الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2)
سجل عثمانى، جـ 1، ص 42.
(3)
Geschichte des osmanischen Reiches: Hammer ص 217 - 300.
(4)
jorga جـ 1، ص 325 وما بعدها.
(5)
Storia del Contvnercio del Levante nel Medio Evo ذوين سنة 1913، ص 835 - 836.
الشنتناوى [إيتورى روسى Ettore Rossi]
سليمان بن داود [عليه السلام]
ويعرف فى التوراة باسم الملك سلومون Solmon: شخصية فذة فى القصص الإسلامية، فقد كان ثمة أربعة من حكام العالم العظام كما تقول كتب التاريخ العربية، اثنان منهم كافران هما النمروذ وبختنصر، واثنان مؤمنان هما ذو القرنين وسليمان عليه السلام. وكان سليمان أكثر هؤلاء تألقًا، وقد نوهت هذه التواريخ تنويهًا خاصًا بقدرته العجيبة فى تسخير الرِّيح والجن والطير وإن أشد الأحاجى إلغازًا وأكثر المسائل تعقيدًا كانت فى متناول بصيرته. وكانت الفطانة والحصافة تشعان من عينيه والحكمة والعدالة منقوشتين على جبينه. وكان علمه أعمق من وادى الأردن. وقد تردد ذكره فى القرآن الكريم نفسه وتميز فيه بأنه نبى للَّه الحق ورسوله المنزل وبشير بقدوم محمد صلى الله عليه وسلم. وتذكر الآيات القرآنية كيف بذَّ أباه فى الحكم، وهو بعد فى مقتبل العمر (سورة الأنبياء، الآيتان 78، 79). ولما توفى داود ورثه سليمان من دون أولاده الآخرين (سورة النمل الآية 16). وقد أوتى سليمان [عليه السلام] معرفة لغة الطير والحيوان (سورة النمل الآيات 16، 19) وتلك رواية تعتمد على سفر الملوك الأول (1)(الإصحاح الرابع، الآية 33). وقد سخر اللَّه لسليمان الريح عاصفة (سورة الأنبياء الآية 81؛ سورة ص، الآية 36). غدوها شهر ورواحها شهر، وأسال له عين القِطْر (سورة سبأ، الآية 12). وكان تحت إمرته جموع من الشياطين يفعلون كل ما يريد، فقد كانوا مثلًا يغوصون فى البحر فيخرجون له منه اللآلئ (سورة
(1) سبق أن رددنا على هذه الدعوى التى يقول بها كثير من المستشرقين فى أكثر من موضع من الدائرة، وحسبنا القول بأن القرآن الكريم جاء مصدقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل.
الأنبياء، الآية 82؛ سورة ص، الآية 37) وسخر اللَّه له الجن، ومن يعدل منهم عن طاعته يعذب فى السعير (سورة سبأ، الآية 12) يصنعون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان (سورة سبأ، الآية 13) وجنوده من الإنس والجن والطير. وكان الهدهد أول من جاءه بأخبار مملكة سبأ وملكتها المشهورة ببلقيس، وراسل سليمان النبى عليه السلام بلقيس ودعاها إلى الإسلام. ودانت له بعد ما رأت من بأسه وحكمته (سورة النمل، الآيات، 20 - 44) وكثيرًا ما حاول الشياطين أن يميلوا به إلى الكفر فارتدوا عاجزين (سورة البقرة، الآية 101)(1). وقد غفل سليمان يومًا عن ذكر ربه إذ أنساه إعجابه بجياده الصافنات أداء الصلاة، وكفّر سليمان عن ذنبه (سورة ص، الآيات 31 - 33). وقد فُتن سليمان ففقد ملكه وجلس على عرشه من هو على صورته. فلما سأل ربه العفو والمغفرة ردّ إلى عرشه ووعد بالجنة (سورة ص، الآيات 34، 35، 40). ولما قضى عليه اللَّه الموت ظل قائمًا على منسأته، ولم يعلم أحد بموته إلا بعد أن أكلت دابة الأرض منسأته فخَرَّ جسده وسرحت الجن من عملها الشاق (سورة سبأ، الآية 14).
وقد مجدت الروايات والقصص المتأخرة كل هذه المسائل التى هى فى جوهرها مذكورة كذلك فى التوراة. فسيطرة سليمان على الجن وتسخيرهم فى إقامة منشآته مذكور فى المدرَشْ فى تفسير سفر الجامعة (الإصحاح الثانى، الآية 8). وقد جعلت مملكته شاملة جامعة، ولعل ذلك كان شبيهًا بمملكة الملوك الأربعين (أو الاثنين والسبعين) لجن ما قبل عهد آدم، وكان كل منهم يدعى سليمان (Arabian Nights: Lane، المقدمة، تعليق 21؛ d' Herbelot: Bibliotheque orientale جـ 5، ص 372). وتشمل حكمته المشهورة الحكمة التى أثرت عن مصر، أى العلم الخفى. ويقال إن فيثاغورس قد تلقى علمه على سليمان فى مصر (السيوطى: حسن المحاضرة فى أخبار مصر جـ 1، ص 27). ويقال أيضًا إن سليمان كان تلميذ
(1) رقم الآية فى المصحف العثمانى هو 102 [م. ع]
مامبريس Mambres الساحر المصرى (Thrice Greatest Hermes: G.R.S. Mead جـ 3، ص 283، التعليق) ومن هنا جاءت شهرته فى القصص والروايات بأنه ساحر. وكانت قدرته على السحر متأثرة بطلسم هو خاتم نقش عليه الاسم الأعظم أى اللَّه. وقد رخِّص لوزيره آصف بن برخيا باستخدام هذا الخاتم، وهو الذى تقل عرش بلقيس من سبأ إلى بيت المقدس فى لمح البصر. وكان سليمان قد جرى على أن يخلع هذا الخاتم، عندما يتوضأ ويعهد به إلى "أمينة" إحدى زوجاته، ويقال أن شيطان هو صخر إتخذ صورة مَلَك، وسلب هذا الخاتم السحرى وحكم أربعين يومًا مما اضطر سليمان إلى أن يهيم على وجهه شريدًا. غير أن هذا الشيطان فقد الخاتم فى البحر فعثر عليه سليمان إذ شق جوف حوت كان قد ابتلع الخاتم، وهكذا استعاد سليمان عرشه. ويقال إن ذلك كان عقابًا له على وثنية محظيته جرادة ابنة ملك صيداء.
ويذهب بعض إلى أن الشخص الذى بدا فى صورته واحتل عرشه كان هو ابنه الذى أدركته المنية. ويعد اليوم الثالث عشر من الشهر يوم نحس لأن اللَّه نفى سليمان فيه. ويقال إن عيد النيروز الفارسى والشعائر التى تقام فيه ترجع إلى اليوم الذى استعاد فيه سليمان ملكه (البيرونى: الآثار الباقية، طبعة سخاو، ص 199). وتفاخر سليمان بأن سيكون له ألف زوجة يلدن له ألف ولد محارب، ولذلك لم يرزق إلا بولد واحد مشوه له يد واحدة وعين واحدة وأذن واحدة وقدم واحدة. وابتهل إلى اللَّه فى خضوع وتذلل فجعل اللَّه ابنه ولدًا سويًا. وفتح سليمان الغزاء كثيرًا من الممالك (البيضاوى، تفسير سورة المائدة، الآية 19)(1). ولنوجز فيما يلى بعض الأفعال العجيبة التى أتاها سليمان كما وردت فى الأساطير والحكايات كان سليمان بعد أن اعتلى العرش بقليل فى واد بين حبرون وبيت المقدس، وهناك تلقى سلطانه على الريح والماء والجن والحيوان من الملائكة الأربعة الموكلين بها. فقد أعطاه كل واحد منهم جوهرة
(1) لم أجد فى تفسير البيضاوى آية إشارة إلى ذلك عند هذه الآية ولا قبلها ولا بعدها بعشرات الآيات. [د. مهدى علام]
وضعها فى خاتم مرق نحاس وحديد. وكان يختم بالنحاس أوامره إلى الجن الأشرار. ويقال إن الخاتم كان له خاصية اللفاح (Folk-Lore in the Old Testament: Frazer جـ 2، ص 39).
وخاتم سليمان تعويذة عامة على هيئة نجمة مسدسة الأركان كثيرًا ما تنقش على كؤوس الشراب. وتذهب الرواية إلى أن مائدة سليمان وغيرها من الآثار العجيبة وجدت طريقها إلى أسبانيا حيث عثر عليها طارق عند استيلائه على طليطلة Toledo، وكانت هذه الآثار قد أخذت غنيمة من بيت المقدس (ابن الأثير، تاريخ المغرب، طبعة Fagnan ص 37، وما بعدها؛ الطبرى، التاريخ، طبعة Zotenberg جـ 4، ص 183؛ Reserches: Dozy جـ 1، ص 52). وكانت المائدة مصنوعة من الزمرد الأخضر ولها 360 رجلًا، كما كانت مرصعة باللآلئ واليواقيت. وكان ثمة أيضًا مرآة سحرية تكشف جميع البقاع فى العالم (Abrege des Merveilles: Carra de Vaux ص 122).
وقد نحتت كتل الحجر المعدة لبناء الهيكل بالحصباء "شمر" العجيبة التى استخلصها الشيطان صخر من عقاب البحر. وكان سليمان يستظل من حرارة الشمس بمظلة من طيور الجو جميعًا. وقد نسجت له سجادة سحرية من الحرير الأخضر يطوى بها الآفاق طائرًا فى الهواء، فإذا ركبها استطاع أن يغادر الشام هو وجميع ما يحمل من متاع فى الصباح فيبلغ أفغانستان قبل حلول المساء. وقد اجتمعت له ثروة لا مثيل لها من الأحجار الكريمة والذهب والفضة جلبها الجن الذين سخروا لخدمته؛ وكانوا يعاونونه أيضًا فى إقامة القصور والقلاع والحمامات وخزانات المياه. وتشاهد آثار ذلك فى فلسطين وبلاد العرب وغيرها (انظر Revue des traditions populaires جـ 9 ص 90؛ ناصرى خسرو: سفرنامه، ص 56: 76، 84، 85). وكان لسليمان ألف بيت سقوفها من قوارير، وتشمل ثلاثمائة متكأ وسبعمائة زوجة (الثعلبى، قصص الأنبياء، ص 204). وينسب إليه أيضًا بناء المسجد الأموى علاوة على إقامته الهيكل الذى بذَّ سليمان فى
تشييده الجن فى الدهاء (ميرخواند: روضة الصفا، جـ 2، القسم الأول، ص 76). بل ينسب له كذلك أنه أقام مسجد، بالإسكندرية (السيوطى، كتابه المذكور، جـ 1، ص 37). وكان ينفق جزءًا من أوقات فراغه فى تعلم غزل السلال حتى تكون لديه وسيلة لكسب معاشه إذا أعوزته الحاجة (ميرخواند: كتابه المذكور، ص 79). وهذه الرِّواية تتسم فيما يظهر بطابع تلمودى. وكان عرش سليمان من الذهب الخالص. وكان العالم الطبيعى بأسره خاضعًا كل الخضوع لسلطانه حتى أن الشمس توقفت مرة عن الدوران لتمكينه من أداء صلاة المساء، وحبس الجن الشرار فى قماقم من رصاص (سفر زكريا، الإصحاح الخامس الآية 8).
وقد جعل سليمان عيذاب على البحر الأحمر سجنًا تحبس فيه الجن (ناصرى خسرو: كتابه المذكور، ص 297). وقد أتاحت له معرفته بلغة عالم الحيوان إظهار رحمته فى مناسبات كثيرة، فقد مال مرة بحشود من جنده ليتحاشى تحطيم بيض طائر، وأخذته الرحمة فى مناسبة أخرى ببيت من بيوت النمل (البيرونى: كتابه المذكور. ص 199؛ سورة النمل. الآيتان 17، 18) (1).
وقيل إن سليمان اخترع الحروف العربية والسريانية، ولاشك أن ثمة سمات إيرانية فى القصص العجيبة التى تدور حول سليمان. وتختلف الروايات فى وصف خلقته، فيقال مثلًا بأنه كان "رجلًا كبير الرأس يمتطى جوادًا" (ميرخواند: كتابه المذكور، جـ 3، القسم الأول، ص 83) وأنه كان "أبيض جسيمًا وضيئًا جميلًا كثير الشعر، يلبس من الثياب البياض"(الثعلبى: كتابه المذكور، ص 254) وكانت سنه عند وفاته ثلاثة وخمسين عامًا، وقد حكم أربعين عامًا. ولا يعرف على وجه التحقيق موضع قبره، فبعضهم يقول إنه فى بيت المقدس فى قبة الصخرة، ويقول آخرون إنه قريب من بحر طبرية Tiberia . وقيل (كما جاء فى الطبرى: التاريخ جـ 1، ص 60)
(1) وآية 19 [م. ع]