الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثانية والعشرون
هل قتل معاوية عبد الرحمن بن خالد بن الوليد
؟
قال الطبري: «خبر انصراف عبد الرحمن بن خالد إلى حمص وهلاكه:
وفيها انصرف عبد الرحمن بن خالد بن الوليد من بلاد الروم إلى حمص، فدس ابن أثال النصراني إليه شربةً مسمومةً ـ فيما قيل ـ فشربها فقتلته».
ثم روى الطبري من طريق عمر بن شبه عن علي بن محمد المدائني عن مسلمة بن محارب أن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد كان قد عظم شأنه بالشام، ومال إليه أهلها، لما كان عندهم من آثار أبيه خالد بن الوليد، ولغنائه عن المسلمين في أرض الروم وبأسه، حتى خافه معاوية وخشي على نفسه منه، لميل الناس إليه، فأمر ابن أثال أن يحتال في قتله، وضمن له إن هو فعل ذلك أن يضع عنه خراجه ما عاش، وأن يوليه جباية خراج حمص.
فلما قدم عبد الرحمن بن خالد حمص منصرفًا من بلاد الروم دس إليه ابن أثال شربة مسمومة مع بعض مماليكه، فشربها فمات بحمص، فوفى له معاوية ما ضمن له، وولاه خراج حمص، ووضع عنه خراجه» (1).
الجواب:
أولا: هذا الخبر لا يصح!
فيه مسلمة بن محارب وهو الزيادي فيه جهالة روى عن أبيه وابن جريج وروى عنه المدائني لم يوثقه غير ابن حبان (2).
ذكره البخاري في «التاريخ الكبير» ، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» ولم يذكرا فيه جرحًا ولا تعديلًا.
(1) تاريخ الطبري (3/ 202).
(2)
الثقات (7/ 490).
ثم أن مسلمة بن محارب لم يدرك القصة وهو لا يروي عن معاوية رضي الله عنه إلا بواسطة مما يدل على أن القصة منقطعة السند (1).
وأيضًا في السند علي بن محمد المدائني الأنباري قال فيه ابن عدي: «ليس بالقوي في الحديث ، وهو صاحب أخبار ، قَلَّ ما له من الروايات المسندة» (2).
لذا رواها الطبري بصيغة التمريض قال: «فيما قيل» (3).
وقال ابن كثير: «وزعم بعضهم أن ذلك عن أمر معاوية له في ذلك ولا يصح» (4).
وروى هذه القصة بنحوها البلاذري، قال: حدثني محمد بن سعد عن الواقدي قال: «توفي خالد بن الوليد بن المغيرة بحمص سنة عشرين، وأوصى إلى عمر بن الخطاب، وكان عبدالرحمن بن خالد يلي الصوائف فيبلى ويحسن أثره ، فعظم أمره بالشام ، فدس إليه معاوية متطببًا يُقال له ابن أثال ليقتله وجعل له خراج حمص فسقاه شربة فمات فاعترض خالد بن المهاجر بن خالد ـ ويقال خالد بن عبدالرحمن بن خالد ـ ابنَ أثال فضربه بالسيف فقتله ، فرفع أمره إلى معاوية ، فحبسه أيامًا وأغرمه دِيَتَهُ ولم يُقِدْه به» (5).
وفي سند هذه القصة الواقدي وهو متروك الحديث.
ثانيًا: هذه الروايات بالإضافة إلى ضعف سندها يوجد اختلاف في متنها مع الواقع الملموس فمعاوية رضي الله عنه بيده عزل الأمراء أو توليتهم كما هو معروف، وليس بالصعوبة على معاوية أن يطلب من عبد الرحمن بن خالد أن يتنحى عن قيادة الصوائف على الثغر الرومي، وتكون النتيجة أن يهمل عبد الرحمن بن خالد ثم لا يكون له أي مكانة يُخشى منها.
(1) انظر التاريخ الكبير (7/ 387) ، الجرح والتعديل (8/ 266) ، الثقات (7/ 490).
(2)
تاريخ الطبري (3/ 202).
(3)
الكامل (5/ 213).
(4)
البداية والنهاية (8/ 24).
(5)
أنساب الأشراف (5/ 118).
وقد ورد أن معاوية رضي الله عنه عزله وولى بدلًا منه سفيان بن عوف الغامدي على إحدي الصوائف (1)، وهذا لا يشكل صعوبة على معاوية، بل إن معاوية كان يعزل عن الإمارة من هو أعظم وأقوى من عبد الرحمن بن خالد.
ثالثًا: كيف يقوم معاوية بقتله وقد أورد الطبري ذكر غزوة البحر سنة 48هـ وكان قائد أهل مصر عقبة بن عامر الجهني، وعلى أهل المدينة المنذر بن زهير، وعلى جميعهم خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد (2)، فكيف يرضى معاوية أن يكون ولد عبد الرحمن بن خالد قائدًا كبيرًا من بعد أبيه هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى كيف يرضى أن يقوم ولده خالد بقيادة الجيش لمعاوية إن كان معاوية قاتلَ أبيه، وهل يمكن أن يخفى على ولده هذا الأمر وهو أقرب الناس إليه؟
(1) تهذيب تاريخ دمشق (6/ 185)، أنساب الأشراف (4/ 104).
(2)
تاريخ الطبري (6/ 147).