الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة السادسة
قالوا: إن أهل السنة قالوا لمعاوية إنه خال المؤمنين دون محمد بن أبي بكر، وسبب ذلك محبة محمد بن أبي بكر لعليّ رضي الله عنه، ومفارقته لأبيه، وبغض معاوية لعلي ومحاربته له.
الجواب:
تنازع العلماء في إخوة أمهات المؤمنين: هل يقال لأحدهم خال المؤمنين (1)؟
فقيل: يقال لأحدهم خال المؤمنين؛ وعلى هذا فهذا الحكم لا يختص بمعاوية بل يدخل في ذلك عبد الرحمن ومحمد ولدا أبي بكر، وعبد الله وعبيد الله وعاصم أولاد عمر ويدخل في ذلك عمرو بن الحارث بن أبي ضرار أخو جويرية بنت الحارث، ويدخل في ذلك عتبة بن أبي سفيان ويزيد بن أبي سفيان أخوا معاوية.
ومن علماء السنة من قال: لا يطلق على إخوة الأزواج أنهم أخوال المؤمنين فإنه لو أطلق ذلك لأطلق على أخواتهن أنهن خالات المؤمنين ولو كانوا أخوالا وخالات لحرم على المؤمنين أن يتزوج أحدهم خالته وحرم على المرأة أن تتزوج خالها.
وقد ثبت بالنص والإجماع أنه يجوز للمؤمنين والمؤمنات أن يتزوجوا أخواتهن وإخوتهن كما تزوج العباس أم الفضل أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين ووُلد له منها عبد الله والفضل وغيرهما، وكما تزوج عبد الله بن عمر وعبيد الله ومعاوية وعبد الرحمن بن أبي بكر ومحمد بن أبي بكر من تزوجوهن من المؤمنات ولو كانوا أخوالًا لهن لما جاز للمرأة أن تتزوج خالها.
قالوا: وكذلك لا يطلق على أمهاتهن أنهن جدات المؤمنين ولا على آبائهن أنهم أجداد المؤمنين لأنه لم يثبت في حق الأمهات جميع أحكام النسب وإنما ثبت الحرمة
(1) جاء في معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد: (خال المؤمنين) في إطلاق ذلك على إخوان زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولان للعلماء: المنع، والجواز، وحكاهما الكرماني في (شرح البخاري) ولم يرجِّح.
والتحريم وأحكام النسب تتبعض كما يثبت بالرضاع التحريم والمحرمية ولا يثبت بها سائر أحكام النسب وهذا كله متفق عليه.
والذين أطلقوا على الواحد من أولئك أنه خال المؤمنين لم ينازعوا في هذه الأحكام ولكن قصدوا بذلك الإطلاق أن لأحدهم مصاهرة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم واشتهر ذكرهم لذلك عن معاوية رضي الله عنه كما اشتهر أنه كاتب الوحي وقد كتب الوحي غيره، فهم لا يذكرون ما يذكرون من ذلك لاختصاصه به بل يذكرون ما له من الاتصال بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يذكرون في فضائل غيره ما ليس من خصائصه، كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي رضي الله عنه:«لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ اللهُ وَرَسُولُهُ» . (رواه البخاري ومسلم).
وقول علي رضي الله عنه: «وَالَّذِى فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ إِنَّهُ لَعَهْدُ النَّبِىِّ الأُمِّىِّ صلى الله عليه وآله وسلم إِلَىَّ «أَنْ لَا يُحِبَّنِى إِلَاّ مُؤْمِنٌ وَلَا يُبْغِضَنِى إِلَاّ مُنَافِقٌ» . (رواه مسلم).
فهذان الأمران ليسا من خصائص علي رضي الله عنه لكنهما من فضائله ومناقبه التي تعرف بها فضيلته واشتهر رواية أهل السنة لها ليدفعوا بها قدْح مَن قدَح في علي رضي الله عنه من الخوارج وغيرهم حيث جعلوه كافرًا أو ظالمًا.
ومعاوية رضي الله عنه أيضا لما كان له نصيب من الصحبة والاتصال برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصار أقوام يجعلونه كافرًا أو فاسقًا ويستحلون لعنته ونحو ذلك احتاج أهل العلم أن يذكروا ما له من الاتصال برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليرعى بذلك حق المتصلين برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحسب درجاتهم.
وهذا القدر لو اجتهد فيه الرجل وأخطأ لكان خيرًا ممن اجتهد في بغضهم وأخطأ فإن باب الإحسان إلى الناس والعفو عنهم مقدم على باب الإساءة والانتقام، فخطأ المجتهد في الإحسان إليهم بالدعاء والثناء عليهم والذب عنهم خير من خطئه في الإساءة إليهم باللعن والذم والطعن.
وما شجر بينهم غايته أن يكون ذنبًا والذنوب مغفورة بأسباب متعددة هم أحق بها ممن بعدهم وما تجد أحدًا قدح فيهم إلا وهو يغضي عما هو أكبر من ذلك من زلات غيرهم وهذا من أعظم الجهل والظلم.
وهؤلاء الرافضة يقدحون فيهم بالصغائر وهم يغضون عن الكفر والكبائر فيمن يعاونهم من الكفار والمنافقين كاليهود والنصارى والمشركين والإسماعيلية والنصيرية وغيرهم؛ فمن ناقش المؤمنين على الذنوب وهو لا يناقش الكفار والمنافقين على كفرهم ونفاقهم بل وربما يمدحهم ويعظمهم دل على أنه من أعظم الناس جهلًا وظلمًا إن لم ينته به جهله وظلمه إلى الكفر والنفاق.
ومما يبين تناقضهم أنه ذكروا معاوية ومحمد بن أبي بكر وأنهم سموا هذا خال المؤمنين ولم يسموا هذا خال المؤمنين ولم يذكروا بقية من شاركهما في ذلك وهم أفضل منهما كعبد الله بن عمر بن الخطاب وأمثاله.
وقد بينا أن أهل السنة لا يخصون معاوية رضي الله عنه بذلك وأما هؤلاء الرافضة فخصوا محمد بن أبي بكر بالمعارضة وليس هو قريبًا من عبد الله بن عمر في عمله ودينه بل ولا هو مثل أخيه عبد الرحمن بل عبد الرحمن له صحبة وفضيلة.
ومحمد بن أبي بكر إنما وُلد عام حجة الوداع بذي الحليفة ولم يدرك من حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا خمس ليال من ذي القعدة وذا الحجة والمحرم وصفر وأوائل شهر ربيع الأول ولا يبلغ ذلك أربعة أشهر.
ومات أبوه أبو بكر وتزوج علىٌّ رضي الله عنهما بعد أبي بكر بأمه أسماء بنت عميس رضي الله عنها فكان ربيب على وكان اختصاصه بعلي لهذا السبب.
* وأما قولهم: «إن سبب قول أهل السنة لمعاوية إنه خال المؤمنين دون محمد بن أبي بكر محبة محمد بن أبي بكر لعليّ، ومفارقته لأبيه» ، فكَذِبٌ بَيِّنٌ، وذلك أن محمد بن أبي بكر في حياة أبيه لم يكن إلا طفلًا له أقل من ثلاث سنين، وبعد موت أبيه كان من أشد الناس تعظيمًا لأبيه، به كان يتشرف، وكانت له بذلك حرمة عند الناس.
وأما قولهم: «إن سبب قول أهل السنة لمعاوية إنه خال المؤمنين دون محمد بن أبي بكر، أن محمدًا هذا كان يحب عليًّا، ومعاوية كان يبغضه» .
فيقال: هذا كذب أيضًا؛ فإن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما كان أحق بهذا المعنى مِن هذا وهذا، وهو لم يقاتل لا مع هذا ولا مع هذا، وكان معظِّمًا لعليّ رضي الله عنه، محبًا له، يذكر فضائله ومناقبه، وكان مبايعًا لمعاوية لما اجتمع عليه الناس غير خارج عليه، وأخته أفضل من أخت معاوية، وأبوه أفضل من أبي معاوية، والناس أكثر محبة وتعظيمًا له من معاوية ومحمد، ومع هذا فلم يشتهر عنه خال المؤمنين.
فعُلم أنه ليس سبب ذلك ما ذكره.
وأيضًا فأهل السنّة يحبون الذين لم يقاتلوا عليًّا رضي الله عنه أعظم مما يحبون مَن قاتَله، ويفضِّلون مَن لم يقاتله على من قاتله، كسعد بن أبي وقاص، وأسامة بن زيد، ومحمد بن مسلمة، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم. فهؤلاء أفضل من الذين قاتلوا عليًّا عند أهل السنة.
والحب لعليّ رضي الله عنه وترك قتاله خير بإجماع أهل السنة من بغضه وقتاله.
وهم متفقون على وجوب موالاته ومحبته، وهم من أشد الناس ذَبًّا عنه، وردًّا على من يطعن عليه من الخوارج وغيرهم من النواصب، لكن لكل مقام مقال.
والرافضة لا يمكنهم أن يثبتوا وجوب موالاته كما يمكن لأهل السنة.
وأهل السنة متفقون على ذم الخوارج الذين هم أشد بغضًا له وعداوة من غيرهم.
وأهل السنة متفقون على وجوب قتالهم، فكيف يفتري المفتري عليهم بأنَّ قَدْح هذا لبغضه عليًّا وذَمّ هذا لحبه عليًّا، مع أنه ليس من أهل السنة من يجعل بغض عليّ طاعة ولا حسنة، ولا يأمر بذلك، ولا من يجعل مجرد حبه سيئة ولا معصية، ولا ينهى عن ذلك.
وكتب أهل السنة من جميع الطوائف مملوءة بذكر فضائله ومناقبه، وبذم الذين يظلمونه من جميع الفرق، وهم ينكرون على من سبَّه، وكارهون لذلك.
وأهل السنة من أشد الناس بغضًا وكراهة لأن يُتعرض لعلي رضي الله عنه بقتال أو سبّ، بل هم كلهم متفقون على أنه أجلّ قدرًا، وأحق بالإمامة، وأفضل عند الله وعند رسوله وعند المؤمنين من معاوية وأبيه وأخيه يزيد الذي كان خيرًا منه، وعليّ أفضل ممن هو أفضل من معاوية رضي الله عنه.
فالسابقون الأولون الذين بايعوا تحت الشجرة كلهم أفضل من الذين أسلموا عام الفتح، وفي هؤلاء خلق كثير أفضل من معاوية، وأهل الشجرة أفضل من هؤلاء كلهم، وعليّ رضي الله عنه أفضل جمهور الذين بايعوا تحت الشجرة، بل هو أفضل منهم كلهم إلا الثلاثة، فليس في أهل السنة من يقدّم عليه أحدًا غير الثلاثة ـ أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ـ، بل يفضّلونه على جمهور أهل بدر وأهل بيعة الرضوان وعلى السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.
وممن أسلم بعد الحديبية خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وشيبة الحجبي وغيرهم. وأما سهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وأبو سفيان بن حرب، وابناه يزيد ومعاوية، وصفوان بن أمية، وغيرهم، فهؤلاء مسلمة الفتح.
ومن الناس من يقول: إن معاوية رضي الله عنه أسلم قبل أبيه، فيجعلونه من الصنف الأول.
فإذا كانت هذه مراتب الصحابة عند أهل السنة، كما دلَّ عليه الكتاب والسنة، وهم متفقون على تأخر معاوية وأمثاله من مسلمة الفتح عمَّن أسلم بعد الحديبية، وعلى تأخر هؤلاء عن السابقين الأولين أهل الحديبية، وعلى أن البدريين أفضل من غير البدريين، وعلى أن عليًا أفضل من جماهير هؤلاء ـ لم يُقدَّم عليه أحد غير الثلاثة، فكيف يُنْسَبُ إلى أهل السنة تسويته بمعاوية، أو تقديم معاوية عليه رضي الله عنهما؟