الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومحبة للخير وَفِي سنة سبع وَسبعين وسِتمِائَة قدم دمشق وعملت القباب وَدخل القلعة فاسقط مَا وظفه أَبوهُ على الْأُمَرَاء ففرح النَّاس بِهِ ودعوا لَهُ ثمَّ خلع نَفسه فِي سنة ثَمَان وقنع بالكرك ورتبوا أَخَاهُ شلامش فِي السلطنة وعمره سبع سِنِين ثمَّ خلعه اتابكه سيف الدّين قلاوون ولقب نَفسه بِالْملكِ الْمَنْصُور ثمَّ توفّي الْملك السعيد شبه فَجْأَة بعد أَن أَقَامَ شهرا فِي قلعة الكرك ثمَّ نقل بعد شهر إِلَى مَقْبرَة وَالِده وَدفن بجانبه وتملك الكرك أَخُوهُ خضر بعده وَفِي أَخْبَار الدول للاسحاقي أَن الْملك السعيد توفّي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَكَانَ تصرفه فِي الْملك سنتَيْن وَثَلَاثَة اشهر وَفِي تحفة الناظرين سنتَيْن وَثَمَانِية اشهر وَلَعَلَّ الأول اصح وَحكى المؤرخون سَبَب خلعه نَفسه فَقَالُوا انه لما أَتَى دمشق جرد الْعَسْكَر مِنْهَا صُحْبَة سيف الدّين قلاوون الصَّالِحِي وَتَبعهُ فِي تَجْرِيد الْعَسْكَر صَاحب حماه فَسَارُوا حَتَّى وصلوا بِلَاد سيس فَشُنُّوا الْغَارة عَلَيْهَا وغنموا وعادوا إِلَى جِهَات دمشق فاتفقوا على مُخَالفَة الْملك السعيد وخلعه من المملكة لسوء تصرفه وتدبيره وعبروا على دمشق وَلم يدخلوها فَأرْسل السعيد وَهُوَ فِي دمشق إِلَيْهِم يستعطفهم فَلم يلتفتوا إِلَى استعطافه وَأَتمُّوا السّير فَركب إِلَى مصر يحث السّير فسبقهم إِلَيْهَا وَصعد إِلَى قلعة الْجَبَل فحاصره الخارجون عَن طَاعَته وَأخذت عساكره بالتفرق عَنهُ والانضمام إِلَى أعدائه فَلَمَّا رأى ضعف نَفسه خلعها بِشَرْط أَن يُعْطي الكرك فَأُجِيب إِلَى ذَلِك وَأرْسل من وقته إِلَيْهَا فَمَاتَ بهَا بعد مُدَّة قَليلَة وَكَانَ سنه حِين تولى الْملك ثَمَانِي عشرَة سنة
حرف الْعين
الْمدرسَة العادلية الْكُبْرَى
هِيَ دَاخل دمشق شمَالي الْجَامِع إِلَى الغرب وشرقي الخانقاه الشهابية وقبلي الجاروخية بغرب وتجاه بَاب الظَّاهِرِيَّة يفصل بَينهمَا الطَّرِيق
قلت هِيَ الْآن مَعْرُوفَة وَأما مَا كَانَ بجوارها فقد قضي عَلَيْهِ بالاندراس وتناولته أَيدي المختلسين فَأَما الخانقاه الشهابية فَهِيَ الَّتِي بَابهَا مُقَابل للزقاق الْمُسَمّى قَدِيما بزقاق اللاقية وَهُوَ الَّذِي يتَوَصَّل مِنْهُ إِلَى سوق العصرونية وَالْبَاب بَاقٍ على حَاله
والخانقاه أَصبَحت بُيُوتًا للسُّكْنَى وَأما الجاروخية فَهِيَ الْآن دور وَلَا رسم للمدرسة وَلَا طلل
وَحكى عماد الدّين الْكَاتِب سَبَب بنائها فَقَالَ وَفِي سنة ثَمَان وَسِتِّينَ وَخَمْسمِائة وصل الْفَقِيه آلامام الْكَبِير قطب الدّين النَّيْسَابُورِي وَهُوَ فَقِيه عصره ونسيج وَحده فسر نور الدّين بِهِ وأنزله بحلب بمدرسة بَاب الْعرَاق ثمَّ أطلقهُ إِلَى دمشق فدرس بزاوية الْجَامِع الغربية الْمَعْرُوفَة بالشيخ نصر الْمَقْدِسِي وبالغزالية وَنزل بمدرسة الجاروق وَشرع نور الدّين فِي إنْشَاء مدرسة كَبِيرَة للشَّافِعِيَّة لفضله وأدركه الْأَجَل دون إِدْرَاك عَملهَا لأَجله
قَالَ أَبُو شامة فِي الروضتين قلت هِيَ الْمدرسَة العادلية الْآن الَّتِي بناها بعده الْملك الْعَادِل أَبُو بكر بن أَيُّوب أَخُو صَلَاح الدّين وفيهَا تربته وَقد رَأَيْت أَنا مَا كَانَ بناه نور الدّين وَمن بعده مِنْهَا وَهُوَ مَوضِع الْمَسْجِد والمحراب الْآن ثمَّ لما بناها الْملك الْعَادِل أَزَال تِلْكَ الْعِمَارَة وبناها هَذَا الْبناء المتقن الْمُحكم الَّذِي لَا نَظِير لَهُ فِي بُنيان الْمدَارِس وَبَقِي قطب الدّين إِلَى أَن توفّي فِي الْأَيَّام الناصرية فِي سنة ثَمَان وَسبعين وَخَمْسمِائة وَقد وقف كتبه على طلبة الْعلم ونقلت بعد بِنَاء هَذِه الْمدرسَة إِلَيْهَا فَمَا فَإِنَّهَا ثَمَرَته إِذْ فاتها مُبَاشرَة انْتهى فَعلم من كَلَامه أَن الْمُبْتَدِئ بإنشائها نور الدّين وان الَّذِي أتمهَا وأتقن بناءها الْملك الْعَادِل وَفِي كَلَام القَاضِي ابْن شَدَّاد مَا يُخَالِفهُ بعض الْمُخَالفَة فانه قَالَ أَنْشَأَهَا نور الدّين مَحْمُود بن زنكي وَتُوفِّي قبل أَن يُتمهَا ثمَّ بنى بَعْضهَا الْملك الْعَادِل سيف الدّين وَمَات قبل إِتْمَامهَا أَيْضا فأتمها الْملك الْمُعظم وأوقف عَلَيْهَا الْأَوْقَاف الَّتِي مِنْهَا إِلَى الْآن جَمِيع قَرْيَة الدريج وَجَمِيع قَرْيَة ركيس وَثلث قَرْيَة نبطا وَالْبَاقِي استولى عَلَيْهِ لتقادم الْعَهْد بعض أَصْحَاب الشَّوْكَة بطرِيق مَا من طرق الْحِيَل قَالَ ابْن شَدَّاد ثمَّ إِن الْملك الْمُعظم دفن وَالِده بهَا ونسبها إِلَيْهِ وبمثل قَول الْعِمَاد قَالَ ألاسدي وَابْن كثير وَلَا مَانع من أَن يكون الْعَادِل هُوَ الَّذِي بناها ثمَّ توفّي وَجَاء بعده ابْنه الْمُعظم فاكمل مَا تَركه وَالِده
وَقد نعت ابْن بطوطة هَذِه الْمدرسَة فِي رحلته فَقَالَ عِنْد كَلَامه على مدارس الشَّافِعِيَّة وللشافعية بِدِمَشْق جملَة من الْمدَارِس أعظمها العادلية وَبهَا يحكم قَاضِي الْقُضَاة وتقابلها الْمدرسَة الظَّاهِرِيَّة وَبهَا قبر الْملك الظَّاهِر وَبهَا جُلُوس نواب القَاضِي انْتهى
وَأول من درس بهَا القَاضِي جمال الدّين الْمصْرِيّ وَكَانَ درسا عَظِيما حضر عِنْده السُّلْطَان الْمُعظم فَجَلَسَ فِي الصَّدْر عَن شمال الْمدرس وَجلسَ الْجلَال الحصري عَن يَمِينه ثمَّ انتظم الْجمع من مثل ابْن الصّلاح والأمدي وَابْن سني الدولة وَكثير من الْعلمَاء والأمراء والكبراء حَتَّى امْتَلَأَ الإيوان بِالنَّاسِ وَكَانَت هَذِه عَادَة الدُّرُوس الرسمية فِي تِلْكَ الْأَزْمَان وَكَانَت المناقشات والمناظرات تَدور على أُصُولهَا ويشتد الْخلاف بَين الْفرق وَقد بقيت بَقِيَّة من تِلْكَ الْعَادة إِلَى زمننا هَذَا وَلَكِن صَار التدريس اسْما بِلَا جسم وجهلا بِلَا علم فَلَا مناقشات وَلَا مناظرات بل غَايَة أَمر الْمدرس أَن يسْتَأْجر من يؤلف لَهُ الدَّرْس ثمَّ يسرده وَلَا يفهم معنى مَا يَقُول وَفِي تَرْجَمَة ابْن خلكان انه قَرَأَ صَحِيح البُخَارِيّ فِي العادلية وَكَانَ يحضر كثير من الْعلمَاء مِنْهُم جمال الدّين ابْن مَالك فَإِذا وجدت جملَة مشكلة من جِهَة الْأَعْرَاب تكلم فِيهَا وكتبها حَتَّى أكمل كِتَابه فِي إِعْرَاب مُشكل البُخَارِيّ وَهُوَ كتاب عَظِيم الْفَائِدَة
وَحكى ابْن كثير فِي تَارِيخه إِن العادلية خربَتْ سنة أَربع وَسَبْعمائة وَيظْهر من كَلَامه أَنَّهَا كَانَت قبلهَا معطلة وَلم يكن أحد يحكم بهَا بعد وَاقعَة قازان حَيْثُ انه خربها ثمَّ فِي التَّارِيخ الْمَذْكُور جددت عمارتها فَعَادَت لَهَا أَيَّامهَا ثمَّ انحطت عقب وقائع تيمورلنك فخلت من المدرسين وتناولتها أَيدي المختلسين كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن قَاضِي شُهْبَة فانه يَقُول وَمن وقائع تيمورلنك إِلَى زَمَنه يَعْنِي سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَثَمَانمِائَة لم يدرس بهَا أحد انْتهى وَكَانَ جملَة من درس بهَا من قبل تِسْعَة عشر مدرسا وانشأ الْوَاقِف بهَا مشيخة إقراء وَنَحْو وَليهَا جماعات من الْفُضَلَاء ثمَّ تقهقرت أحوالها إِلَى مَا بعد الْألف فتولاها بعض المدرسين ثمَّ اشْتهر الشَّيْخ شهَاب الدّين احْمَد المنيني بِالْعلمِ وَالْفضل فدرس بالسميساطية وَجعل سكنه بهَا وبسبب كَثْرَة مخالطته للكبراء وأرباب المناصب توجه عَلَيْهِ تدريس العادلية الْكُبْرَى وتولية السميساطية والعمرية فانتقل إِلَى العادلية وَلم يزل بهَا إِلَى أَن توفّي سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَة وَألف فاستولى أَوْلَاده على الْمدَارِس الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة ثمَّ انْتَقَلت إِلَى أَوْلَادهم إِلَى زمن مُحَمَّد أَفَنْدِي المنيني مفتي دمشق فاستولى عَلَيْهَا وَاتخذ العادلية بَيْتا للسُّكْنَى وَجعل مَسْجِدهَا إسطبلا للدواب وَتصرف فِيهَا وَفِي أوقاف الْمدَارِس الثَّلَاثَة كَيْفَمَا شَاءَ وَشاء لَهُ الْهوى ثمَّ مَاتَ فأكمل الِاسْتِيلَاء وَلَده توفيق أَفَنْدِي وَبقيت إِلَى الْآن اعني إِلَى سنة سبع وَعشْرين وثلاثمائة بعد الْألف تَحت سيطرته ونفوذه وَفِي أيامنا جعل مَسْجِدهَا