الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمدرسَة الشامية البرانية
هِيَ الْآن مَشْهُورَة بالعقيبة الْكُبْرَى بَينهَا وَبَين سوق صاروجا وَكَانَ محلهَا قَدِيما يُسمى بالعينية وَالَّذِي يلوح من تراجم هَذِه الْمدرسَة أَنَّهَا كَانَت كَبِيرَة الحجم جدا كَبِيرَة الشَّأْن وَالظَّاهِر أَن الْمَوْجُود الْآن إِنَّمَا هُوَ قسم مِنْهَا
قَالَ ابْن شَدَّاد الْمدرسَة الشامية من اكبر الْمدَارِس وَأَعْظَمهَا وأكثرها فُقَهَاء وأوقافا انْتهى
وَتسَمى هَذِه الْمدرسَة بالحسامية أَيْضا نِسْبَة إِلَى حسام الدّين عمر بن لاجين زوج الواقفة وَمن أوقافها السلطاني وَهُوَ قدر ثَلَاثمِائَة فدان وَحده من قناة الريحانية إِلَى أَوَائِل القبيبات إِلَى قناة حجيرا ودرب البويضاء وَمِنْه الْوَادي التحتاني الْمُسَمّى وَادي السفرجل وَقدره نَحْو عشْرين فدانا وَمِنْه بُسْتَان الصاحب غربي الْمصلى وَمِنْه ثَلَاثمِائَة من الكروم وَهِي من الأفدنة وَمِنْه طاحونة بَاب السَّلامَة وحكورة مُتعَدِّدَة وَغير ذَلِك من الْأَوْقَاف الَّتِي لم يبْق لَهَا سوى رسمها فِي الْكتب
قَالَ أَبُو شامة وَمن شُرُوط وَقفهَا أَن لَا يجمع الْمدرس بَينهَا وَبَين غَيرهَا وَأول من درس بهَا ابْن الصّلاح وَقيل أول مدرسيها شرف الدّين ابْن عمر الزكي وَبعده اثْنَان وَأَرْبَعُونَ مدرسا إِلَى أَن اتَّصَلت بِابْن قَاضِي عجلون ثمَّ بسراج الدّين الصَّيْرَفِي ثمَّ جماعات مِنْهُم الْبَدْر الْغَزِّي وَالشَّيْخ إِسْمَاعِيل النابلسي وَالْحسن البوريني والنجم الْغَزِّي
قَالَ العلموي وللشامية البرانية كتاب وقف مَنْقُول عِنْد غَالب فضلاء دمشق انْتهى وَيُمكن أَن تكون الْأَيَّام نسخته نسخته وساعدتها على ذَلِك اللَّيَالِي وَقد اصبح الْقسم الْمَوْجُود من الْمدرسَة عبارَة عَن مَسْجِدهَا وبركة كَبِيرَة للْمَاء فِي ساحتها وَبَعض حجرات فوقانية متروكة وبيوت للخلاء وَلَيْسَ بهَا أحد للطلبة غير أَن المعارف قد جعلت مَسْجِدهَا مكتبا ابتدائيا فَصَارَت دَار علم بِالْجُمْلَةِ
تَنْبِيه واستبصار
إِن النَّاظر فِي كتَابنَا هَذَا رُبمَا يمل من سرد أَسمَاء بعض المدرسين عِنْد الْكَلَام على الْمدَارِس وَلَا يعلم لذَلِك معنى نظرا لتغير الأوضاع وتبدل الزَّمَان وتقلص ظلّ الْعلم
وَأَهله وان شِئْت السَّبَب الْحَامِل على ذَلِك فَاعْلَم انه كَانَ لجَمِيع الْمدَارِس الْمَوْجُودَة فِي هَذَا الْكتاب وَغَيرهَا شَأْن عَظِيم فَمَا من مدرسة إِلَّا وَقد كَانَ بهَا من الطّلبَة المشتغلين بِالْعلمِ لَيْلًا وَنَهَارًا مَا تضيق الْمدرسَة عَن سكناهم لكثرتهم وَبِكُل وَاحِدَة مِنْهَا دَار لنفائس الْكتب وَمثل ذَلِك كَانَ فِي الترب الَّتِي سنذكرها ثمَّ انه كَانَ لكل مدرسة مدرس خصوصي ينتخب من الأفاضل الْكِبَار وَكَانَ لهَؤُلَاء المدرسين مواعيد فَإِذا كَانَ يَوْم ميعاد مدرسة جلس الْمدرس فِي مَوضِع الميعاد وأحدق بِهِ غَالب الْفُقَهَاء وَالْعُلَمَاء فيذكر مَسْأَلَة وَيَأْخُذ فِي تفصيلها وَبَيَان دلائلها ويشاركه الْعلمَاء فِي الْبَحْث على طَرِيقه فن الجدل وَيتَكَلَّم الْوَاحِد مِنْهُم بِمَا عِنْده وتطول ذيول المناظرة وَيَأْخُذ الْحَنَفِيّ مثلا فِي الِانْتِصَار لقَوْل إِمَامه فيعارضه الشَّافِعِي مدليا بحجته ويشاركهما الْمَالِكِي والحنبلي والظاهري والنحوي والمنطقي والبليغ وَإِذا كَانَ ثمَّ أحد من الْعلمَاء غَرِيبا أَخذ فِي المذاكرة مَعَهم وَلم يزَالُوا كَذَلِك حَتَّى فرَاغ الميعاد ثمَّ ينقلون فِيمَا بعد إِلَى ميعاد ثَان فِي مدرسة ثَانِيَة وحرصا على أَن لَا يغلب الْمدرس على أمره من أحد غَرِيب كَانَ المتميزون فِي الْعلم يَجْلِسُونَ إِلَى يَمِينه وشماله ليكونوا عونا لَهُ إِذا سُئِلَ وَلم يستحضر جَوَابا ثمَّ درست فِي أيامنا تِلْكَ الْعَادة وَلم يبْق سوى بعض من الدُّرُوس هِيَ على مقتضي الرسوم وَصورتهَا أَن يكون الْمدرس قد حفظ كليمات عَن ظهر قلبه فَإِذا كَانَت سَاعَة الميعاد جلس متصدرا وَجلسَ الْعلمَاء والأمراء عَن يَمِينه وشماله افتخارا ثمَّ شرع كالهر يَحْكِي انتفاخا صُورَة الْأسد فَيقْرَأ ذُو صَوت رخيم حزبا من الْقُرْآن ثمَّ يقْرَأ المعيد عبارَة الْكتاب ثمَّ يسْرد الْمدرس مَا كَانَ يحفظه وَلَا سَائل ثمَّ وَلَا مسؤول فَإِذا وجد أحد غَرِيب وَسَأَلَ مَسْأَلَة انتهره الْحَاضِرُونَ وأسكتوه فَهَكَذَا كَانَ شَأْن الْعلم وَهَذَا شَأْنه فِي أيامنا فَإِذا رَأَيْت سرد أَسمَاء المدرسين فَتذكر السَّبَب وَاعْلَم انهم جَلَسُوا عَن اسْتِحْقَاق وَعلم وَاسع واطلاع كَبِير
وَمن بعض حوادث الشامية مَا حَكَاهُ ابْن قَاضِي شُهْبَة فِي الذيل قَالَ ولي القَاضِي سري الدّين تدريس الشامية البرانية والجوانية واستمرتا بِيَدِهِ مَعَ أَن الشَّيْخ فتح الدّين ابْن الشَّهِيد وليهما بمرسوم سلطاني فَلم تحصل لَهُ وباشر الْأَوْقَاف بهمة وَقُوَّة نفس وحشمة وكرم والقضاة واعيان الْفُقَهَاء وَغَيرهم كَانُوا يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ ذَلِك سنة خمس وَثَمَانِينَ وَسَبْعمائة ثمَّ لما كَانَت فتْنَة تيمورلنك افْتقر وَسَاءَتْ