الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة التاسعة
الجواب:
وأما قولهم: «إن الفتح كان في رمضان لثمان من مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة» ، فهذا صحيح.
فهذا من أظهر الكذب؛ فإن معاوية أسلم عام الفتح باتفاق الناس، وقد تقدّم قول الشيعة:«إنه من المؤلفة قلوبهم» ، والمؤلفة قلوبهم أعطاها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عام حُنَين من غنائم هَوَازن، وكان معاوية رضي الله عنه ممن أعطاه منها، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتألّف السادة المُطاعين في عشائرهم، فإن كان معاوية هاربًا لم يكن من المؤلفة قلوبهم، ولو لم يسلم إلا قبل موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعطَ شيئًا من غنائم حنين.
ومن كانت غايته أن يُؤَمَّن لم يحتج إلى تأليف.
وقد ذكر البياضي ـ وهو من علماء الشيعة ـ أن معاوية أظهر إسلامه في عام الفتح، فقال:«قد صح من التاريخ أنه أظهر الإسلام سنة ثمانية من الهجرة» (1).
فهذا شاهد منهم ينقل أنه قد صح إظهار معاوية لإسلامه في السنة الثامنة ـ عام الفتح ـ وقوله حجة على من زعم تأخر ذلك.
وأقل أحوال معاوية أن يكون من الطلقاء أو المؤلفة قلوبهم، وكونه منهم لا يقدح به لأن أكثر الطلقاء المؤلفة قلوبهم حسن إسلامهم.
وبعض الناس يقول: إنه قد أسلم قبل ذلك.
ومما يبيّن كذب ما ذكره الرافضة أنه لم يتأخر إسلام أحد من قريش إلى هذه الغاية، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث أبا بكر عام تسع بعد الفتح بأكثر من سنة ليقيم الحج، وينادي أن لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان.
في تلك السنة نُبذت العهود إلى المشركين، وأجِّلوا أربعة أشهر، فانقضت المدة في سنة عشر، فكان هذا أمانًا لكل مشرك من سائر قبائل العرب، وغزا النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة تبوك سنة تسع لقتال النصارى بالشام، وقد ظهر الإسلام بأرض العرب.
ولو كان لمعاوية رضي الله عنه من الذنوب ما كان لكان الإسلام يَجُبُّ ما قبله، فكيف ولم يُعرف له ذنب يهرب لأجله، أو يُهدر دمه لأجله؟! وأهل السير والمغازي متفقون على أنه لم يكن معاوية رضي الله عنه ممن أهدر دمه عام الفتح.
فهذه مغازي عُروة بن الزبير، والزهري، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق، والواقدي، وسعيد بن يحيى الأموي، ومحمد بن عائذ، وأبي إسحاق الفزاري وغيرهم. وكتب التفسير والحديث كلها تنطق بخلاف ما ذكره الشيعة.
والذين أهدر النبي صلى الله عليه وآله وسلم دماءَهم كانوا نفرًا قليلًا نحو العشرة.
وأبو سفيان كان أعظم الناس عداوة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهو في غزوة بدر الذي أرسل إلى قريش ليستنفرهم، وفي غزوة أحد هو الذي جمع الأموال التي كانت معه
(1) الصراط المستقيم للبياضي (3/ 46).
للتجارة، وطلب من قريش أن ينفقها في قتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو أعظم قواد الجيش يوم أحد، وهو قائد الأحزاب أيضًا، وقد أسلم أبو سفيان، وأمّنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
فكيف يُهدِر دم معاوية، وهو شاب صغير ليس له ذنب يختص به، ولا عُرف عنه أنه كان يحضُّ على عداوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أمَّن رؤوس الأحزاب؟ فهل يَظُن هذا إلا مَن هو أجهل الناس بالسيرة؟ وهذا الذي ذكرناه مجمع عليه بين أهل العلم مذكور في عامة الكتب المصنّفة في هذا الشأن.
* وأما قولهم: «إنه استحق أن يُوصف بذلك دون غيره» .
ففرية على أهل السنة؛ فإنه ليس فيهم من يقول: إن هذا من خصائص معاوية، بل هو واحد من كتّاب الوحي.