الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثلاثون
افتراءات حول مصارف
الأموال في عهد معاوية رضي الله عنه
- (1)
أثار بعض المؤرخين شبهات حول مصارف الأموال في عهد معاوية رضي الله عنه، وذكروا عدة مصارف وسموها بأنها جائرة وغير شرعية منها:
أولا: إعطاء مصر طعمة لعمرو بن العاص:
تتعدد الروايات التي تنص على أن معاوية رضي الله عنه أعطى مصر طُعمَةً لعمرو بن العاص لقاء تأييد الأخير له في حربه ضد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وجُلّ هذه الأخبار تحوي روحًا عدائية لعمرو ومعاوية رضي الله عنهما وتصور اتفاقهما على حرب علي رضي الله عنه كما لو كانت مؤامرة دَنيئة أو صفقة مريبة، خان فيها الرجلان ربهما ودينهما، مقابل عَرَضٍ زائل أو نصر سريع، وكأن من المستحيل أن يبذل ابن العاص نصره لقضية اجتمع حولها آلاف الرجال في الشام وغيرها ـ وهي الطلب بدم عثمان ـ إلا إذا نال ولاية مصر وخراجها لنفسه.
وبعض هذه الروايات تحوي سبابًا لهذين الصحابيين، كأن تزعم أن عَمْرو بنَ العاص فضَّل ولاية مصر على حسنى الآخرة وصرح بذلك فقال:«إنما أردنا هذه الدنيا» ، أو أنه قال لمعاوية:«لا أعطيك من ديني حتى آخذ من دنياك» ، أو قوله:«إنما أبايعك بها ديني» (أي بمصر)، أو قوله لمعاوية:«ولولا مصر وولايتها لركبت المنجاة منها؛ فإني أعلم أن علي بن أبي طالب على الحق وأنت على ضده» ، إلى غير ذلك من الروايات (2).
(1) باختصار من كتاب (الدولة الأموية) للدكتور علي الصلابي.
(2)
الكامل في التاريخ (2/ 57)، الإمامة والسياسة (1/ 98)، العقد الفريد (4/ 345)، مروج الذهب (3/ 29)، وقعة صِفِّين (ص237).
ورواة هذه الروايات كلهم من الشيعة الروافض.
وكذلك روايات باطلة وموضوعة عند المسعودي وكتاب (الإمامة والسياسة) المنسوب لابن قتيبة وغيرها تمسخ عمرو بن العاص إلى رجل مصالح، وصاحب مطامع وراغب دنيا.
وقد تأثر بالروايات الضعيفة والموضوعة والسقيمة مجموعة من الكتّاب والمؤرَّخين، فأهووا بعمرو إلى الحضيض، ومنهم عباس محمود العقَّاد الذي يتعالى عن النَّظر في الإسناد، ويستخفُّ بقارئه، ويظهر له صورة معاوية وعمرو رضي الله عنهما بأنَّهما انتهازيَّان، صاحبا مصالح، ولو أجمع النّاقدون التاريخيون على بطلان الرِّوايات التي استند إليها في تحليله فهذا لا يعني للعقَّاد شيئًا.
فقد قال بعد أن ذكر روايات ضعيفة، واهية، لا تقوم بها حجة: «
…
ولْيَقُل الناقدون التاريخيون ما بدا لهم أن يقولوا في صدق هذا الحوار، وصحَّة هذه الكلمات، وما ثبت نقلة، ولم يثبت منه سنده، ولا نصُّه فالذي لا ريب فيه، ولو أجمعت التواريخ قاطبة على نقضه: أن الاتفاق بين الرجلين، كان اتفاق مساومة، ومعاونة على الملك، والولاية، وأن المساومة بينهما كانت على النصَّيب الذي آل على كلِّ منهما، ولولاه لما كان بينهما اتفاق» (1).
وما عرف من صحة إسلام وتقوى معاوية وعمرو رضي الله عنهما، وتاريخهما المضيء في خدمة دين الله منذ أسلما مما يرد على تلك الروايات الضعيفة والموضوعة والسقيمة التي لاقت رواجًا واستقرارًا في تشويههما بالظلم والبهتان.
ففي معاوية يكفي دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عندما قال: «اللهُمَّ اجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا وَاهْدِ بِهِ» (رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني).
(هَادِيًا) أَيْ لِلنَّاسِ أَوْ دَالًّا عَلَى الْخَيْرِ. (مَهْدِيًّا) أَيْ مُهْتَدِيًا فِي نَفْسِهِ.
(1) عمرو بن العاص للعقاد (ص231 - 232).
وثَبَتَ أن النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم دعا لمعاوية فقال: «اللهمَّ عَلِّمْهُ الكِتابَ والحِسابَ، وقِهِ العَذاب» . (رواه الطبراني وغيره وصححه الألباني).
وأما عمرو بن العاص رضي الله عنه فقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإيمان حيث قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ» (رواه الترمذي وحسنه الألباني).
ثانيًا: التنازل عن خراج ((دارابجرد)) للحسن بن علي:
زعم بعض المؤرخين أن معاوية تنازل للحسن بن علي رضي الله عنهم عن خراج (دارابجرد) وأن يعطيه مما في بيت مال الكوفة مبلغ خمسة آلاف ألف درهم مقابل تنازل الحسن عن الخلافة لمعاوية، وأن الحسن قد أخذ ما في بيت مال الكوفة ولكنه لم يستطع الحصول على خراج (دارابجرد) إذ إن أهل البصرة قد منعوه منه، ويزعمون أن ذلك كان بتحريض معاوية أو بمبادرة من البصريين (1).
إن هذه الرواية تغض من شأن الحسن ومعاوية معًا رضي الله عنهما وتجعلهما في موقف التواطؤ على أكل أموال المسلمين بالباطل، وهذا باطل ولا يصح.
ثالثًا: التوسع في إنفاق الأموال لتأليف القلوب واكتساب الأنصار:
ذكر المؤرخون أن معاوية رضي الله عنه أنفق أموالًا كبيرة ليتألف بها قلوب الزعماء والأشراف ويوطد أركان الدولة الإسلامية التي قامت بعد فترات من الصراع والتطاحن.
فإن صح ذلك فإن إراقة بعض المال خير من إراقة كثير من دماء المسلمين. فلعله أعطى هؤلاء الرجال المال يستميل به قلوبهم، وقلوب أتباعهم وأنصارهم، ويعلي به مكانتهم ويسد خلة من وراءهم.
ولعله قد فهم من إعطاء الرسول صلى الله عليه وآله وسلم المؤلفة قلوبهم بعد فتح مكة ليستميلهم نحو الدين، أنه يجوز أن يعطي أمثال هؤلاء الرجال ليتألف قلوبهم ويضمن ولاءهم للدين والدولة حيث نصرة الدين وجمع شمل أهله.
(1) تاريخ الطبري (6/ 165)، الدولة الأموية المفترى عليها (ص417).