الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ أَبُو شامة فِي كَلَامه على وَفَاة صَلَاح الدّين أَن تربته مجاورة للمكان الَّذِي زَارَهُ القَاضِي الْفَاضِل فِي الْمَسْجِد انْتهى
وَنحن الْآن لم نر إِلَّا زقاقا بَين التربة الْمَذْكُورَة وَالْجَامِع يُوصل إِلَى دور معدة للسكن وَالْوَقْف عَلَيْهَا مزرعة برتايا لصيق ارْض حمورية يفصل بَينهمَا النَّهر ثمَّ كَانَت بعد ذَلِك بيد الزعني عبد الْغَنِيّ بن السراج بن الخواجا شمس الدّين بن المزلق ثمَّ صَارَت بيد محب الدّين نَاظر الْجَيْش سنة خمس عشرَة وَتِسْعمِائَة وَأول من درس بهَا التقي البلداني ثمَّ النَّجْم أَخُو الْبَدْر ثمَّ الْحَافِظ الذَّهَبِيّ ثمَّ الْحَافِظ المتقن أَبُو الْمَعَالِي مُحَمَّد بن رَافع بن هجوش السلَامِي بتَشْديد اللَّام الصميدي الْمصْرِيّ ثمَّ الدِّمَشْقِي ثمَّ شمس الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن رضوَان البعلي الْمَعْرُوف بِابْن الْموصِلِي
تَرْجَمَة واقفها
نَحن الْآن لم نرد استقصاء تَرْجَمَة هَذَا الْفَاضِل لانه من زِينَة الْمَشَاهِير وَمحل طُلُوع كوكبه أوج سفر الْمَشَاهِير ولكننا نأتي على نبذة مِنْهَا هُنَا وَفِي محلهَا نزيد مَا لم نأت عَلَيْهِ فِي هَذَا الْموضع إِذْ لَا يَلِيق بالْمقَام إخلاء هَذَا السّفر من تَرْجَمته فَنَقُول
هُوَ عبد الرَّحِيم بن عَليّ بن حسن بن الْحُسَيْن بن احْمَد بن الْفرج بن احْمَد القَاضِي مُحي الدّين ابْن القَاضِي الاشرف أبي الْحسن اللَّخْمِيّ البيساني الْعَسْقَلَانِي المولد الْمصْرِيّ المنشأ صَاحب الْعِبَادَة والفصاحة والبراعة والبلاغة ولد سنة تسع وَعشْرين وَخَمْسمِائة انْتَهَت إِلَيْهِ براعة الْإِنْشَاء وبلاغة الترسل وَله فِي ذَلِك معَان مبتكرة لم يسْبق إِلَيْهَا مَعَ كثرتها اشْتغل بصناعة الترسل على الْمرْفق يُوسُف بن الْجلَال شيخ الْإِنْشَاء فِي زَمَنه ثمَّ أَقَامَ بالإسكندرية مُدَّة قَالَ عمَارَة الْفَقِيه اليمني وَمن محَاسِن العاضد خُرُوج أمره إِلَى وَالِي الاسكندرية بتسيير القَاضِي الْفَاضِل إِلَيّ الْبَاب واستخدامه فِي ديوَان الجيوش فانه غرس مِنْهُ للدولة بل للملة شَجَرَة مباركة متزايدة النَّمَاء اصلها ثَابت وفرعها فِي السَّمَاء سمع جمَاعَة من الْمُحدثين وَكَانَ كثير الصَّدقَات وَالصَّوْم وَالصَّلَاة ورده كل يَوْم وَلَيْلَة ختمة كَامِلَة
قَالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ ركن السُّلْطَان صَلَاح الدّين إِلَى القَاضِي الْفَاضِل ركونا تَاما وَتقدم عِنْده كثيرا وَله آثَار جميلَة ظَاهِرَة مَعَ مَا كَانَ عَلَيْهِ من الإغضاء
وَالِاحْتِمَال وروى موفق الدّين احْمَد ابْن أبي اصيبعة فِي تَارِيخه عُيُون الأنباء فِي طَبَقَات الْأَطِبَّاء فِي تَرْجَمَة موفق الدّين عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ عَنهُ انه قَالَ
تَوَجَّهت إِلَى زِيَادَة الْقُدس ثمَّ إِلَى صَلَاح الدّين بِظَاهِر عكا فاجتمعت ببهاء الدّين ابْن شَدَّاد قَاضِي الْعَسْكَر يَوْمئِذٍ وَكَانَ قد اتَّصل بِهِ شهرتي بالموصل فانبسط أَلِي وَاقْبَلْ عَليّ وَقَالَ نَجْتَمِع بعماد الدّين الْكَاتِب فقمنا إِلَيْهِ وخيمته إِلَى خيمة بهاء الدّين فَوَجَدته يكْتب كتابا إِلَى الدِّيوَان الْعَزِيز بقلم الثُّلُث من غير مسودة وَقَالَ هَذَا كتاب إِلَى بلدكم وذاكراني فِي مسَائِل من علم الْكَلَام وَقَالَ قومُوا إِلَى القَاضِي الْفَاضِل فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ فَرَأَيْت شَيخا ضئيلا كُله رَأس وقلب وَهُوَ يكْتب ويملي على اثْنَيْنِ وَوَجهه وشفتاه تلعب أَنْوَاع الحركات لقُوَّة حرصه فِي إِخْرَاج الْكَلَام وَكَأَنَّهُ يكْتب بجملة أَعْضَائِهِ وسألني القَاضِي الْفَاضِل عَن قَوْله سبحانه وتعالى {حَتَّى إِذا جاؤوها وَفتحت أَبْوَابهَا وَقَالَ لَهُم خزنتها} 39 / 71 آيَة أَيْن جَوَاب إِذا وَأَيْنَ جَوَاب لَو فِي قَوْله تَعَالَى {وَلَو أَن قُرْآنًا سيرت بِهِ الْجبَال} 13 / 21 آيَة وَعَن مسَائِل كَثِيرَة وَمَعَ هَذَا فَلَا يقطع الْكِتَابَة والإملاء وَقَالَ لي ترجع إِلَى دمشق وتجرى عَلَيْك الجرايات فَقلت أُرِيد مصر فَقَالَ السُّلْطَان مَشْغُول الْقلب بِأخذ الفرنج عكا وَقتل الْمُسلمين بهَا فَقلت لابد لي من مصر فَكتب لي ورقة صَغِيرَة إِلَى وَكيله بهَا فَلَمَّا دخلت الْقَاهِرَة جَاءَنِي وَكيله وَهُوَ ابْن سناء الْملك وَكَانَ شَيخا جليل الْقدر نَافِذ الْكَلِمَة فأنزلني دَارا قد أزيحت عللها وَجَاءَنِي بِدَنَانِير وغلة ثمَّ مضى إِلَى أَرْبَاب الدولة وَقَالَ هَذَا ضيف القَاضِي الْفَاضِل فوردت الْهَدَايَا والصلات من كل جَانب وَكَانَ كل عشرَة أَيَّام أَو نَحْوهَا تصل تذكرة القَاضِي الْفَاضِل إِلَى ديوَان مصر بمهمات الدولة وفيهَا فصل يُؤَكد الْوَصِيَّة فِي حَقي انْتهى
وَقَالَ الْمُوفق عبد اللَّطِيف الْبَغْدَادِيّ أَيْضا كَانَ للْقَاضِي الْفَاضِل غرام فِي الْكِتَابَة وَتَحْصِيل الْكتب وَكَانَ لَهُ العفاف وَالدّين والتقى مواظبا على أوراده وَلما ملك أَسد الدّين شيركوه احْتَاجَ إِلَى كَاتب فأعجبه سمته وتصوره فَلَمَّا ملك صَلَاح الدّين استخلصه لنَفسِهِ وَحسن اعْتِقَاده فِيهِ وَكَانَ قَلِيل اللَّذَّات كثير الْحَسَنَات دَائِم التَّهَجُّد مشتغلا بالآداب قَلِيل النَّحْو لَكِن لَهُ دربة قَوِيَّة فِيهِ توجب قلَّة اللّحن وَكتب فِي الْإِنْشَاء مَا لم يَكْتُبهُ أحد وَكَانَ متقللا فِي مطعمه ومنكحه وملبسه يلبس الْبيَاض وَلَا يبلغ جَمِيع مَا عَلَيْهِ من الثِّيَاب دينارين ويركب مَعَه غُلَام وركابي وَلَا يُمكن