الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا أن الرست سيظل كلاسيكيا وأكاديميا، أما البياتى فله روح ريفية وميول جماعية مما يجعله مناسبا تماما للأغانى الشعبية، ويعبر السيكا عن عواطف سامية ويميل إليه الصوفيون، ويرتبط الصبا بنسيم الفجر المنعش، ويعبر عن الضنى عند نهاية الليل مع ميول واضحة نحو الحزن والاكتئاب. ومن ناحية أخرى يبدو غريبا تماما لفكرة الاستيقاظ وهو ليس مقام استيقاظ. ومقام الحجاز لديه القدرة على إيقاظ الشجن دون اكتئاب وهو يثير الأذن الغربية ويلفت النظر. وإلى حد ما، فإن الأدعية تكفل نوعا من روح المقامات، حيث تغير المقامات مع كل دعاء.
التسمية والمقارنات
.
من الصعب تحديد أعداد المقامات الحقيقية والزائفة فى غياب فكرة وتصور مسبق، وكذا لتعدد التقاليد الموسيقية التى تشيع فى قلب العالم العربى - الإيرانى - التركى المسلم.
وفى العصر الساسانى، قام منظر موسيقى فارسى، برباد Barbadh بتطوير نظام موسيقى صوفى له علاقة بنشأة الكون Cosmogonoys وصف فيه سبع خسروانيات khusraeanis (مقامات)، ثلاثين لان Lahns (أجناس) و 360 داستجاه dastgahs (تحويرات). ولم يختف هذا النوع من التسمية الاصطلاحية كأساس للأرقام التنبؤية Fatidical، وما زال بعض الموسيقولوجيين المعاصرين يحفظون سبع نوتات وأربعين مسافة للأوكتاف بحيث يصلوا إلى 360 مقاما. وفى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى، وصف صفى الدين الأرموى اثنى عشر شدودا shudud، وستة أوزان awazat، ومركب murakkab واحد ومقامين غير محددين.
وبصرف النظر عن الدراسات المستفيضة للعصور الوسطى والتى رست السلالم، والمسافات، والأجناس والمقامات على العود، والتى وضعت تسميات اصطلاحية لتصنيفات المقامات المستخدمة، فلابد لنا من أن نأخذ فى حسابنا دور الرعاية التى كان يؤديها الحكام للفن والفنانين (وهم بدورهم
من ذوى الموهبة السليمة والأصالة) مما شجعهم على إبداع مقامات جديدة يقدمونها لأميرهم وسط حشد من الخبراء والمتذوقين. كما أنه خلال ثلاثة عشرة قرنا، تم وصف مئات المقامات. ورغم ذلك فالممارسة الحالية فى وقتنا الحاضر محدودة بعدة عشرات من المقامات البسيطة والمركبة ومئة مقام منقول.
ويصف إيرلا نجيه Erlanger 119 مقاما شرقيا و 29 تونسيا تنتمى إلى التقاليد الأسبانية - العربية. ويصف س المهدى S. Al-Mahdis 40 مقاما. ويلاحظ الكسيس شوتان Alexis Chottin وجود 24 نوبة Nawbat من شمال إفريقيا، تناظر المقامات الأربعة والعشرين.
ويصف حسين سعد الدين أريل Arel مائة مقام تركى. وتصف نيللى كارون Nelly Caron وداريوس سافات Dariouche Safvate اثنى عشر مقاما إيرانيا، منهم 7 داستجاه dastgah وخمسة أواز awaz.
ويلاحظ يورجن إيلسنر Jurgen Elsner وجود نظام من ستة مقامات Mokomat فى آسيا الوسطى، عادة ما تميزها صيغ خاصة. ويحصر حبيب حسن توما Touma المقام الأذربيجانى فى أكثر من 70 مقاما mugam. وتوجد بلا شك بين تلك الإنشاءات أوجه تماثل وتباين عديدة.
وتشرح لنا القوانين الجمالية والطبيعية للموسيقى، مع قوانين الكون، والطابع المحدود للسلم النظرى للأصوات، بكل ما حدث طوال التاريخ من تشويش وتدخلات، كيف حدث التماثل بين العديد من المقامات العربية الإيرانية التركية أو مقامات آسيا الوسطى وبين المقامات الهندية (الراجا Raga)، والمقامات اليونانية أو المقامات التى استمرت فى الكنائس الشرقية أو بين الأقليات.
وفى مجال التشابه مع الهند، يمكننا أن نتعرف على هوية الإنشاء بين المقام الهندى بايرواى Bairavi والكردى kurdi كما أنه بالنسبة للتراث اليونانى، لابد من ملاحظة أن الموسيقيين الكلاسيكيين عند نهاية القرن الثانى الهجرى/ الثامن
الميلادى مثل إسحق الموصلى Ishak-al-Mawsili قد استخدموا السلم الفيثاغورثى الهيلينى على وجه الحصر. أما إعادة اصلاح وتأهيل الإنشاءات القومية فى الموسيقى الأكاديمية فيبدو أن منصور زلزل Mansur Zalzal هو الذى قام بذلك مستخدما درجات العفق المتعادلة. ومنذ ذلك التاريخ، تعايشت الإنشاءات اليونانية مع المحلية جنبا إلى جنب. ولا يخطئ بعض علماء الموسيقى المسلمين عندما يؤكدون على التناظر بين الأجناس الإسلامية واليونانية: الأيونى Ionian. البولى Aeblian. الدوريانى Dorian، والفريجى Phrygian. ورغم ذلك تعانى تلك الطريقة من كثرة التصنيفات للأجناس اليونانية. وهكذا يجدر بنا ملاحظة وجود مقامات كبيرة وصغيرة وأوجه تشابه مع المقامات الديوانية للكنيسة اليونانية:
الرست - دياتونى طبيعى، البياتى - صغير كروماتى، والحجاز كار - كير كروماتى.
وتظهر أوجه التشابه مع المقامات اليونانية بالمثل نتيجة لتأثير أوروبى مساو للقرن 19، وهو تأثير سبب إعادة هلينية hellenisation، تحمل تناقضا ما. بعد سقوط الدولة العباسية -والتى ميزت ازدهار المزج والتوفيق بين العناصر الموسيقية العربية - الإيرانية - التورانية (التركستانية)، تراجعت الصيغ الأكاديمية الموسيقية بين العرب والإيرانيين لتكتشف تألقا جديدا فى البلاط العثمانى. إلا أنه بداية من القرن التاسع عشر، بدأ الذوق السلطانى يتحول إلى أوروبا ومعه بالطبع الذوق العام فى استانبول وقد عاد النهاوند (المينور) للانتشار ثانية)، وظهرت مقامات ذات ميول تعديلية tempered للمناسبات الضخمة كالنوى أثر (نفيسر Neveser)، سلطانى يجاه (صغير هارمونى harmonic minor)، حجاز كاركوردى (كورديلى - حجاز كار kurdili-Hidjaz-kar)، فرح فازا Fa-
rahfaza، وفرح نوما Faeahnuma. وإنها تلك المقامات مع مقامات أخرى ظلت متألقة فى البلاط العثمانى، هى التى استقدمها إلى مصر عبده الحامولى كى يجدد نشاط الموسيقى المصرية، والتى كانت فى ذلك الوقت فى حالة يرثى لها، تحف بها أخطار التدهور إذا ما صدقنا وصف فيللوتو Villoteau لها.
وتتشابه المقامات الإسلامية مع مقامات الكنائس الشرقية إلى حد مدهش رغم ما فى الصيغة والأسلوب من تباعد. وقد يعزى ذلك للميراث القديم المشترك لكل من التقاليد الإسلامية والمسيحية، وكثمرة لتعايش مشترك لفترة تربو عن العشر قرون. ومن الممكن طرح نفس السؤال بالنسبة للغناء الكوماوى Commatic chant للكنائس التى كان العثمانيون يشرفون على إدراتها، وعن طريقها استوعبوا التراث الفنى البيزنطى، والنظام الكوماوى. وتكشف لنا مشكلة المقامات الموسيقية التى استمرت مع الأقليات نفس التشابه المنطوى على لبس. بالنسبة للكورد مثلا فمن المعروف تماما فى تركيا، العراق وإيران أن المغنين الأكراد والعازفين يؤدون مقامات الحسينى أو الدشت فى نوع من السرعة حسب صيغهم وأساليبهم الخاصة. وقد تعزى الصيغة والأسلوب إلى البيئة الجبلية بالإضافة إلى المعايير العرقية Ethnic الدقيقة. إلا أنه إذا كان الأمر هو مجرد مصالحة وتوفيق بين المواطنة citizenship أو جنس ما، وبين المقامات، فمن الجدير بالذكر أن نفس مقامات الحسينى أو الدشت قد استمرت بنفس الإنشاءات والصيغ الكلاسيكية أو الأساليب فى اسطنبول وبغداد، أو طهران.
وبعض المقامات من ذات الإنشاءات الممكن العثور عليها فى العالم العربى - الإيرانى - التركى، قد ظهرت فى صيغة، وطراز واسم يجعلها مميزة فى
المنطقة. إلا أنها لا ترتبط بدقة مع أمة بذاتها. وأيضا، سنجد أن مقامات شور shur وداشتى Dashti (إنشاء بياتى) أو أفشرى Afshari (إنشاء سيكاه) فى إيران، قد استمرت كما هى فى أذربيجان، متناظرة على التوالى - إذا ما أخذنا الإنشاء فى اعتبارنا - مع مقامات الشورى Shuri، داشت Dasht، وأوشر Awshar فى العراق، وقد تكون قد استقت من ميراث مشترك فى تلك الدول الثلاث.
وقد يقدم المقام الكلاسيكى فى صور مختلفة حسب المكان، كما نجد أن مقام السيكا الذى يلفت النظر بنهايته عند درجة عفق متعادلة، يختلف فى أدائه حسب مختلف النماذج: ففى البلاد العربية عند الدرجة الثالثة، على جنس تتراكورد رست/ بوساليك محور، وفى إيران على مقابل جنس البياتى، أو عند الدرجة الخامسة، على تتراكورد حجاز فى تركيا. وهناك مقام آخر يسمى نوه/ داستاجاه - أى نوى/ نيفا مقامى Nawa/ daslgah-i-Nawa/ Neva makami يستمر على النحو التالى:
- تيتراكورد بياتى (يتغير بصعوبة) مدخل على درجة عفق دوكاه (الوتر الثالث على العود).
- بنتاكورد متغير محور مدخل على درجة عفق نوى (الوتر الرابع الحر فى العود) والذى قد يكون أيضًا على النحو التالى:
(أ) بنتاكورد رست فى تركيا (الدرجة الخامسة وتتحرك بصعوبة)، أو:
(ب) بنتاكور رست، بوساليك، بياتى أو حجاز فى إيران (الدرجة الخامسة والسادسة المتحركة).
وقد تتيح دراسة مقارنة للمقامات العربية والإيرانية والتركية، بتجريد القوميات، والانفصالية أو الادعاء (بالأبوية) إكتشاف عدد كبير من الإنشاءات المتشعبة تحت اسم مشترك أو إنشاءات مشتركة تتخذ أسماء مختلفة. ورغم ذلك فاللبس الذى يحيط بالمصطلحات سيتدخل بصورة ما.
فالمقام المسمى جساهاركاه بين العرب والأتراك ماجور major، بينما الجاهركاه الإيرانى يناظر حجاز كار عربى - تركى. والماجور يسمى ماهور Mahur أو رست - بانجاه rast-Pandjgah فى إيران، بينما لا نجده ماجور major عند العرب. والمقامات المسماة باتجاه وشورى فى العراق قد تسمى سوزناك وكارجيغار Kardjighar فى تركيا وسوريا.
وقد أثبتت الجهود التى لم تؤت بثمارها فى مؤتمر الموسيقى العربية الذى عقد بالقاهرة عام 1932 أنه قد سبق السيف العذل لوضع تسميات اصطلاحية nomenclature مستتبة، أو أنه من الوهم تثبيت ارتفاع الدرجات المتعادلة. وهى عالية جدا فى استطنبول ومنخفضة جدا فى القاهرة. وأخيرا أتاح المؤتمران الموسيقيان اللذان عقدا فى بغداد عامى 1975، 1978 م الفرصة لنا لتأكيد استحالة الموافقة على اصطلاح مقام makam فى معناه الموسيقى.
وعلاوة على ذلك فكل هاو للموسيقى وكل موسيقولوجى سيستمر فى استلهام المقام بدلالة حساسيته الشخصية أو مدى استيعابه للإنشاء Formation: صيغ ميلودية شائعة، تجميع للهوية الثقافية، التعبير عن موسيقى عرقية ethnic، النظام المقامى، الهيبتاتون على السلم الموسيقى، البروتوكول المقامى، صيغة الارتجال، الآثار الجمالية الباقية من العصور الذهبية، عقبات النمو والتطوير فى اتجاه الهرمنة harmonisation، والتواصل مع روح الأمة، النظام اللغوى للعود واللغة النوعية. . الخ. المصادر: ببليجرافيا: عن المقام كما فهمه الموسيقولوجيون المستشرقون أو علماء الموسيقى العرقية ethnomusicologists عن الموسيقى musiki والعود ud فى مؤلف J.Elsner فى "مشكلة المقامات Zum Problem des Maquam".
Acla musicologica XIVii/2 (1975)، 208 - 30
ترجمة د. حسام زكريا
مطابع الهيئة المصرية العامة للكتاب
رقم الإيداع بدار الكتب 2466/ 1997
I.S.B.N - 977 - 01 - 5095 - 9