الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(
مقدمة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} (آل عمران:102)، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} (النساء:1)، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70)}. (الأحزاب:70).
أما بعد: فإن خيرَ الحديث كلامُ الله، وخيرَ الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إن سلامة القلب تجاه الصحابة والتأدب معهم من صميم اعتقاد أهل السنة والجماعة، وإن الطعن فيهم هو وسيلة للطعن في الدين الإسلامي فأصحاب رسول الله كلهم عدول ثقات، وهم الذين نقلوا لنا هذا الدين.
ومن كتب أهل العلم جمعتُ هذا الكتاب عن أحدهم، وهو معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ـ كاتب وحي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين ـ الذي مكث عشرين سنة أميرًا على الشام في خلافة عمر وخلافة عثمان رضي الله عنهما، ثم خليفةً للمسلمين مثلَها.
هذا الكتاب فيه ذِكْر فضائله رضي الله عنه من كتاب الله عز وجل وكلام حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه ثناء الصحابة والتابعين وتابعيهم والعلماء عليه رضي الله عنه، وفيه ذِكْر جهاده وأخلاقه وحسن سياسته لرعيته، وفيه دفْعٌ للشبهات والأكاذيب التي حاولت النيْل منه رضي الله عنه، في وقت اشرأبت فيه أعناق أهل الضلال من الشيعة وغيرهم.
ولعله لم يَنَلْ شخصيةً في التاريخ الإسلامي من التشويه مثل ما نال شخصيةَ معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما خاصة من أهل الأهواء قديمًا للنزاعات السياسية والمذهبية، ثم وجد المستشرقون في رواياتهم مرتعًا خصبًا للنيل من الإسلام.
إن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما من الصحابة الأجلّة الكرام، الذين يجبُ الترضّي عن جميعهم، ولا يجوز الطعنُ فيهم، كما هو اعتقادُ الفرقة الناجية: أهلِ السُنَّة والجماعة، كيف وقد قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:«لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ» (رواه البخاري ومسلم).
ومَعْنَى الْحَدِيث ـ كما نقل الحافظ ابن حجر عن الْبَيْضَاوِيّ: «لَا يَنَال أَحَدكُمْ بِإِنْفَاقِ مِثْل أُحُد ذَهَبًا مِنْ الْفَضْل وَالْأَجْر مَا يَنَال أَحَدهمْ بِإِنْفَاقِ مُدّ طَعَام أَوْ نَصِيفه» (1).
ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما هو أحد الصحابة الذين أكرمهم الله عز وجل بصحبة نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وكل كلام يقال في الصحابة فيما يتعلق بفضلهم عمومًا وما يجب لهم عمومًا، فإن معاوية رضي الله عنه يدخل في ذلك.
أما من تكلم فيهم بكلام لا ينبغي فهو في الحقيقة لم يضرّهم إنما ضرَّ نفسه؛ وذلك أنهم رضي الله عنهم قدِموا على ما قدَّموا، وقد قدَّموا الخير الكثير، وقد قدَّموا الأعمال الجليلة التي قاموا بها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
بل إن ذلك يكون زيادة في حسناتهم؛ لأنه إذا تكلم فيهم بغير حق أضيف إليهم من حسنات المتكلم فيهم ـ إذا كان له حسنات ـ فيكون ذلك رفعة في درجاتهم، وإن لم يكن له حسنات فإنه لا يضر السحاب نبح الكلاب ـ كما يقولون.
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (7/ 34).
وقال الإمام الشافعي قال: «ما أرى الناس ابتُلُوا بشتم أصحاب محمّد صلى الله عليه وآله وسلم إلا لِيَزيدَهمُ الله عز وجل بذلك ثوابًا عندَ انقطاعِ عَمَلِهم» (1).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «أمِرُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فَسَبُّوهُمْ» (رواه مسلم). قال الإمام النووي في (شرح صحيح مسلم):
فلا يجوز الطعنُ في آحادهم، فكيف بمن له فضائل ثابتة ـ خاصة وعامة ـ مثلَ معاوية رضي الله عنه؟ ولمعاوية رضي الله عنه فضائل كثيرة ـ سنذكرها إن شاء الله عز وجل ـ وبسبب ثبوت هذه الفضائل وغيرها عن السلف، فقد نهوا نهيًا شديدًا عن التكلم في معاوية رضي الله عنه وبقية الصحابة رضي الله عنهم، وعَدّوا ذلك من الكبائر.
وكان بعض السلف يجعل حب معاوية رضي الله عنه ميزانًا للسنة.
قال الربيع بن نافع: «معاوية بن أبي سفيان ستر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه» . (2)
وسُئل أبوعبد الرحمن النسائي عن معاويةَ بن أبي سفيان -صاحبِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ، فقال:«إنما الإسلام كدارٍ لها بابٌ، فبابُ الإسلام الصحابة، فمن آذى الصحابةَ إنما أرادَ الإسلام، كمن نَقرَ البابَ إنما يريدُ دخولَ الدار؛ فمن أراد معاويةَ فإنما أراد الصحابة» (3).
(1) شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي (8/ 1460).
(2)
رواه الخطيب البغدادي في تاريخه (1/ 209)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 209).
(3)
ذكره الحافظ المزي في تهذيب الكمال (1/ 45).
وقال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: «معاوية عندنا مِحْنة، فمن رأيناه ينظر إليه شزَرًا اتهمناه على القوم» ، يعني الصحابة. (1)
وقد صدق في ذلك رحمه الله، فإنه ما من رجل يتجرأ ويطعن في معاوية رضي الله عنه إلا تجرأ على غيره من الصحابة رضي الله عنهم.وانظر هذا في أحوال الزيدية: فإنهم طعنوا في معاوية رضي الله عنه ثم تجرؤوا على عثمان رضي الله عنه، ثم تكلموا في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حتى صرح بعض الزيدية بكفرهما. والسبب في ذلك أن من تجرأ على معاوية رضي الله عنه فإنه يكون قد أزال هيبة الصحابة من قلبه فيقع فيهم.
وقال أيضًا: «أدركَتْ خلافةُ معاوية عدةً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، منهم: سعد، وأسامة، وجابر، وابن عمر، وزيد بن ثابت، ومسلمة بن مخلد، وأبو سعيد، ورافع بن خديج، وأبو أمامة، وأنس بن مالك، ورجال أكثر ممن سمَّيْنا بأضعاف مضاعفة، كانوا مصابيح الهدى وأوعية العلم، حضروا من الكتاب تنزيله، وأخذوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تأويله.
ومن التابعين لهم بإحسان إن شاء الله منهم: المسور بن مخرمة، وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وعبد الله بن محيريز، في أشباه لهم، لم ينزعوا يدًا عن مجامعة في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم» (2).
وقال البيهقي بعد أن سرد الآيات والأحاديث الموجبة لحب الصحابة جميعًا، وأن ذلك من الإيمان: «وإذا ظهر أن حب الصحابة من الإيمان، فحُبُّهم أن يَعتقد فضائلهم، ويَعترف لهم بها، ويَعرف لكل ذي حقٍّ منهم حقَّه، ولكل ذي غناءٍ في الإسلام منهم غناءَه، ولكل ذي منزلةٍ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منزلتَه، ويَنشر محاسنهم،
(1) انظر: البداية والنهاية لابن كثير 8/ 139.
(2)
رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق (59/ 158)، ورجاله ثقات أثبات.
ويدعو بالخير لهم، ويقتدي بما جاء في أبواب الدين عنهم، ولا يتبع زلاتِهم وهفواتِهم، ولا يتعمَّد تهجين أحد منهم بِبَثِّ ما لا يحسن عنه، ويسكت عما لا يقع ضرورة إلى الخوض فيه فيما كان بينهم» (1).
وقال الميموني: «سمعت أحمد يقول: ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية» .
وقال لي: «يا أبا الحسن إذا رأيت أحدًا يذكر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسوء فاتهمه على الإسلام» (2).
وروى الخطيب البغدادي عن أبى زرعة الرازى رحمه الله أنه قال:
ولما تكلم الموفق ابن قدامة في لمعة الاعتقاد عن الصحابة إجمالًا ختم بقوله: «ومعاوية خال المؤمنين، وكاتب وحي الله، أحد خلفاء المسلمين رضي الله عنهم» .
فعلّق الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: «إنما ذكره المؤلف وأثنى عليه للرد على الروافض الذين يسبونه ويقدحون فيه» (4).
ومعاوية رضي الله عنه كان من كتاب الوحي، وقد أثبت ذلك إمام الحديث أحمد بن حنبل وأمر بهجر من يجحد بتلك الحقيقة.
ولذلك لمّا سأل رجلٌ الإمام أحمد بن حنبل: «ما تقول ـ رحمك الله ـ فيمن قال: لا أقول إن معاوية كاتب الوحي، ولا أقول إنه خال المؤمنين، فإنه أخذها بالسَّيف
(1) شُعَب الإيمان (4/ 146).
(2)
الصارم المسلول (3/ 1058)، وأوله عند الخلال (2/ 432) بسند صحيح.
(3)
الكفاية في علم الرواية (ص67).
(4)
شرح لمعة الاعتقاد (ص107).
غصْبًا؟».قال الإمام أحمد: «هذا قول سوءٍ رديء. يجانَبُون هؤلاء القوم، ولا يجالَسون، ونبيِّن أمرهم للناس» (1).
وعن إبراهيم بن ميسرة قال: «ما رأيت عمر بن عبد العزيز ضرب إنسانًا قط إلا إنسانًا شتم معاوية فإنه ضربه أسواطًا» (2).
وما ضَرَّ معاويةَ رضي الله عنه شَتْمُ مَنْ شَتَمَه؛ فإنه «ما ضر المسك عطره، أن مات من شمه الجعل» (3).
و «لا يضر السحابَ نبحُ الكلاب، ولن يضير السماء نقيق الضفادع» .
يا نَاطِحَ الجَبَلَ العالي ليَكْلِمَه
…
أَشفِقْ على الرّأسِ لا تُشْفِقْ على الجَبَلِ
وقد يلاحظ القارئ الكريم أن هناك تكرارًا لبعض الأقوال؛ والسبب في ذلك تعلقها بالموضوع الذي ذُكِرَتْ فيه، وهذا أيسر للقارئ من الإحالة على ماسبق ذكره.
وفي الختام أتقدم بالشكر لأستاذي الأستاذ الدكتور أنور السنوسي لما قام به من جهد في مراجعة هذا الكتاب، واللهَ أسأل أن يكون هذا الجهد في ميزان حسناته، وأن نكون بهذه الورقات قد وفَّينا الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما بعض حقه علينا في الدفاع عنه باعتباره أحد صحابة حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم، كما أسأله سبحانه وتعالى أن ينفع المسلمين بهذه الورقات وأن يرزقنا الإخلاص في السر والعلن، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه ـ سيدنا محمد ـ وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
شحاتة محمد صقر
saqrmhm@gawab.com
(1) السنة للخلال (2/ 43)، وإسناده صحيح.
(2)
تاريخ دمشق (59/ 211)، ومعظم النقول المتقدمة ذكرها أيضًا الحافظ ابن كثير في ترجمة معاوية رضي الله عنه من كتابه البداية والنهاية (8/ 130 - 139).
(3)
الجُعْل: دُوَيْبَّة سَوْدَاء تُدِير الْخِرَاء بِأَنْفِهَا. وَمِنْ شَأْنِه جَمْع النَّجَاسَة وَادِّخَارهَا. وَمِنْ عَجِيب أَمْره أَنَّهُ يَمُوت مِنْ رِيح الْوَرْد وَرِيح الطِّيب فَإِذَا أُعِيدَ إِلَى الرَّوْث عَاشَ. وَمِنْ عَادَته أَنْ يَحْرُس النِّيَام فَمَنْ قَامَ لِقَضَاءِ حَاجَته تَبِعَهُ وَذَلِكَ مِنْ شَهْوَته لِلْغَائِطِ لِأَنَّهُ قُوتُه.