الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جهاد
معاوية رضي الله عنه وفتوحاته
شهد معاويةُ رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حُنينا والطائف، وشهد غزوة تبوك، وهي العُسرة.
وفي أيام أبي بكر الصديق رضي الله عنه شهد حرب المرتدين في اليمامة.
ثم جمع أبو بكر رضي الله عنه أناسًا ووجههم إلى الشام، وأمَّر عليهم معاوية رضي الله عنه، وأمرهم باللحاق بيزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه، وهي أول مهمة قيادية يتولاها معاوية.
ثم صَحِبَ أخاهُ يَزيدَ أميرَ الشام في فُتوحها، وشهد اليرموك، وفتح دمشق تحت راية يزيد.
وفي عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أرسل يزيدُ حملةً بإمرة أخيه معاوية رضي الله عنهما إلى سواحل بلاد الشام فافتتحها.
وكان معاوية رضي الله عنه من الجيش الذي فتح بيت المقدس، ودخل المسجد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان أحد أربعة شهدوا على العَهد العُمَري الشهير.
وفي سنة تسع عشرة زمن عمر كانَ معاويةُ رضي الله عنه قائدَ فتحِ قَيْسَارِيَّة، من المعارك الفاصلة مع الروم، وكان فيها بَطارِقَتُهم، وقد حاصرها معاوية حصارًا شديدًا، وأبلى فيها بلاءً كبيرًا.
فعن عبد الله بن العلاء، قال: ثَغَرَ المسلمون من حائط قيساريةِ فلسطين ثغرة؛ فتحاماها الناس، فكتب عمر إلى معاوية رضي الله عنهما بتوليه قتالها، فتناول اللواء وأنهض الناس وتبعوه، فركز لواءه في الثغرة؛ فقال:«أنا ابن عنبسة» . يريد الأسد (1).
(1) رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 381) بسند صحيح.
وتولى معاوية إمارة دمشق في عهد عمر بعد وفاة يزيد رضي الله عنهم في طاعون عَمَواس سنة 18، ثم تفرد بإمرة الشام آخر عهد عمر، وقام على ثغورها، وفتح عسقلان، وتتبع ما بقي من فلسطين.
وكان قد استأذن عمر في بناء قوة بحرية لمحاربة الروم فلم يأذن.
ثم توفي عمر وهو عن معاوية راض، فأقرّه عثمان بن عفان ـ رضي الله عنهم جميعًا ـ على إمرة الشام كلها، وكان معاوية يغزو الروم، وكان على رأس صائفة، واستطاع أن يصل إلى عمّورية (موقع أنقرة اليوم)، ومعه عدد من الصحابة، منهم: عبادة بن الصامت، وأبو أيوب الأنصاري، وأبو ذر الغفاري، وأبو الدرداء، وشداد بن أوس رضي الله عنهم.
وأعاد معاوية طلب بناء قوة بحرية للمسلمين، فوافق عثمان رضي الله عنه، فبنى أسطولًا، وغزا بنفسه جزيرة قبرص سنة خمس وعشرين وقيل سنة ثمان وعشرين.
وعندما قامت الدولة الأموية استكمل معاوية رضي الله عنه ما بدأه في بناء القوة البحرية لحماية سواحل الدولة الإسلامية بإقامة المراكب للغزو إلى جانب ترتيب الحفظة في السواحل مما استولى عليه المسلمون من قواعد ومنشآت بحرية، وعندما خرجت الروم في عهده إلى السواحل الشامية أمر بجمع الصناع من النجارين فجُمعوا ورتبهم في السواحل الشامية وجعل مقر دار صناعة السفن في جند الأردن بعكا.
كما أنشأ الخليفة معاوية رضي الله عنه أول دار صناعة للأساطيل لإنتاج السفن الحربية المختلفة بمصر سنة 54هـ في عهد واليها مسلمة بن مخلد الأنصاري، وكان مقرها بجزيرة الروضة لذا عرفت باسم صناعة الروضة.
وبلغت السفن الحربية في عهد معاوية رضي الله عنه نحوًا من ألف وسبعمائة سفينة شراعية مشحونة بالرجال والسلاح وجميع العتاد، والمستلزمات القتالية البحرية.
وجاء حديثٌ في فضل أوّل من يغزو البحر من الأمة كما تقدّم (1)، وهو أمير تلك الغزوة، ومعه عدد من الصحابة، وقام بتحصين أسوار سواحل الشام عند ذهابه إلى قبرص، مثل عكا وصور، وأنشأ حصونًا وشحنها بالجند.
ثم أعاد فتح قبرص سنة 33 عندما نقض أهلها العهد.
كما غزا معاوية بلاد الروم على رأس صائفة، فوصل إلى (حصن المرأة) قرب ثغر ملاطية.
وكان لمعاوية إسهام في دحر بقايا الروم في سواحل الشام، مثل طرابلس.
توقفت الفتوحات بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه مظلومًا.
قال سعيد بن عبد العزيز: لما قُتل عثمان واختلف الناس لم تكن للناس غازية ولا صائفة حتى اجتمعت الأمة على معاوية سنة أربعين، وسمّوها سنة الجماعة.
قال سعيد: فأغزا معاويةُ الصوائف وشتّاهم بأرض الروم؛ ست عشرة صائفة تصيفُ بها وتشتُو، ثم تَقفلُ وتدخلُ مُعَقِّبَتُها، ثم أغزاهم معاويةُ ابنَه يزيد في سنة ثنتين وخمسين في جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و رضي الله عنهم في البر والبحر؛ حتى أجاز بهم الخليج، وقاتلوا أهل القسطنطينة على بابها، ثم قَفِل.
فلم يزل معاوية على ذلك حتى مضى لسبيله، وكان آخر ما وصّاهم به أن شُدّوا خناق الروم، فإنكم تَضبِطون بذلك غيرَهم من الأمم.
(1) روى البخاري في صحيحه عن أم حَرَام الأنصارية أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا» . قَالَتْ أُمُّ حَرَامٍ رضي الله عنها:قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا فِيهِمْ؟»
قَالَ: «أَنْتِ فِيهِمْ» .ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ مَغْفُورٌ لَهُمْ»
فَقُلْتُ: «أَنَا فِيهِمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟» قَالَ: «لَا» . (رواه البخاري).
(مَدِينَةَ قَيْصَر) يَعْنِي الْقُسْطَنْطِينِيَّة. (قَدْ أَوْجَبُوا) أَيْ فَعَلُوا فِعْلًا وَجَبَتْ لَهُمْ بِهِ الْجَنَّة.
قَالَ الْمُهَلَّب: فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَنْقَبَة لِمُعَاوِيَة لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا الْبَحْرَ، وَمَنْقَبَةٌ لِوَلَدِهِ يَزِيد لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ غَزَا مَدِينَةَ قَيْصَرَ.
ولم يقتصر الأمر على الغزو الهجومي، بل وزَّع معاوية الصُنّاع والجند على سواحل الشام، بعد أن كانت الصناعة في مصر فقط.
ثم عادت الفتوحات واتسعت أيام خلافة معاوية، وأرسل لحصار القسطنطينية.
ثم جدد حصارها ولمدة أربع سنوات (من سنة 53 إلى 57هـ).
وغزا جُزُرَ صقلية، ورودس، وجربا، كريت، وكثير من جزر بحر إيجة قرب القسطنطينية.
وأما في إفريقية، فقد جدد معاوية فتحها، ووصل إلى مكان تونس اليوم، كما فتح مناطق من فزّان، والسودان.
وفي عهده افتتح بعض المناطق في المشرق، مثل الرُّخّج وبعض سجستان، وقوهستان، وغزا أمراؤه بلادَ السِّند، وجبال الغور، وبلاد اللان، واجتازوا النهر، وهم أول من اجتازه من جند المسلمين، ودخلوا بخارى، وسمرقند، وتِرْمِذ.
وفي عهده شَتَّتَ الخوارجَ، واشتدَّ وُلاتُه عليهم، وأراحوا المسلمين من شرِّهم.
والحاصل كما قال أبونعيم: «مَلَكَ الناسَ كلَّهم عشرين سنة منفردًا بالمُلك، يفتح الله به الفتوح، ويغزو الروم، ويقسم الفيء والغنيمة، ويقيم الحدود، والله تعالى لا يُضِيْعُ أجرَ من أحسنَ عَملًا» (1).
وتحدث القاضي ابن العربيِّ المالكي عن الخصال التي اجتمعت في معاوية رضي الله عنه ، فذكر منها: «
…
قيامه بحماية البيضة، وسدِّ الثغور ، وإصلاح الجند ، والظهور على العدوِّ ، وسياسة الخلق» (2).
(1) معرفة الصحابة (5/ 2497).
(2)
العواصم من القواصم (ص 210، 211).