الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كان بالكوفة حينذاك حيث أعلن ولاءه للسفاح، ومن ثم فقد ظل مختفيا حتى كانت ثورة "الراوندية" فى الهاشمية (العاصمة التى تأسست جديدًا) حيث استطاع انقاذ الخليفة من الثوار ومن ثم كان عفوه عنه، ولقد أدرك المنصور قيمة معن بن زاندة كرجل له أتباع كثيرون من قبيلته حتى لقد ولّاه اليمن سنة 142 هـ (= 759 م) وقد استطاع أن يعيد السكينة والهدوء إلى البلاد ولكنه استعمل الشدة فى سبيل تحقيق ذلك، حتى إذا كان عام 151 هـ (= 768 م) استدعته بغداد وأرسلته إلى "سيستان" فى مهمة أخرى صعبة، وهنا كان اصطدامه بالخوارج المحليين الذين أنزل بهم الهزيمة فى ميدان القتال ولكنهم نجحوا فى قتله فى مشتاه فى مدينة "بَسْت" إذ تنكروا فى زىّ فعلة وعمال وذلك سنة 152 (= 769 - 770 م).
ولقد خلّف معن وراءه ما لا يقل عن أربعة أبناء، إلا أن وظيفته فى البلاط العباسى ظلت باقية فورثها ابن أخيه يزيد بن مزيد الشيبانى الذى تابع هو الآخر قتاله ضد الخوارج.
وقد ذاع صيت معن فى الأدب العربى والأخبار بأنه كان مقاتلًا فظا شديد المراس، وإن اشتهر أيضًا بكرمه البالغ وشدة رعايته للشعراء لاسيما مروان بن أبى حفصة الذين رثاه بمرثية بليغة مشهورة.
المصادر:
(1)
بالإضافة إلى ما ورد لدى: ابن الكلبى: الجمهرة.
(2)
البلاذرى: فتوح البلدان، تحقيق M.J.de Goeje ليدن 1866 م.
(3)
المسعودى: مروج الذهب، باريس 1861 - 1877 م.
(4)
ابن خلكان: وفيات الأعيان، تحقيق F. Wustenfeld جوتنجن 1835 - 1850 م.
بدرية الدخاخنى [هـ كيندى H. Kennedy]
المعنيون
معن (بنو معن) قبيلة عربية من زعماء إقليم الشوف الدرزى الواقع فى الأجزاء الجنوبية من جبل لبنان، وقد كان لهم شهرة سياسية ذائعة
الصيت فى بلاد الشام خلال القرنين العاشر والحادى عشر للهجرة (السادس عشر والسابع عشر الميلاديين).
وليس من الواضح أصل بيت معن، وليس لما يذكره المؤرخون اللبنانيون أساس يمكن الاعتماد عليه ولعل أول معنى لا يرقى الشك إلى وجوده التاريخى هو فخر الدين عثمان بن الحاج يونس المتوفى سنة 912 هـ (1511 م)، ولقد أصبح قُرّقماز بن يونس بن معن (الذى قد يكون ابن يونس) مقدمًا فى الشوف سنة 922 هـ (= 1516 م) وذلك حين فتح العثمانيون بلاد الشام ومصر، كذلك اشتهر فى هذه الحقبة اثنان على الأقل من آل معين أحدهما هو علم الدين سليمان والآخر زين الدين (المعروف بلقبه من غير اسمه) وكان هذان الرجلان من كبار وجوه الشوف أو ذاك وبينما كان "المعنيون" فى القرن العاشر والحادى عشر يقصد بهم قرقماز وذريته فإننا نرى أن آل "علم الدين" منافس بيت قرقماز حينذاك كانوا من ذرية المعين من أولاد علم الدين سليمان ولسنا نعرف الكثير عن سيرة "قرقماز بن معن" إلا ما هو جار على الألسن من أنه كان يقيم فى قرية "الباروك" سنة 934 هـ (= 1528 م) وانغمر انغمارًا كليًا فى المنازعات السياسية للفرق المتنافرة بالجبل، وثمَّ قرقماز آخر (ربما كان حفيد الأكبر) مات سنة 993 هـ (= 1585 م) وقت أن كانت القوات العثمانية تهاجم المناطق الدرزية، وقد خلف قرقماز هذا ولدين هما فخر الدين ويونس أما أولهما سنة (1044 هـ/ 1635 م)، والاعتقاد السائد أنه كان أكبر الأخوين وقد أصاب نجاحًا سياسيًا جعله شخصية بارزة فى أحداث الشام السياسية خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن السابع عشر.
ولقد تدرج فخر الدين فى سلم الوظائف فبدأ من أصغرها كمقدم وملتزم عثمانى فى الشوف حتى بلغ فى سنة 1011 هـ (= 1602 -
1603 م) وظيفة سنجق باى صيداء وبيروت وصفد تحت رياسة "بيلربيه" دمشق وكان قد تملك بيروت مع الأجزاء الجنوبية من إقليم كِسْروان ثم شمالا حتى نهر الكلب وذلك سنة 1006 هـ (= 1958 م)، فلما كانت سنة 1014 هـ عم نفوذه كل كسروان، ومن هنا شارك فى تمرد على جانبولاد باشا المنتصب لحلب وذلك حين قدم لمساعدته بيلر باياى طرابلس ودمشق، ولقد أدى هذا العمل من جانبه إلى إثارة الشكوك فيه من جانب الباب العالى لأول مرة.
ولما أصبح فخر الدين صاحب الأمر والنهى فى هذا السنجق فقد جعل صيداء محل إقامته وجند جيشًا من المرتزقة اللافنديين والعثمانيين الذين وكل إليهم حراسة الحصون الصليبية القديمة الموجودة فى إقليمه وأعاد ترميمها لاستعمالها فى أغراضه الحربية، وحدث فى سنة 1608 م (= 1017 هـ) أن توصل إلى عقد اتفاق مع مديتشى صاحب تسكانيا الذى كانت له أطماع فى الشام فى ذلك الوقت مما زاد فى تزايد الشكوك العثمانية ضدَّه حتى أن العثمانيين هاجموه سنة 1022 هـ (= 1613 م) فلم يجد فخر الدين بدا من الفرار ففر إلى تسكانيا لكن أذن له بعد ذلك بالعودة إلى وطنه فعاد سنة 1027 هـ (= 1618 م) ليشغل وظيفته السابقة "سنجق باى صيداء وبيروت وصفد" واستطاع فى خلال السنوات التالية أن يقضى على جميع كبار خصومه فى كل ناحية، وكان ذلك أولًا بعون عثمانى ورضا من العثمانيين، حتى دانت لإشرافه معظم نواحى الريف فى الشام على أن العثمانيين مالبثوا أن خافوا تزايد بأسه فجهزوا حملة ضده سنة 1042 هـ (= 1633 م)، وسرعان ما انهارت قوته أمام الهجوم العثمانى عليه، وقتل ولده البكر على فى ساحة القتال ووقع بقية أولاده فى قبضة العثمانيين فساقوهم أسرى إلى استانبول وكان ذلك سنة 1045 هـ (= 1653 م)، بل إنه هو
ذاته مات مخنوقَا فى تلك السنة مع ولده منصور، أما أصغر أولاده وهو حسين معن زاده فقد عاش بعده ليصير حاجب السلطان والسفير العثمانى له بالهند، وحسين هذا هو المصدر الذى أمد المؤرخ العثمانى "ناعيما" بما أودعه فى تاريخه، كما أنه ألف كتابا فى الأدب سماه "كتاب التمييز".
أما فى الداخل فقد خلف فخر الدين أحد أبناء أخوته واسمه مُلحم الذى كانت مطالبه السياسية فى الشوف (أراضى صيدا الزراعية) وغيرها من أقاليم الدروز (الغرب وجُدْد ومتن فى ريف بيروت) قد وجدت منافسًا فى آل علم الدين الذين يرجح أنهم كانوا من ذرية علم الدين سليمان بن معن، وكثيرا ما استولى ملحم هذا على سنجق صفد أو سنجق البطرون الذى كان فى "ايالة" طرابلس، فلما مات سنة 1068 هـ (= 1658 م) خلفه ولد له اسمه "أحمد" الذى نجح فى إخراج آل علم الدين من مناطق الدوز وكسروان سنة 1078 هـ (= 1667 م) وأقام نفسه مكانهم باعتباره ملتزم الناحية بالإضافة إلى بيلر بيه صيداء (التى صارت أياله منذ سنة 1070 هـ (= 1660 م)، وظل فى هذه الوظيفة ثلاثين عامًا مستمرة من 1078 هـ حتى 1108 هـ = (1667 - 1697 م) وأصبح لأحمد معن فى الواقع الفضل فيما صارت الناحية به من الاستقلال الذاتى الذى استمر حتى القرن التاسع عشر ولقد انقطع بموت أحمد معن نسله من المذكور وانتقل الالتزام إلى ابن أخته بشير شهاب (1109 - 1118 هـ = 1697 - 1706 م) ثم إلى حفيده الكبير (ابن اخته) حيدر شهاب، وهم من زعماء المسلمين السنة من وادى التيم فيما وراء لبنان، على أن آل علم الدين رفضوا تولى شهاب هذا واستعملوا فى ذلك التآمر تارة والهجوم العسكرى تارة أخرى حتى دارت عليهم الدائرة فى ميدان الحرب وقتلوا عن آخرهم سنة 1123 هـ (= 1711 م).
لقد أصبح بنو معن فى جمهورية لبنان الحديثة اسطورة وطنية كما أصبح موقفهم كملاك لإقليمهم الجبلى فى الجنوب اللبنانى كملتزمين للدولة العثمانية، ركنا لإقامة دولة لبنان الحديثة، وأصبح الناس ينظرون إلى فخر الدين على وجه الخصوص كبطل قومى لبنانى على الرغم من أن لبنان كانت فى عهده لا تعدو أن تكون تعبيرًا جغرافيًا ولقد كانت انجازات بنى معن الفعلية ذات طابع خاص يختلف عن كل طابع آخر ذلك أن سيطرة فخر الدين وخلفائه المعنيين إقليم كسروان الذى كان من قبل فى قبضة المارون إلى جانب سيطرتهم على الأقاليم الدرزية فى الشوف وغرب ومتن (وهى السيطرة التى جاءت عن طريق الصدفة وليست عن طريق أفول هذه السيطرة) وضعت أساس التعايش السياسى بين المارونيين والدروز فى سنجق بيروت صيداء (الذى أصبح بعد سنة 1660 م شطرا من ابالة صيداء)، هذا التعايش الذى أصبح دوره هو الاستقلال الذاتى الذى صار هذا منه يتمتع به فى الأزمنة العثمانية التالية.
لقد أدى تشجيع المعنيين لإنتاج الحرير وحماية التجار الأجانب لأن يتمتع بلدهم برخاء نسبى لم تفرق الأجزاء الريفية الأخرى من بلاد الشام فى العهد العثمانى راجع عن ذلك كله مخطوطة تراجم الأعيان من أبناء الزمان (فى. .) لحسن البيرونى، وتاريخ الأزمنة لاسطفان الدويهى ولطف السمر وقطف الثمر من تراجم الطبقة الأولى من القرن الحادى عشر لنجم الدين محمد الغزى، وتاريخ حمزة بن سبا، مخطوط بمكتبة الجامعة الأمريكية ببيروت، وكتاب سل الصارم على أتباع الحاكم بأمر اللَّه (بالتيمورية رقم 79) لشمس الدين محمد بن طولان وتاريخ الأمير فخر الدين المعنى لأحمد الخالدى (نشره أسد رستم والبستانى 1936 م) وخلاصة الأثر فى أعيان القرن الحادى عشر، وجامع الدول لمنجم باشى (مخطوط بتوب كابى سراى) وروضة الحسين