الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
و 469.500 يدينون بمذهب حيوية المادة 4.700 نصرانى *.
صبحى [دلافوس M.Delafosse]
السنة
العرف، والاستعمال والعادة، والشريعة، وتستعمل هذه الكلمة فى مناسبات كثيرة نكتفى منها بما يلى: ترد السنة فى القرآن الكريم عادة فى مناسبتين: "سنة الأولين"(سورة الأنفال، الآية 39 (1)؛ سورة الحجر، الآية 13؛ سورة الكهف، الآية 55؛ سورة فاطر، الآية 43) و"سنة اللَّه "(سورة الإسراء، الآية 77 (2)، سورة الأحزاب الآية 62؛ سورة فاطر، الآية 43؛ سورة الفتح، الآية 23). والاستعمالان مترادفان من حيث إنهما يشيران إلى ما أنزله اللَّه من عقاب بالأولين الذين تلقوا دعوة الرسل الذين بعثوا إليهم بالنكر والازدراء، ومن ثم ورد هذان التعبيران على الأخص فى السور المكية (3) ومحور الحديث فيها هو قصص الأنبياء، وترد كلمة سنن بصيغة الجمع فى سورة آل عمران الآية 137 بمعنى قضاء اللَّه. وترد سنة اللَّه فى الآية 38 من سورة الأحزاب بمعنى المزايا التى حبا اللَّه بها الأنبياء الأولين. والسنة فى الحديث هى سنة محمد [صلى الله عليه وسلم]، فاللَّه يخاطب الناس عن طريق كتابه ويتصل بهم محمد [صلى الله عليه وسلم] عن طريق سنته (انظر مسلم، كتاب الإيمان، الحديث رقم 246: "فأَمَّكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم").
وتشمل سنة النبى محمد [صلى الله عليه وسلم] وفقا للتفسير الشائع فعله وقوله وتقريره؛
(*) كان ذلك فى الفترة التاريخية المشار إليها.
(1)
رقم الآية فى المصحف العثمانى 38.
(2)
نصِ العبارة "ولن تجد لسنتنا تحويلا"[م. ع]
(3)
يقول الكاتب ". . . ومن ثم ورد هذان التعبيران على الأخص فى السور المكية". ولا نحسب أن ملحظه فى هذا التخصيص بالسور المكية يسلم له، ففى السور التى عدها هو نفسه سورة الأنفال وهى مدنية، إلا الآيات من 30 إلى غاية 36 فإنها مكية. وآية الشاهد التى ساقها هو رقمها بعد ذلك فهو 38 كما فى المصحف المصرى، وإن عدها هو 39. . أى أنها على كل حال ليست من الآيات المكية المستثناة من الأنفال المدنية. ثم ذكر هو كذلك سورة الأحزاب وهى مدنية كلها؛ كما ذكر سورد الفتح، وهى مدنية أيضا. . بل إن أسماء هذه السور نفسها تلفت إلى مدنيتها لفتا واضحا، إذ الأنفال، وفتح مكة، والأحزاب لم يكن شئ منها إلا بعد الغزوات التى لم يكن منها شئ فى مكة. . . أمين الخولى
والأخذ بالسنة يمكن أن يقال له بوجه من الوجوه: التقليد المحمدى Imitatio Muhammadis .
والتباين بين السنة الحميدة والسنة السيئة يفصح عنه الحديث التالى: "من سَنَّ فى الإسلام سنة حسنة فعُمل بها بعده كتب له مثل أجر من عمل بها، ولاينقص من أجورهم شئ، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة فعُمل بها بعده كتب عليه مثل وزر من عمل بها ولا ينقص من أوزارهم شئ"(مسلم، كتاب العلم، حديث 15).
على أن السنة أصبحت هى المصطلح المأثور الذى يطلق على آراء أهل السنة والجماعة وأفعالهم. مقابلا لمصطلح الشيعة. وانقسام المسلمين إلى سنة وشيعة أمر معروف بوجه عام، ومن ثم نوه تنويها خاصا باتباع سنة النبى [صلى الله عليه وسلم](فمن رغب عن سنتى فليس منى" (البخارى، كتاب النكاح، الباب الأول). "الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التى بعدها كفارة لما بينهما؛ والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر (يعنى رمضان إلى رمضان) كفارة لما بينهما. . إلا من الإشراك باللَّه ونكث الصفقة وترك السنة. . . وأما ترك السنة فالخروج على الجماعة"(الجماعة، أحمد بن حنبل، جـ 2، ص 229).
ونذكر من الستة الذين لعنهم اللَّه والرسول [صلى الله عليه وسلم] وكل نبى كان: ". . . والتارك لسنتى" أى لسنة محمد [صلى الله عليه وسلم](الترمذى، كتاب القدر، الباب 17). والعلم بالسنة من المقاييس التى تقرر من هو أحق بالإمامة فى الصلاة (الترمذى، كتاب الصلاة، الباب 60؛ النسائى، كتاب الإمامة، الباب 3).
والصحابة هم الذين يأخذون بسنة النبى [صلى الله عليه وسلم] ويقتدون بأمره (مسلم، كتاب الإيمان، حديث رقم 80). وتشير الكلمة فى بعض المناسبات إلى المثل الذى يضربه الصحابة والمسلمون الأولون. وقد ذكر فى البخارى (كتاب الأحكام، الباب 43) سنة اللَّه ورسوله والخليفتين من بعده. وفى الترمذى (كتاب العلم، الباب 16) إشارة إلى سنة محمد [صلى الله عليه وسلم] والخلفاء الراشدين المهديين.
وعلى هذا النحو اكتسبت هذه الكلمة معنى المقياس والقدوة. ويؤثر عن النبى [صلى الله عليه وسلم] أنه قال عندما كان يضع هذه الأسس والقواعد: "صلوا قبل صلاة المغرب، قال فى الثالثة "لمن شاء" كراهية أن يتخذها الناس سنة"(البخارى، كتاب التهجد، الباب 35).
ويقابل السنة من حيث إنها تدل على ما أثر عن النبى [صلى الله عليه وسلم] من قول أو فعل، البدعة (الترمذى، كتاب العلم، الباب 16). وسنة النبى بمعنى أنها قوله أو فعله أو تقريره قد تحددت شفويا وكتابة فى الحديث. والسنة من حيث النظر منفصلة عن الحديث، أما من حيث العمل فكثيرا ما يتفقان، ولعل السبب فى ذلك أن مجاميع الحديث تعنون باسم "سنن"(مثال ذلك مجاميع أبى داود وابن ماجة والنسائى).
وإذا أردنا أن نفهم المعنى النظرى والعملى للسنة فى الإسلام وجب أن نذكر أن القرآن الكريم وإن كان مصدرا استقى منه كثير من السنن فإن محمدا [صلى الله عليه وسلم] قد قضى فى كثير من المسائل لا عن طريق الوحى وإنما بحسب الحالة التى تعرض له؛ وكانت أقوال النبى [صلى الله عليه وسلم] وأفعاله تعتبر "سنة حسنة" ومن ثم رتبت وتحددت كتابة وإن لم تعادل فى صيغتها القرآن الكريم فى حجيته وشرعيته. والحديث نفسه يفسر هذا الجانب من سنة النبى [صلى الله عليه وسلم] فى الأحاديث التالية.
"جاء ناس إلى النبى [صلى الله عليه وسلم] فقالوا: أن ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة"(مسلم، كتاب الإمارة، الحديث 147). "إن الأمانة نزلت فى جذر قلوب الرجال، ثم علموا من القرآن وعلموا من السنة"(البخارى، كتاب الرقاق، الباب 35). وقال عمر بن الخطاب: "إنه سيأتى ناس يجادلونكم شبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب اللَّه"(الدارمى، المقدمة الباب 16).
ونجد فى القرآن الكريم نفسه إشارات إلى أهمية سنة محمد [صلى الله عليه وسلم] مثل الأمر بالإيمان باللَّه ورسوله (سورة الأعراف، الآية 158؛ سورة التغابن، الآية 8) ودعوة إبراهيم عليه السلام عندما أقام البيت فى مكة: {رَبَّنَا
وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة البقرة، الآية 129، والآيات المماثلة).
ويتضح من ذلك أن السنة فى الإسلام قد أصبحت نبراسا للسلوك إلى جانب القرآن الكريم، وأن فقهاء الإسلام قد سعوا إلى إلتماس الجواب عن مسألة الصلة المتبادلة بين القرآن والسنة، ونوقشت هذه المسألة أيضا فى الأحاديث، فبدا القرآن والسنة فى أول الأمر متساويين فى الحجية. فقد قال خالد بن أسيد لعبد اللَّه بن عمر:"إنا نجد صلاة الحضر وصلاة الخوف فى القرآن، ولا نجد صلاة السفر فى القرآن، فقال له ابن عمر: ابن أخى! إن اللَّه عز وجل بعث إلينا محمدا: صلى الله عليه وسلم ولا نعلم شيئا، فإنما نفعل كما رأينا محمدا صلى الله عليه وسلم يفعل"(أحمد بن حنبل جـ 2، ص 94). وهناك حديث آخر أكثر من هذا تحديدا: "ألا وإن ما حرم رسول اللَّه فهو مثل ما حرم اللَّه"(الدارمى، المقدمة، باب 48). وذهب البعض إلى القول بأن السنة أيضا موحى بها: "كان جبريل ينزل على النبى صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن (الدارمى. المقدمة، باب 48). بل ذهب المسلمون إلى أبعد من ذلك فقالوا: "السنة قاضية على القرآن وليس القرآن بقاض على السنة" (1).
وقد نوقشت مسألة الصلة بين القرآن والسنة بإفاضة فى كتب الأصول. فالشافعى فى كتابه الرسالة يقول إن فى القرآن أوامر لم تحدد صيغتها العامة إلا فى السنة، مثال ذلك عقاب السارق كما عوقب فى القرآن (سورة المائدة، الآية 42)(2) ففى الحديث أن الحد لا يقام إذا كانت السرقة
(1) ليس من الصواب إطلاق الكاتب القول هكذا بقوله ". . . بل ذهب المسلمون إلى أبعد من ذلك، فقالوا: السنة قاضية على القرآن. . إلخ" دون أن يعزو هذا إلى قوم بأعيانهم. . . ثم يترك هذا الكلام دون نسبته إلى مصدر نقل عنه هذا النقل. . فالمنهج -كما يبدو- غير سليم فى الناحيتين. .
وسيعرض الكاتب قريبا -فى هذا المقال نفسه- لنسخ السنة للقرآن -بما يتبين منه وضوح: أن ليس من السهل إطلاق القول بقضاء السنة على القرآن وأن القرآن ليس بقاض على السنة.
(2)
رقم الآية فى المصحف العثمانى 38. [م. ع]
فى شئ ذى مبلغ زهيد (انظر البخارى، كتاب الحدود. الباب 13). ومن المعروف أن محمدا صلى الله عليه وسلم جعل الرجم عقاب الثيب إذا زنت (1)(انظر البخارى، كتاب الجنائز الباب 61). على حين جعل القرآن (سورة النور، الآية 2) عقاب الزانى والزانية مائة جلدة. وصلة السنة بالقرآن قد تكون على ثلاثة أنواع:
1 -
أن تتفق اتفاقا تاما مع القرآن 2 - أن تكون تفسيرا لنص القرآن 3 - أن تكون صلتها بالقرآن صلة غير مباشرة (الرسالة، ص 16). ولا يقر هذا النوع الثالث أولئك الذين يجعلون السنة دائما مرتبطة بنص القرآن ارتباطا مباشرا.
والصلة بين القرآن والسنة تتمثل فى القول بالناسخ والمنسوخ كما تتمثل فى شواهد أخرى تتصل بأوامر القرآن ونواهيه. وسنكتفى فى هذا المقام ببيان أن الشافعى على خلاف غيره من الفقهاء (2)، لا يرى أن السنة يمكن أن تنسخ القرآن، فهو يقول إن القرآن لا ينسخه إلا القرآن، والسنة لا تنسخها إلا السنة (ص 16 وما بعدها). على أن ثمة آيات فى القرآن لا تتضح صفتها المنسوخة إلا بالسنة (ص 18 - 21) أو بالسنة والإجماع.
(1) يقول الكاتب ". . ومن المعروف أن محمدا صلى الله عليه وسلم جعل الرجم عقاب الثيب إذا زنت. . " يريد بذلك أن الرجم ثبت بالسنة. . وفى تعبيره هذا -أن محمدا جعل. . . إلخ نبوة. . ونجاوزها، فنرى أنه مع إفهام بعض الروايات: أن الرجم بالسنة فإنه لا يمكن إهمال ما يجرى فى هذا الموضع من الكلام عن ثبوت الرجم بالكتاب، بآية كانت فيما أنزل وهى "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من اللَّه ورسوله" وأن هذه الآية قد نسخت تلاوتها وبقى حكمها؛ وهو قسم من أقسام النسخ يقول عنه الآمدى: اتفق العلماء على جواز نسخ التلاوة دون الحكم، وبالعكس -الإحكام جـ 3، ص 201 - وعلى كل حال، مهما يكن الرأى فى النسخ بعامة، أو فى هذا القسم منه بخاصة، فلا يستطيع الكاتب أن يطلق القول هكذا -كما هنا- بأن الرجم ثبت بالسنة، على حين جعل القرآن عقاب الزانى والزانية الجلد. . مع كثرة ما قيل فى هذا الموضع عن ثبوت الرجم بالكتاب. .
(2)
دعوى الكاتب انفراد الشافعى بامتناع نسخ الكتاب بالسنة ليست سليمة، فالآمدى، وقد كان فى النهاية شافعى المذهب، يحكى المسألة على غير مايقول الكاتب هنا، وعبارته: قطع الشافعى وأكثر أصحابه، وأكثر أهل الظاهر، بامتناع نسخ الكتاب بالسنة المتواترة، وإليه ذهب أحمد بن حنبل فى إحدى الروايتين عنه" -الإحكام، جـ 3، ص 217 - فالظاهرية، وابن حنبل فى رواية -مع الشافعى، وليس الشافعى على خلاف غيره من الفقهاء- بل إنك تسمع المجيزين نسخ الكتاب بالسنة يختلفون فى وقوعه فعلا؛ والمختار جوازه عقلا. . ومن هنا نرى أن القول بانفراد الشافعى بامتناع نسخ السنة للقرآن ليس سليما. . وأن غير قليل من الفقهاء يمنع وقوع هذا النسخ فعلا. .! أمين الخولى