الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سمرقند
أن سمرقند هى وبخارى أهم حاضرتين فيما وراء النهر (السغد وما وراء النهر) وسمرقند فى العصر الحديث قصبة ولاية سمرقند فى التركستان الروسية، وهى تقوم على الضفة الجنوبية لنهر السغد (وادى السغد، زرفشان) فى موقع وصفه الرحالة المشارقة وكذلك الرحالة الروس والأوربيون بأنه جنة بحق. وكثيرًا ما يرد الجزء الثانى من هذا الإسم الذى بشتمل على الكلمة الإيرانية الشرقية "قند"، ومعناها مدينة فى أسماء الأماكن الإيرانية الشرقية انظر الكلمة البوذية السغدية "كند"، والكلمة المسيحية السغدية، كث أو كنث) فى حين أن الجزء الأول من الاسم لم يفسر بعد تفسيرًا مقنعًا (انظر محاولات توماشك Centralasiatische studien: Tomoschek جـ 1، ص 133 وما بعدها). وقد ذكرت مدينة سمرقند أول ما ذكرت فى أخبار حروب الإسكندر بالمشرق بصيغة مركنده Maracanda ويسميها آريان Arrian (جـ 3، ص 133 وما بعدها) وقد احتلها الإسكندر عدة مرات إبان قتاله مع السبتاميين spitamenes وسواها بالأرض كما جاء فى رواية إسترابون (جـ 11 ، ص 11، س 4)، على أن الرواية العربية تذكر أن الإسكندر هو منشئ هذه المدينة. وكانت سمرقند فى عهد القواد الذين تنازعوا ملك الإسكندر Diadochi - بعد تقسيم عام 323 - تابعة لولاية بلخ Bactria بصفتها قصبة السغد، وقد وقعت فى أيدى السلوقيين هى وبلخ عندما أعلن ديودوتس Diodotos استقلاله، وتأسست المملكة الاغريقية البلخية Graeco-Bactrion فى عهد أنطيوخس الثانى ثيوس Antiochus ii Theos، ومن ثم أصبحت معرضة لهجمات برابرة الشمال. وغدت سمرقند من ذلك الوقت حتى الفتح العربى منفصلة عن إيران من الناحيتين التاريخية والاقتصادية وإن ظل التبادل الثقافى بينها وبين البلاد الغربية متصلًا (انظر عن استيطان المانوية Manichaens سمرقند
Wiener zeitschrift fur die kunde des Mor genlandes: J. Marquart جـ 22، ص 163 وما بعدها، والمحاولات التى قام بها وست E.west للربط بين حين [الصينيون] وجينستان [الصين] فى بندهشن وبهمن يشت وبين سمرقند بعيدة جدًا من أن تقنع أحدًا)، والمعلومات اليقينية الوحيدة هى التى زودنا بها المؤرخون والرحالة الصينيون للقصر الإمبراطورى. ومن سوء الحظ أن الجزء الأكبر من المعلومات التى أوردها هؤلاء المؤرخون لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق الترجمات التى عفّى عليها الزمن.
وقد ذكرت مملكة كأنغ كو منذ عهد هان Han وجعلت كأنغ، أهم بقاعها فى حوليات كأنغ، هى عين سا - مو - كيان = سمرقند (انظر الفقرات الواردة rdkunde: C.Ritter، جـ 7، ص 657 وما بعدها). وجاء فى حوليات وى Wie التى جمعت سنة 427 م (انظر F. Hirth: Die chronologie der alt-: J.Marquart turkischen Inschriften، ص 65 وما بعدها) أن أسرة جاو - وو Cau-au التى تنتسب ليو - جى yue-ci (كوشان) كانت هناك منذ العهد السابق على المسيحية. وقد زار هوان - جوانغ Huan-Cuang سا - مو - كيان سنة 620 م ووصفها وصفًا مختصرًا (Memoires sur les contrees occidentales: St.Julien، جـ 2، سنة 1857، ص 18 وما بعدها؛ si.yu-ki، Buddhist Records: S Beal جـ 1، سنة 1884، ص 32 وما بعدها مع تعليق قيم خاص بالمراجع فى صفحة 101). وقد ألفى العرب، الذين لم يبدأوا توغلهم فيما وراء النهر توغلًا منتظمًا إلا بعد أن عين قتيبة بن مسلم واليًا على خراسان، مدينة سمرقند يتولى أمرها طرخون (بالصينية تو - هوين To-hoen) ويدعونا ما جاء فى كتاب الآثار الباقية للبيرونى (طبعة سخاو Sachau، ص 101، س 20؛ وانظر ابن خرداذبة فى المكتبة الجغرافية العربية جـ 6، ص 40، س 5) من أن الحكام الوطنيين لسمرقند يحملون اللقب التركى المعروف طرخان (تركن tarquon فى الكتابات الأورخونية) إلى القول بأن
هذه التّسمية لقب وليست اسمًا كما قد يستدل من المصادر العربية؛ وتنصرف إشارة البيرونى إلى أسرة من الأسر التركية المحلية كانت قد تخلصت من حكم الهياطلة Ephthalit فيما وراء النهر.
وفى عام 91 هـ (709 م) تصالح طرخون مع قتيبة على أن يؤدى الجزية للعرب ويقدم لهم الرهائن (الطبرى، جـ 2، ص 1204) غير أن ذلك أغضب رعاياه فخلعوه، وحل محله إخشيذ غورك، واسمه بالصينية أو - لى - كيا U-le-Kia (الطبرى، جـ 2، ص 1229)، ولكن قتيبة أجبر إخشيذ على التسليم فى عام 93 هـ (712 م) بعد أن حاصر المدينة وقتًا طويلًا (المصدر السابق، ص 1247). وقد سمح له بالبقاء على العرش، ولكن أقيم فى المدينة وال عربى ومعه حامية قوية، وغدت سمرقند هى وبخارى قاعدة للفتوح الإسلامية الأخرى ونشر الإسلام فى البلاد؛ وهو أمر كانت تزعزعه فى كثير من الأحيان الفتن التى تثيرها مماحكات الولاة التى أشاعت القلاقل فيما وراء النهر فى العقود الأخيرة من عهد الأمويين (ويمكن الرجوع فى شأن الرواية العربية التى تربط سمرقند بملوك حمير الأسطوريين وتجعل دمارها على يد شمر إبان حملته على الصين، ثم إعادة بنائها على يد الإسكندر -وشمركند معناها شمر الذى دمرها- إلى Eransahr: J. Marquart سنة 1901، ص 26 حيث يجب أن نضيف إلى الإشارات الواردة فى ياقوت ما ورد فى الطبرى جـ 1، ص 890؛ القزوينى: طبعة فستنفلد، ص 360. . إلخ وهذه الرواية فى حاجة إلى بحث يقوم على أساس علمى منهجى).
وأعطى الخليفة المأمون العباسى فى عام 204 هـ (819 م) ولاية ما وراء النهر وخاصة سمرقند لأبناء أسد بن سامان، وظلت منذ ذلك العين -دون أن تتأثر بفتن الطاهرية والصفّارية- فى أيدى بيت سامان إلى أن قضى إسماعيل بن أحمد على سلطان الصفارية عام 287 هـ وأسس الدولة السامانية فأتاح بذلك لما وراء النهر قرنا
من الرخاء والازدهار لم تر له مثيلًا إلا بعد ذلك بخمسمائة سنة أيام تيمور وخلفائه المباشرين. صحيح أن القصبة انتقلت إلى بخارى، غير أن سمرقند احتفظت لنفسها بالمكانة الأولى بصفتها مركز التجارة والثقافة وخاصة فى أنظار العالم الإسلامى.
والأوصاف التى وردت فى البكرى وابن حوقل والمقدسى إنما تشير إلى هذا العهد. ومنها يتضح أن سمرقند كانت مكونة من الأقسام الثلاثة المأثورة التى تنقسم إليها المدن الإيرانية (انظر barthold جـ 1، ص 180) وهى: القلعة (كهندز ثمَ عرّبت إلى قهندز أو ترجمت إلى قلعة) والمدينة عينها (شهر ستان، شارستان مدينة) ثم الربض والأقسام الثلاثة هنا واردة بترتيبها من الجنوب إلى الشمال. فالقلعة تقع إلى الجنوب من المدينة على مرتفع من الأرض وهى تشمل ديوان الإدارة (دار الإمارة) والسجن (الحبس). وتقع المدينة ذاتها المشيدة بيوتها من الآجر والخشب على تل أيضًا (انظر Islam: E.Herzfeld جـ 11، ص 162 و persien: E. Diez جـ 1، culturen der Erd، جـ 20، Hagen-Dannstat سنة 1932، ص 20)، وقد حفر حول المدينة خندق عميق لأخذ المادة اللازمة لبناء سور اللبن المحيط بها وزودت المدينة كلها بمياه جارية جلبت من الجنوب إلى الميدان المركزى للمدينة المعروف باسم رأس الطاق بوساطة قناة صناعة مغطاة بالرصاص (ولعلها شبكة من الأنابيب الرصاصية؟ ) تجرى فى باطن الأرض. ويظهر أن تاريخها يعود إلى ما قبل العهد الإسلامى، لأن الإشراف عليها كان موكولًا كما هو مذكور صراحة للزرادشت، الذين كانوا معفين من جزية الرءوس لقيامهم بهذه الخدمة. وقد زودت هذه القناة حدائق المدينة الواسعة الأرجاء البديعة بالماء. وللمدينة أربعة أبواب رئيسية: فإلى الشرق باب الصين، وقد أقيم تخليدًا لذكر الصلات القديمة مع الصين الناجمة من تجارة الحرير؛ وإلى الشمال باب بخارى؛ وإلى الغرب باب النوبهار ويشير هذا الأسم إلى معبد قد يكون بوذيًا، وهو أمر مألوف فى بخارى وبلخ. ويوجد إلى الجنوب الباب الكبير أو باب كش (وكلمة باب ترادف
الكلمة الفارسية دروازة). وتتاخم الأرباض السفلى المدينة، وهى تمتد فى اتجاه نهر السغد ويحيط بها سور به ثمانية أبواب.
وتقوم فى هذه الأرباض معظم الأسواق والخانات ومخازن السلع التى يندر وجودها فى المدينة ذاتها. وكانت تقوم فى المدينة نفسها دواوين الحكومة السامانية والمسجد الجامع. وإنما يبدأ عهد العمارة الأكبر فى سمرقند بقيام تيمور.
ومن المنتجات الوطنية ورق سمرقند، كما يذكر بابر، وقد نقلت صناعته عن الصين، ولهذا الورق شهرة خاصة. ومن أشهر أضرحة هذه المدينة التى ذكرها بابر بصفة خاصة ولا يزال الناس يضعونها موضع التبجيل والاحترام، ضريح قاسم بن عباس الذى يقال إنه أدخل هذه المدينة فى الدين الإسلامى فى عهد عثمان (انظر I.Coldziher: orlesungen uber de islam). ونذكر من أعيان سمرقند فى ذلك العهد الفقيه أبا منصور المانريدى (توفى فى سمرقند عام 333 هـ = 944 م وما تريد أو ما تريب حى من إحياء سمرقند (انظر السمعانى: الأنساب ورقة 498) وكان له أثر حاسم فى تطور الفقه السنى بالمشرق.
وقد حكم القراخانية سمرقند بعد سقوط الدولة السامانية) (الإلكخانية، ففى عام 495 هـ (1102 م) كان أرسلان خان محمد القراخانى صاحب السلطة على سجلوق سنجر وظلت سلالته قابضة على السلطة إلى أن أصبح القره خطاى أصحاب الكلمة فيما وراء النهر بعد أربعين سنة، عندما انتصر القره خطاى انتصارًا كبيرًا على سنجر فى قطوان عام 536 هـ (1141 م). وقد زار بنيامين التطيلى مدينة سمرقند حوالى عام 1170 م ووجد بها خمسين ألف يهودى (M.N.Adler: The Itinerary of Benjamin of Tudela لندن سنة 1907، ص 59).
وهزم خوارزمشاه محمد بن تكش الكورخانية عام 606 هـ - (1209 م) وحاصر جنكيزخان خصم خوارزمشاة المخيف، سمرقند بضعة أشهر بعد أن عبر نهر سيحون Jaxartes فى طريقة
من بخارى التى دمرها تدميرًا تامًا. ومن حسن حظ هذه المدينة أنها سلمت فى ربيع الأول عام 617 هـ (مايو 1220). وسمح لعدد من أهلها بالبقاء فيها تحت حكم وال مغولى وإن كانت قد نهبت وطرد الكثير من سكانها.
وكانت سمرقند فى المائة والخمسين سنة التالية صورة باهتة لما كانت عليه من عز ومكانة. وقد وجد بها ابن بطوطة (جـ 3، ص 52 وما بعدها) حوالى عام 1350 م قليلًا من البيوت المسكونة بين الأطلال. وبدأت المدينة تنتعش عندما أصبح تيمور حوالى عام 771 هـ (1369 م) صاحب الكلمة العليا فيما وراء النهر. واختار سمرقند قصبة لدولته الآخذة فى النمو باستمرار، وراح يزينها بكل آيات الروعة والفخامة. وفى سنة 808 هـ (1405 م) زار المبعوث الأسبانى روى جنز الزده كلافيجو Ruy Gonzzalez de Clavijo هذه المدينة وهى ترفل فى ثوبها المجيد الجديد (انظر الطبعة الأسبانية - الروسية من الرحلة التى أخرجها Sreznevskiy فى shornik. otd. Russk. Jaz سنة 1881، جـ 28، ص 325 وما بعدها، مع فهرس فرنسى قيم)، وذكر أن اسمها المحلى هو Gimerquiente، وهو يقول إن معناه Aldea gruesa أى القرية الكبيرة (الكثيفة). وهذه التّسمية صدى للتحريف التركى للاسم، أساسه اشتقاق شائع يربط بين هذه الكلمة وكلمة سامز Samiz أى كثيف. وقد جمل ألغ بك حفيد تيمور (توفى عام 853 هـ = 1449 م) هذه المدينة بقصره المسمى "جهل ستون" كما شيد بها
مرصده المشهور (انظر عنه W.Barthold: Ulugbek i ego vremya، Ross.Akad Nauk، 1918) ونجد وصفًا مستفيضًا لهذه المدينة أيام تيمور فى مذكرات بابر (بابر نامه، طبعة Ilminski، ص 55 وما بعدها؛ طبعة Beveridge؛ ص 54 وما بعدها؛ ترجمة Pavet de Courteills جـ 1، ص 96 وما بعدها ترجمة Baveridge ص 74 - 86) الذى استولى على سمرقند لأول مرة عام 906 هـ (1497 م) واحتفظ بها بضعة أشهر، ويمكن أن نعد هذا الوصف آية من الآيات. وفى عام 906 هـ (1500 م) استولى عليها منافسه تيمور أوزبك