الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَلما كَانَ المترجم ذَا يَد طولى وعلو قدر يتَصَدَّى للاستطالة فِي أَقْوَاله وأفعاله كثر أعداؤه وَلما توفّي الْوَزير سُلَيْمَان باشا الْعظم وَالِي الشَّام وأمير الْحَج وَجَاء الْأَمر من قبل الدولة بضبط أَمْوَاله ومتروكاته نسب المترجم إِلَى أُمُور فِي ذَلِك الْوَقْت فَخرج مِنْهَا بتولية أسعد باشا الْعظم واليا على دمشق ثمَّ إِن المترجم كَانَ منتميا إِلَى أوجاق البرلية وَكَانُوا على غَايَة من الاستبداد والشقاء وَالْفساد إِلَى أَن كتب أسعد باشا بأفعالهم إِلَى الآستانة فجَاء الْأَمر بِقَتْلِهِم كلهم واستئصالهم فَقتلُوا إِلَّا أَن أسعد باشا أخْفى المترجم عِنْده مُدَّة ثمَّ جرت أُمُور إِلَى أَن ورد الْأَمر بقتْله أَيْضا فجيء بِهِ إِلَى سَرَايَا دمشقوخنق فِي احدى جهاتها وَقطع رَأسه وَأرْسل للدولة وطيف بجثته فِي دمشق ثَلَاثَة أَيَّام فِي شوارعها وأزقتها مَكْشُوف الْبدن عُريَانا وضبطت الدولة أملاكه فَكَانَ شَيْئا كثيرا وَكَانَ ذَلِك خَامِس عشر جُمَادَى الثَّانِيَة سنة تسع وَخمسين وَمِائَة وَألف وَدفن بتربة الشَّيْخ أرسلان
الْمدرسَة الفرخشاهية
تعرف بعز الدّين فرخشاه وَالَّتِي أوقفتها والدته خطلخير خاتون بنت إِبْرَاهِيم ابْن عبد الله وَهِي زَوْجَة شاهنشاه بن أَيُّوب أخي صَلَاح الدّين
قَالَ ابْن كثير هِيَ بالشرف الشمالي الْأَعْلَى والى جَانبهَا التربة ألامجدية لوَلَده وَهِي على الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَقَالَ ألاسدي أَنَّهَا على الْحَنَفِيَّة فَقَط اهـ
لَكِن صَاحب تَنْبِيه الطَّالِب وَغَيره لم يذكرُوا من درس بهَا من الشَّافِعِيَّة وَلم يتَقَدَّم لَهَا ذكر فِي مدارسهم وَهَذَا الْخلاف لَا طائل تَحْتَهُ بعد مَا صَارَت بستانا وَلَقَد وقفت على مَا بَقِي من آثارها فَقَرَأت كِتَابَة فِي حَائِط قبتها الشَّرْقِي فَوق الشباك فَإِذا هِيَ بعد الْبَسْمَلَة
أَمر بإنشاء هَذِه التربة الْمُبَارَكَة الفقيرة إِلَى الله تَعَالَى خاتون وَالِدَة الْملك الْمَنْصُور معز الدُّنْيَا وَالدّين فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب الملكي الناصري وَتُوفِّي مستهل جُمَادَى الأولى سنة تسع وَسبعين وَخَمْسمِائة
ثمَّ دخلت الْقبَّة فَإِذا لَهَا بَاب صَغِير من الْجَانِب الغربي وَهِي متسعة وَقد سقط
أَعْلَاهَا وَبنى بهَا أَصْحَاب الْبُسْتَان الَّذِي كَانَ مدرسة إسطبلا صَغِيرا وحجرة وَجعلُوا فَوْقهمَا غرفتين وجدران تِلْكَ الْقبَّة الْأَرْبَعَة فِي غَايَة المتانة مَبْنِيَّة بِالْحِجَارَةِ الضخمة وَفِي جدارها القبلي بَاب يتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى قبَّة ثَانِيَة أَصْغَر مِنْهَا وَهِي على حَالهَا لم يتَغَيَّر شَيْء من بنائها وَهِي التربة الأمجدية وَبهَا قبر مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ الْكَبِيرَة وارتفاعه عَن الأَرْض أَكثر من ذِرَاع وَلها بَاب فِي الْجَانِب الغربي وأمام القبتين الْآن من الْجَانِب الغربي بركَة صَغِيرَة يمر مِنْهَا المَاء وَأما الْمدرسَة فَهِيَ الْآن بُسْتَان وَلم يبْق من آثارها سوى أساس جدارها الَّذِي كَانَ محيطا بهَا وَقد جعل أساسا لَدُكَّ الْبُسْتَان ولسوف تذْهب تِلْكَ الْآثَار أَيْضا فَلم يبْق لَهَا ذكر إِلَّا فِي القرطاس
تَرْجَمَة واقفها
قَالَ شاهنشاه فِي تَارِيخه وَفِي سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة توفّي عز الدّين فرخشاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب صَاحب بعلبك وَكَانَ يَنُوب عَن صَلَاح الدّين بِدِمَشْق وَهُوَ ثقته من بَين أَهله وَكَانَ شجاعا كَرِيمًا فَاضلا وَله شعر جيد وَوصل خبر مَوته إِلَى صَلَاح الدّين وَهُوَ بِبِلَاد الجزيرة فَأرْسل إِلَى دمشق شمس الدّين بن مُحَمَّد الْمُقدم ليَكُون بهَا وَأقر بعلبك على بهْرَام شاه بن فرخشاه الْمَذْكُور انْتهى
وَحكي فِي الروضتين عَن ابْن أبي طي أَنه قَالَ كَانَ فرخشاه من أكْرم النَّاس وأطهرهم أَخْلَاقًا وأسدهم رَأيا وأشجعهم قلبا وَمِمَّا يحْكى من كرمه أَنه دخل الْحمام يَوْمًا فَرَأى رجلا قد قعد بِهِ الزَّمَان وَكَانَ يعرفهُ من أهل الْيَسَار وَشَاهد عَلَيْهِ ثيابًا رثَّة يبين مِنْهَا بعض جسده فاستدعى بِجَمِيعِ مَا يحْتَاج الرجل إِلَى لبسه وَأمر لَهُ بِغُلَام وَبغلة مسرجة وبألف دِينَار وَقَالَ لبَعض غلمانه أجعَل هَذَا كُله فِي مَوضِع ثِيَاب الرجل وَخذ ثِيَابه وَاجعَل هَذَا الْغُلَام وَالْبَغْلَة لَهُ فَفعل وَلما اغْتسل الرجل وَخرج رأى مَوضِع ثِيَابه تِلْكَ الثِّيَاب فَسَأَلَ الحمامي عَن ثِيَابه فَقَالَ تبدلت بِتِلْكَ الثِّيَاب فَتقدم إِلَيْهِ الْغُلَام وَأخْبرهُ بِجَمِيعِ مَا صنع عز الدّين مَعَه وَأخْبرهُ بِأَنَّهُ قد صنع لَهُ معيشة عشْرين دِينَارا فِي كل شهر فَلبس الثِّيَاب وَخرج من الْحمام غَنِيا
وَكَانَ فرخشاه مُضَافا إِلَى شجاعته كَونه عَالما متفننا كثير الْأَدَب مطبوع النّظم والنثر فَمن شعره قَوْله