المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشبهة السابعة والعشروناستلحاق معاوية رضي الله عنه زياد بن أبيه - معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين وكاتب وحي النبي الأمين صلى الله عليه وسلم - كشف شبهات ورد مفتريات

[شحاتة صقر]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم الأستاذ الدكتور: أنور السنوسي

- ‌مقدمة

- ‌هذا معاوية رضي الله عنه

- ‌كيف نقرأ التاريخ

- ‌دور الشيعة في الدس على التاريخ الإسلامي وتشويهه:

- ‌وسائل الأخباريين في تشويه التاريخ:

- ‌تنبيه:

- ‌ذم في ثوب المدح، تشويق وتشويه

- ‌1 - قصة ابن الأكرمين:

- ‌2 - قصة أصابت امرأة وأخطأ عمر:

- ‌3 - قصة جلد عمر رضي الله عنه لابنه حتى الموت:

- ‌4 - قصة اغتسال فاطمة رضي الله عنها قبل الموت:

- ‌5 - حلم أم ظلم:

- ‌6 - ذكر أحد المعاصرين الغيورين ـ حفظه الله ـ الكلام التالي يستدل بها على ثقة عمر في معاوية وسعادة أبي سفيان بذلك:

- ‌7 - وقال هذا الغيور أيضًا ما يلي:

- ‌التحذير من أخبار يحتج بها الرافضة

- ‌منهج أهل السنة والجماعةفيما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم

- ‌لماذا هذه العناية بأعراض الصحابة رضي الله عنهم ولماذا الدفاع عنهم

- ‌معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما في سطور

- ‌أبو سفيان بن حرب والد معاوية رضي الله عنهما

- ‌هند بنت عتبة بن ربيعة أم معاوية رضي الله عنهما

- ‌من إخوان وأخوات معاوية رضي الله عنه

- ‌تاريخ إسلام معاوية رضي الله عنه

- ‌حقيقة ما حدث بين علي ومعاوية رضي الله عنهما

- ‌التحكيم

- ‌بطلان قصة التحكيم المشهورة

- ‌والصلح خير

- ‌فضائل معاوية رضي الله عنهمن فضائل معاوية رضي الله عنه في القرآن الكريم:

- ‌من فضائل معاوية رضي الله عنهفي السُّنّة النبوية الصحيحة

- ‌من فضائل معاوية رضي الله عنهثبوت كونه كاتبًا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكتابته الوحي

- ‌ومن فضائل معاوية رضي الله عنهكونه خال المؤمنين

- ‌ومن فضائل معاوية رضي الله عنهأنه أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ وقد وجبت له الجنة

- ‌ومن فضائل معاوية رضي الله عنه أنه من الذينرآهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَرْكَبُونَ ظَهْرَ الْبَحْرِ كَالْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ

- ‌ومن فضائل معاوية رضي الله عنهأنه كان من الذين أحبُّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يَعِزّوا، فأعزّهم الله

- ‌ومن فضائل معاوية رضي الله عنهأنه كانت له منزلةٌ خاصة عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌ومن فضائل معاوية رضي الله عنهدلائل النبوة في الإخبار بأن ولايته رحمةٌ على الأمة

- ‌ومن فضائل معاوية رضي الله عنهدعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم له بالهداية وبالوقاية من العذاب

- ‌ومن فضائل معاوية رضي الله عنهأنه أحد الخلفاء الاثني عشر

- ‌معاوية رضي الله عنهأم عمر بن عبد العزيز رحمه الله

- ‌أحاديث لا تصح في شأن معاوية رضي الله عنه مدحًا وذمًا

- ‌تعظيممعاوية رضي الله عنه لسنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌توقيرمعاوية رضي الله عنه لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌أمر معاوية رضي الله عنهبالمعروف وإنكاره للمنكر

- ‌معاوية رضي الله عنهطالبًا للعلم والنصيحة

- ‌بعض الأحاديث التيرواها معاوية رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌علم معاوية رضي الله عنه وفقهه

- ‌ذكر بعض ما جاءمن ثناء الصحابة على معاوية رضي الله عنهم

- ‌ذكر بعض ما جاءمن ثناء التابعين على معاوية رضي الله عنه

- ‌ذكر بعض ما جاءمن ثناء العلماء على معاوية رضي الله عنه

- ‌تواضع معاوية رضي الله عنه وزهده

- ‌حِلممعاوية رضي الله عنه ورحابة صدره

- ‌جهادمعاوية رضي الله عنه وفتوحاته

- ‌عدل معاوية رضي الله عنه

- ‌حرص معاوية رضي الله عنهعلى توطين الأمن في خلافته

- ‌اهتمام معاوية رضي الله عنه برعيته

- ‌بعض ما رُويمن أقوال معاوية رضي الله عنه

- ‌كشف شبهاتالشيعة حول معاوية رضي الله عنه

- ‌الشبهة الأولى«لا أَشْبَعَ اللهُ بَطْنَهُ»

- ‌الشبهة الثانية«وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ»

- ‌الشبهة الثالثة«إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه»

- ‌الشبهة الرابعةالطليق ابن الطليق

- ‌الشبهة الخامسةقالوا: قاتل عليًا وهوعند أهل السنة رابع الخلفاء، إمامحق، وكل من حارب إمام حق فهو باغ ظالم

- ‌الشبهة السادسة

- ‌الشبهة السابعة

- ‌الشبهة الثامنة

- ‌الشبهة التاسعة

- ‌الشبهة العاشرة

- ‌الشبهة الحادية عشرة

- ‌الشبهة الثانية عشرة

- ‌الشبهة الثالثة عشرة

- ‌الشبهة الرابعة عشرة

- ‌الشبهة الخامسة عشرة

- ‌الشبهة السادسة عشرة

- ‌الشبهة السابعة عشرةهل لُعِنَ عليٌّ على المنابر بأمر من معاوية رضي الله عنهما

- ‌الشبهة الثامنة عشرةمسألة سب معاوية لعلي رضي الله عنهما

- ‌الشبهة التاسعة عشرةهل حُمِلَتْ الخمرُ لمعاوية رضي الله عنه

- ‌الشبهة العشرونهل باع معاوية رضي الله عنه الأصنام لأهل الهند

- ‌الشبهة الحادية والعشرونهل أقسم معاوية رضي الله عنهاليمين الغموس وكذبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم

- ‌الشبهة الثانية والعشرونهل قتل معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

- ‌الشبهة الثالثة والعشرونهل قتل معاوية الأشتر مالك بن الحارث النخعي

- ‌الشبهة الرابعة والعشرونهل معاوية رضي الله عنه ذمه كثير من المهاجرينوالأنصار من البدريين وغيرهم رضي الله عنهم

- ‌الشبهة الخامسة والعشرونهل معاوية رضي الله عنه ذمه كثير من التابعينكالحسن البصري والأسود بن يزيد وغيرهم

- ‌الشبهة السادسة والعشرونقولهم: «قتلَ ابنُه يزيد الحسينَ رضي الله عنه ونهب نساءه»

- ‌الشبهة السابعة والعشروناستلحاق معاوية رضي الله عنه زياد بن أبيه

- ‌الشبهة الثامنة والعشرونقَتْلُه حِجْر بنَ عدي وأصحابه

- ‌الشبهة التاسعة والعشروناتهام معاوية رضي الله عنه بشرب الخمر

- ‌الشبهة الثلاثونافتراءات حول مصارفالأموال في عهد معاوية رضي الله عنه

- ‌الشبهة الحادية والثلاثونهل قال معاوية رضي الله عنه: «إن الكريم طروب»

- ‌الشبهة الثانية والثلاثونهل أراد معاوية رضي الله عنه أن ينقلمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى الشام

- ‌الشبهة الثالثة والثلاثون

- ‌الشبهة الرابعة والثلاثونهل تعامل معاوية رضي الله عنه بالربا

- ‌الشبهة الخامسة والثلاثونهل قتل معاوية رضي الله عنهخمسة وعشرين بدريًا يوم صِفِّين

- ‌أهم المراجع

الفصل: ‌الشبهة السابعة والعشروناستلحاق معاوية رضي الله عنه زياد بن أبيه

‌الشبهة السابعة والعشرون

استلحاق معاوية رضي الله عنه زياد بن أبيه

الجواب: المراد بزياد هنا؛ هو زياد بن سمية، وهي أمُّه كانت أمَةً للحارث بن كلدة، زوَّجها لمولاه عبيد، فأتت بزياد على فراشه وهم بالطائف قبل أن يسلم أهل الطائف، قال الطبري في حوادث عام 44هـ:«في هذه السنة استلحق معاوية نسب زياد بن سمية بأبيه أبي سفيان فيما قيل (1)» .

وقد اتُهِم معاوية رضي الله عنه عندما استلحق زياد بن أبيه إلى أبيه بأنه خالف أحكام الإسلام؛ فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: «قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ فُلَانًا ابْنِي عَاهَرْتُ بِأُمِّهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا دِعْوَةَ فِي الْإِسْلَامِ، ذَهَبَ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ، وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» (2)(رواه أبو داود وقال الألباني: حسن صحيح).

(1) تاريخ الطبري (6/ 131).

(2)

قَالَ صَاحِبُ عَوْنِ الْمَعْبُودِ: «(عَاهَرْت): أَيْ زَنَيْت. (لَا دِعْوَة): بِكَسْرِ الدَّال أَيْ لَا دَعْوَى نَسَب. قَالَ فِي النِّهَايَة: الدِّعْوَة بِالْكَسْرِ فِي النَّسَب وَهُوَ أَنْ يَنْتَسِب الْإِنْسَان إِلَى غَيْر أَبِيهِ وَعَشِيرَته وَقَدْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ فَنُهِيَ عَنْهُ وَجُعِلَ الْوَلَد لِلْفِرَاشِ.

واخْتُلِفَ فِي مَعْنَى الْفِرَاش فَذَهَبَ الْأَكْثَر إِلَى أَنَّهُ اِسْم لِلْمَرْأَةِ وَقَدْ يُعَبَّر بِهِ عَنْ حَالَة الِافْتِرَاش. وَقِيلَ إِنَّهُ اِسْم لِلزَّوْجِ.

قَالَ النَّوَوِيّ: «مَعْنَى قَوْله «الْوَلَد لِلْفِرَاشِ» أَنَّهُ إِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ زَوْجَة أَوْ مَمْلُوكَة صَارَتْ فِرَاشًا لَهُ فَأَتَتْ بِوَلَدٍ لِمُدَّةِ الْإِمْكَان مِنْهُ لَحِقَهُ الْوَلَد وَصَارَ وَلَدًا يَجْرِي بَيْنهمَا التَّوَارُث وَغَيْره مِنْ أَحْكَام الْوِلَادَة، سَوَاء كَانَ مُوَافِقًا لَهُ فِي الشَّبَه أَمْ مُخَالِفًا، وَمُدَّة إِمْكَان كَوْنه مِنْهُ سِتّ أَشْهُر مِنْ حِين أَمْكَنَ اِجْتِمَاعهمَا».

وَأَمَّا مَا تَصِير بِهِ الْمَرْأَة فِرَاشًا فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَة صَارَتْ فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ عَقْد النِّكَاح وَنَقَلُوا فِي هَذَا الْإِجْمَاع وَشَرَطُوا إِمْكَان الْوَطْء بَعْد ثُبُوت الْفِرَاش.

=

= وَأَمَّا الْأَمَة فَعِنْد الشَّافِعِيّ وَمَالِك تَصِير فِرَاشًا بِالْوَطْءِ وَلَا تَصِير فِرَاشًا بِمُجَرَّدِ الْمِلْك حَتَّى لَوْ بَقِيَتْ فِي مِلْكه سِنِينَ وَأَتَتْ بِأَوْلَادٍ وَلَمْ يَطَأهَا وَلَمْ يُقِرّ بِوَطْئِهَا لَا يَلْحَقهُ أَحَد مِنْهُمْ، فَإِذَا وَطِئَهَا صَارَتْ فِرَاشًا، فَإِذَا أَتَتْ بَعْد الْوَطْء بِوَلَدٍ أَوْ أَوْلَاد لِمُدَّةِ الْإِمْكَان لَحِقُوهُ.

(وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَر): الْعَاهِر الزَّانِي وَعَهَرَ زَنَى وَعَهَرَتْ زَنَتْ، وَالْعِهْر الزِّنَا أَيْ وَلِلزَّانِي الْخَيْبَة وَلَا حَقّ لَهُ فِي الْوَلَد. وَعَادَة الْعَرَب أَنْ تَقُول لَهُ الْحَجَر وَبِفِيهِ الْأَثْلَب وَهُوَ التُّرَاب وَنَحْو ذَلِكَ يُرِيدُونَ لَيْسَ لَهُ إِلَّا الْخَيْبَة.

وَقِيلَ الْمُرَاد بِالْحَجَرِ هُنَا أَنَّهُ يُرْجَم بِالْحِجَارَةِ، وَهَذَا ضَعِيف؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلّ زَانٍ يُرْجَم وَإِنَّمَا يُرْجَم الْمُحْصَن خَاصَّة، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَم مِنْ رَجْمه نَفْي الْوَلَد عَنْهُ. وَالْحَدِيث إِنَّمَا وَرَدَ فِي نَفْي الْوَلَد عَنْهُ». (اهـ باختصار).

ص: 264

وقد ردّ على هذا الاتهام الدكتور خالد الغيث بقوله:

«

أما اتهام معاوية رضي الله عنه باستلحاق نسب زياد، فإني لم أقف على رواية صحيحة صريحة العبارة تؤكد ذلك، هذا فضلًا عن أن صحبة معاوية رضي الله عنه، وعدالته ودينه وفقهه تمنعه من أن يرد قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاسيما وأن معاوية أحد رواة حديث:«الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» (1).

ووجَّه الدكتور خالد الغيث التهمة إلى زياد بن أبيه بأنه هو الذي ألحق نسبه بنسب أبي سفيان واستدل برواية أخرجها مسلم في صحيحه من طريق أَبِي عُثْمَانَ النهدي قَالَ: «لَمَّا ادَّعَى زِيَادٌ لَقِيتُ أَبَا بَكْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ؛ إِنِّي سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُول: سَمِعَ أُذُنَايَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَهُوَ يَقُولُ: «مَنْ ادَّعَى أَبًا فِي الْإِسْلَامِ غَيْرَ أَبِيهِ يَعْلَمُ أَنَّهُ غَيْرُ أَبِيهِ فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ» .

فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ: «وَأَنَا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم» .

قال الإمام النووي رحمه الله مُعلقًا على هذا الخبر:

«فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَام الْإِنْكَار عَلَى أَبِي بَكْرَة؛ وَذَلِكَ أَنَّ زِيَادًا هَذَا الْمَذْكُورُ هُوَ الْمَعْرُوف بِزِيَادِ بْن أَبِي سُفْيَان، وَيُقَال فِيهِ: زِيَادُ بْن أَبِيهِ، وَيُقَال: زِيَاد بْن أُمِّهِ، وَهُوَ أَخُو أَبِي بَكْرَة لِأُمِّهِ، وَكَانَ يُعْرَف بِزِيَادِ بْن عُبَيْد الثَّقَفِيّ، ثُمَّ اِدَّعَاهُ مُعَاوِيَة بْن أَبِي سُفْيَان وَأَلْحَقَهُ بِأَبِيهِ أَبِي سُفْيَان، وَصَارَ مِنْ جُمْلَة أَصْحَابه بَعْد أَنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَلِيّ بْن أَبِي

(1) مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري (ص 372 - 379)، وانظر: فتح الباري (12/ 39).

ص: 265

طَالِب رضي الله عنه.فَلِهَذَا قَالَ أَبُو عُثْمَان لِأَبِي بَكْرَة مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ؟ وَكَانَ أَبُو بَكْرَة رضي الله عنه مِمَّنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَهَجَرَ بِسَبَبِهِ زِيَادًا، وَحَلَفَ أَنْ لَا يُكَلِّمَهُ أَبَدًا.

وَلَعَلَّ أَبَا عُثْمَان لَمْ يَبْلُغْهُ إِنْكَار أَبِي بَكْرَة حِين قَالَ لَهُ هَذَا الْكَلَام، أَوْ يَكُون مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ: مَا هَذَا الَّذِي صَنَعْتُمْ؟ أَيْ مَا هَذَا الَّذِي جَرَى مِنْ أَخِيك؟ مَا أَقْبَحَهُ وَأَعْظَم عُقُوبَته! فَإِنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وآله وسلم حَرَّمَ عَلَى فَاعِله الْجَنَّة» اهـ.

وبذلك يكون زياد هو المدعي، ولذلك هجره أخوه أبو بكرة رضي الله عنه.

ويزيد هذا الأمر تأكيدًا ما أورده الحافظ أبو نعيم في ترجمة زياد بن أبيه حيث قال: «زياد بن سمية: ادَّعَى أبا سفيان فنُسب إليه» (1).

وفي حقيقة الأمر فإن مسألة استلحاق معاوية رضي الله عنه زياد هي مسألة اجتهادية ويذهب الكثير من المؤرخين بأن هناك دلائل عديدة تثبت أن أبا سفيان قد باشر سمية ـ جارية الحارث بن كلدة الثقفي ـ وكانت من البغايا ذوات الرايات ـ في الجاهلية، فعلقت منه بزياد، وذكروا أن أبا سفيان اعترف بنفسه بذلك أمام علي بن طالب رضي الله عنه وآخرين بعدما شب زياد ونبغ في عهد عمر بن الخطاب (2).

وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن أبا سفيان كان يقول زياد من نطفته (3)، فلما كانت خلافة معاوية شهد لزياد بذلك النسب أبو مريم السلولي وهو صحابي كان يعمل في الجاهلية خَمَّارًا بالطائف، وهو الذي جمع بين أبي سفيان وسمية، وكان ذلك أمرًا مألوفًا آنذاك (4).

ويبدو أن هذا النسب قد شاع أمره حتى لقد شهد بذلك أحد رجال البصرة لزياد قبل استلحاق معاوية رضي الله عنه إياه (5)، فهي دعوة قديمة إذن ولم تكن كما يزعم الرواة

(1) معرفة الصحابة (3/ 1217).

(2)

مروج الذهب (3/ 14 ـ 15)، الدولة الأموية المفترى عليها (ص 195).

(3)

الفتاوي (20/ 148).

(4)

الكامل في التاريخ (2/ 470).

(5)

تاريخ الطبري (6/ 131، 132).

ص: 266

نتيجة مشورة المغيرة بن شعبة على معاوية رضي الله عنهما كجزء من صفقة متبادلة بين معاوية وزياد أو غير ذلك من التفاصيل التي اخترعها الرواة (1).

وبعد عقود من السنين نجد الإمام مالك بن أنس ـ إمام أهل المدينة ـ يذكر زيادًا في كتابه الموطأ بأنه زياد بن أبي سفيان، ولم يقل زياد بن أبيه، وذلك في عصر بني العباس (2)، والدولة لهم والحكم بأيديهم فما غيروا عليه، ولا أنكروا ذلك منه، لفضل علومهم ومعرفتهم بأن مسألة زياد قد اختلف الناس فيها، فمنهم من جوزها، ومنهم من منعها، فلم يكن لاعتراضهم عليها سبيل (3).

وأما تعارض هذا الاستلحاق ـ إن صح ـ مع نص الحديث الشريف، فمن اعتذر لمعاوية رضي الله عنه قال: إنما استلحق معاوية زيادًا لأن أنكحة الجاهلية كانت أنواعًا، وكان منها أن الجماعة يجامعون البَغِيَّ، فإذا حملت وولدت ألحقت الولد لمن شاءت منهم فيلحقه، فلمّا جاء الإسلام حرّم هذا النكاح، إلا أنّه أقر كل ولد كان يُنسب إلى أب من أي نكاح كان من أنكحتهم على نسبه، ولم يفرّق بين شيء منها، فتوهم معاوية أنّ ذلك جائز له ولم يفرّق بين استلحاق في الجاهلية، والإسلام (4).

وأجاز الإمام مالك أن يستلحق الأخ أخا له ويقول: هو ابن أبي، ما دام ليس له منازع في ذلك النسب. فالحارث بن كلدة ـ الذي كانت سمية جارية له ـ لم ينازع زيادًا، ولا كان إليه منسوبًا، وإنما كان ابن أمَةٍ بغي وُلد على فراشه ـ أي في داره ـ فكل من ادعاه فهو له، إلا أن يعارضه من هو أولى به منه، فلم يكن على معاوية في ذلك مغمز، بل فعل الحق على مذهب الإمام مالك.

(1) الدولة الأموية المفترى عليها (ص 196).

(2)

المصدر نفسه (ص 196).

(3)

العواصم من القواصم (ص 254).

(4)

الكامل في التاريخ (2/ 471).

ص: 267