الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشبهة الثانية والثلاثون
هل أراد معاوية رضي الله عنه أن ينقل
منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى الشام
؟
ذكر الإمام الطبري رحمه الله في كتابه التاريخ في حوادث سنة 50 هـ، قال محمد بن عمر (1): «وفي هذه السنة أمر معاوية بمنبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحمل إلى الشام، فحرك فكسفت الشمس حتى رُئِيَت النجوم بادية يومئذ، فأعظم الناس ذلك.
وجاء في رواية أخرى: «قال معاوية: «إني رأيت أن منبر رسول الله وعصاه لا يُتْركان بالمدينة، وهم قتلة أمير المؤمنين عثمان وأعداؤه» ، فلما قدم طلب العصا وهي عند سعد القرظ، فجاء أبو هريرة وجابر بن عبد الله، فقالا:«يا أمير المؤمنين، نذكّرك الله عز وجل أن تفعل هذا، فإن هذا لا يصح، تُخرِجُ منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من موضع وضعه، وتخرج عصاه من المدينة» .
فترك ذلك معاوية، ولكن زاد في المنبر ستَّ درجات، واعتذر إلى الناس.
وفي رواية: قال محمد بن عمر ـ بعد أن ساق سند الرواية ـ: «كان عبدالملك قد هَمَّ بالمنبر، فقال قبيصة بن ذؤيب: «أذَكّرك الله عز وجل أن تفعل هذا، أن تحوله، إن أمير المؤمنين معاوية حرَّكه فكسفت الشمس» (2).
(1) الواقدي الكذاب.
(2)
البداية والنهاية (11/ 214) تاريخ الطبري (6/ 155).
تحدثت الروايات السابقة عن القضايا التالية:
* عزم معاوية رضي الله عنه نقل منبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعصاه إلى الشام.
* ربط كسوف الشمس بتحريك منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
* اتهام معاوية رضي الله عنه ببغض أهل المدينة (الأنصار).
الجواب:
أولًا: هذه الروايات مدارها على محمد بن عمر الواقدي وهو متروك الحديث.
ولا توجد رواية صحيحة تؤكد عزم معاوية رضي الله عنه نقل منبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وعصاه إلى الشام، ولا بغضه لأهل المدينة (الأنصار)(1).
ثانيًا: إن دين معاوية رضي الله عنه، وعدالته، وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تمنعه مِن حَمْل منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة إلى الشام وهو يعلم قوله صلى الله عليه وآله وسلم:«مَا بَيْنَ بَيْتِى وَمِنْبَرِى رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ» (رواه البخاري ومسلم).
ثالثًا: إن ربط كسوف الشمس بتحريك المنبر لم يَرِدْ بإسناد صحيح، هذا فضلًا عن أن كسوف الشمس ـ على افتراض حدوثه ـ لم يكن نتيجة لتحريك المنبر، وقد حصل ما يشبه ذلك في عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، حيث أخرج البخاري عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ:«كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَوْمَ مَاتَ إِبْرَاهِيمُ، فَقَالَ النَّاسُ: «كَسَفَتِ الشَّمْسُ لِمَوْتِ إِبْرَاهِيمَ» .
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ فَصَلُّوا وَادْعُوا اللهَ» .
رابعًا: في هذه القصة المكذوبة اتهام لمعاوية رضي الله عنه ببغض أهل المدينة (الأنصار) لكونهم قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
(1) وهناك رواية أخرى أوردها ابن الأثير في الكامل (2/ 482)، وهي ضعيفة الإسناد؛ انظر: مرويات خلافة معاوية في تاريخ الطبري (ص390).
وإن تقريب معاوية للأنصار وتوليته إياهم في مناصب هامة وحساسة يَرُدّ هذه الفِرْيَة، ومن الشواهد على ذلك:
- توليته فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه قضاء دمشق، وتوليته إياه منصب أمير البحرية الإسلامية في مصر.
- تعيينه النعمان بن بشير الأنصاري رضي الله عنه أميرًا على الكوفة.
- تعيينه مسلمة بن مخلد الأنصاري رضي الله عنه أميرًا على مصر والمغرب معًا.
- تعيينه رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه أميرًا على طرابلس (1).
(1) انظر: الاستيعاب (2/ 504)، (3/ 1262)، الإصابة (5/ 371)، مرويات خلافة معاوية (ص391، 392).