المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الشام الشام أو سورية: منذ عهد سحيق اجتذبت هذه البلاد الخصبة - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ١٩

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌سليمان باشا

- ‌المصادر:

- ‌سليمان جلبى

- ‌المصادر:

- ‌سليمان جلبى

- ‌المصادر:

- ‌سليمان بن داود [عليه السلام]

- ‌المصادر

- ‌سليمان بن صرد الخزاعى

- ‌المصادر:

- ‌سليمان بن عبد الملك

- ‌المصادر:

- ‌سليمان بن قتلمش

- ‌ المصادر

- ‌سليمان مولاى أبو الربيع

- ‌المصادر:

- ‌سليمان بن وهب

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌سماع

- ‌المصادر:

- ‌سمرقند

- ‌المصادر:

- ‌السمهودى

- ‌المصادر:

- ‌السموأل

- ‌المصادر:

- ‌سنان

- ‌1 - المساجد الجامعة

- ‌2 - (المساجد الصغيرة أو الزوايا)

- ‌3 - المدارس

- ‌4 - مدارس تحفيظ القرآن الكريم (دار القرّاء)

- ‌5 - الأضرحة

- ‌6 - المستشفيات

- ‌7 - القناطر المعلقة (كمر)

- ‌8 - الجسور

- ‌9 - مطاعم الفقراء (عمارت)

- ‌10 - المخازن

- ‌11 - الاستراحات (كاروان سراى)

- ‌12 - القصور (السرايات)

- ‌13 - الحمامات

- ‌المصادر:

- ‌سنائى

- ‌المصادر:

- ‌الطبعات:

- ‌سنبلية

- ‌سنجر

- ‌المصادر:

- ‌سنجق شريف

- ‌المصادر:

- ‌السند

- ‌المصادر:

- ‌سندباد نامه

- ‌المصادر:

- ‌سنغافورة *

- ‌المصادر:

- ‌سنغال *

- ‌السنة

- ‌المصادر:

- ‌السنوسى

- ‌المصادر:

- ‌السنوسى

- ‌المصادر:

- ‌السهروردى

- ‌المصادر:

- ‌السهروردى

- ‌المصادر:

- ‌تعليق السهروردى وحكمة الأشراق

- ‌1 - حياة السهروردى

- ‌2 - مصنفات السهروردى

- ‌مذهب السهروردى فى حكمة الإشراق

- ‌السهروردى

- ‌سهل بن هارون

- ‌المصادر:

- ‌سهل التسترى

- ‌المصادر:

- ‌السواد

- ‌المصادر:

- ‌سواكن

- ‌المصادر:

- ‌السودان

- ‌المصادر:

- ‌المصادر: العامة:

- ‌كتب الرحلات والاستكشاف:

- ‌السلالات البشرية:

- ‌اللغة:

- ‌الدين:

- ‌التاريخ: العهد المصرى والعهد الحديث

- ‌تعليق السودان المعاصر

- ‌1 - الوضع السياسى للسودان:

- ‌2 - الاقتصاديات

- ‌المصادر:

- ‌سودة بنت زمعة

- ‌المصادر:

- ‌سورة

- ‌المصادر:

- ‌السوسن

- ‌المصادر:

- ‌السوق

- ‌ السوق" (الجمع أسواق): لقد ناقشنا كل الآراء المتصلة بمعنى السوق فى المادة السابقة. وما من حاجة تدعونا إلى أن نعيد فيها النظر فى هذا المقام. على أن ثمة ملحوظات قليلة خاصة بأهمية السوق فى تاريخ الإسلام المبكر يقتضى الأمر فيما يظهر أن نوردها هنا، وسنقصر هذه الملحوظات على أماكن الأسواق القديمة وقيام أسواق المدن

- ‌المصادر:

- ‌سوكوتو

- ‌سومطرة

- ‌المصادر:

- ‌السويس

- ‌المصادر:

- ‌سيبويه

- ‌المصادر:

- ‌السيد الحميرى

- ‌المصادر:

- ‌السيرافى

- ‌السيرة

- ‌(1) أصل السيرة وطبيعتها

- ‌(2) تصنيف السيرة فى صورتها الأدبية

- ‌المصادر:

- ‌تعليق

- ‌سيرة عنتر

- ‌مضمون السيرة:

- ‌تحليل السيرة:

- ‌المصادر:

- ‌سيف الدولة

- ‌المصادر:

- ‌سيف بن ذى يزن

- ‌المصادر:

- ‌سيف بن عمر

- ‌المصادر:

- ‌السيوطى

- ‌المصادر

- ‌ش

- ‌الشاذلى

- ‌المصادر:

- ‌الشاذلية

- ‌الشاطبى

- ‌المصادر

- ‌شاعر

- ‌الشافعى

- ‌المصادر:

- ‌الشام

- ‌الشام فى عهد العباسيين والفاطميين:

- ‌الشام تحت حكم الفرنجة:

- ‌الشام فى عهد المماليك

- ‌سورية فى عهد العثمانيين:

- ‌سورية اليوم:

- ‌المصادر:

- ‌عهد الفتوح والأمويين:

- ‌العهد العباسى والفاطمى:

- ‌الحروب الصليبية:

- ‌عهد المماليك:

- ‌العهد العثمانى والحديث:

- ‌تعليق

- ‌سوريه (1920 - 1960)

الفصل: ‌ ‌الشام الشام أو سورية: منذ عهد سحيق اجتذبت هذه البلاد الخصبة

‌الشام

الشام أو سورية: منذ عهد سحيق اجتذبت هذه البلاد الخصبة "أرض الحنطة، أرض الكروم والخبز" البدو، جيران سورية وفلسطين، وقد نجح هؤلاء فى التسلل إلى النواحى التى تحف بالصحراء مجتمعين قبائل بأسرها حينًا، ومتفرقين شراذم حينا آخر، وأقاموا هناك منذ بداية القرن الثانى الميلادى إمارات فى حمص، وتدمر، وبطرة، وسرعان ما اصطنعوا لغة سورية وحضارتها. وفى القرن الخامس الميلادى وُكِّل إلى أمراء غسان الدفاع عن الحدود السورية، ولم يلبثوا أن اعتنقوا المسيحية، وكذلك فعلت القبائل التى راحت تتجول فى القرن السادس الميلادى صاعدة هابطة بن الفيافى التى تفصل سورية عن بلاد العرب، وهم بنو كلب، وبنو لخم، وبنو جذام وكان هؤلاء العرب السوريون يتحدثون كما تبين من حالة بنى كلب، بلسان مشترك هو مزيج من العربية والأرامية ينتسب بلا شك إلى اللهجة الصفوية، ومن ثم كانت أية جماعة من هذه الجماعات خليقة قبل الهجرة بأن تضيف اسمًا لديوان العرب؛ وكانوا جميعًا يعتقدون أنهم سوريون، لا تربطهم بعرب نجد والحجاز إلا صلات تجارية. وقد حاربوا فى غزوة مؤتة مع الروم فى قتالهم الغزاة القادمين من المدينة.

الفتح العربى: إثر وفاة محمد [صلى الله عليه وسلم](8 يونية سنة 632) وفى مستهل بيعة أبى بكر بالخلافة حدثت الردة فى بلاد العرب، وبعد عام من هذا التاريخ تكونت من بين البدو النازلين حول المدينة الذين اشتركوا فى اخماد هذه الفتنة. . جماعات قدموا إلى الشام نزولا على أمر كان أصدره النبى صلى الله عليه وسلم، ثم تولوا حكم هذا الإقليم الذى خلا حينذاك ممن يدافعون عنه. وظن سرجيوس أمير قيسارية أنه لن يلقى إلا غارة من الغارات المألوفة يقوم بها بدو من أهل السلب والنهب فأسرع لملاقاتهم فى جيش من بضعة مئات من الرجال جندوا على عجل؛ وداهم العرب المجتمعين فى وادى العربة إلى الغرب من البحر الميت. ولكن تفوق العرب على

ص: 6085

الروم بفضل كثرة عددهم فارتد هؤلاء يسودهم الاضطراب والفوضى، ونزلت بهم هزيمة أخرى عند دثينة، فتصدعت صفوف سرجيوس (فبراير 634)، وراح جنود الامبراطورية يجمعون الإمدادات، وتلقى المسلمون أيضًا مددًا من المدينة يقوده خالد بن الوليد الذى قدم مسرعا من العراق وألحق بالعدو هزيمة منكرة فى أجنادين (30 يولية 634) بين بيت المقدس وبيت جبرين. وحاول جنود سرجيوس أن يلموا شتاتهم وراء بطائح بيسان ولكنهم عزلوا فعبروا نهر الأردن ليمنوا بالهزيمة مرة أخرى فى فحل، وفقدت الإمبراطورية بذلك فلسطين إلى غير رجعة.

وفى مارس سنة 635 عسكر المسلمون تحت أسوار دمشق، وتخلت حامية الروم فى هذه المدينة عن أهلها فسلموا فى شهر فبراير من هذه السنة، ووصل الجيش الذى جمعه هرقل لفك الحصار عن دمشق بعد فوات الأوان، ومكن العرب لأنفسهم فى الجابية، ثم ارتدوا للتحصن وراء اليرموك الفرع الشرقى لنهر الأردن وقامت فى معسكر الروم فتنة بين الجنود الأرمن، وتخلى العرب الشآميون عن جنود الإمبراطورية إبان المعركة فحلت بهؤلاء هزيمة ماحقة، وقررت هذه المعركة (20 أغسطس سنة 636) مصير الشام. وغدا فتح شمال الشام والساحل الفينيقى سيرًا هينًا فحسب، وبادرت البلدان فى مناحية إلى أداة الجزية بعد أن تخلت عنها حامياتها، ولم يصادف العرب فى أى مكان مقاومة تذكر وهذا هو "الفتح اليسير" بحسب تعبير البلاذرى الذى يدل على الفطنة ولم تستسلم بيت المقدس إلا سنة 645 م بعد حصار يتفاوت اتصالا وانقطاعا دام سبع سنين بفعل خيانة رجل من اليهود. ويمكن القول إن الفتح العربى قد تم بعد تسليم آخر بلدان الساحل فى فلسطين.

وجاء الخليفة عمر بن الخطاب إلى الشام قبيل تسليم بيت المقدس ليرأس مؤتمر الجابية (يوم الجابية، ) ونوقشت فى هذا المؤتمر مسألة تنظيم الشام. وعرفت سنة 18 بطاعون عمواس الذى

ص: 6086

هلك فيه يزيد بن أبى سفيان وإلى دمشق فخلفه أخوه معاوية. وقد أقر عمر بلا تهاون التفرقة من الناحية السياسية بين الفاتحين والمغلوبين، فأصبح المغلوبين هم الذميين، وغدا جنس العرب المميز عماد أرستقراطية عسكرية تمنح الأعطيات، وقسم الشام أجنادا هى: دمشق، وحمص، وفلسطين، والأردن أو ولاية الأردن. ثم أضاف يزيد بن معاوية إلى هذه الأجناد جند قنسرين وجعله خاصا بشمالى الشام وأخذ الفاتحون يسيطرون من هذه الأجناد، وقصبتها الجابية، على البلاد ويجمعون الضرائب. وفرضوا على الذميين جزية الرؤوس علاوة على الخراج وفى الشام كما فى غيرها من البلاد المفتوحة انحصر التنظيم فى احتلال عسكرى يستهدف استغلال الأهليين، واقتصرت حكومة العرب على إدارة الشئون المالية، وكان ديوانهم ديوانا يراجع حساب الأموال (Das Arabische Reich and Sein Sturz: Wellhausen ص 20).

وقد أدرك، معاوية فى مستهل ولايته التى امتدت فى عهد عثمان حتى شملت الشام بأسره أن الأمر يقتضيه الاستعانة بالقبائل البدوية فى هذا الإقليم لأنها كانت من الناحية السياسية أنضج من بدو شبه الجزيرة العربية وأراد على، خليفة عثمان، أن يعزله عن ولاية الشام، ولكن الشآميين انحازوا إلى واليهم. ولم يسفر الاشتباك بين الشآميين والعراقيين فى ساحة معركة صفين عن نتيجة حاسمة وأقيم الحكمان للفصل بين الطرفين، وأعلن المؤتمر الذى عقد فى أذرح خلع على يناير 658 واستغل معاوية هذا النصر الدبلوماسى، فأنفذ عامله عمرو بن العاص لفتح مصر. وفى 24 يناير سنة 661 سقط علىّ صريع خنجر طعنه به رجل من الخوارج، فخلا الميدان لغريمه معاوية.

الشام فى عهد الأمويين: وإنما كان معاوية ينتظر هذا اليوم ليؤسس دولة هى دولة الأمويين، ويعرف فرعهم الأكبر بالسفيانى نسبة إلى أبى سفيان. ويبدأ الفرع الأصغر بمروان بن الحكم وقد نسب إليه فقيل الفرع المروانى.

ص: 6087

وبايع جنود الشام وأمراؤه معاوية بالخلافة فى بيت المقدس، واتخذ معاوية مقره فى دمشق، وجعلها بذلك قصبة الدولة بدلا من المدينة والكوفة، وسواء كانت هذه الخطوة منه مقصودة أو غير مقصودة، فإنها مالت بميزان الخلافة لمصلحة الشام، وأصابت سيادة البدو التى لا مبرر لها بضربة حاطمة لم يفيقوا منها قط وسوّد معاوية عرب الشام، وشغل هؤلاء فى عهد الأمويين جميع المناصب الهامة. وحاول معاوية مرتين حصار القسطنطينية، وتوفى فى أبريل سنة 680 م بالغا من العمر خمسة وسبعين عاما.

ولم يكن بد من أن يواجه ابنه وخليفته يزيد فتنة كان أبوه بقدرته خليقا بأن يمنع نشوبها. فقد أبى الحسين بن على وعبد اللَّه بن الزبير ابن أخت عائشة زوج النبى [صلى الله عليه وسلم] أن يبايعا يزيد، ولاذا بأرض مكة المحرمة. وترك الحسين هذه الأرض الحرام ليقع صريعا فى مقتلة كربلاء. وفى 10 أكتوبر سنة 680 اشتبكت المدينة مع الشام وأعلن أهلها خلع يزيد. وتفاوض الفريقان مفاوضة لم تأت بنتيجة فلم يكن بد من أن يحتكما إلى السيف؛ وانتصر الشآميون فى يوم الحرّة، فساروا إلى مكة حيث كان ابن الزبير قد أعلن استقلاله بالأمر فيها، وعسكر فى المسجد الحرام، وكانت تحمى الكعبة من منجنيق الشاميين منصة من الخشب مغطاة بحشيات. وتسبب إهمال رجل من أهل مكة فى اشتعال النار فيها (نوفمبر 863). ولما بلغت الجيش الشآمى الأخبار بوفاة يزيد (11 نوفمبر سنة 863) اضطر الجيش إلى الارتداد. ولم يكن يزيد بالملك التافه الشأن، ثم إنه لم يبلغ من الطغيان بقدر ما صوره أصحاب الحوليات من خصوم الأمويين. وقد واصل يزيد سياسة أبيه، وكان يرعى أرباب الفن والشعراء، كما كان هو نفسه شاعرا، وأتم التنظيم الإدارى للشام باستحداث جند قنسرين (انظر ما أسلفنا بيانه)، وأكمل رى الغوطة بحفر قناة نسبت إليه، ووصف يزيد فى Continuato Byzantina-Arabica ju cundissimus et cunctis nationibus regni

ص: 6088

ejus gratissime habitus. cumomnibus civiliter vixit (1)؛ وقد أحبه رعاياه فعاش عيشة المواطن العادى. وقال فيه فلهاوزن "ما من خليفة قط نال هذا الثناء الصادر من القلب".

ولم يكن حكم ابنه الأصغر معاوية الواهن السقيم إلا عهد انتقال عابر، والظاهر إنه هلك فى الطاعون الذى كان متفشيا سنة 684 م وكان أخوته جميعا أطفالا، ووجد أكابر الشآميين أن أخوته لا يزالون قصرًا فأيدوا مروان ابن الحكم أول خليفة من الفرع المروانى (22 يناير سنة 684) وأبى القيسية الشآميون أن يبايعوه، وحلت بهم الهزيمة فى مرج راهط وكان عهده سلسلة من المعارك متصلة الحلقات.

وأنفذ مروان حملة سريعة كفلت له طاعة مصر. وأنهكت الجهود المضنية التى بذلها هذا الخليفة الذى بلغ السبعين صحته، فعاد إلى دمشق ليلقى منيته فى 7 مايو سنة 685، وخلفه ابنه الأكبر عبد الملك ولم يجد عبد الملك بدا من أن ينتزع الولايات الشرقية وبلاد العرب من غريمة الخليفة ابن الزبير، وأن يرد فى الوقت نفسه غزوة المرداسية أو الجراجمة وإنا لندين له ببناء المسجد الأقصى فى بيت المقدس. ويتميز عهده بالبدء فى تعريب إدارة الدولة التى ظلت حتى أيامه فى أيدى أشخاص من الشعوب المفتوحة. وقد حاول أن يستبدل اللغة العربية باللغة اليونانية فى إمساك حسابات الدولة وسجلاتها، وإذا كان لم ينجح فى ذلك كل النجاح فقد استطاع أن يجعل اللغة العربية تستخدم فى هذا الغرض إلى جانب اللغة اليونانية؛ وكان عبد الملك هو الذى استحدث السكة العربية وأدركته المنية فى أكتوبر سنة 705 بعد أن حكم عشرين عاما.

وقد صبغ خليفته الوليد بن عبد الملك العرش بنزعة استبدادية ووسمه بنعرة لم يكن لهما وجود عند أسلافه؛ ويعد الوليد المؤسس الأكبر للدولة الأموية. وإن كانت قد بلغت الإمبراطورية العربية فى عهده أوج اتساعها، ونجح

(1) معنى هذه العبارة: "كان يعد من أحب الناس إلى قلوب رعيته. . . وكان يسلك مع الجميع سلوك المتحضر".

ص: 6089

الوليد فى مشروعاته نجاحا فريدا، وتكشفت نزعته الاستبدادية فى الحد من السماحة التى كانت تعامل بها الشعوب المفتوحة، فقد استخلص المناصب الإدرية الكبرى من أيدى المسيحيين تماما، واستطاع بفضل جنوحه إلى العظمة والفخامة أن يملك قلوب أهل الشام بلا منازع. وتوفى الوليد فى 23 فبراير سنة 715 م. وخلفه أخوه سليمان بن عبد الملك مشيد الرملة فى فلسطين، توفى سليمان فى حصار القسطنطينية المشؤم، وخلفه ابن عمه عمر بن عبد العزيز (أغسطس 717)، وتوفى عمر فى فبراير سنة 730، وخلفه يزيد ابن عبد الملك. وكان الخلفاء الأمويين قد بدأوا يتخلون عن دمشق منذ أيام الوليد بن عبد الملك، وتركوا الإقامة فيها وإن ظلت قصبة الدولة الرسمية وأخذت الدولة الأموية فى الاضمحلال بعد وفاة عمر بن عبد العزيز. وقد حاول هشام الذى خلف يزيد بن عبد الملك أن يعيد إلى الخلافة الشآمية هيبتها فباءت جهوده بالخيبة، فقد توقفت الفتوح، ومنى العرب بهزيمة بواتييه المنكرة فى فرنسا فى أكتوبر سنة 722. وسمح هشام لبطارقة انطاكية الملكانيين بالإقامة فى الشام. وفقد هذا الخليفة حب الشعب له لطمعه وإخفاق خططه العسكرية وما جرى عليه من اعتزال الناس والإخلاد إلى قصره الصحراوى الرصافة. على الرغم من أنه كان أشد الخلفاء الأمويين انكبابا على العمل. وخلفه فى فبراير سنة 743 ابن أخيه الوليد بن يزيد بن عبد الملك، وكان هذا الأمير من أرباب الفن والشعر وقد عاش قانعا فى الصحراء حيث شرع يبنى قصره المشتى الفخم ولقى مصرعه قبل أن يتمه على يد قاتل اغتاله فى أبريل سنة 744. وكان خليفته يزيد بن الوليد أول وخلفه يزيد بن عبد الملك. وكان الخلفاء الأمويون قد بدأوا يتخلون عن دمشق أخاه قليل الشأن إبراهيم، وعجز إبراهيم عن حمل الناس على الاعتراف به.

وظهر على مسرح الحوادث إبان هذه الفوضى العامة والى الجزيرة العالى الهمة مروان بن محمد حفيد الخليفة مروان بن الحكم. وقد فل

ص: 6090

انتصار عين الجرّ فى البقاع مقاومة أعدائه اليمانية الشآميين. ولما ولى مروان الخلافة فى ديسمبر سنة 744 أخطأ بنقل قصبة الخلافة إلى حرّان (الجزيرة) فاستوحشت منه قلوب الشآميين، وأنهك قواه فى إخماد الفتن التى أثاروها أو الفتن التى أضرم نارها الخوارج، وكان العباسيون يأتمرون آنئذ بالدولة الأموية فى الخفاء واستغل أبو العباس والسفاح السخط البادى فى الشام فأعلن ولايته الخلافة فى الكوفة (نوفمبر 749). واضطر مروان بعد هزيمته عند الزاب الأكبر (يناير 750) إلى إخلاء الجزيرة ثم الشام من بعدها، وتخلى عنه الشآميون فالتجأ إلى مصر حيث لقى مصرعه فى بوصير فى أغسطس سنة 750 وطورد الأمويون فى كل مكان واستؤصلت شأفتهم. ونبشت قبورهم وأذريت رفاتهم فى الرياح. وحاول الشآميون عبثا أن يستردوا ما فقدوه ورفعوا علم الأمويين الأبيض ليجهلوا به علم العباسيين الأسود، ولم يدركوا إلا بعدفوات الأوان أنهم بنظرتهم المستخفة إلى سقوط الأمويين قد أضاعوا مستقبل الشام وسيادته، ومن ثم راحوا يأملون فى ظهور السفيانى سريعا، وهو بطل وطنى ونصير الحرية الشآمية. والسفيانى، كما يدل عليه اسمه، كان فى نظرهم رجلا يخرج من أعقاب أبى سفيان، ويعيد إلى البيت الأموى عهده المجيد وأيامه السعيدة ذلك البيت الذى يخلد ذكراه اسم هذا البطل.

ولم تجد قبائل الشام بعد الفتح العربى بدا من تعلم لهجة قريش التى ارتفع حينذاك شأنها فأصبحت هى اللغة الفصحى. وقد شغلت الفتوح وإخماد الفتن التى شبت فى الولايات عرب الشام فاقتصر نشاطهم العقلى فى ظل الأمويين على الشعر وكان أهم أقطاب هذه النهضة الأدبية بعد الأخطل النصرانى يزيد بن معاوية والوليد بن يزيد. وظلت الحرف والمهن الحرة كالصيرفة والتجارة وقفا على الأجناس المحكومة وتدل حركة القدريه التى بدأت فى الشام فيما يظهر، على أن عرب هذا الإقليم كانوا قد أخذوا يعنون بالمسائل الفلسفية التى جاءتهم عن طريق مواطنيهم النصارى.

ص: 6091

وظلت الزراعة مزدهرة. ولكن تضاءلت التجارة البحرية تضاؤلا كبيرا نتيجة لحرب العرب مع الروم. على أن سقوط إمبراطورية فارس قد فتح أبواب آسية الوسطى للشآميين ولكنهم سرعان ما جابهوا منافسة المدن التجارية فى العراق وخاصة البصرة. وفى عهد العرب خمل شأن التجارة الشآمية التى كانت نشطة غاية النشاط فى عهد يوستنيانوس. فلما استؤنفت العلاقات البحرية كانت الشعوب الغربية هى التى حققت لنفسها الفائدة منها فى أيام الحروب الصليبية. وبدأت البلدان الكبرى فى شرقى الشآم مثل: دمشق وحمص وغيرهما، تصطبغ بالصبغة الإسلامية منذ عهد المروانيين نتيجة لإلغاء الأجناد، وتعلمت الشعوب المفتوحة اللغة العربية ومع ذلك لم تتخل عن اللغة الآرمنية أو اللغة اليونانية آنئذ. وكان سكان الشام من العرب ينمون نموًا بطيئًا. ذلك أن الأوبئة، والمجاعات، والفتن، وحروبهم الخارجية كانت تحصدهم. وإذا صرفنا النظر عن فورات التعصب المحلية، لم نجد شواهد على قيام اضطهاد أو بث الدعوة الإسلامية تشجع عليهما السلطات المسئولة. فقد كانت هذه السلطات تضغط على نصارى العرب فحسب ونعنى بهم قبيلتى تنوخ وتغلب. أما بنو كلب وغيرهم من القبائل الشآمية فكانوا قد أسلموا بعد الفتح الإسلامى.

وقد تميز هذا العهد بالهدوء والتسامح مع غير المسلمين إذا قارناه بالمتاعب التى قدر لهم أن يعانوها فى ظل العباسيين وذلك على الرغم من حرمانهم فى أيام الأمويين من حقوقهم السياسية. وكانت هذه الأيام بالنسبة للعرب عهدًا ذهبيًا، أو قل إنهم كانوا فى مأدبة متصلة تعطيهم الدولة وتطعمهم. وقد أثرى زعماؤهم من استغلال الولايات وجمعوا ثروات طائلة. وشجع على نجاح مؤامرة العباسيين عجز الخلفاء المروانيين المتأخرين باستثناء هشام ومروان بن محمد بطبيعة الحال.

ثم دبت الفتن الخطيرة المتصلة بين القيسية واليمنية بعد مرج راهط، وانتهت برفض الفاتحين أن يمنحوا غير العرب حقوقهم السياسية.

ص: 6092