الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرداس، بنو
المرادسيون بيت عربى حاكم يرجع أصله إلى بنى كلاب، وينسبون إلى صالح بن مرداس. وكان صالح وبعض من سلالته أمراءً على حلب فى الفترة ما بين 415 - 473 هـ/ 1024 - 1080 م، وورثوا الحمدانيين فى حكم شمال سوريا. وتصدوا كذلك لأطماع الإمبراطورية البيزنطية، نيابة عن البويهيين فى بغداد والفاطميين فى مصر. ولم يترددوا، فى مناسبات عديدة، من شن هجومهم على البيزنطيين وانتصروا عليهم.
وهنالك ثلاثة مصادر تاريخية رئيسية عن المرداسيين، وهى للمسبحىِّ (توفى 420 هـ/ 1029 م)، وليحيى ابن سعيد الأنطاكى، ولإبن العديم الحلبى (توفى 660 هـ/ 1262 م). وقد تعاطف ابن العديم مع المرداسيين ونسب إليهم كل الصفات النبيلة والأخلاق القويمة.
وكان أول ظهور لصالح بن مرداس سنة 399 هـ/ 1009 م حين كان أميرًا على الرحبة ثم استولى -بعد ذلك- على الرقة وبالس ومنبج ورفانيا. وخلال صيف 415 هـ/ 1024 م بدأ حروبه فى شمال سوريا واستولى على مدينة حلب، وفى العام التالى استولى على قلعتها. وضم مدن حمص وبعلبك وحصن عكَّار وصيدا. لكن الفاطميين لم يرضوا عن هذا التوسع المرداسى فى وسط سوريا، فأرسلوا "الدزبرى" الفاطمى واليًا على دمشق وسوريا سنة 419 هـ/ 1028 م لمحاربته وهزم الفاطميون قوات صالح بن مرداس فى معركة "الإخوان" سنة 420 هـ/ 1029 م حيث قتل، وقُتل صالح مع ابنه الأصغر ووزيره. ودُفن صالح فى صيدا، بعد أن عُلقت جثته لعدة أيام على أحد أبوابها.
ثم خلفه فى حكم حلب ابناه الصغيران، شبل الدولة نصر الذى حكم المدينة ومعز الدولة ثمال الذى ولى القلعة. وحاول الإمبراطور البيزنطى أن ينتهز فرصة ضعف الحكام المرداسيين، فأغار بجيشه على حلب، لكنه لقى الهزيمة عند "قايبار"، خارج حلب سنة
420 هـ/ 1029 م. وعاود الإمبراطور محاولته، ولقى الهزيمة أيضًا للمرة الثانية فى معركة "أعزاز" 421 هـ/ 1030 م، واستولى المرداسيون على كثير من أسلاب الجيش البيزنطى.
وبعد معركة أعزاز، ضم نصر بن صالح قلعة حلب له، أثناء غياب أخيه عنها، وصار بذلك الحاكم الأوحد لمدينة حلب وقلعتها. وخاف نصر من احتمال محاربة أخيه ثِمال له، فعقد معاهدة سلام مع البيزنطيين حتى يأمن جانبهم ويتفرغ لمجابهة أى هجوم يقوم به أخوه على بلاده. لكن هذا التقارب بين المرداسيين والبيزنطيين لم يرض عنه الدزبرى الذى تقدم فى شعبان 429 هـ/ 1038 م بقواته إلى شمال سوريا، وقام بمحاربة المرداسيين وانتصر عليهم قرب "لطمين"، وقتل نصر فى المعركة، ودخل الدزبرى حلب، وتقدم بقواته لمحاربة ثِمال، ونجح فى الاستيلاء على بالس ومنبج، ولكنه فشل أمام الرحبة التى قاتل عنها ثِمال ببسالة.
وأستولى الدزبرى على قلعة جعبر لحماية حلب حتى يفسد على المرداسيين إية محاولة قد يقومون بها لاستردادها.
وتزوج ثِمال بن صالح، من السيدة العلوية النميرية، أرملة أخيه نصر، وكانت تحكم الرقة ووسط الفرات بعد وفاة زوجها، وتنازلت عن حكمها لزوجها ثِمال. وساعدت الظروف آنذاك ثمالًا على استعادة حكم حلب بسبب ما حدث من عداء بين الدزبرى ووزير الفاطميين الجرجرائى. وتكليف الجرجرائى لثمال بمهمة القبض على الدزبرى بعد عزله عن قيادة الجيش الفاطمى فى سوريا لكن الدزبرى تُوفى آنذاك فى حلب 433 هـ/ 1042 م.
وفى شهر جمادى الثانية من نفس العام تقدم ثِمال بقواته ليستولى على حلب، التى استولى عليها بعد حصار دام ستة أشهر، بسبب مقاومة (غلمان) الفاطميين ودفاعهم عنها.
واعترفت الإمبراطورة "تيودورا" بسيطرة ثِمال على حلب، وجددت معاهدة السلام معه فى سنة 439 هـ/ 1048 م. وحاول ثِمال التفاوض مع الوزير الفاطمى صدقة بن
يوسف الفلاحى لعقد اتفاق سلام بينهما ومعاهدة عدم اعتداء. لكن تطورات الأحداث أدت إلى وقوع التصادم بين المرداسيين والفاطميين. وانتهت الحرب بينهما بهزيمة كبيرة للجيش الفاطمى عند جبل الجوشن، قرب حلب، فى ربيع الأول 442 هـ/ 1050 م. ورغم هذا النصر جدد ثمال طلب المصالحة مع الفاطميين على يد أصغر أبنائه وزوجته السيدة العلوية. فاعترف الخليفة بشرعية حكم ثِمال لحلب ولكل البلاد التى تحت يده بالفعل.
وعاش معز الدولة ثِمال آمنًا فى إمارته فى الفترة ما بين 442 هـ/ 1050 م إلى 449 هـ/ 1058 م. وحظيت حلب آنذاك بازدهار كبير تمثل فى رخص الأسعار وعمارة كثير من الدور والقصور التى ظلت قائمة طوال القرنين التاليين. كما ظلت علاقاتها الخارجية طيبة خاصة مع الخليفة المستنصر باللَّه الفاطمى. وساند ثِمال البساسيرى فى بداية ثورته ضد الخلافة العباسية، وتنازل له عن مدينة الرحبة.
على أن ثِمالًا، بدأ يواجه منذ سنة 449 هـ/ 1058 م فصاعدًا، غيرةً من جانب قادة الكلابيين الذين كانوا سندًا له، واتهموه بأنه يعاملهم معاملة تقل عن معاملته لحلفائه النميريين. فما كان من ثِمال، إلا أن رتَّب مع الخليفة المستنصر الفاطمى تنازله عن حكم حلب للفاطميين مقابل تعويضه عن ذلك بحكم جبيل وبيروت وعكا فيتجنب بذلك متاعبه مع الكلابيين. وتم ذلك الأمر بينهما بالفعل وصار الحكم فى حلب للفاطميين. إلا أن هزيمة البساسيرى سنة 451 هـ/ 1060 م ومقتله قللت من هيبة الفاطميين فى شرق سوريا، الأمر الذى دفع الكلابيين إلى أن يعهدوا إلى الأمير الشاب محمد ابن شبل الدولة نصر بن صالح بن مرداس وإلى ابن عمه منيع بن مقلد بن كامل بن مرداس بمهمة إعادة حكم حلب إعتمادًا على مساندتهم لهما. وتم نجاح المهمة فى جمادى الثانية 452 هـ/ 1060 م وفتحت حلب أبوابها للمرداسيين. وتحصن الحاكم الفاطمى فى القلعة وأرسل يطلب العون من
القاهرة. وأمرت القاهرة حاكم دمشق الفاطمى بالتوجه لانقاذ حلب، لكن جيشه هُزم هزيمة كبيرة عند "الفنيدق" وأخذ اسيرًا مع بقية قواد الفاطميين، واستولى محمود بن نصر بن صالح على حلب، وبعد ذلك بعشرة أيام سلمت القوات الفاطمية قلعة حلب له وتركت شمال سوريا إلى الأبد.
وكان ثِمال يعيش آنذك فى القاهرة، ويفكر فى العودة إلى حلب، ولم عاد إليها رفض ابن أخيه محمود تسليمه المدينة، وجرى قتال بين محمود وعمه على تملك مدينة حلب، وتوصل فى آخره شيوخ الكلابيين إلى الاتفاق على أن يتسلم ثمال حلب وأن يُعوض محمود بالمال والغلال. وفى ربيع الآخر 453 هـ/ 1061 م دخل ثمال حلب فى صحبة محمود وشيوخ النميريين، واعلن عطية بن صالح، أخو ثِمال، إستقلاله فى الرحبة.
وتوفى ثِمال فى نهاية 454 هـ/ 1062 م وأوصى قبل وفاته، بأن يخلفه أخوه عطية بن صالح فى حكم حلب. واعترض محمود بن نصر على ذلك ووافقه فى ذلك أشراف الكلابيين. ونتيجة لذلك دخل العم وابن أخيه المرداسيين فى حروب تبادلا النصر فيها. وفى العام التالى تمت مصالحة بين الجانبين على أن يحتفظ العم عطية بحلب والجزء الشرقى من إمارتها، من الرحبة إلى قنسرين واعزاز، وأن يُخصص الجانب الغربى منها لمحمود ابن الأخ. لكن عطية لم يرض بهذا التقسيم وأراد أن تكون كل الإمارة له، واتخذ آنذاك قرارا خطيرا كانت له عواقبه الوخيمة على البلاد، إذ قام باستدعاء عدة آلاف من المحاربين التركمان المقيمين فى ديار بكر للدخول إلى سوريا فدخلتها أول دفعة منهم، كرجال أحرار لا كرقيق، بقيادة قائدهم ابن خاقان. واخذت هذه الطائفة تعيث فسادا فى بلاد الشام، حتى أن عطية ضاق بهم ذرعًا بعد دخولهم بوقت قصير. واضطر إلى أن يطلب من (أحداث) حلب مقاتلتهم وإخراجهم من البلاد. فقُتل بعض منهم وفر الباقون، إلا أن ابن خاقان وضع نفسه فى خدمة محمود. ونجح محمود، بعد انتصاره
على عمه فى معركة مرج دابق فى دخول حلب فى شهر رمضان 457 هـ/ 1065 م. وتم اتفاق آخر بعد ذلك بتقسيم الإمارة بين محمود وعمه عطية، على أن تكون للعم المنطقة الشرقية الواقعة على الفرات، وتكون المنطقة الغربية بما فيها حلب وجُند قنسرين والجانب الأكبر من جُند حمص لمحمود بن نصر.
وفى عام 460 هـ/ 1068 م قام التركمان بمهاجمة وتخريب الأراضى البيزنطية الواقعة فيما بين ما وراء النهر إلى الفرات. ولم يستطع البيزنطيون تجاهل أمر هذه الغارات المخربة التى كان التركمان يعودون بغنائمها إلى حلب فقاموا باحتلال منبج والاغارة على إمارة المرداسيين للانتقام من التركمان الذين كان خطرهم قد تزايد أيضا على المرداسيين وصار أشد من الخطر البيزنطى، فكانوا يهاجمون منازل المواطنين ويعتدون عليها، وينهبون أهراء القمح بمدينة حلب ويفرضون الإتاوات على الفلاحين. ولم يكن محمود بن نصر يأمل فى مساعدة الفاطميين له على إعادة الأمن فى شمال سوريا. وكانت قوة السلاجقة هى الوحيدة القادرة على ذلك، وكان لا بد من دفع ثمن لهم مقابل ضمان تدخل هذه القوة فأسفر ذلك عن إلغاء الأذان الشيعى "بحى على خير العمل"، والغاء الدعاء للخليفة الفاطمى من فوق منابر المساجد فى خطبة الجمعة وحل محله الدعاء للخليفة العباسى.
وصارح محمود بن نصر المرداسى شيوخ حلب فى الأمر، وأظهر لهم خطورة الموقف، وأنه إن لم يستسلم لسيادة السلاجقة فإن نهايته ستكون على أيديهم. ووافقه الشيوخ على رأيه بعد اقتناعهم به. وفى صلاة يوم الجمعة الأولى من شهر شوال 462 هـ/ يوليو 1070 م، دُعى من فوق منبر مسجد حلب الكبير للخليفة العباسى، الأمر الذى أعلن تحول تبعية حلب إلى المذهب السُنى. وفى نفس العام دُعى أيضًا للخليفة العباسى من فوق منابر مكة والمدينة.
وفى ربيع 463 هـ/ 1071 م، عسكر السلطان السلجوقى ألب أرسلان بجزء من جيشه على تل، عُرف منذ ذلك الوقت باسم "تل السلطان". وذهب