الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نستخلص مما سبق أن الآية الكريمة لا علاقة لها بإباحة غلاء المهور وأن نصها ومفهومها يفيدان أن الرجل القادر لو أحب إعطاء زوجته تطوعًا من نفسه فدفع إليها قنطارًا أو قناطير فهذا جائز.
3 - قصة جلد عمر رضي الله عنه لابنه حتى الموت:
وسنذكر هذه القصة رغم طولها لنعلم خطر تغليف التشويه بالتشويق، وقد ذكر لي أحد الشباب أنه كاد يبكي من شدة تأثره أثناء قراءته لهذه القصة، وذلك قبل أن يعلم أنها مكذوبة.
ذكر الإمام ابن الجوزي في كتاب (الموضوعات) بسنده عن سعيد بن مسروق قال: «كانت امرأة تدخل على آل عمر أو منزل عمر ومعها صبى، فقال: من ذا الصبي معك؟ فقالت: هو ابنك، وقع عليَّ أبو شحمة فهو ابنه.
قال: فأرسل إليه عمر فأقَرَّ.
فقال عمر لعلى رضي الله عنهما:اجلدْه.
فضربه عمر خمسين، وضربه علي خمسين.
قال: فأتى به.
فقال لعمر: يا أبَتِ قتلْتَنى.
فقال: إذا لقيت ربك عز وجل فأخبره أن أباك يقيم الحدود».
ثم قال: «هذا حديث موضوع، وضعه القصاص، وقد أبدوا فيه وأعادوا، وقد شرحوا وأطالوا» .
ثم ذكر بسنده عن مجاهد قال: «تذاكر الناس في مجلس ابن عباس، فأخذوا في فضل أبى بكر، ثم أخذوا في فضل عمر بن الخطاب، فلما سمع عبد الله بن عباس بكى بكاء شديدًا حتى أغمى عليه، ثم أفاق فقال: رحم الله رجلًا لم تأخذه في الله لومة لائم، رحم الله رجلًا قرأ القرآن وعمل بما فيه وأقام حدود الله كما أمر، لم يزد عن القريب لقرابته، ولم يخف عن البعيد لبعده.
ثم قال: والله لقد رأيتُ عمر وقد أقام الحد على ولده فقتله فيه.
ثم بكى وبكى الناس مِن حولِه وقلنا: يا ابن عم رسول الله إن رأيتَ أنْ تحدثنا كيف أقام عمر على ولده الحد.
فقال: والله لقد أذكرتمونى شيئًا كنت له ناسيًا.
فقلت: أقسمنا عليك بحق المصطفى أما حدثتنا.
فقال: معاشر الناس، كنت ذات يوم في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمر بن الخطاب جالس والناس حوله يعظهم ويحكم فيما بينهم، فإذا نحن بجارية قد أقبلتْ من باب المسجد، فجعلت تتخطى رقاب المهاجرين والأنصار حتى وقفت بإزاء عمر فقالت: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
فقال عمر: وعليكِ السلام (1) يا أمة الله، هل من حاجة؟
فقالت: نعم أعظم الحوائج إليك، خذ ولدك هذا منى فأنت أحق به منى.
ثم رفعت القناع فإذا على يدها طفل.
فلما نظر إليه عمر قال: يا أمة الله أسفري عن وجهك.
فأسفرت.
فأطرق عمر وهو يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم، يا هذه أنا لا أعرفك، فكيف يكون هذا ولدى؟ فبكت الجارية حتى بلت خمارها بالدموع، ثم قالت: يا أمير المؤمنين إن لم يكن ولدك من ظهرك فهو ولدُ ولدِك.
قال: أي أولادي؟ قالت: أبو شحمة.
قال: أبحلال أم بحرام؟ قالت: من قِبَلى بحلال ومن جهته بحرام.
(1) قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} (النساء: 86)، تأمل الافتراء على عمر رضي الله عنه حيث تزعم الرواية أنه لم يَرُدّ السلام بطريقة صحيحة حيث قالت المرأة:«السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته» .فقال عمر: «وعليكِ السلام يا أمة الله» .
قال عمر: وكيف ذاك؟ قالت: يا أمير المؤمنين، اسمع مقالتي فوالله ما زدت عليك حرفًا ولا نقصت.
فقال لها: اتقى الله ولا تقولي إلا الصدق.
قالت: يا أمير المؤمنين كنتُ في بعض الأيام مارةً في بعض حوائجي إذ مررت بحائط لبنى النجار، فإذا أنا بصائح يصيح من ورائي، فإذا أنا بولدك أبى شحمة يتمايل سُكْرًا، وكان قد شرب عند نسيكة اليهودي، فلما قرب منى تواعدني وتهددني وراودني عن نفسي وجرني إلى الحائط فسقطت وأغمى عليّ، فوالله ما أفقت إلا وقد نال منى ما ينال الرجل من امرأته، فقمت وكتمت أمري عن عمى وجيراني، فلما تكاملَتْ أيامي وانقضت شهوري وضربني الطلق وأحسست بالولادة خرجْتُ إلى موضع كذا وكذا فوضعت هذا الغلام فهمَمْتُ بقتله ثم ندمتُ على ذلك، فاحكم بحكم الله بيني وبينه.
قال ابن عباس: فأمر عمر رضي الله عنه مناديه ينادى.
فأقبل الناس يهرعون إلى المسجد ثم قام عمر فقال: يا معاشر المهاجرين والأنصار لا تتفرقوا حتى آتيكم بالخبر.
ثم خرج من المسجد وأنا معه، فنظر إليَّ وقال: يا ابن عباس أسرع معى، فجعل يسرع حتى قرب من منزله فقرع الباب فخرجت جارية كانت تخدمه، فلما نظرَتْ إلى وجهه وقد غلبه الغضب قالت: ما الذى نزل بك؟ قال يا هذه ولدى أبو شحمة هاهنا؟
قالت: إنه على الطعام، فدخل وقال له: كل يا بُنَيَّ فيوشك أن يكون آخر زادك من الدنيا.
قال ابن عباس: فرأيت الغلام وقد تغير لونه وارتعد، وسقطت اللقمة من يده.
فقال له عمر: يا بُنى من أنا؟
قال: أنت أبي وأمير المؤمنين.
قال: فلي عليك حق طاعة أم لا؟
قال: طاعتان مفترضتان، أولهما: أنك والدي والأخرى أنك أمير المؤمنين.
فقال عمر: بحق نبيك وبحق أبيك، فإني أسألك عن شيء إلا أخبرتني.
قال: يا أبت لا أقول غير الصدق.
قال: هل كنتَ ضيفًا لنسيكة اليهودي، فشربتَ عنده الخمر وسكرتَ؟
قال: بأبي قد كان ذلك وقد تُبتُ.
قال: يا بُنَيَّ رأس مال المذنبين التوبة.
ثم قال: يا بُنَيَّ أنشدك الله هل دخلت ذلك اليوم حائطًا لبنى النجار فرأيت امرأة فواقعتها؟ فسكت وبكى وهو يبكى ويلطم وجهه.
فقال له عمر: لا بأس اصدق فإن الله يحب الصادقين.
فقال: يا أبى كان ذلك والشيطان أغواني وأنا تائب نادم.
فلما سمع عمر ذلك قبض على يده ولببه وجره إلى المسجد.
فقال: يا أبت لا يعصمني على رؤوس الخلائق حد السيف واقطعني هاهنا إربًا إربًا.
قال: أما سمعت قول الله عز وجل: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (النور:2)، ثم جره حتى أخرجه بين يدى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد وقال: صدقت المرأة، وأقر أبو شحمة بما قالت.
وله مملوك يقال له أفلح.
فقال له: يا أفلح إن لي إليك حاجة إن أنت قضيتها فأنت حر لوجه الله.
فقال: يا أمير المؤمنين مُرني بأمرك.
قال: خذ ابني هذا فاضربه مائة سوط ولا تقصر في ضربه.
فقال: «لا أفعله» .وبكى، وقال:«يا ليتني لم تلدني أمي حيث أكلف ضرب ولد سيدي» .
فقال له عمر: إن طاعتي طاعة الرسول فافعل ما أمرتك به فانزع ثيابه.
فضج الناس بالبكاء والنحيب، وجعل الغلام يشير بإصبعه إلى أبيه ويقول:«أبت ارحمني» .
فقال له عمر وهو يبكى: «ربك يرحمك، وإنما هذا كي يرحمني ويرحمك» ، ثم قال:«يا أفلح اضرب» .
فضرب أول سوط.
فقال الغلام: بسم الله الرحمن الرحيم.
فقال: نعم الاسم سميت يا بُنَيَّ.
فلما ضربه به ثانية قال: أوه يا أبت.
فقال عمر: اصبر كما عصيت.
فلما ضرب ثالثًا قال: الأمان.
قال عمر: ربك يعطيك الأمان.
فلما ضربه رابعًا قال: واغوثاه.
فقال: الغوث عند الشدة.
فلما ضربه خامسًا حمد الله.
فقال عمر: كذا يجب أن تحمده.
فلما ضربه عشرًا قال: يا أبت قتلتني قال: يا بُنَيَّ ذنبُك قتلك.
فلما ضربه ثلاثين قال: أحرقت والله قلبي.
قال: يا بني النار أشد حرًا.
قال: فلما ضربه أربعين قال: يا أبت دعني أذهب على وجهي.
قال: يا بُنَيَّ إذا أخذت حد الله من جنبك اذهب حيث شئت.
فلما ضربه خمسين قال: نشدتك بالقرآن لما خليتني.
قال: يا بُنَيَّ هلا وعظك القرآن وزجرك عن معصية الله عز وجل، يا غلام اضرب.
فلما ضربه ستين قال: يا أبى أغثني.
قال: يا بُنَيَّ إن أهل النار إذا استغاثوا لم يغاثوا.
فلما ضربه سبعين قال: يا أبت اسقني شربة من ماء.
قال: يا بُنَيَّ إن كان ربك يطهرك فيسقيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم شربة لا تظمأ بعدها أبدًا، يا غلام اضرب.
فلما ضربه ثمانين قال: يا أبت السلام عليك.
قال: وعليك السلام، إن رأيت محمدا صلى الله عليه وآله وسلم فأقرئه منى السلام وقل له: خلفت عمر يقرأ القرآن ويقيم الحدود، يا غلام اضربه.
فلما ضربه تسعين انقطع كلامه وضعف.
فوثب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كل جانب فقالوا: يا عمر انظر كم بقى فأخِّرْه إلى وقت آخر.
فقال: كما لا تؤخر المعصية لا تؤخر العقوبة.
فأتى الصريخ إلى أمه فجاءت باكية صارخة وقالت: يا عمر أحج بكل سوط حجة ماشية، وأتصدق بكذا وكذا درهمًا.
قال: إن الحج والصدقة لا تنوب عن الحد، يا غلام أتم الحد.
فلما كان آخر سوط سقط الغلام ميتًا.
فقال عمر: يا بُنَيَّ محَّصَ الله عنك الخطايا.
وجعل رأسه في حجره وجعل يبكي ويقول: بأبي من قتله الحق، بأبي من مات عند انقضاء الحد، بأبي من لم يرحمه أبوه وأقاربه!!
فنظر الناس إليه فإذا هو قد فارق الدنيا.
فلم يُرَ يوم أعظم منه.
وضج الناس بالبكاء والنحيب.
فلما كان بعد أربعين يوما أقبل عليه حذيفة بن اليمان صبيحة يوم الجمعة فقال: إني أخذت وِردى من الليل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المنام وإذا الفتى معه حُلتان خضراوان.
فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:أقرئ عمر منى السلام وقل له: هكذا أمرك الله أن تقرأ القرآن وتقيم الحدود.
وقال الغلام: أقرئ أبي منى السلام وقل له: طهرك الله كما طهرتني، والسلام».
ثم ذكر الإمام ابن الجوزي بإسناده صفوان عن عمر أنه كان له ابنان يقال لأحدهما عبد الله والآخر عبيد الله، وكان يكنى أبا شحمة، وكان أبو شحمة أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلاوة للقرآن، وأنه مرض مرضًا، فجعل أمهات المؤمنين يَعُدْنه، فبينا هن في عيادته قلن لعمر: لو نذرت على ولدك كما نذر عليٌّ بن أبى طالب على ولده الحسن والحسين فألبسهما الله العافية.
فقال عمر: على نذر واجب لئن ألبس الله عز وجل ابني العافية أن أصوم ثلاثة أيام، وقالت والدته مثل ذلك.
فلما أن قام من مرضه أضافه نسيكة اليهودي، فأتوه بنبيذ التمر فشرب منه.
فلما طابت نفسه خرج يريد منزله، فدخل حائطًا لبنى النجار، فإذا هو بامرأة راقدة فكابدها وجامعها، فلما قام عنها شتَمَتْه وخرقت ثيابه وانصرفَتْ إلى منزلها». وذكر الحديث بطوله.
ثم قال الإمام ابن الجوزي: «هذا حديث موضوع؛ كيف رُوي ومن أي طريق نُقل؟ وضعه جهال القصاص ليكون سببًا في تبكية العوام والنساء، فقد أبدعوا فيه وأتوا بكل قبيح ونسبوا إلى عمر ما لا يليق به، ونسبوا الصحابة إلى ما لا يليق بهم، وكلماته الركيكة تدل على وضعه، وبعده عن أحكام الشرع يدل على سوء فهم واضعه وعدم فقهه.
وقد تعجل واضعُه قذف ابن عمر بشرب الخمر عند اليهودي، ونسب عمر إلى أنه أحلفه بالله ليقر، وحاشى عمر، لأنه لو رأى أمارة ذلك لصدف عنها فإن ماعزًا لما أقر أعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما أعاد الإقرار أعرض عنه إلى أن قال له:«أَبِكَ جُنُونٌ» (1).
وقد قال: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» (2)، وقال عمر لرجل أقر بذنب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ» . (3).
وكيف يُحَلّفُ عمر ولده بالله: هل زنيت؟ هذا لا يليق بمثله.
وما أقبح ما زينوا كلامه عند كل سوط.
وذلك لا يخفى عن العوام أنه صنعه جاهل سوقي.
وقد ذكر أنه طلب ماء فلم يَسْقِه، وهذا قبيح في الغاية.
وحكوا أن الصحابة قالوا: أخِّر باقى الحد، وأن أمّ الغلام قالت:«أحُجُّ عن كل سوط» .وهذا كله يتحاشى الصحابة عن مثله.
ومنام حذيفة أبرد من كل شيء. ثم شبهوا أبا شحمة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم قذفوه بالفاحشة».اهـ كلام ابن الجوزي.
(1) رواه البخاري ومسلم.
(2)
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنِ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِى الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِى الْعُقُوبَةِ» . (رواه الترمذي وضعَّفه الألباني).
(3)
عَنْ عَبْدِ اللهِ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللهِ إِنِّى عَالَجْتُ امْرَأَةً فِى أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِىَّ مَا شِئْتَ» .
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «لَقَدْ سَتَرَكَ اللهُ لَوْ سَتَرْتَ نَفْسَكَ» .
…
قَالَ: فَلَمْ يَرُدَّ النَّبِىُّ صلى الله عليه وآله وسلم شَيْئًا، فَقَامَ الرَّجُلُ فَانْطَلَقَ فَأَتْبَعَهُ النَّبِىُّ صلى الله عليه وآله وسلم رَجُلًا دَعَاهُ وَتَلَا عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةَ {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} .
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا نَبِىَّ اللهِ هَذَا لَهُ خَاصَّةً؟
قَالَ: «بَلْ لِلنَّاسِ كَافَّةً» . (رواه مسلم).