الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حكومة السودان النظام الجمهورى، وأقيم مجلس للسيادة لممارسة سلطات رئيس الدولة إلى أن يتم انتخاب رئيس للجمهورية السودانية.
ويجمل بنا بعد أن أوضحنا المعالم العامة للتطورات فى خطوطها الرئيسية أن نعرض فى شئ من التفصيل لبعض النقاط ذات الأهمية العامة والتى كان من شأنها توجيه مركز السودان العام فى السنوات التى تلت 1920 م بصفة خاصة ذلك أن هذه الحقبة من الزمن كانت مرحلة الانتقال الفعلية.
1 - الوضع السياسى للسودان:
يرجع اهتمام إنجلترا بمسألة السودان بصفة رسمية إلى الأشهر الأخيرة من عام 1882 م، أى بعد نزول الجنود البريطانية إلى مصر واحتلالها، فقد أرسلت فور دخولها القاهرة الكولونيل استيورت Stewart أحد ضباطها لزيارة السودان وكتابة تقرير عن حالته والإشارة بتوصياته؛ وفى عام 1882 أرسل الجنرال هكس ومعه ضباط بريطانيون لقيادة جيش مصرى يدخل كردفان حيث كان الإمام المهدى فى الأبيض بعد سقوطها، وألغيت وزارة عبد القادر باشا حلمى الذى كان فى السودان يمارس أعمال الحكمدار (الحاكم العام وقائد القوات المصرية)، ودخلت حملة هكس إلى فيافى كردفان، الأمر الذى لم يرض عنه القادة المصريون من رجال الجيش، وكان أن هُزمت هذه القوة، وسقطت دارفور وبحر الغزال -وأرسل غوردون فى سنة 1884 ولقى حتفه فى يناير سنة 1885، وعادت الحملة البريطانية التى أرسلت لإنقاذه بعد فشلها؛ وحاولت بريطانيا هى ومندوبها السير درموند وولف Drummond Wolff الحصول على موافقة ضمنية بإخلاء السودان فى مفاوضاتها مع الباب العالى، وقد أخفق هذا الاتفاق تحت ضغط روسيا وفرنسا على الباب العالى وتهديدها باحتلال الشام وأرمينية إذا تمت الموافقة على هذا الاتفاق، وتركت مسألة السودان لظروفها -وتطور الصراع بين فرنسا وإنجلترا بإرسال حملة مصرية بقيادة إنجليزية إلى السودان ولحقت بها قوة بريطانية رمزية- وتم انسحاب فرنسا
باعتبار السودان أرضًا مصرية، ووقع وفاق سنة 1899 الذى وضعت فيه الأسس الخاصة بإدارة السودان. وهذا الوفاق موضع جدل كبير بين رجال القانون وغيرهم؛ فمنهم من يقول بصحته ومنهم من يعارض فيه وينادى ببطلانه، ولكل فريق منهما حججه. وكل هذا لا يهمنا فى هذا الموقف فهو لا يغير الحقيقة القائمة باعتبار وفاق سنة 1899 أساسًا قامت عليه الإدارة الجديدة فى السودان وخرج منه الإنجليز بنصيب الأسد، ودفعت مصر التكاليف لإعادة بناء السودان ومرافقه العامة كالسكك الحديدية والتعمير والزراعة وغير ذلك، وكانت إدارة السودان ترجع فى أمورها إلى مصر حتى عام 1910 م، ثم أنشئ مجلس الحاكم العام الذى صارت فى يده السلطات العليا. وكانت هذه أولى المراحل فى تطور مركز السودان السياسى بالنسبة لمصر. وجاءت الحرب العالمية الأولى فتعطل تنفيذ السياسة الموضوعة التى كانت تهدف إلى إقامة إدارات محلية فى يد الزعامات والرئاسات القبلية؛ وتحدد الموقف بعض الشئ فيما يختص بالعملة المصرية المتداولة فى السودان. وحدثت ثورة مصر سنة 1919 م وامتدت انعكاساتها إلى السودان الذى طالب أهله بحقوقهم. وجاءت لجنة ملنر فوضعت الخطوط العريضة لشئون البلاد وتعريفها فى إطار السياسة العامة الموضوعة. وحدثت أزمة الدستور المصرى الذى ورد فيه "السودان" ودخلت مصر وإنجلترا فى حلقة المفاوضات المفرغة؛ وحدث مقتل السردار ستاك باشا فى القاهرة سنة 1924 م وترتب عليه الإنذار البريطانى الذى شمل طلب خروج الجيش المصرى من السودان، والتعويض عن مقتل السردار، وإطلاق يد السودان فى التوسع الزراعى فى الجزيرة؛ وأنشئت قوة دفاع السودان وأسهمت مصر فى تكاليفها بمبلغ 750.000 ج سنويًا، وعقدت اتفاقية مياه النيل سنة 1929 م وسارت إدارة السودان قدمًا فى سبيل إقامة الحكم المحلى؛ وحاولت الإدارة البريطانية أن تتخذ خطوات إيجابية
نحو فصل السودان كلية عن مصر، غير أن هذه المحاولات تعطلت لسببين أولهما العجز الذى أصاب محصول القطن بسبب الآفات الزراعية، والثانى نتج عن نشاط إيطاليا الفاشية ومطامعها فى شرقى إفريقية. وقد عجل هذا السبب الأخير بصفة خاصة بالدخول فى المفاوضات التى انتهت باتفاقية 1936 وكان ما جاء فيها عن السودان توثيقًا لوفاق سنة 1899 م وترك أمر حل مشكلته إلى فرصة قادمة لم يحن وقتها إلا فى 20 ديسمبر سنة 1945 بسبب الحرب العالمية الثانية -عندما طلبت مصر من بريطانيا فتح باب المفاوضات لإعادة النظر فى معاهدة سنة 1936 وعقدت أولى الجلسات فى 9 مايو سنة 1946 وانتهت فى 25 أكتوبر من العام نفسه وكان سبب الفشل مسألة السودان، وأخذت الأمور فى التطور الخطير وحاولت الوزارة المصرية التى تلت الوزارة التى أجرت المفاوضات عام 1946، إنقاذ الموقف ولكنها لم تصل أيضًا إلى اتفاق تقبله مصر أو بعبارة أصح لم تصل إلى ما يحقق آمال السودان الحقة. ورفعت القضية إلى مجلس الأمن وحدثت تطورات دستورية هامة منها قيام المجلس الاستشارى لشمالى السودان، والبدء فى سودنة الوظائف؛ ولم يصدر مجلس الأمن أى قرار عن النزاع المصرى البريطانى وتركت المسألة لتسويتها بالاتفاق المباشر بين الدولتين وأرسلت حكومة السودان إلى مصر بتقرير المؤتمر السودانى الذى عقد لدراسة الإجراءات لسودنة الوظائف التى وافق عليها المجلس الاستشارى لشمالى السودان، وحدثت اتصالات بين الحكومتين المصرية والبريطانية فى عام 1948 لدراسة الموقف وانتهت المحادثات فى 28 مايو سنة 1948 دون الوصول إلى اتفاق بسبب إصرار مصر على أن يشترك السودانيون فى تولى أمورهم على قدم المساواة مع الإنجليز وأن يكون المصريون فى المجلس التنفيذى يعادلون الإنجليز من حيث العدد والوظائف، وتلت ذلك محادثات عام 1950 - 1951 - ولم