1) تفسير القرطبي عند تفسير هذه الآية، والحديث رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.