الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإليهم أيضا يعود الفضل فى بدء النهضة الأدبية فى القرن التاسع عشر حين أصبحت سورية قصبة الدراسات العربية. وأمدتها البعثات الدينية الأجنبية، فرنسية وأمريكية وما إليها، بحافز فانتشرت فى جميع أنحاء سورية المدارس والمطابع التى أخذت تطبع الصحف والمجلات والكتب العمدة، وتزعمت بيروت الحياة العقلية فى سورية، ولم يكن الفضل فى ذلك راجعا إلى نشاطها هى الخاص بقدر ما كان راجعا إلى تأثرها بالحافز الأوروبى. وكانت جمعية اليسوعيين بعد أفعل أثرا من البعثة الدينية الأمريكية، فقد كانت لها مطبعة فائقة فى تنظيمها، شاركت فى إحياء الأدب العربى مشاركة لا تقل عن نشر الثقافة الأوروبية. وهكذا أنجبت بيروت وسورية عددا كبيرا من شباب الأدباء. وسرعان ما أصبح وطنهم أضيق من أن يسعهم (Gesch d. Arab. Lit.: Brockelmann جـ 2، ص 492) فهاجر بعضهم إلى مصر، ونذكر منهم اليازجيين نصيف وابنه إبراهيم المتوفى سنة 1906، وبطرس البستانى المتوفى سنة 1883. لم تسهم تركية بأى نصيب فى حركة نشر التعليم بسورية. ففى هذا الميدان أيضا، كان الأجانب، وخاصة الفرنسيين والأمريكيين، هم السبب فى إهمال الحكومة التركية لهذا الأمر. فقد نهض هؤلاء الأجانب بالتعليم فى مراحله الثلاث. وفى سنة 1878 أسس اليسوعيون جامعة القديس يوسف فى بيروت. وحولت أخيرا (1923 م) الكلية السورية البروتستانتية الأمريكية، وهى أقدم من هذه، إلى جامعة.
سورية اليوم:
قامت ثورة دبرها فى الخفاء حزب تركية الفتاة فأطاحت بعبد الحميد وأقامت على العرش أخاه رشاد (أبريل 1907). وأعيد دستور سنة 1876. وافتتح من جديد البرلمان الذى كان قد أغلقه السلطان عبد الحميد. وحيَّت سورية الثورة بحماسة على اعتبار أنها فجر عهد جديد، ولم يدم هذا الوهم طويلا. ذلك أن رجال تركية الفتاة الذين وثق السوريون فيهم لم
يلبثوا ان أستانفوا مرة أخرى المشروع الذى بدأه عبد الحميد، ألا وهو صبغ سورية بالصبغة التركية، وشنوا حربا أكثر تنظيما وأشد دأبا على كل عربى جنسا أو لغة، وأصروا فى كل مكان، فى البرلمان وفى دواوين الحكومة، على استخدام الترك فحسب، وأقصوا السوريين عن المناصب الكبرى والقيادات العسكرية الهامة. وأدت هذه السياسة المثيرة للخواطر إلى توحيد المسلمين والنصارى فى سورية للمرة الأولى، وأيقظت بين الأهلين جميعا الرغبة فى التفاهم على سياسة عامة والقيام بعمل مشترك، وانحصرت مطالبهم فى المناداة بإصلاحات تتسم باللامركزية، فقد طالبوا بأن يؤخذ بعين الاعتبار فى توزيع المناصب العامة التقدم الذى بلغته سورية أكثر ولايات الإمبراطورية التركية تحضرا، وأن يراعى فى فرض الضرائب وإنفاقها حاجات أهلها، ورأوا أن الوقت قد حان لمنح سورية ضربا من الاستقلال الذاتى فى إدارة شئونها. وكان إصرار رجال حزب مصر الفتاة على رفض هذه المطالب المعتدلة هو الذى مهد السبيل إلى الآراء الانفصالية، وأقنع الوطنيين السوريين فى النهاية بألا مخرج لهم إلا بالاعتماد على جهودهم هم أنفسهم وعلى عطف أوربا.
وفى 29 أكتوبر سنة 1914 دخلت تركية الحرب العظمى الأولى، وبدأت بوأد الاستقلال الذاتى الذى كانت تنعم به لبنان فى إدارة شؤونها، وفرض وال تركى عليها. وقبض جمال باشا بيده على زمام الحكم فى سورية جميعا وخول حق التصرف بما يراه. وبادر من فوره بشنق زعماء الوطنيين السوريين سواء كانوا مسلمين أو نصارى وبعث مئات آخرين إلى المنفى. ولم يلبث القحط والمرض أن حصدا الأهلين، وخاصة سكان لبنان. وشرع جمال باشا، ذلك الوالى العالى الهمة المدعى الذى راح يحلم بفتح مصر بالهجوم على قناة السويس (فبراير 1915) هجوما منى بخيبة مرة. وبعد أن رد الانجليز هجومه الثانى (أغسطس
1916) تقدموا بقيادة اللنبى حتى بلغوا غزة وما إن حل شهر نوفمبر 1917 حتى تحكموا فى الجزء الجنوبى من فلسطين، وفى 11 ديسمبر دخلوا بيت المقدس التى كان الترك قد جلوا عنها. وتحصن الترك تسعة أشهر أخرى فى خط يمتد من شمالى يافا حتى الأردن. ووقعت المعركة الفاصلة فى 9 سبتمبر 1918 فى سهل صارونه بالقرب من طولكرم. واخترقت قوات اللنبى الجبهة التركية، وأنزلوا بذلك هزيمة منكرة بالترك. وبلغ الأنجليز فى نهاية هذا الشهر أرباض دمشق دون أن يلقوا أية مقاومة. وتأخر تقدمهم أياما ليفسحوا للأمير فيصل بن شريف مكة الأعظم الوقت للمبادرة بالقدوم من أقصى طرف شرقى الأردن ودخول دمشق فى أول أكتوبر على رأس فصيلة من البدو. وفى 31 أكتوبر وقع الترك هدنة، وبعد ذلك بأسبوع كان آخر جنودهم قد جاوز جبال طوروس.
واحتل الانجليز البلاد بقوة عسكرية، أما الجنود الفرنسيون الذين أبلوا أحسن البلاء فى الانتصارات التى أحرزت فى فلسطين فقد استقروا فى الجانب السورى من البلاد. وكان الحلفاء، أثناء الحرب، قد أرادوا أن يضمنوا عون الحسين بن على، شريف مكة الأعظم، فوعدوا بتأييد إقامة حلف من الولايات العربية "مع الاحتفاظ بالحقوق التى اكتسبتها فرنسا" واستغل الأمير فيصل هذه العبارات الغامضة وطالب بحكم سورية جميعًا. وأقام صورة من صور الحكم فى دمشق، وأصبحت هذه المذينة مباءة للدسائس تخرج منها حشود من قطاع الطرق والسفاكين يعيثون فسادًا فى سورية. وفى 7 مارس سنة 1920 نادى "مؤتمر سورى" مزعوم فى دمشق بـ "فيصل الأول ملكا على سورية". وطلب الجنرال غورو، الذى كان قد عين مندوبًا ساميًا للجمهورية السورية من فيصل أن يبرز ما يثبت حقه فى الملك. ولم يتلق الفرنسيون جوابا على هذا الإنذار النهائى فشتتوا
بعد ساعات قليلة من القتال فى خان ميسلون بجبال لبنان الشرقية شمل العصابات التى اعترضت تقدمهم (24 يولية سنة 1920) وفى 10 أغسطس من السنة نفسها فصلت معاهدة سيفر سورية عن تركية لتكون "بصفة مؤقتة دولة مستقلة بشرط أن تهيمن على إدارة شؤونها مجالس انتداب حتى يحين الوقت الذى تصبح فيه قادرة على حكم نفسها بنفسها". وقبل ذلك قرر مؤتمر سان ريمو أن يوكل الانتداب إلى الحكومة الفرنسية. وفى أول سبتمبر سنة 1920 أعلن غورو فى بيروت رسميا دستور "لبنان الكبير". وبعد ذلك تألف "اتحاد الدول السورية" من الدول الثلاث المستقلة استقلالا ذاتيًا، وهى دمشق، وحلب، وأرض العلويين، وهو الاسم الذى اتخذ رسميا للدلالة على النصيرية. وكان المركز الإدارى لهذه الدولة الأخيرة هو اللاذقية. وأقيمت دولة رابعة لدروز حوران. وسمح لهم، كما سمح لأهل لبنان، بأن يظلوا خارج الاتحاد السورى، وكان على رأس هذا الاتحاد رئيس سورى. وتولى حكم هذه الدول حكام وطنيون يعاونهم مستشارون فرنسيون، ووكل إلى مجالس نيابية مناقشة الشؤون ذات الصبغة العامة وإقرار الميزانية.
وتتاخم سورية فى ظل الانتداب الفرنسى الأناضول التركية، وعين حدها الشمالى بخط يمتد من الإسكندرونة ويعبر الفرات حتى جنوبى جرابلس وينتهى عند جزيرة ابن عمر على نهر دجلة. ويحد سورية من الغرب العراق، ومن الجنوب شرقى الأردن وفلسطين. ويسير هذا الجزء من الحدود سيرًا متعرجًا من رأس الناقورة بين صور وعكا، ويلتف من الشرق ببحيرة طبرية، ويجتاز وادى اليرموك، ويغادر بلدة درعا (حوران) فى الشمال ثم يعبر الصحراء حتى يبلغ ناحية جزيرة ابن عمر مارًا بـ "أبو كمال" على نهر الفرات.
ونذكر فيما يلى بيانًا بالنتائج الإجمالية التى أسفر عنها تعداد 1921