المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌وجهاء من الجربوع: - معجم أسر بريدة - جـ ٣

[محمد بن ناصر العبودي]

فهرس الكتاب

- ‌(باب الجيم)

- ‌الجار الله

- ‌الجار الله:

- ‌الجار الله:

- ‌الجار الله:

- ‌الأبحاث التخصصية:

- ‌الخبرات الصحفية:

- ‌الجار الله:

- ‌إبراهيم بن عبد الله بن محمد الجار الله (أبو محمد):

- ‌الجاسر:

- ‌الشيخ ابن جاسر:

- ‌ رم الشيخ ابن جاسر:

- ‌الشيخ إبراهيم الحمد الجاسر:

- ‌الخلاف يتجاوز حدود القصيم:

- ‌مقدمة قصيدة الشيخ صالح السالم

- ‌الشيخ إبراهيم بن جاسر:

- ‌الشيخ إبراهيم الحمد الجاسر:

- ‌تمليس التاريخ:

- ‌نماذج من خط الشيخ إبراهيم بن جاسر، وتعليقاته:

- ‌أبناء الشيخ ابن جاسر:

- ‌محمد بن جاسر:

- ‌عمر بن جاسر:

- ‌عبد الكريم بن جاسر:

- ‌نساء من الجاسر:

- ‌الجاسر:

- ‌الجالس:

- ‌وثائق للجالس:

- ‌الجاهلي:

- ‌الجبارة:

- ‌الجَبُر:

- ‌الجبر:

- ‌الجبري:

- ‌ الجبري

- ‌الجَبْعان:

- ‌الجبلي:

- ‌الجبهان:

- ‌الْجَبْير:

- ‌الجبير:

- ‌الجْبَيِلي:

- ‌الجبيلي:

- ‌الجَدْعَان:

- ‌الجديد:

- ‌إبراهيم بن ناصر بن جديد الزُّبيري:

- ‌الجْدَيْعي:

- ‌عرائس الشعر:

- ‌أنواع التمر:

- ‌غزليات الجديعي:

- ‌مرادّ مع فتاة وهي من نوع التسلية:

- ‌مراثي الجديعي:

- ‌مرثية أم العيال الثانية:

- ‌أرجوزة الأسرة:

- ‌الجديعي والقصص:

- ‌الجَرْبُوع:

- ‌وجهاء من الجربوع:

- ‌امرأة من الجربوع:

- ‌وثائق للجربوع:

- ‌الجربوع:

- ‌الجَرْدان:

- ‌الجِرْوان:

- ‌الجروان:

- ‌الْجِرِي:

- ‌الجْرَيّاوي:

- ‌الجريبيع:

- ‌الجريبيع:

- ‌حمد الجريبيع إلى رحمة الله:

- ‌الجْرَيِّد:

- ‌الجريذي:

- ‌الجريس:

- ‌الجْرَيْش:

- ‌علي بن سليمان بن عبد الله الجريش:

- ‌وثائق للجريش:

- ‌الجريفاني:

- ‌‌‌الجَزَّاع:

- ‌الجَزَّاع:

- ‌الجَسَّار:

- ‌الجْطَيْلي:

- ‌أكبر أسرة الجطيلي سنًّا:

- ‌وثائق للجطيلي:

- ‌الجْعَيْثِن:

- ‌الجعيدان:

- ‌الجِغواني:

- ‌الجُفَّان:

- ‌الجْلاجِل:

- ‌سطوة آل جَلاجل وأهل الروضة في بلد جلاجل:

- ‌الجْلَيْدان:

- ‌الجَمْحَانْ:

- ‌ علي بن عبد الرحمن بن محمد الجمحان

- ‌الجَمعان:

- ‌الجَمعان:

- ‌الجِمْعة:

- ‌الجمهور:

- ‌الجميعه:

- ‌الجِميل:

- ‌الجْمَيْلي:

- ‌الجَنَاحي:

- ‌الجنوبي:

- ‌الجنوبي:

- ‌الجنيدلي:

- ‌الجنيدي:

- ‌الجنيفي:

- ‌الجُوعي:

- ‌الجَوْهَري:

- ‌‌‌الجوير:

- ‌الجوير:

- ‌الجويسر:

- ‌الجويعد:

- ‌الجهني:

- ‌الجْهَيِّمي:

- ‌الجيلا:

الفصل: ‌وجهاء من الجربوع:

‌وجهاء من الجربوع:

كان من وجهاء (الجربوع) الذين عاصرناهم ثلاثة يقال لهم (الشّدَيفْ) وهذا لقب لهم أصله أن جدهم (أشدف) والأشدف هو الأعسر الذي يستعمل يده اليسرى بديلة عن اليمني، وهم إبراهيم بن سليمان الجربوع وأخواه صالح وعبد الله.

أما إبراهيم فيعتبر من كبار تجار عقيل المشهورين، بل إن مرافقيه أمروه عليهم أكثر من مرة، فهو رجل وجيه، متكلم يحسن أن يضع الأشياء مواضعها في كلامه.

وكان موضع احترام الجميع وتقديرهم حتى بعد أن انتهى أمر (عقيل) وأسفارهم بالماشية إلى الشام ومصر، فكانت له مكانته عند الجميع رغم نقص المال عند (عقيل) السابقين.

والسبب في ترك تجارة المواشي التي هي مهنة عقيل هو وجود اليهود في فلسطين التي لا بد لعقيل من اختراقها، ثم ما أنعم الله به على بلادنا بعد ذلك من نعمة اكتشاف النفط وتسويقه فيها.

وقد عهدت (إبراهيم الجربوع) هذا إذا زار شيخنا القاضي الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد يجله الشيخ ويحترمه، وكذلك إذا زار أمير بريدة.

وقد مدح الشاعر سلطان زين العين إبراهيم الجربوع هذا في قصيدته التي ذكر فيها عددًا كبيرًا من أعيان بريدة، وكان الذين مدحهم فيها عددهم قليل فكان يذكر كل واحد منهم ببيت واحد من القصيدة، فقال في إبراهيم الجربوع:

ابن جربوع حرٍّ يفوع

أمير عقيل يعرفونه

ومن ذلك قوله في ابن رواف:

ابن رواف حرٍّ المشراف

يشهد عليَّه زبونه

ص: 326

وذلك أن ابن رواف كان أعطى الشاعر زبونًا هدية منه له، والزبون: حلة مفتوحة من الأمام كان يلبس للزينة والتدفئة وقد ذكرت أصل تسميته في (معجم الألفاظ العامية).

كان إبراهيم بن سليمان الجربوع في بغداد وكان أخوه صالح معه ثلاث رعايا من الإبل الرعية من 60 إلى 70 بعيرًا وهو خارج بغداد بمسافة، وإبراهيم ذهب البغداد لأجل يأخذ دراهم من التجار في بضاعة ويشتري ارزًا أي أطعمة وكان معه حصانه فحمَّل عشرة بعارين أرزًا من بغداد موؤنة لهم للطريق، فلما وصل إلى أخيه صالح ومعه الإبل نظر في الدربيل وهو المنظار المقرب فرأى ناقة تحت شجرة باركة فسأل عنها أحد الرعيان فقال: هذه انكسرت وأخوك صالح يقول: خلوها لما نبعد نحن عن البدو نذبحها ونأكلها، ومعنى انكسرت انكسرت إحدى قوائمها، فصارت لا تستطيع أن تماشي الإبل.

فقال إبراهيم: رح دور كل من تشوفه من البدو حولنا، وقل: يقول ابن جربوع تراكم عندنا باكر تالى النهار على العشاء وإلى صار باكر إذبحها نتعشاها حنا وإياهم، وهكذا كان، حتى الرعيان سروا بذلك، إذ كان فرصة لأن يشبعوا من اللحم.

كان إبراهيم بن سليمان الجربوع في عمَّان وهم على عزم الخروج لنجد، فقال أناس من غير أهل بريدة كانوا هناك والله إن كان ورد إبراهيم بن جربوع علي عَدْفا وهي مورد ماء: بئر واحدة وماؤها ليس كثيرًا إننا ما نلقى ماء لنا ولا لبعاريننا.

وكانوا ذكروا لابن جربوع أنهم سوف يخاوونه إلى القصيم لأجل الأمن، فكتبوا كتابًا مزورًا على لسان ابن جربوع إلى كبير الأعراب الذين على عَدْفا.

أوله: من إبراهيم السليمان بن جربوع إلى فلان شيخ الفلان السلام وبعد: ترانا نبي ناصل (عدْفا) عقب ثلاثة أيام حنا وربع لنا يجونكم قبلنا فالله الله اسقوا بعارينهم وملوا قربهم.

ص: 327

وقد ذهب أولئك القوم واعطوا الكتاب لكيير الأعراب فرحب بهم، وسقي إبلهم وملأ قربهم - جمع قربة - وعندما وصل ابن جربوع قال له كبير القوم: ترى كتابك وصل وسوينا اللي تبي.

فعرف القصة، ولم ينكر عليهم، بل قال: الله يبيض وجيهكم انا كتبت الكتاب لهذا.

ولبث في عذفا مدة أطول من أجل أن تجم البئرُ الماء أي يجتمع فيها الماء الكافي، فقال له بعض الجماعة من عقيل، ومنهم فهذا النصار: والله ما نخليهم نبي نضربهم لما يغفون، وإن قاومونا ذبحناهم، فنهاه عن ذلك ولكنه لم ينته فخشي أن يصلهم ضرر فارسل إليهم خفية قائلًا أنتم روحوا مع الطريق الفلاني وحنا مع الطريق الفلاني لما نجتمع في كذا وهو مكان بعيد وأرسل إليهم أحد أعراب المنطقة.

وبذلك سلموا من الضرر.

وقيل: إن إبراهيم السليمان الجربوع أصيب بمرض معد يسمى (بلش) فكان يأخذ فنجاله في مخباته إذا عزمه أحد لئلا يشرب من فنجاله الناس فيعديهم حسب اعتقادهم.

أما أخوه الأوسط (صالح) فإنه كان معنيًا بإبلهم واستصلاحها والإشراف عليها.

وأما الأخ الأصغر وهو (عبد الله) فإنه من نوع خاص من الرجال فهو لم يسافر قط مثل أخويه إلى الشام، وإنما كان يبقى في بريدة مسئولًا عن شئون بيتهم واسرهم في غياب أخويه، وكانوا أول الأمر شركاء في المال، وشركاء في بيت كبير يسكنونه.

و(عبد الله) طالب علم يجالس المشايخ والطلبة وهو شخصية محبوبة للباعة لأنه لا يماكس في البيع والشراء ولا يتأخر في سداد قيمة ما يشتريه منهم.

ص: 328

وقد عهدت والدي رحمه الله يثني عليه عندي وأنا صغير فلما كبرت توطدت علاقتي معه، فكان فوق ذلك.

ترجم الشيخ إبراهيم بن عبيد للوجية إبراهيم بن سليمان الجربوع، فقال في حوادث سنة 1386 هـ:

وممن توفي فيها من أعيان أهالي بريدة إبراهيم السليمان الجربوع رحمه الله تعالى وعفا عنه، وهذه ترجمته: هو الشيخ البارع في الرجولة والدهاء والمعرفة والكرم والنبل والفضل رئيس العقيلات وأحد أعضاء أهل الضبط والربط في عاصمة القصيم إبراهيم بن سليمان بن عبد الله بن عبد الكريم بن سليمان بن محمد بن علي بن جربوع من قبيلة شمر من سنجارة من فخذ المختار رئيس الفخذ الحايق ولد في سنة (1310 هـ) بمدينة بريدة فنشأ في رعاية والده وكان والده محبًا للعلم وأهله فأدخله والده مدرسة الشيخ ناصر السليمان بن سيف، وكانت المدارس إذ ذاك آهلة بالطلاب وكلها أهلية في تعليم حروف الهجاء بالألواح الخشبية ثم يتنقلون بالتدريج إلى السور القصار من القرآن الحكيم حتى تتصلب معلوماتهم فيعلمون الاستفتاح والتشهد والسير في تعلم القولين، وهناك يجدون بعض المبادئ في الخط والحساب ثم تعلم من كتاب في بريدة عراقي كان يعلم إذ ذاك الصبيان وبعدما حفظ القرآن وتعلم الخط والحساب وبلغ الخامسة عشرة من العمر اشتغل بالتجارة في المواشي وجلبها من أنحاء المملكة إلى سوريا وفلسطين ومصر والعراق ودام على ذلك مشتغلًا بالمواشي ويجوب أقطار المملكة لهذا الغرض مما أورثه معرفة الطريق والهداية في ظلمات البر والبحر فكان خريتًا ماهرًا في الدلالة يتساوى عنده السير بالليل أو النهار، ولقد كان المترجم مشهورًا من بين العقيلات في أسفارهم يختارونه ليسير في مقدمة القوافل لمعرفته بالطريق ومتاهات الصحاري، ولما كان ذات مرة يسيرون في الحماد قادمين من الشام إلى القصيم

ص: 329

ثارا لجدل بين الذي كان أميرًا للقافلة وبين بعض الرفقة المدعو عبد العزيز بن حماد الذي كان من كبراء العقيلات، هذا يقول الطريق يمينًا، وإبراهيم يقول يسارا حتى حصل النزاع بينهما فعند ذلك أمر المترجم بنزول القافلة إلى الأرض للراحة، ولما أن نزلوا جعل يقلب التربة ثم وجه كلامه إلى المعارض يقول الطريق يسارًا فوافق عبد العزيز لكنه بغير اقتناع، ولما أن سارت القافلة ليلًا طويلًا مسافة غير قصيرة، وطلع الفجر قال: إن أمامكم قوز وهي جبال مجتمعة وستكون مضوع استراحتنا بعد هذا السري نزولنا يمنة منها.

ولما أن نزلوا بالقرب منها وظهرت أشعة الشمس نادى بأعلى صوته أحد الرفقة قائلًا يا إبراهيم النودلي، اذهب إلى ذلك الموضع لجبل من تلك الجبال فستجد فيه شدادًا أي رحلا وزمزمية سقطت فيه العام الماضي بسبب جفول حصل على الإبل فذهب وجاء بها، فتأكد الرفقة واطمأنوا إلى كلامه.

وكان إلى ذلك مقدامًا شجاعًا له مواقف مشهورة فيما يضطره إليه الزمان ومقدمًا في أصحابه فإذا سافرت قوافل تجارية للبلدان المجاورة في المواشي وهو فيهم فهو الأمير لأنه مهيب ومحبوب وأديب.

ولما أن تلاشت تجارة المواشي في البلدان المذكورة ترك الأسفار وجلس في مدينة بريدة موقرًا معززًا لدى الملوك والعلماء والوجهاء محترمًا ووجيهًا لدى ولاة الأمور مقبول الشفاعة مقدمًا ومعظمًا أضف إلى ذلك أنه في عداد أهل الدين محافظًا على الصلوات مع الجماعة وما زال في حالاته التقدمية حتى وافاه الأجل في 17 ربيع الأول من هذه السنة.

ولقد حضرت إحدى دعواته لوليمة العشاء حينما وجه إليَّ دعوة فلما أن قال تفضلوا على الميسور قام يعتذر بقوله لقد كان من المعلوم بأن كل واحد منكم أحسن منا طعامًا وإنما أجبتم جبرًا لخاطرنا، نسأل الله أن يثيبكم ويكتب خطواتكم فعجبت

ص: 330

لهذا الأدب وحسن التواضع وكان له إخوة من بينهم عبد الله بن سليمان عليه آثار الصلاح وكان مرض المترجم بالضغط وخلف سبعة أبناء فالله المستعان (1).

وذكر الأستاذ ناصر بن سليمان العمري من أخبار إبراهيم السليمان الجربوع ما يلي:

قال:

أسرة آل جربوع في مدينة بريدة من خيار الأسر، وكانت في القرن الثاني عشر الهجري تسكن في الشماس قرية شمالي مدينة بريدة انتقل منها أهلها وتفرقوا في جهات من بريدة والشماسية وغيرها.

وإبراهيم السليمان الجربوع من أحسن رجال بريدة رأيًا ودينًا وكرمًا وشجاعة، وهو خبير بمعرفة الطرق البرية في الصحراء.

كان في عمان بالأردن وكلف أحد أعوانه بالذهاب إلى فلسطين لإحضار ستة آلاف جنيه عند وكيل له في فلسطين وسافر المكلف واستلم ستة آلاف جنيه ذهبية وأراد عبور نهر الأردن ومعه الذهب وهو في كيس مربوط بحبل إلى وسط الرجل، وأخذ يسبح في النهر، وقد سقط كيس الذهب منه وبقي يبحث عنه في النهر حتى تعب وخارت قواه وخاف على حياته من الإجهاد فاتجه إلى عمان وترك البحث، وفي عمان أخبر إبراهيم السليمان الجربوع بانفلات الكيس منه وضياعه في النهر فلم يغضب إبراهيم السليمان الجربوع ولم يكترث، وكان الرجل المسؤول عن الذهب قد تعب وانكسرت نفسه فطيب إبراهيم بن جربوع خاطره وقال له أنت أمين ونعرفك وأنت تعمل عندنا من مدة طويلة والمال إن كان فيه نصيب يأتي به الله وإن لم يكن فيه نصيب فالله يخلفه علينا ولا يتكدر خاطرك.

(1) تذكرة أولي النهى والعرفان، ج 6، ص 35 - 36 (الطبعة الثانية).

ص: 331

ثم طلب إبراهيم السليمان الجربوع من الرجال الأشداء الذين حوله من أهل بريدة أن يذهبوا معه إلى حيث سقط كيس النقود في النهر ويبحثوا عنه فاتجه معه عدد من الرجال الأشداء، فوجده عبد الرحمن الشايع من أهل بريدة، وعبد الرحمن هذا انتقل من بريدة إلى الكويت وسكنها وتوفي فيها رحمه الله (1).

وقال الأستاذ ناصر العمري أيضًا:

إبراهيم السليمان الجربوع رجل شجاع وكريم وفيه أناة، سافر إلى الشام من بريدة ومعه ثلاث رعايا من الإبل، وفي طرف حدود المملكة الشمالية حط رحاله قرب مورد ماء وفي الصباح ذهب رعيان إبله لتوريد الإبل على الماء وسقياها فجاء إلى الرعاة اثنا عشر رجلًا من قبيلة الشرارات مسلحين وأخذوا الإبل فجاء الرعاة إلى إبراهيم السليمان الجربوع قائلين أخذت الإبل أخذها مسلحون من الشرارات ولم يتحرك ابن جربوع لأنه هاديء الطبع وعنده رجل من شمر ضيف، فثار الشمري وقال: يا إبراهيم توخذ أباعرك ولا تتحرك لردها، يا ليتك لست شمريًا، فقال ابن جربوع الإبل سترجع سوف أستعيدها ولكنني باخل بهذا الحصان سوف يقتلونه إذا أغرت عليهم على ظهره،

وركب ابن جربوع حصانه الذي يحبه لأنه يساوي قيمة مائة من الإبل، وقال الشمري هل ترغب في أن تفزع معي؟ فوافق الشمري وركب رديفًا لإبراهيم بن جربوع فأغار على الطامعين ووجدهم قد أدخلوا الإبل في شعيب وضعوا المتاريس لهم دون الإبل، ولما قرب منهم وأطلق عليهم النار أطلقوا عليه عدة رصاصات فأصابوا حصانه في مقتل مثلما توقع واصابوا إبراهيم بن جربوع برصاصة في فخذه، وقتلوا الشمري وسقط إبراهيم بن جربوع جريحًا وسقط الشمري قتيلًا، وقتل الحصان وبقي إبراهيم السليمان الجربوع ملقى على الأرض بجوار جواده ورفيقه الشمري، فأمسك ببندقيته تحسبًا لإقتراب الطامعين منه فجاءوا جميعًا يريدون جمع الأسلحة، وهنا اطلق عليهم ابن جربوع النار فقتل جميع الذين اقتربوا منه وهم الاثنا عشر رجلًا طامعًا وربط

(1) ملامح عربية، ص 252.

ص: 332

فخذه بغترته وجاء إليه الرعاة فقال لهم أحضروا الإبل فليس عندها من يحيمها واحفروا حفرا للشمري وادفنوه، ففعلوا ما أمرهم به ثم عاد إلى الجوف بإبله من أجل علاج كسر فخذه وبقي مدة في الجوف حتى شفي وواصل رحلته إلى الشام (1).

أما الأستاذ سليمان بن إبراهيم الطامي فإنه سجل واقعة مكارم إبراهيم بن سيمان الجربوع، فقال:

إبراهيم بن سليمان الجربوع رحمه الله أحد أمراء العقيلات، وأحد أعيان مدينة بريدة.

له أيادي بيضاء مع الفقراء، هو وباقي إخوانه، وقد تطرق إلى شيء من هذا في الأجزاء السابقة لأخيه عبد الله رحمه الله وكيف كان يلقب (بأبي المساكين)، أبو سليمان حصل له موقف مع فقير، وذلك أنه أتى إلى إبراهيم.

وقال له: يا عم الآن حل موسم الحج وأنا ما حججت وأريد ناقة من عندك أحج عليها.

قال أبو سليمان: إذا كان يوم غدٍ اذهب إلى فلان يعطيك ناقة، دعًا له وذهب فلما كان من الغد ذهب الفقير إلى من عينه أبو سليمان وإذا الناقة جاهزة فمسك الفقير خطامها وقادها وذهب بها إلى بيته، وأدخلها البيت وكان الباب من الخشب يدخل جمل كما يقولون في المثل (الباب يوسع جمل).

ذهب الفقير إلى أحد الجزارين، وقال له: أريدك تأتي إلي بعد صلاة الظهر ومعك سكاكينك وساطورك وجميع ما يلزم من عدة الذبح.

سأله، إيش عندك؟ قال: الذي عندي سوف تراه إن شاء الله، إذا جئت، فلما حان الموعد جاء الجزار ومعه جميع عدته.

(1) ملامح عربية، ص 320 - 321.

ص: 333

فتح الفقير بابه وأدخل الجزار، وقال أريدك تذبح هذه وأشار إلى الناقة، تردد الجزار في الذبح ظنًّا منه أنه سارقها.

فسأله: أين لك هذه؟ فأجابه هذا رزق ساقه الله لي، اذبحها ولا عليك سوف أخبرك فيما بعد.

ذبحها الجزار وهو في حيرة وتساؤل مما يرى، قطَّع لحمها ونادي الفقير أبناءه ليأكلوا من كبدتها ولحمها، حتى شبعوا فأكلوا وشووا وعينوا من الله خيرًا.

وطبخوا قدرا كبيرا من لحمها فأكل الفقير ووكَّل أهله منها.

أما باقيها فقد حفظه (قديد) علقه على حبال داخل الغرف ليأكلوا منه عدة أشهر، فالفقير لم يوزع منها إلا جلدها وساقيها فقط، متى يحصل له مثل إبراهيم الجربوع ليعطيه ناقة ليأكلها؟

وبعد مضي عدة أيام من ذبح الناقة وقبل الوقوف بعرفة، مر الفقير على إبراهيم الجربوع وهو جالس في عتبة إحدى الدكاكين مع الرجال، فسلم على أبي سليمان، فسأله أبو سليمان: ما حجيت؟ قال: لا، قال: ماذا عملت بالناقة؟ قال: ذبحتها يا عم وشبعت من لحمها وأشبعت أهلي منها، فمد أبو سليمان يده إلى الفقير، وقال له: أشطرها، أي مد يدك ليدي لأسلم عليك على ما فعلته فمد الفقير يده إلى يد أبي سليمان وشدها أبو سليمان، وقال له: عساها بالهناء والعافية عليك وعلى أبنائك.

فرحم الله أبا سليمان ورحمنا ورحم المسلمين والمسلمات الأحياء والأموات وصدق من سمى أبو سليمان أبو الفقراء (1).

وذكر إبراهيم الطامي مكارم لأخيه عبد الله بن سليمان الجربوع، قال:

(1) سواليف المجالس، ج 10، ص 15 - 17.

ص: 334

روى لي شخص آثر عدم ذكر اسمه، يقول فيه: كنا مجموعة من الرجال في رحلة برية، إذ وقف علينا رجل فسلم وعرضنا عليه مشاركتنا الغداء، فلم يعارض وشاركنا الغداء، وعندما رأى إلى أنواع الطعام مما لذ وطاب بكي، فقال له راوي هذه السالفة: ما يبكيك؟ فقال: هذه النعمة التي نحن فيها أدامها الله، حيث مر بنا من الجوع ما الله به عليم.

وسوف أروي لكم سالفة مرت بي أنا شخصيًا، والكلام للرجل الضيف:

دخلت على أهلي، فإذا أطفالي يبكون من شدة الجوع، فقالت أمهم (زوجتي): أولادك منذ أمس لم يأكلوا شيئًا وهم بانتظارك، لعلك تحضر لهم طعامًا، فإذا بك خاوي اليدين، فماذا نعمل معهم وماذا نعطيهم يأكلونه؟ فقلت لها بكل أسى وحزن والدموع تنهال من عيني: يبعث الله لنا رزقًا إن شاء الله، فقالت الزوجة:

من أين؟ يسقط علينا أكل من السماء؟

اذهب واستدن لنا عيشًا أو تمرًا، فقلت لها: ومن يُديِّنُنَا؟ فخرجت من منزلي، وذهبت إلى السوق (الجردة) في وسط مدينة بريدة، واتجهت إلى أهل العيش الذين يبيعون العيش، فاتجهت إلى أحدهم وسلمت عليه وقلت له: كِلّ لي صاعا من هذا العيش، وعندما كاله لي ووضعه في كيس، أدخلت يدي في جيبي كأنني أريد أن أخرج الدراهم وبدأت أبحث عن دراهمي الوهمية في جيوبي، وأدخل يدي وأخرجها، فقلت لصاحب العيش: يا عم، نسيت الدراهم في البيت، أعطني العيش والدراهم أحضرها لك بعد قليل، فقال لي البائع: ضع العيش، فجذب الكيس من يدي بقوة وأعاده إلى بقية عيشه، وقال: ما عندي شيء للبيع، اذهب وأحضر الدراهم أولًا، فذهبت من عنده مكسور الخاطر، عين للتراب وعين للغراب، كما يقول المثل، فتركته، وذهبت شرقًا باتجاه مقبرة الصقعاء التي هي الآن غرب المديرية العامة للتعليم (تعليم البنين).

ص: 335

أريد أن أفضي ما في صدري من بكاء، ولا أريد أن يراني أو يسمعني أحد وأنا أبكي، وأنا في طريقي إذ لحق بي رجل فسلم عليَّ ودس في يدي مجموعة من الدراهم، فقلت: لمن هذه يا عم؟ قال: لك هدية، فقلت له: من أنت؟ قال: خذها واشتر لأولادك بها طعامًا ولا داعي لأن تعرفني.

يقول الرجل في تكملة سالفته: فما كان مني إلا أن دعوت له بما ألهمني الله من دعاء، فرجعت مسرعا إلى بائعي العيش واشتريت عيشًا من جار الرجل الذي طردني أولًا ودفعت له حسابه فورًا، ورفعت له صوتي لأسمع الذي أبى أن يبيعني قبل قليل وأنا أقلب الدراهم بيديَّ ليراها ذاك البائع.

فذهبت إلى أهلي وعملنا طعامًا وشبعنا، والحمد لله.

فلما كان من الغد ذهبت كالعادة إلى السوق، فإذا الرجل الذي أعطاني الدراهم جالس مع مجموعة من الرجال، فسألت أحد المارين: من يكون ذاك الرجل الجالس؟ فقال المسئول: ألا تعرفه؟ قلت: لا، قال: هذا أبو المساكين، عبد الله بن سليمان الجربوع، فعندما رأيت هذه النعم التي بين أيدينا الآن، تذكرت ذاك الموقف، فاللهم أدمها من نعم على بلادنا!

أما الموقف التالي لأبي سليمان، عبد الله الجربوع، فقد رواه لي الزميل محمد بن عبد الكريم الجربوع، يقول فيه: كان عبد الله بن سليمان الجربوع في السوق جالسا مع مجموعة من الرجال، إذ مر بهم سائق سيارة، الذي ينقلون الركاب ما بين بريدة وبلدة الشماسية، وكان يسمى في ذلك الوقت (البريد)، فوقف هذا السائق عند هؤلاء الرجال وسلم عليهم وردوا عليه التحية وذهب، قال أحد الجالسين: الله يرزق هذا السائق، فهو مسكين ضعيف، بيته ممتلئ بالأطفال وسيارته خردة، قديمة كثيرة العطل، سمع أبو سليمان عبد الله الجربوع هذا الكلام.

فلما كان من الغد ذهب أبو سليمان إلى هذا السائق في محطة جمع الركاب، سلم عليه أبو سليمان، وقال له: خذ هذا الخطاب وأعطه - فلان -

ص: 336

بالشماسية، وأعطاه أبو سليمان عشرين ريالًا، وقال له: خذ هذا المبلغ حقًّا لأتعابك وحقًا للبنزين.

قال: يا عم، ما احتاج إلى مبالغ فهو في نفس بلدتي - الشماسية - بل وجار لي بالمنزل، والراكب ننقله بريال واحد، فقال أبو المساكين: خذها وصل على النبي، اللهم صلّ على نبينا محمد.

وانصرف أبو سليمان والرجل السائق ما بين مصدق ومكذب مما جاءه من الرزق على يد هذا الرجل، فمرة ينظر إلى الدراهم التي بيده، ومرة ينظر إلى الرجل الذي أعطاه هذا المبلغ ولم يعرف أنه عبد الله الجربوع.

وأما الموقف الثالث: والذي رواه لي أيضًا الزميل عبد الكريم الجربوع، والذي نقله عن أحد العمال، يقول فيه:

يقول العامل: كنا نشتغل - نعمل عند عبد الله الجربوع، رحمه الله في بناء بيته، وكان الأستاذ (المعلم) معلم البناء، معه عماله ومعروف عددهم ومهنهم، فهذا مخصص لنقل الماء، وذاك لخلط الطين بالماء، وهؤلاء لنقل اللبن من مكان إلى مكان، والعمال تبع للمعلم، لا يذهبون لأحد غيره من المعلمين، وإلا طرده الأستاذ، وقد يكونون لهم سنين طويلة مع هذا المعلم لا يفارقونه.

يقول راوي السالفة: فكان أبو سليمان، عبد الله الجربوع يجلس بالقرب منا تحت ظل أحد الجدران، بالقرب من العمال، فيأتي من يبحث عن عمل ويسأل الأستاذ - المعلم -: هل يريد زيادة عمال أو عمال؟ فيرد الأستاذ: لا، فيذهب الرجل مكسور الخاطر فليستدعيه أبو سليمان ويقول له: اشتغل، ويأمر أبو سليمان الأستاذ بأن يبحث له عن عمل، شف له شغلًا، فيقول الأستاذ: عمالنا مكتملون ولا حاجة لنا في زيادة عمال، ولكن أبو سليمان يصر على تشغيل هذا الرجل، فيشغله الأستاذ بشغلة ثانوية، وقد يكونون في بعض الأيام أكثر من عامل واحد يعملون بلا عمل.

ص: 337

فإذا أقبل أحد إخوة أبي سليمان رحمهم الله جميعًا أخفى أبو سليمان العمال الزائدين في أحد الزوايا حتى يرجع هذا الأخ ثم يعود العمال إلى عملهم.

وأما الموقف الرابع والأخير لأبي سليمان عبد الله الجربوع، وقد رواه لي الزميل إبراهيم بن علي العليقي، قال فيه:

كان أبو سليمان جالسًا في السوق عند صاحب دكان، وكانت امرأة بيدها مهاف (مراوح يدوية) تبيعها، أخذت المرأة تجوب السوق طلوعًا ونزولًا فلم يشتريها أحد ولا حتى يسألها عن ثمنها، وأبو سليمان يلاحظها وهي تروح وتغدُو فرق لحالها، ناداها وقال لها: بكم تبعينن هذه المهاف؟ قالت: سمها يا عم: (حدد أنت سعرها)، فقال لها: بكم تبيعين أمثالها عادة؟

فقال: بكذا، فأخرج من جيبه أضعاف ثمنها، فاستغربت المرأة هذا المبلغ لأنه كثير وقالت: ياعم، كل هذا المبلغ ثمن للمهاف؟ قال رحمه الله: نعم، فانصرفت من عنده وهي تدعو له بخير، وهو أهل لذلك الخير إن شاء الله، وعندما نهض أبو سليمان لينصرف إلى منزله، قال الرجل الذي جالس عنده أبو سليمان، خذ مهافك، قال أبوسليمان: هي لك هدية، ليس لي بها حاجة، فرحم الله أبا سليمان وأكثر الله من أمثال هذا الرجل (1).

من أخبار الجربوع أيضًا ما ذكره الأستاذ ناصر العمري قال:

سليمان بن محمد الجربوع من أهل بريدة ومن قبيلة شمر عمل في تجارة الإبل وهو شاب وقد لقبه أصدقاؤه بلقب الشراري لأن الإبل تألفه وتقترب منه إذا كان في الصحراء، وتلك من عادة الشرارات.

سافر ابن جربوع من بريدة إلى حدود المملكة الشمالية مما يلي العراق لشراء الإبل وحل ضيفًا على أهل قرية ليس فيها سكان إلا رجل كبير السن

(1) سواليف المجالس، ج 1، ص 25 - 30.

ص: 338

معه نساؤه، وأقام عنده أيامًا يبحث معه عن البادية التي لديها الإبل ليشتري حاجته من الإبل للتجارة.

وفي آخر يوم بعد العصر كان الشيخ الكهل يجلس في مجلسه ومعه سليمان بن محمد بن جربوع يشربان القهوة دخل شاب مذعور إنه ابن البدوي الكهل وأخبر والده أن الإبل أخذت قال: أغار عليَّ أناس وأخذوا الإبل، ولم يكترث الكهل ولم يظهر أي اهتمام أو خوف بل التفت إلى ولده الشاب قائلًا: ما عرفوا أن الإبل لنا، لو عرفوا وسمنا ما أخذوا الإبل.

ولم يتحرك من مقعده واستمر يحتسي القهوة، وبعد شرب القهوة قال لنسائه اسرجوا لي الفرس، وأعدت فرسه للركوب فأخذ سلاحه وركب فرسه واتجه إلى حيث مكان الإبل ومن أخذها فلحق به ابن جربوع وقال اريد أن أساعدك فطلب من ابن جربوع أن يستريح فرجع ابن جربوع.

وقت غروب الشمس عاد الكهل على فرسه يردف معه أسيرًا على الفرس وأمامه الإبل يسوقها، جاء بها دون نقص ونزل عن الفرس وأنزل الأسير وقال لابن جربوع هذا سوف أذبحه لك ضيافة هذه الليلة، فرجاه ابن جربوع أن يعفو عن الأسير فأمر الأسير أن يقعد في ركن من المجلس وهو مربوط اليدين وتركه حتى الصباح، وفي الصباح أعاد عليه ابن جربوع طلب العفو عن الأسير فعفا عنه وتركه يذهب إلى أهله دون أن يخاطبه أو يؤنبه أو يلومه أو يهدده، بل قال له اذهب إلى أهلك من أجل هذا العقيلي الضيف.

إنها شجاعة وأناة وعفو عند المقدرة، أما سليمان بن محمد بن جربوع فهو رجل فيه مروءة وتواضع وتمسك بالدين واسمه يطابق اسم الشيخ سليمان بن محمد الجربوع قاضي العظيم ثم قاضي الارطاوية وهما من أسرة واحدة (1).

(1) ملامح عربية، ص 329.

ص: 339