الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْقسم الثَّانِي فِي دور الحَدِيث الشريف
حرف الْهمزَة
دَار الحَدِيث الأشرفية الأولى
عرف النعيمي وَغَيره محلهَا بِأَنَّهُ جوَار بَاب القلعة الشَّرْقِي غربي الْمدرسَة العصرونية وشمالي القيمازية الْحَنَفِيَّة انْتهى
أَقُول هِيَ الْآن مَشْهُورَة مَعْرُوفَة وَهِي فِي أَوَائِل سوق العصرونية من الْجَانِب الغربي وتعريفها الأول مَعْرُوف الْآن إِلَّا أَن القيمازية لم نر لَهَا أثرا والأشرفية جنوبي الطَّرِيق المخترق للسوق وَقد جدد لَهَا بَاب قنطرته من الْحجر الْمزي الْأَحْمَر وَالْأسود فَإِذا دخله الدَّاخِل أفْضى بِهِ إِلَى دهليز لطيف بجانبه الشَّرْقِي حجرَة ثمَّ يصل مِنْهُ إِلَى صحن لطيف فِي وَسطه بركَة مَاء وَفِي الْجَانِب الغربي مَوَاضِع الطَّهَارَة وحجرتان وَفِي القبلي مَسْجِد حسن الْبناء والوضع وَفِي الشَّرْقِي ثَلَاث حجرات وَفِي الشمالي سلم من الْحجر يصعد مِنْهُ إِلَى الطباق العلوية وَهِي ثَلَاث فِي الْجَانِب الغربي وَخمْس فِي الشَّرْقِي وَكَانَ سكني فِي غرفَة علوِيَّة من هَذِه الْمدرسَة أثْنَاء طلبي للْعلم فنلت بهَا من الانشراح والفتوح مَا يَجْعَلنِي حَامِد الله تَعَالَى وشاكرا لَهُ مُدَّة حَياتِي والفت بهَا بعض الْكتب وبجانبها الجنوبي دَار لَطِيفَة معدة لسكنى الْمدرس بهَا وَهُوَ الْآن الْعَالم الْفَاضِل الْمُحدث الصَّالح الشَّيْخ مُحَمَّد بدر الدّين ابْن الشَّيْخ يُوسُف بدر الدّين البيباني الشهير بالمغربي لَكِن تِلْكَ الدَّار قد أجرت لبَعض التُّجَّار وَجعلت محلا للتِّجَارَة وَفَوق شباك الْحُجْرَة الثَّانِيَة السفلية الشرقية مِنْهَا بلاطة طَوِيلَة محفور فِيهَا مَا صورته بعد الْبَسْمَلَة
مِمَّا أوقفهُ السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْفَتْح مُوسَى ابْن الْملك الْعَادِل رحمه الله على هَذِه الدَّار الْمُبَارَكَة وَهُوَ ثلث قَرْيَة حزرما وقيسارية الْعُلُوّ بكمالها وَعشرَة حوانيت وفرنان واصطبل جوارها وحانوتان وحجرة جوَار كَنِيسَة مَرْيَم وَأَرْبع
حصص فِي أَرْبَعَة حوانيت بِبَاب الْبَرِيد وحصتان فِي حانوتين فِي الجزيرة وَحِصَّة فِي حَانُوت الحدادين
هَذَا مَا قرأته على البلاطة الْمَذْكُورَة
قَالَ ابْن كثير فِي تَارِيخه كَانَت هَذِه الْمدرسَة لصارم الدّين قايماز بن عبد الله النجمي وَاقِف القايمازية وَله بهَا حمام فَاشْترى ذَلِك الْملك الاشرف مظفر الدّين مُوسَى ابْن الْعَادِل وبناها دَار حَدِيث وَخرب الْحمام وبناه سكنا للشَّيْخ الْمدرس وَأتم بناءها فِي سنتَيْن وَجعل شيخها الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح ووقف عَلَيْهَا الْأَوْقَاف وَكَانَ بهَا نعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَاشْترط فِي الشَّيْخ أَن تَجْتَمِع فِيهِ الرِّوَايَة والدراية اهـ
وَكَانَ بناؤها سنة ثَمَان وَعشْرين وسِتمِائَة وَقَالَ الْحَافِظ ابْن كثير فِي طبقاته
وَفتحت سنة ثَلَاثِينَ وسِتمِائَة لَيْلَة نصف شعْبَان وأملى بهَا الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ابْن الصّلاح الحَدِيث وَبهَا نعل النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَكَانَ عِنْد الإِمَام نظام الدّين أبي الْعَبَّاس احْمَد بن عُثْمَان بن أبي الْحَدِيد السّلمِيّ مولده بِدِمَشْق سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَكَانَ وَرثهُ من آبَائِهِ وَكَانَ الاشرف يقربهُ ويجله لأَجله ويؤمل أَن يَشْتَرِيهِ مِنْهُ ويضعه فِي مَكَان ليزار فَلم يسمح بذلك وسمح بِأَن يقطع لَهُ قِطْعَة مِنْهُ فَامْتنعَ الْأَشْرَف حذرا من التطرق إِلَى إعدامه ثمَّ اقطعه الاشرف وَقدر لَهُ مَعْلُوما فاستمر كَذَلِك إِلَى أَن توفى وَأوصى بالنعل للاشرف فأقره بدار الحَدِيث الاشرفية وَيُقَال انه كَانَ الفردة الْيُسْرَى وان الفردة الْيُمْنَى كَانَت بِالْمَدْرَسَةِ الدماغية وَلم تزل إِلَى زمن تيمور فَلَمَّا دخل دمشق أخذهما وَفِي كتاب الْفَتَاوَى الْكُبْرَى للسبكي مَا صورته
وقف دَار الحَدِيث الأشرفية مُخْتَصرا هَذَا مَا وَقفه السُّلْطَان الْملك الْأَشْرَف أَبُو الْفَتْح مُوسَى ابْن الْعَادِل أبي بكر مُحَمَّد بن أَيُّوب بن شادي جَمِيع مَا يَأْتِي ذكره فَمِنْهُ الدَّار وَمِنْه جَمِيع الحانوتين من شَرق بَابهَا وَجَمِيع الْحَانُوت من غرب الشباك وَجَمِيع الْحُجْرَة من غرب مَا يَأْتِي ذكره وَمِنْه جَمِيع القيسارية السّفل والعلو وَجَمِيع الساباط قبالتها وَدَار أَيْضا وَمِنْه ثلث حزرما وَقفا مُؤَبَّدًا فالدار دَار حَدِيث وَأما جَمِيع الْعقار فموقوف على مصَالح هَذِه الدَّار وعَلى أَهلهَا
يبْدَأ النَّاظر فِي هَذِه الْأَمَاكِن بعمارة الدَّار وَعمارَة مَا هُوَ مَوْقُوف عَلَيْهَا وعَلى
أَهلهَا قدر الْحَاجة إِلَيْهِ من زَيْت وشمع وقناديل ومصابيح وتعاليق وَحصر وَبسط برسم الْمَسْجِد وَسَائِر مَا لَا يخْتَص أحد بسكناه من سفل الدَّار وَمَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الة تنظيف وكنس وَنَحْو ذَلِك وَمَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ من تَقْوِيَة فلاح وإقراضه وَشِرَاء دَوَاب وآلات
ويتعاهد كتب الْوَقْف وحججه بالإثبات وَيصرف فِي ذَلِك من فعل الْوَقْف مِقْدَار الْحَاجة وَله أَن يصرف من فعل بعض الْأَمَاكِن الْمَوْقُوفَة فِي عمَارَة مَكَان آخر مِنْهَا مِمَّا وقف الْآن وَمِمَّا سيوقف إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وَمَا فضل بعد ذَلِك كَانَ مصروفا إِلَى أهل الدَّار من أَصْحَاب الحَدِيث والمشتغلين بِعِلْمِهِ والسامعين لَهُ والقراء للسبع وَالشَّيْخ الْمُحدث وَالْإِمَام وَسَائِر المرتبين بِالْمَكَانِ المتعلقين بِهِ على مَا سَيَأْتِي شَرحه
فَمِنْهُ مَا هُوَ مَصْرُوف إِلَى الإِمَام سِتُّونَ درهما عَن كل شهر فَفِي السّنة سَبْعمِائة وَعِشْرُونَ وَعَلِيهِ الْقيام بوظيفة الْإِمَامَة فِي الْخمس وَفِي التَّرَاوِيح وَعَلِيهِ عقد حَلقَة الإقراء والتلقين وَشَرطه فِي هَذَا أَن يكون حَافِظًا للقراءات السَّبع عَارِفًا بهَا وللشيخ النَّاظر أَن يَجْعَل حَلقَة الإقراء إِلَى شخص غير الإِمَام ويوزع الْمِقْدَار الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا على حسب مَا يرى فِيهِ الْمصلحَة
وَيصرف إِلَى الشَّيْخ الْمُحدث فِي كل شهر تسعون درهما وَهُوَ أَبُو عَمْرو بن الصّلاح ولنسله خَمْسُونَ درهما إِلَى أَن ينقرض أخرهم
وَيصرف إِلَى أَوْلَاد الشَّيْخ أبي مُوسَى ونسله كل شهر سِتُّونَ درهما وَلَهُم أَو لمن شَاءَ مِنْهُم سُكْنى الْحُجْرَة الَّتِي من شمَالي الدَّار وَيصرف إِلَى خَادِم الْأَثر الشريف النَّبَوِيّ وَهُوَ الْحَاج ريطار واسْمه غُلَام الله فِي كل شهر أَرْبَعُونَ درهما وتجرى بعده على نَسْله فَإِذا انقرضوا عَاد ذَلِك إِلَى سَائِر مصارف الْوَقْف وجهاته وَيجْعَل شيخ الْمَكَان بعد انقراضهم خدمَة الْأَثر إِلَى من شَاءَ وَيجْعَل لَهُ مَا يرَاهُ والمصروف إِلَى هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة وهم أَوْلَاد أبي مُوسَى وعقبه وعقب ابْن الصّلاح وعقب ريطار من فعل مَا سوى الثُّلُث الْمعِين من حزرما لكَوْنهم لم يذكرُوا حَالَة إنْشَاء هَذِه الْمدرسَة
وَيصرف فِي كل شهر مائَة دِرْهَم إِلَى عشرَة انفس من قراء السَّبع لكل وَاحِد عشرَة وَيصرف إِلَى قَارِئ أَرْبَعَة وَعِشْرُونَ درهما كل شهر
وَيصرف إِلَى خَازِن الْكتب ثَمَانِيَة عشر درهما فِي كل شهر وَعَلِيهِ الاهتمام بترميم الْكتب وإعلام النَّاظر أَو نَائِبه ليصرف فِيهِ من مغل الْوَقْف مَا يَفِي بذلك وَكَذَا إِذا مست الْحَاجة إِلَى تَصْحِيح كتاب ومقابلته
وَيصرف إِلَى شخص يكون مُرَتبا ونقيبا ثَمَانِيَة عشر درهما وللشيخ أَن يضم إِلَيْهِ فِي بعض ذَلِك شخصا من الْجَمَاعَة ويزيده على ذَلِك شَيْئا على مَا يرَاهُ
وللمؤذن فِي كل شهر عشرُون درهما وللبواب خَمْسَة عشر درهما
وَيصرف إِلَى قيمين ثَلَاثُونَ درهما وللشيخ النَّاظر أَن يفاوت بَينهمَا على حسب عملهما وان وَقع الِاسْتِغْنَاء بِوَاحِد اقْتصر عَلَيْهِ وَصرف إِلَيْهِ بعض ذَلِك على مَا يَقْتَضِيهِ حَاله
وَيصرف كل سنة آلفان من الدَّرَاهِم من مغل ثلث حزرما فِي مصَالح النورية والقائمين بمصالحها والمشتغلين بِالْحَدِيثِ من أَهلهَا على مَا يَقْتَضِيهِ رَأْي الْوَاقِف أَو من يفْرض ذَلِك إِلَيْهِ
وَيصرف فِي شِرَاء أوراق وآلات النّسخ من حبر وَأَقْلَام وَنَحْو ذَلِك من أدوات الْكِتَابَة مِمَّا تقع بِهِ الْكِفَايَة لمن ينْسَخ فِي الإيوان الْكَبِير أَو قبالته الحَدِيث أَو شَيْئا من علومه أَو الْقُرْآن الْعَظِيم أَو تَفْسِيره وَيصرف إِلَى من يكْتب فِي مجَالِس الاملاء والى من يتَّخذ لنَفسِهِ كتبا أَو استجازة وَلَا يعْطى من ذَلِك إِلَّا لمن ينْسَخ لنَفسِهِ لغَرَض الاستفادة والتحصيل دون التكسب وَالِانْتِفَاع بِثمنِهِ
وَمَا فضل عَن الْأَصْنَاف الْمَذْكُورين والجهات الْمَذْكُورَة إِلَى تَمام آلف ومائتي دِرْهَم يصرف إِلَى المشتغلين بِالْحَدِيثِ والسامعين لَهُ فَيجْعَل لكل من المشتغلين ثَمَانِيَة دَرَاهِم وَمن زَاد اشْتِغَاله زَاده وَمن نقص نَقصه وَيجْعَل لكل من السامعين أَرْبَعَة أَو ثَلَاثَة وَمن ترجح مِنْهُم زَاده وَمن كَانَ فِيهِ نباهة جَازَ إِلْحَاقه بالثمانية وَمن حفظ كتابا من كتب الحَدِيث فللشيخ أَن يَخُصُّهُ بجائزة وَمن انْقَطع مِنْهُم إِلَى الِاشْتِغَال بِالْحَدِيثِ وَكَانَ ذَا أَهْلِيَّة يُرْجَى مَعهَا أَن يصير من أهل الْمعرفَة فللشيخ أَن يوظف لَهُ تَمام كِفَايَة أَمْثَاله بِالْمَعْرُوفِ وَإِذا ورد شيخ لَهُ علو سَماع يرحل إِلَى مثله فَلهُ أَن ينزل بدار الحَدِيث وَيُعْطى كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ فَإِذا فرغ أعطي ثَلَاثِينَ دِينَارا كل دِينَار بسبعة دَرَاهِم هَذَا إِذا ورد من غير الشَّام فَإِذا كَانَ مِمَّن هُوَ مُقيم بِالشَّام كَانَ لَهُ دون ذَلِك على مَا يرَاهُ
الشَّيْخ فَإِذا كَانَ صَاحب الْعُلُوّ من المستوطنين بِدِمَشْق واقتضت الْمصلحَة استحضاره فِي الدَّار لاستماع مَا عِنْده من العالي فللناظر أَن يُعْطِيهِ مَا يَلِيق بِحَالهِ من عشرَة دَنَانِير فَمَا دون ذَلِك
وَإِذا اقْتَضَت الْمصلحَة أمرا دينيا يُنَاسب مَقَاصِد دَار الحَدِيث زَائِدا على مَا نَص عَلَيْهِ فِي كتاب الْوَقْف فللشيخ النَّاظر أَن يصرف ذَلِك من مغل الْوَقْف مَا يَلِيق بالحالة وَمن قَامَ بِشَرْط جِهَتَيْنِ وَقدر على إِتْيَانه بهما فللناظر أَن يَجْعَل لَهُ ذَلِك
وللشيخ النَّاظر أَن يستنسخ للْوَقْف أَو يَشْتَرِي مَا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ من الْكتب والأجزاء ثمَّ يقف ذَلِك اسوة بِمَا فِي الدَّار من كتبهَا
وَعَلَيْهِم أَن يجتمعوا فِي خمس لَيَال ويبتدؤوا بعد صَلَاة الظّهْر وللناظر أَن يتَّخذ لَهُم طَعَاما وَله أَن يَجْعَل بدل الطَّعَام كل لَيْلَة مائَة وَله أَن يَشْتَرِي مَا يَلِيق من شمع وعود يبخر بِهِ وكيزان وثلج وَنَحْو ذَلِك وَله أَن يتَّخذ فِي شهر رَمَضَان طَعَاما أَو يفرق عوضا عَنْهَا ألف دِرْهَم بِالسَّوِيَّةِ على جَمِيع من بِالدَّار من المرتبين والساكنين وَذَلِكَ إِذا رأى فِي مغل الْوَقْف اتساعا وَمهما كَانَ فِي مغل الْوَقْف نقص بِحَيْثُ لَا يَفِي بِجَمِيعِ الْجِهَات الْمَذْكُورَة فليجعل النَّقْص فِي الْأُمُور الزَّائِدَة دون الْأَصْلِيَّة المهمة وليكمل الْمُؤَذّن والقيم والخازن والبواب والقارئ وَالشَّيْخ وقراء السَّبع وطبقة المشتغلين ويخص بِالنَّقْصِ والحرمان السامعين وان زَاد النَّقْص وتناهى إِلَى الْأَهْلِيَّة والقائمين بهَا وزع عَلَيْهَا بِحَسب مَا يرَاهُ النَّاظر وَإِذا فضل من مغل الْوَقْف فَاضل فللناظر أَن يَشْتَرِي بِهِ ملكا يقفه على الْجِهَات الْمُتَقَدّمَة وَله أَن يستفضل شَيْئا من الْمغل لذَلِك وَإِذا رأى صرف الْفَاضِل على أهل الدَّار اصلح كَانَ لَهُ ذَلِك وللناظر شِرَاء حصر للبيوت المسكونة فِي علو الدَّار
هَذَا مَا اتَّصل بِي من كتاب وقف هَذِه الْمدرسَة وتاريخ هَذِه الشُّرُوط فِي يَوْم الْأَحَد التَّاسِع وَالْعِشْرين من شهر رَمَضَان سنة اثْنَتَيْنِ وسِتمِائَة ونقلته من نُسْخَة كتبت سنة خمس وَأَرْبَعين وَثَمَانمِائَة وَقد انْقَطع هَذَا كُله فِي زمننا وَلم يبْق مِنْهُ رسم وَلَا اثر وَإِنَّمَا كتبته ليرى قَارِئ كتَابنَا مَا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوْم من الاعتناء بالعلوم وإقبالهم على ترقيتها وعَلى حب الحضارة والعمران وَمن الإقبال على نصْرَة المدنية ومحو آثَار الهمجية اللَّذين لَا يتمان إِلَّا بالعلوم ونشرها وحبذا لَو كَانَت المطابع مَوْجُودَة فِي ذَلِك
الْعَصْر إِذْ لَو وجدت فِيهِ وَفِي العصور الَّتِي قبله لأهدت إِلَيْنَا كتبا وعلوما وأخبارا لَيْسَ لدينا مِنْهَا سوى شَيْء يسير
ثمَّ أَن دَار الحَدِيث هَذِه بقيت عامرة إِلَى قبيل مَجِيء غازان أحد مُلُوك التتار فَلَمَّا دخل الشَّام واتى دمشق رام أَن يقصدها بِسوء وَكَانَت تهدمت زِيَادَة تهدم فَقَامَ فِي حمايتها الشَّيْخ زين الدّين أَبُو مُحَمَّد عبد الله بن مَرْوَان الفارقي الْمُتَوفَّى فِي سنة ثَلَاث وَسَبْعمائة فَتَوَلّى شؤونها وكف عَنْهَا يَد الَّذين أَرَادوا اختلاسها قَالَ الشَّيْخ أَبُو نصر عبد الْوَهَّاب السُّبْكِيّ فِي الطَّبَقَات الْوُسْطَى فِي تَرْجَمَة الفارقي خطيب دمشق وَشَيخ دَار الحَدِيث الاشرفية ومدرس الشامية البرانية اخذ الحَدِيث عَن جمَاعَة وَكَانَ فَقِيها فَاضلا دينا خيرا وقورا مهيبا قوي النَّفس آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر مصمما فِي دينه وَكَانَت وِلَادَته سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة اهـ
وَالَّذِي علمناه مِمَّن درس بهَا من الْكِبَار تَقِيّ الدّين أَبُو عَمْرو ابْن الصّلاح ثمَّ عماد الدّين عبد الْكَرِيم ابْن الحرستاني ثمَّ الشَّيْخ عبد الرَّحْمَن بن إِسْمَاعِيل الْمَقْدِسِي الْمَعْرُوف بِأبي شامة ثمَّ الشَّيْخ مُحي الدّين أَبُو زَكَرِيَّا يحيى النَّوَوِيّ ثمَّ زين الدّين الفارقي فصدر الدّين مُحَمَّد بن عمر العثماني الْمَعْرُوف بِابْن المرحل وبابن الْوَكِيل فكمال الدّين مُحَمَّد بن عَليّ الْمَعْرُوف بِابْن خطيب زملكا بِفَتْح الزَّاي وَسُكُون الْمِيم وَفتح اللَّام قَرْيَة فِي غوطة دمشق فَأَحْمَد بن مُحَمَّد الْبكْرِيّ الْمَشْهُور بالشريشي فالحافظ الْكَبِير جمال الدّين يُوسُف الْقُضَاعِي الْحلَبِي الدِّمَشْقِي الْمَعْرُوف بالمزي فَالْقَاضِي عَليّ السُّبْكِيّ فجماعات لم يَصح التَّرْتِيب فيهم مِنْهُم
الْحَافِظ الْكَبِير عماد الدّين إِسْمَاعِيل بن كثير وَالْقَاضِي تَاج الدّين وَالْقَاضِي بهاء الدّين السبكيان فولي الدّين عبد الله السُّبْكِيّ وزين الدّين عمر بن مُسلم الْقرشِي الملحي بِفَتْح الْمِيم وَاللَّام الدِّمَشْقِي وشمس الدّين مُحَمَّد بن بهاء الدّين عبد الله الْمَعْرُوف بِالْحَافِظِ ابْن نَاصِر وَرَأَيْت مجلدا يشْتَمل على مَا أملاه النَّاصِر فِي دروسه وَكله فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى
وَعلي بن عُثْمَان الصير فِي شَارِح منهاج النَّوَوِيّ والحافظ الْكَبِير شيخ الاسلام أَحْمد بن حجر الْعَسْقَلَانِي وَلما ولي تدريسها استناب قطب الدّين الخيضري الْمُتَقَدّمَة تَرْجَمته فِي مدرسته قَالَه السخاوي وَقَالَ لكَونه امثل أهل الْفَنّ بِدِمَشْق حِينَئِذٍ وَيُقَال انه اسْتَقر بهَا بعد الْحَافِظ ابْن نَاصِر عَلَاء الدّين الصَّيْرَفِي وان ابْن حجر أَخذهَا مِنْهُ انْتهى وَمِنْهُم سيف الدّين أَبُو بكر بن عبد الله الحريري البعلبكي ثمَّ درس بهَا جمَاعَة يطول سرد أسمائهم
وتلاشى أمرهَا إِلَى أَن صَارَت بعد الْمِائَتَيْنِ وَألف فِي حَالَة مَحْزَنَة فاستولت أَيدي المختلسين على دَار مدرسها وَلم يبْق مِنْهَا إِلَّا الحجرات التَّحْتَانِيَّة إِلَى أَن آلت الدَّار لامْرَأَة فجَاء الْعَالم الْفَاضِل الأديب الشَّيْخ يُوسُف بدر الدّين البيباني الشهير بالمغربي وَكَانَ محبا لدار الحَدِيث لما كَانَ يسمع من تاريخها وتراجم كبار المدرسين بهَا وَكَانَ ذَلِك بعد السِّتين وَمِائَتَيْنِ وَألف بِقَلِيل وَلما زارها وجدهَا فِي حَالَة تنذرها بمحو آثارها فهزته الحمية العلمية وجد فِي خلاصها من يَد مختلس دارها فَلَمَّا علمت الْمَرْأَة بذلك آجرتها لرجل مسيحي يُقَال لَهُ يانكو وتبعته غير عثمانية وَكَانَ يَبِيع الْخمر فَجَعلهَا حانة للمسكرات واخذ قسما من مَسْجِدهَا وَهُوَ مَا تَحت الْقبَّة فَفتح لَهُ بَابا إِلَى الدَّار وَجعله مخزنا لدنان الْخمر فاغتاظ الشَّيْخ من ذَلِك وَادّعى لَدَى الْحَاكِم أَن الْبَيْت وقف على مدرس الْمدرسَة واثبت ذَلِك بالبراهين والأدلة القاطعة فَحكم الْحَاكِم بذلك وَأَعْطَاهُ حجَّة بِثُبُوت مدعاه ورام يَأْخُذ الدَّار بِدُونِ عوض وَلَا ثمن فَلم يَتَيَسَّر لَهُ ذَلِك لفقره واحتياجه وَلم يُصَادف مسعفا وَحصل لَهُ بِسَبَب ذَلِك معاكسات فنظم قصيدة طَوِيلَة يذكر فِيهَا الْوَاقِعَة ويهجو من لم يساعده وَهِي طَوِيلَة جدا ووجودها الْآن قَلِيل
وَلما ضَاقَ بِهِ الْحَال خرج من دمشق وَحلف أَن لَا يعود إِلَيْهَا أَو يجد سَبِيلا لضم الدَّار إِلَى الْمدرسَة فسافر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَمر فِي طَرِيقه على رودس وَكَانَ الْعَارِف الْكَبِير الْأَمِير عبد الْقَادِر الجزائري مسجونا بهَا بعد مَا أخرجته فرنسا من الْقطر الجزائري فتعرف بِهِ وزاره وشكى إِلَيْهِ أمره فَسَأَلَهُ الْأَمِير عَن الْبِلَاد الَّتِي دَخلهَا أَيهَا اجمل واحسن للإقامة فَقَالَ لَهُ دمشق فَقَالَ لَهُ أَن قدر الله لي الْخَلَاص لأسكنن دمشق ولاخلصن لَك الدَّار ثمَّ انه سَافر إِلَى الْقُسْطَنْطِينِيَّة فَاجْتمع بهَا بشيخ الْإِسْلَام وقتئذ عَارِف عصمت بك فتعرف بِهِ وتقرب إِلَيْهِ ونظم هُنَاكَ قصيدة فِي
فن الرَّسْم وَشَرحهَا بشرح سَمَّاهُ الدّرّ المستطاب بشرح تحفة الطلاب ثمَّ أَن عَارِف بك احبه لما رأى من فَضله فَقَرَأَ عَلَيْهِ واخذ عَنهُ بعض الْفُنُون وَكَانَ يحفظ مولد الشَّيْخ الدردير ويجعله وردا لَهُ فشرحه لَهُ الشَّيْخ شرحا مطولا وَفِي هَذِه البرهة استحصل على بَرَاءَة شريفة سلطانية بِخطْبَة دَار الحَدِيث وتدريسها ونظرها وإمامتها وَفِي هَذِه الْمدَّة قدر الله الْخَلَاص للأمير عبد الْقَادِر واستوطن دمشق فَعَاد الشَّيْخ يُوسُف إِلَيْهَا فِي حُدُود سنة خمس وَسِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بعد الْألف فَاشْترى الْأَمِير الدَّار من مَاله وَجعلهَا وَقفا على الشَّيْخ وعَلى ذُريَّته من بعده وتبرع الْوَجِيه السّري سعد الله حلابة الْبَيْرُوتِي التَّاجِر بعمارة بَاب الْمدرسَة وإصلاحها ثمَّ صَارَت إِلَى الصُّورَة الَّتِي هِيَ عَلَيْهَا الْآن وَحَاصِل أمرهَا أَنَّهَا بنيت أَولا ثمَّ تهدمت واحترقت فَقَامَ بأمرها الفارقي فرممها وَأَصْلَحهَا ثمَّ اختلس جَانب مِنْهَا وَكَاد الْبَاقِي أَن يتبعهُ فقيض لَهَا الله أهل الْخَيْر بِوَاسِطَة الشَّيْخ يُوسُف المغربي وَفِي سنة ثَلَاثِينَ وثلاثمائة بعد الآلف احْتَرَقَ السُّوق الَّذِي وَرَاءَهَا وَاحْتَرَقَ جَانب مِنْهَا فسعى بعض أهل الْخَيْر فِي أَعمالهَا وَهِي الْآن تعمر وَأما اوقافها ومرتباتها فقد اختلست مِنْهَا من أمد بعيد وأصبحت فقيرة وَرَأَيْت فَوق بَابهَا بِالْحَائِطِ حجرا مَكْتُوبًا فِيهِ بعد الْبَسْمَلَة عمرت هَذِه الدَّار الْمُبَارَكَة بعد احتراقها وانهدامها بنظارة الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة شيخ الْإِسْلَام بركَة الشَّام زين الدّين عبد الله بن مَرْوَان الفارقي الشَّافِعِي وَذَلِكَ فِي سنة وسِتمِائَة ومكتوبا بجانبه هَذِه الأبيات
(هَذِه دَار حَدِيث الْمُصْطَفى
…
من عَلَيْهِ الله صلى كل حِين)
(جد فِي تجديدها قَاضِي القضا
…
مخلصا لله رب الْعَالمين)
(ولسان السعد نَادَى أَهلهَا
…
ادخلوها بِسَلام آمِنين)
(شكر الله لَهُ السَّعْي بهَا
…
وحباه النَّصْر وَالْفَتْح الْمُبين)
(فَهِيَ أفق لبدور الْعلم كالنووي
…
الحبر والسبكي المكين)
(فَأتى تاريخها
…
نعم اجْرِ العاملين)
هُنَا كَلِمَات لم تظهر لي