الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(20)
By Nile and Tigris: Wallis Budge، جـ 1، ص 152.
(21)
ابن عبد الحكم: فتوح مصر، طبعة Torrey ص 164.
(22)
المكتبة الجغرافية العربية ص 196.
الشنتناوى [ووكر J. Walker]
سيبويه
لقب شيخ من أئمة فقهاء النحو على مذهب البصريين، اسمه أبو بشر عمرو ابن عثمان بن قنبر، من موالى قبيلة الحارث بن كعب العربية، ويقول فقهاء اللغة إن سيبويه معناها "رائحة التفاح"، ولكننا لا نستطيع أن نأخذ بهذا التفسير، ذلك أن اللقب سيبويه لم يرد قط أنه ينطق بالباء المضعفة فضلا عن أننا نستطيع بالقياس على كثير من الأسماء الفارسية الأقدم منه عهدًا والتى تتضمن الكاسعة "وى" أن نقرر مع الترجيح الكبير أن هذه الكلمة كانت تنطق "سيبوى" وأنها كانت عبارة تحمل معنى التدليل والإعزاز وتدل على:"التفاحة الصغيرة: Apfelchen"
ويحيط بتاريخ مولد سيبويه وتاريخ وفاته ومكانهما كثير من البلبلة والاضطراب. والظاهر من أوثق الروايات أنه ولد فى البيضاء بناحية شيراز من أعمال فارس، وقدم البصرة فى حداثته، ودرس على شيوخ فقهائها ومن أشهرهم الخليل بن أحمد، وهو رجل لم يقدر الناس أثره فى العلوم العربية حق التقدير إلى اليوم. وتوفى الخليل سنة 175 هـ (791 م)، على حين أننا نجد أن أقدم تاريخ ذكر لوفاة سيبويه هو سنة 177 هـ. ونخلص من هذا إلى القول بجواز أن يكون سيبويه قد حضر على الخليل فى السنوات العشر الأخيرة من حياة الخليل. على أن ابن خلكان وغيره يذكرون جملة تواريخ لوفاة سيبويه. ويجعل ابن قانع وفاته فى تاريخ مبكر يرجع إلى سنة 166 هـ وهذا مستحيل، ويقول آخرون إنها كانت سنة 188 أو 180 هـ، ويزعم ابن الجوزى أنها كانت سنة 194، ويحدد عمره وقت وفاته بأنه كان 32 عامًا، وهذا التاريخ أيضًا مستحيل إذا قسناه بالتاريخ المعلوم لوفاة الخليل.
ويحيط بمكان وفاته أيضًا بلبلة واضطراب، على أن خير المصادر تقول إنه توفى بساوة. وذكر الخطيب صاحب تاريخ بغداد عن ابن دريد أن سيبويه مات بشيراز وقبره يقوم فيها. ونحن إذ نعلم أن ابن دريد عاش عدة سنوات فى فارس فضلا عن أنه يعد خير راوية لعلوم البصريين، فإنه يصح لنا أن نذهب دون أن نخشى الزلل إلى أن روايته هى الرواية الصحيحة.
وسيبويه من شيوخ الأئمة فى العلوم العربية، وحسبنا أن كتابه الذى كان ثمرة لقريحة رجل لم يطل به العمر قد لقى مثل هذا الإقبال من الناس عامة، ذلك أن فقهاء العرب قد درجوا دائمًا على التعظيم من شأن الكتب التى ألفها أناس من ذوى السن العالية. وما من ريب فى أن المناظرة التى عقدت بين سيبويه والكسائى فى حضرة الوزير يحيى بن خالد البرمكى المتوفى سنة 182 هـ عن المسألة الزنبورية قد وقعت بعد وفاة الخليل، وانتصر الكسائى على سيبويه بمراجعة عربى، ولعل الكسائى، عدو سيبويه الذى لا يعرف وازعًا من ضمير، واشترى العربى بالمال، وتلقى سيبويه جائزة سنية من يحيى، ولكنه وجد موجدة عظيمة لما لحقه من هزيمة، وقصد بلده ولم يعد إلى العراق قط، ويقال إنه توفى بها من الغم والكمد.
وقد أودع سيبويه ثمرة دراساته كتابًا كبيرًا فى النحو العربى (قدره أصحاب كتب الطبقات بألف ورقة). ولا يعد هذا الكتاب أكبر مؤلف فى بابه وصل إلينا عن علم البصريين فحسب، بل هو قدأصبح أيضًا، منذ تأليفه، عمدة جميع الدراسات العربية فى النحو، وكان يعرف تشريفًا له بالكتاب وحسب. وقد درس سيبويه كما ذكرنا على الخليل، ولكنه أفاد من دروس يونس بن حبيب، وعيسى بن عمر، وأبى الخطاب الأخفش. ويقال أيضًا إن الفقيه النحوى أبا زيد الأنصارى قد زعم أنه هو الذى يعنيه سيبويه إذ يقول فى كتابه "حدثنى من نثق به" على أن الرواية المتواترة تقول إن المقصود هو الخليل. ونحن لا يسعنا إلا أن نغلب هذه الرواية على الروايات المفردة التى ساقها كتاب السير بما يخالف ذلك. ومهما يكن من شئ فإن هذه الروايات
تثبت أن أئمة الفقهاء إنما كانوا حريصين على أن يقترن اسمهم بسيبويه. ثم إنه من الراجح أن سيبويه لم تتح له فرصة تدريس كتابه أو قراءته على تلاميذه، وقد وقعت هذه المهمة على عاتق شيخه الأخفش الذى اضطلع بعد وفاة سيبويه بمراجعة كتابه مراجعة دقيقة. ولم يقتصر الاهتمام بدراسة كتاب سيبويه على البصريين فحسب، بل إننا نعلم أن غير البصريين كانوا يهتمون به كذلك كما تدل حكايته عجيبة رواها الجاحظ:"أهدى الوزير ابن الخياط (1) نسخة من كتاب سيبويه بخط الفرَّاء ومقابلة الكسائى وتهذيب عمرو بن بحر الجاحظ -يعنى نفسه، فقال الوزير هذه أَجل نسخة توجد وأعزها".
وإذا كان سيبويه ينطق العربية بلسان تشوبه عجمة واضحة فإن كتابه كان يعد دائمًا من الكتب العمدة فى العربية الفصيحة. ويتسم أسلوبه شأن المؤلفات العربية الأولى بالإطناب الكثير والحجج المملة المجهدة، على أنه حافل بعدد لا يحصى من الشواهد المستقاة من القرآن، ويشمل نيفا وألف بيت من الشعر القديم، خمسون منها لشعراء مجهولين. وعلى ذلك فإن هذه الأبيات الخمسين يستشهد بها فى كتب النحو التى جاءت بعده اعتمادًا على ما ناله كتاب سيبويه من ثقة عظيمة. وقد وجدت هذه الأبيات شارحا مقتدرًا فى شخص أبى سعيد الحسن السيرافى المتوفى سنة 368 هـ وهو الذى تولى على هذا النحو شرح عدد من أشهر آثار مدرسة البصرة. وكثر بعد ذلك عدد الشراح كثرة عظيمة حتى أصبحنا لا نكاد نجد فقيها من الفقهاء من أتباع هذه المدرسة إلا وشرح كتاب سيبويه أو زاد عليه، وحسبنا أن نذكر فى هذا المقام طائفة من أشهر الذين وقفوا جهودهم على شرح هذا الكتاب وتيسيره؛ المبرّد (توفى سنة 384 هـ)؛ وعلى بن سليمان الأخفش (توفى سنة 315 هـ)؛ والرمّانى (توفى سنة 384 هـ)؛ وابن السرّاج (توفى سنة 316 هـ)؛ والزمخشرى (توفى سنة 538 م) وابن الحاجب (توفى سنة
(1) الأمير الذى ذكره ابن خلكان فى روايته لحكاية الجاحظ هو محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم