الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ص 135) الثانى فى قائمة أئمة المسجد الأقصى بعد الفتح. وقضى المعافرى بقية حياته فى بيت المقدس، حيث صار معروفًا بأنه الحاج المالكى. وحقق الشهرة هناك كعالم ومدرس، وبلغ شأوًا كبيرًا فى الثراء والنفوذ، لكنه بقى ورعا ينفق المال فى أعمال البر والإحسان. ومن المؤكد أنه أوجد فى سكان مدينته المتبناة انطباعًا قويًا، لأنه حين وافته المنيه، شيع جنازته خلق كثيرون. ويحكى ابن عبد الملك المراكشى (الذيل والتكملة، بيروت سنة 1965، جـ 5/ 1، ص 316) أنه لم يتخلف عن تشييع جنازته كل من له حيثية حتى النصارى الذى كانوا فى الكنيسة هناك انضموا إلى الموكب: وألقوا بعض ثيابهم فوق نعشه، وظلوا يتناقلونها، ويمسحون وجوههم بها التماسًا لبركاته ونفحاته.
المصادر:
(1)
ابن الأبَّار: التكملة، مدريد سنة 1886، جـ 2، ص 675.
(2)
ابن الزبير: صلة الصلة، الرباط سنة 1937، ص 104.
(3)
الذهبى: العبر فى خبر من غبر، الكويت سنة 1960 - 6، جـ 5، ص 13.
(4)
ابن تغرى بردى: النجوم الزاهرة، القاهرة سنة 1929 - 72، جـ 6، ص 197.
(5)
ابن العماد: شذرات الذهب، القاهرة سنة 1350 - 1 هـ، جـ 5، ص 17.
حسن شكرى [عايدة طيبى Aida Tibi]
معاوية بن أبى سفيان
مؤسس الدولة الأموية، حكم الشام كخليفة للمسلمين من سنة 41 هـ/ 661 م حتى سنة 60 هـ/ 680 م. وأبوه هو أبو سفيان (صخر) بن حرب بن أمية (الأكبر) بن عبد شمس، وأمه هند بنت عتبة بن ربيعة وقد يُعرَّف معاوية بها فيقال له: ابن هند وابن آكلة الأكباد وهى التى بقرت بطن حمزة عم النبى [صلى الله عليه وسلم] فى معركة
أحد ولاكت كبده انتقامًا. ولقد كان أبو سفيان شخصية بارزة فى مكة قبل الإسلام، ولما كان زعيمًا لبنى عبد شمس، فقد قاد المكيين فى غزوة أحد سنة 3 هـ/ 625 م، ونظم الأحزاب التى فشلت فى حصار المدينة فى غزوة الخندق سنة 5 هـ/ 627 م. على أنه تجنب، بعد ذلك، زعامة المعارضة القرشية للنبى [صلى الله عليه وسلم]. وفى سنة 7 هـ/ 629 م تزوجت ابنته ام حبيبة (أخت معاوية، وكانت أرملة) من النبى [صلى الله عليه وسلم]. وفى سنة 8 هـ/ 630 م ذهب أبو سفيان إلى المدينة للتفاوض مع النبى [صلى الله عليه وسلم] فلم تسفر المفاوضات عن نجاح؛ وعندما فتح محمد مكة فى نفس العام دخل أبو سفيان فى الإسلام. وينقل ابن حجر عن الواقدى قوله إن معاوية أسلم آنذاك، لكنه يُقر بأنه أسلم سرًا زمن صلح الحديبية أواخر سنة 6 هـ/ 628 م. ويُعد معاوية وأبوه من "الطلقاء" و"العتقاء" والذين استسلموا له إما بعد صلح الحديبية أو بعد فتح مكة. ولقد كانا أيضًا ضمن "المؤلفة قلوبهم"، مثلما كان حال يزيد بن أبى سفيان. ولقد صار معاوية أحد كتبة الوحى للنبى [صلى الله عليه وسلم]-لكونه ضمن سبعة عشر قرشى كانوا يعرفون القراءة والكتابة آنذاك.
وفى سنة 13 هـ/ 634 م أرسل الخليفة أبو بكر معاوية إلى الشام حيث تولى قيادة طلائع الجيش العربى الذى كانت قيادته العامة لأخيه يزيد، فى عمليات حربية شتى ضد البيزنطيين. وكان معاوية -وفقًا لما أورده سيف بن عمر- مشاركا فى الجيش العربى الذى فتح بيت المقدس سنة 16 هـ/ 637 م. وقد تقلد معاوية بأمر الخليفة عمر مناصب أخيه بعد وفاته فى طاعون عمواس سنة 18 هـ/ 639 م. وفى العام التالى قاد معاوية الجيش العربى الذى فتح قيسارية. ولقد تم (اجتماع) الشام لمعاوية لسنتين من إمارة عثمان، أى فى بداية سنة 26 هـ/ 647 م، مع أن الواقدى يذكر أن ذلك قد تم سنة 31 هـ/ 651 م.
وبينما تزايد السخط على عثمان وعلى ولاته فى العراق ومصر والمدينة أوائل الثلاثينيات/ 650 م، ظل حكم
معاوية فى الشام والجزيرة آمنًا هادئًا، ولم يكن يقلقه سوى مجئ "أبو ذر" إلى الشام، لكنه سرعان ما تبدد تخوفه منه حين استجاب الخليفه لطلبه واستدعاه من الشام إلى المدينة ليقيم فيها. ولقد كان على معاوية حماية جبهته وتحصينها أمام عدوان البيزنطيين، فأقام لذلك حاميات وحصونا قوية على طول الساحل السورى، كما بنى أسطولًا قويًا فى البحر المتوسط ولقد كان قيام حكومته القوية فى الشام واستمرار وجوده بها مؤديًا إلى الاستقرار، واستبعد قيام أعمال شغب فيها كتلك التى وقعت فى الكوفة، بسبب اعتماد معاوية على قواته السورية هناك. وحين حوصر الخليفة فى المدينة من قبل ثوار الأمصار سنة 35 هـ/ 656 م لم يكن بين هؤلاء الثوار أحد من رجال الشام. وكان معاوية من بين الولاة الذين استعان بهم الخليفة عثمان وقد جهز بالفعل قواته لذلك، لكن هذه القوات ارتدت عائدة إلى وادى القرى بعد أن وقع العدوان على ذى النورين.
ولقد أمضى معاوية جلَّ وقته فى الشام فى الوقت الذى كان الصراع فيه بين على وخصومه المكيين فى معركة الجمل فى البصرة سنة 36 هـ/ أواخر سنة 656 م. ولمَّا قام علىّ بعزل ولاة عثمان مما بيدهم من الولايات بما فيهم معاوية، لم يستسلم معاوية لرغبة على. ولقد وجد مبعوث على إلى معاوية بالشام معارضة من أهلها لحكم على مع اعتباره مسئولًا عن مقتل عثمان. ولقد عاد هذا المبعوث يحمل لعلى معلومات مفادها أن أهل الشام سوف يقاتلونه ويقاتلون من يلتجئ إلى صفوفه من قتلة عثمان على الأرض التى قتل عليها. وقد تلت ذلك المجابهة فى صفين، آواخر سنة 36 وأوائل سنة 37 هـ/ 657 م.
أما عن تفاصيل المعركة ذاتها فينبغى أن نشير هنا إلى أن أهل الشام لجأوا إلى حيلة "التحكيم"، برفع المصاحف على أسنة الرماح ونادوا بوقف القتال. ولقد لخص خليفة بن خياط نتيجة التحكيم بصفين فى جملة واحدة وهى أن "المحكمين لم يتفقوا على شئ".
وفى ذى القعدة 37 هـ/ مايو 658 م، "سلَّم عمرو والشاميون على معاوية بالخلافة".
على أن معاوية لم يعترف به اعترافًا عامًا كخليفة قبل مرور أربع سنين وقد نجحت قوات معاوية فى ضم مصر فى صفر 38 هـ/ يوليو 658 م، وصار عمرو بن العاص واليا عليها بعد ذلك بشهرين وكان هذا ضربة لهيبة لعلى الذى كان مشغولًا حينذاك بأمر الخوارج فى العراق. وبعد أن انتهى على من أمر الخوارج أعد قواته لمعاودة قتال جيش الشام، إلا أن اغتياله فى 17 رمضان سنة 40 هـ/ يناير 661 م فى الكوفة على يد الخارجى عبد الرحمن ابن ملجم بسيف مسموم، قد أوقف كل خططه، ولقد توفى على بعد ذلك بعدة أيام، وتولى الحسن ابنه الحكم لفترة قصيرة. وتحرك معاوية بجيشه إلى العراق، لكن الحسن حسم الأمر بتنازله عن كل حق له فى الخلافة. ودخل معاوية الكوفة فى ربيع الأول أو جمادى الأولى سنة 41 هـ/ يوليو أو سبتمبر 661 م، وقد عُرف هذا العام بعام الجماعة، وهو العام الذى بدأت فيه خلافة معاوية.
ومنذ ذلك الحين فصاعدًا، كان أمام معاوية الكثير ليؤديه من أجل توطيد حكم بنى سفيان. ولقد جعل أمر البيزنطيين فى سياسته الخارجية يسبق كل شئ، وكان معاوية، منذ إمارته على الشام قد شلّ نشاط البحرية البيزنطية، فقد استولى على رودس وصقلية وهاجم قبرص، وفى سنة 34 هـ/ 655 م هزم أسطوله المكون من مائتى سفينة أسطول قنسطانز الثانى المكون ما بين 700 - 1000 سفينة فى معركة "ذات الصوارى" كما قام معاوية، أثناء خلافته، بإعادة ضم رودس وكريت واستغرق ذلك ما بين سنة 52 هـ - 54 هـ (= 672/ 674 م). كذلك حاصرت قواته القسطنطينية لكن حال دون سقوطها فى يده ما كانت عليه المدينة من الحصانة إلى جانب استبسال قواتها فى الدفاع عنها فضلًا عن استخدام النار الإغريقية.
ولقد قام معاوية بفرض سيطرة دمشق على إقليم الجزيرة، الذى كان
لبدو بنى سليم ولعناصر قيسية أخرى نفوذ كبير فيه لعقود كثيرة. لذلك قام معاوية بتوطين قبائل مضر وربيعة فى أراضى ذلك الإقليم غير المسكونة وسمح لهم بزراعة هذه الأراضى. ولقد تعقد الوضع فى هذا الإقليم بتدفق أعداد كبيرة من المعادين لعلى من الكوفيين والبصريين عليه خلال الحرب بين على ومعاوية الذى قام بفصل قنسرين الجزيرة عن حمص وجعلها "جندًا" مستقلًا قائمًا بذاته.
أما بالنسبة للعراق، فقد سكنت أعداد قليلة من بنى بكر وتميم، التى كانت ضمن قوات الفتح، فى الكوفة والبصرة، وعاد الباقى منهم إلى الجزيرة العربية أو توغلوا فى داخل العراق وفى أقاليم خوزستان وفارس وكرمان وسجستان. ولقد قام زياد بن أبى سفيان بترحيل 50.000 رجل منهم وعوائلهم إلى خراسان سنة 51 هـ/ 671 م فاستقروا فى قرى مرو، وكانوا أداة ساعدت على توسع الفتح العربى فى خراسان.
ولقد اختار معاوية ولاة الأقاليم من رجالات البيت الأموى، أو من المقربين إلى بيت الخلافة. فكان ولاة مكة والمدينة من الأمويين ومن بنى مخزوم، وكان عمرو بن العاص واليًا على مصر، ثم خلفه فى ولايتها مسلمة بن مخلد، وهو واحد من كبار رجال الأنصار الذين أيدوا معاوية كما تولى زياد العراق وكان معاوية قد استلحقه بأبيه أبى سفيان فصار أخًا له. وقد ساعد عامل الولاء والقرابة فى "ضمان صمود الدولة فى مواجهة القبائل".
وقد كان للولاة الأمويين سلطة سياسية وعسكرية كاملة داخل ولاياتهم الكبيرة: فللأمير أو العامل تنظيم جيش ولايته وتولى قيادته، وله الإمامة فى الصلاة وتعمير المساجد ومهام القضاء. كذلك كان موكولًا إليه استتباب النظام وضبط الأمن والإشراف على جمع خراج الولاية وإرسال الفائض منه إلى دمشق. وكان للوالى راتب ثابت فضلًا عن بعض المنح والهدايا والأعطيات.
ولقد نسب لمعاوية إنشاء ديوان الرسائل وديوان الخاتم وديوان البريد. كما تلقب بلقب خليفة اللَّه مثلما فعل الراشدون من قبله، وقد اتصف معاوية بالحلم الزائد وضبط النفس الشديد فى مواجهة رعيته، وهنالك قول مأثور عنه وهو "لو أن هنالك شعرة بينى وبين الناس ما قطعتها أبدًا فإنهم إذا شدوها أرخيتها وإن هم أرخوها جذبتها".
ولقد كان حكم معاوية لبلاد الشام حكما قويًا، مستندًا إلى قواته التى كانت غالبيتها من حلف قضاعة التى كان ولاؤها لقبيلة "كلب". ولقد نزح الكلبيون إلى بلاد الشام أيام الجاهلية، وكانوا فى خدمة الغساسنة، الذين كانوا يشكلون إمارة حاجزة على حدود سوريا، وكانت موالية للبيزنطيين ومعادية لإمارة اللخميين الموالين للفرس الساسانيين وقد كانوا على حدود العراق. وقد اعتنق الكلبيون المسيحية على المذهب اليعقوبى المونوفيستى، ووقفوا على الحياد حين وقع الغزو العربى على سوريا. على أنهم دخلوا بعد ذلك الإسلام واندمجوا داخل البيئة العربية أثناء ولاية معاوية على الشام. وقد صاهر معاوية الكلبيين بزواجه من ميسون بنت بهدل الكلبية، ابنه بهدل بن عُنيف من عشيرة الحارثة بن جندب، التى كانت بيتًا من بيوت الكلبيين. ولقد انجبت ميسون لمعاوية ولدهما يزيد واستطاع معاوية أن يدعم حكومته بالشام بتحالفه مع الكلبيين وقبائل قضاعة التى استقرت فى وسط وجنوب سوريا، وقبائل كندة اليمنية.
وفى أواخر أيام حياته أخذ معاوية البيعة بالخلافة لابنه ووريثه يزيد، الذى كان آنذاك فى سن الشباب، وكان سديد الرأى، وفوق ذلك كله أنه كان يمثل استمرار التحالف بين الكلبيين وآل سفيان. ولقد قاوم العلويون الهاشميون هذه البيعة، وتزعم المقاومة داخل الحجاز كل من عبد اللَّه بن الزبير والحسين بن على. ولقد ازدادت مقاومة العلويين ليزيد بعد أن تولى الحكم سنة 60 هـ/ 680 م، وبموت يزيد المبكر سنة 64 هـ/ 683 م اندلعت الحرب الأهلية فى البلاد من جديد.
وبتولى معاوية الحكم وتوريثه لابنه من بعده، وانتقال الخلافة من الحجاز