الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الرابعة عشرة
قالوا: «إن معاوية سمَّ الحسن بن عليٍّ رضي الله عنهما» .
الجواب:
أولا: هذا الادعاء باطل وذلك لأسباب وهي:
أـ أنه لم يثبت أي دليل صحيح عليه، وإن كان عند الشيعة نقل ثابت عن عدل فليرشدونا إليه لا أن يتهموا صحابيًا دون أن يأتوا ببينة على ادعائهم.
ومثل هذا لا يحكم به في الشرع باتفاق المسلمين، فلا يترتب عليه أمر ظاهر: لا مدح ولا ذم.
ب ـ كان الناس في تلك المرحلة في حالة فتنة تتصارعهم الأهواء وكل فرقة تنسب للأخرى ما يذمها وإذا نقل لنا ذلك فيجب ألا نقبله إلا إذا نقل بعدل ثقة ضابط.
جـ ـ إن هذه الحادثة ـ قصة دس السم من قبل معاوية للحسن ـ تستسيغها العقول في حالة واحدة فقط؛ وهي كون الحسن بن علي رضي الله عنهما رفض الصلح مع معاوية رضي الله عنه وأصر على القتال، ولكن الذي حدث أن الحسن صالح معاوية رضي الله عنهما وسلم له بالخلافة طواعية وبايعه عليها، فعلى أي شيء يقدم معاوية على سم الحسن رضي الله عنهما؟؟!!
هـ- لا نلمس لهذه القضية أثرًا في قضية قيام الحسين رضي الله عنه، أو حتى عتابًا من الحسين لمعاوية رضي الله عنهما. ولو كان هذا حقًا لذُكِرَ ذلك.
ثانيًا: أقوال أهل العلم في هذه المسألة:
1 -
قال ابن العربي رحمه الله:
«فإن قيل: دس ـ أي معاوية ـ على الحسن مَن سَمَّه، قلنا هذا محال من وجهين:
أحدهما: أنه ما كان ليتقي من الحسن بأسًا وقد سلّم الأمر.
الثاني: أنه أمر مغيب لا يعلمه إلا الله، فكيف تحملونه بغير بينة على أحد من خلقه، في زمن متباعد، لم نثق فيه بنقل ناقل، بين أيدي قوم ذوي أهواء، وفي حال فتنة
وعصبية، ينسب كل واحد إلى صاحبه مالا ينبغي، فلا يقبل منها إلا الصافي، ولا يسمع فيها إلا من العدل الصميم» (1).
2 -
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وأما قوله: إن معاوية سم الحسن، فهذا مما ذكره بعض الناس، ولم يثبت ذلك ببينة شرعية، أو إقرار معتبر، ولا نقل يجزم به، وهذا مما لا يمكن العلم به، فالقول به قول بلا علم» (2).
3 -
قال الذهبي رحمه الله: «قلت: هذا شيء لا يصح فمن الذي اطلع عليه» . (3)
4 -
قال ابن كثير رحمه الله: «وروى بعضهم أن يزيد بن معاوية بعث إلى جعدة بنت الأشعث أن سُمّي الحسن وأنا أتزوجك بعده، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت إليه فقال: «إنا والله لم نرضك للحسن أفنرضاك لأنفسنا؟» .
وعندي أن هذا ليس بصحيح، وعدم صحته عن أبيه معاوية بطريق الأولى والأحرى» (4).
5 -
قال ابن خلدون (5): «وما نقل من أن معاوية دس إليه السم مع زوجته جعدة بنت الأشعث، فهو من أحاديث الشيعة، وحاشا لمعاوية من ذلك» .
ثالثًا: إن الذي نُقِلَ لنا عن حادثة سم الحسن بن علي رضي الله عنه روايات متضاربة ضعيفة.
بعضها يقول أن الذي دس السم له هي زوجته.
(1) العواصم من القواصم (ص 220 - 221).
(2)
منهاج السنة (4/ 469.
(3)
تاريخ الإسلام (عهد معاوية ص 40).
(4)
البداية والنهاية (8/ 43).
(5)
في تاريخه (2/ 649).
وبعضها يقول أن أباها الأشعث بن قيس هو الذي أمرها بذلك (1).
وبعضها يتهم معاوية رضي الله عنه بأن أوعز إلى بعض خدمه فسمّه.
وبعضها يتهم ابنه يزيد.
وهذا التضارب في حادثة كهذه، يضعف هذه النقول؛ لأنها يعزوها النقل الثابت بذلك، والرافضة ـ خيبهم الله ـ لم يعجبهم من هؤلاء إلا الصحابي الجليل معاوية رضي الله عنه يلصقون به التهمة، مع أنه أبعد هؤلاء عنها.
رابعًا: إن من الدلالة على ضعف تلك الاتهامات وعدم استنادها إلى معقول أو محسوس، ما ذكر حول علاقة جعدة بنت قيس بمعاوية ويزيد، حيث زعموا أن يزيد بن معاوية أرسل إلى جعدة بنت قيس أن سُمّي حسنًا فإني سأتزوجك، ففعلت، فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى يزيد تسأله الوفاء، فقال:«إنا والله لم نرضك له أفنرضاك لأنفسنا» .
ولعل الناقد لمتن هذه الرواية يتجلى له عدة أمور:
* هل معاوية رضي الله عنه أو ولده يزيد بهذه السذاجة ليأمرا امرأة الحسن بهذا الأمر الخطير، الذي فيه وضع حد لحياة الحسن بن علي رضي الله عنهما غيلة، وما هو موقف معاوية أو ولده أمام المسلمين لو أن جعدة كشفت أمرهما؟!
(1) الأشعث بن قيس بن معد يكرب الكندي، أبو محمد، له صحبة، وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة عشر في سبعين راكبًا من كندة وكان من ملوك كنده، فأسلم، وشهد اليرموك فأصيبت عينه وكان مع عليّ يوم صِفِّين وحضر معه وقعة النهروان ثم عاد إلى الكوفة فتوفى فيها سنة 40هـ.
روى له البخاري ومسلم تسعة أحاديث. (انظر ترجمته في: الإصابة 1/ 66؛ الأعلام 1/ 333 - 334).
ومما يدل على كذب هذه الرواية أن الأشعث بن قيس رضي الله عنه مات سنة أربعين، وقيل إحدى وأربعين، ولهذا لم يذكر في الصلح الذي كان بين معاوية والحسن بن علي، في العام الذي كان يسمى عام الجماعة، وهو عام 41هـ، وكان الأشعث حما الحسن بن عليّ، فلو كان شاهدًا لكان يكون له ذكر في ذلك، وإذا كان قد مات قبل الحسن بنحو عشر سنين، فكيف يكون هو الذي أمر ابنته أن تسم الحسن؟!!
* هل جعدة بنت الأشعث بن قيس بحاجة إلى شرف أو مال حتى تسارع لتنفيذ هذه الرغبة من يزيد، وبالتالي تكون زوجة له، أليست جعدة ابنة أمير قبيلة كندة كافة وهو الأشعث بن قيس، ثم أليس زوجها وهو الحسن بن علي أفضل الناس شرفًا ورفعة بلا منازعة، إن أمه فاطمة رضي الله عنها وجده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكفى به فخرًا، وأبوه علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أحد العشرة المبشرين بالجنة ورابع الخلفاء الراشدين، إذًا ما هو الشيء الذي تسعى إليه جعدة وستحصل عليه حتى تنفذ هذا العمل الخطير؟!
* ولو كانت هي التي فعلت ذلك لما خفي ذلك على الحسن أو الحسين رضي الله عنهما ولأقاموا عليها الحد فلمّا لم يفعلوا ذلك دلَّ على أن هذا الأمر لا يستقيم.
خامسًا: إذا كان معاوية رضي الله عنه يريد أن يصفي الساحة من المعارضين حتى يتمكن من مبايعة يزيد بدون معارضة، فإنه سيضطر إلى تصفية الكثير من أبناء الصحابة رضي الله عنهم، ولن تقتصر التصفية على الحسن رضي الله عنه فقط.
سادسًا: إن بقاء الحسن من مصلحة معاوية رضي الله عنهما في بيعة يزيد، فإن الحسن كان كارهًا للنزاع وفرقة المسلمين، فربما ضمن معاوية رضاه، وبالتالي يكون له الأثر الأكبر في موافقة بقية أبناء الصحابة.
سابعًا: إن هناك الكثير من أعداء الحسن بن علي رضي الله عنه، قبل أن يكون معاوية هو المتهم الأول:
فهناك السبئية الذين وجه لهم الحسن صفعة قوية عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية وجعل حدًا لصراع المسلمين.
وهناك الخوارج الذين قاتلهم أبوه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في النهراون، وهم الذين طعنوه في فخذه، فربما أرادوا الانتقام من قتلاهم في النهروان وغيرها.
ثامنًا: إن ثبت موت الحسن رضي الله عنه بالسم، فهذه شهادة له وكرامة في حقه كما قال بذلك شيخ الإسلام ابن تيمية (1).
(1) منهاج السنة (4/ 42).
ولمزيد فائدة راجع كتاب: (أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الأول الهجري) للدكتور محمد نور ولي (1) وكتاب (مواقف المعارضة في خلافة يزيد بن معاوية) للدكتور محمد بن عبد الهادي الشيباني (2) لتقف على الكم الهائل من الروايات المكذوبة على معاوية رضي الله عنه من قِبَل الشيعة في قضية سم الحسن رضي الله عنه.
إن أحد مؤرخي الشيعة وهو ابن رستم في كتابه: دلائل الإمامة (3) قد بالغ في اتهام معاوية رضي الله عنه، وادعى أنه سم الحسن رضي الله عنه سبعين مرة فلم يفعل فيه السم، ثم ساق خبرًا طويلًا ضمنه ما بذله معاوية لجعدة من الأموال والضِياع لتَسُمّ الحسن، وغير ذلك من الأمور الباطلة.
(1) ص 367 - 368.
(2)
ص 120 - 125.
(3)
ص 61.