الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الضرائب، وكانت تلك ضربة قوية لدور القبط القيادى فى مجتمعاتهم، وتعزيزًا إسلاميا فى هذه الأماكن.
من العباسيين إلى الفاطميين 750 - 969 م:
كانت مصر وقت قيام دولة العباسيين 132 هـ/ 750 م، قطرًا لا يزال الإسلام والثقافة العربية فيه مقصورين على الطبقة الحاكمة، وكان غالبية سكانه لايزالون أقباطًا مسيحيين. وكانت الفسطاط هى العاصمة وهى مركز السكان العرب، مع جامع عمرو المكان الرئيسى للعبادة. وعُرف قادة العرب باسم "الوجوه". وهم فى معظمهم ينحدرون من عائلات استقرت فى مصر بعد الفتح الإسلامى الرئيسى واحتلوا مكانة ممتازة بها، مكونين الفرق العسكرية الوحيدة فى البلاد المستحقة للعطاء. ويُختار صاحب الشرطة فى العادة من هذه الطبقة. بالإضافة إلى ذلك هنالك القبائل العربية المتواجدة فى مصر، وبخاصة فى صحراء الحوف إلى شرق وغرب دلتا النيل.
ومن الممكن أن يُقسم تاريخ مصر فى تلك الفترة إلى عدد من الفترات المميزة. أولها تلك التى استمرت حتى وفاة الخليفة هارون الرشيد، فى سنة 193 هـ/ 809 م، وهى أساسًا امتداد للشكل الأموى، بحكام يرسلون من بغداد لا من دمشق، وبها تغيير قليل فى السكان أو الشكل السياسى، دون استقرار لمشايعى العباسيين من الشرق، وتميز التاريخ السياسى لهذه الفترة بتغييرات متعددة للولاة وثورات متقطعة. ولم يستمر والٍ من الولاة خلال هذه الفترة فى ولايته مدة طويلة سوى يزيد بن حاتم المهلبى (142 - 152 هـ/ 759 - 769 م) الذى استمر واليًا لعدة سنوات قليلة وتولى فى الفترة ما بين سنوات 170 إلى 182 هـ ستة عشرة واليًا متغيرًا.
واقتصر الاستمرار على أصحاب الشرطة الذين كانوا الحكام الفعليين للبلاد. وكان من أهم الأحداث فى تلك الفترة، ثورة العلويين التى وقعت سنة 145 هـ/ 763 م، التى قضى عليها يزيد بن حاتم فى بدايتها. كذلك ثورة
168 هـ/ 785 م ضد إمارة مصعب، الذى ذاعت شهرة حكمه السيئ لإقليم الجزيرة وتطور أمر هذه الثورة حين رفض جند الفسطاط الوقوف إلى جانب مصعب وقتل الثوار له. وترك لصاحب الشرطة عمرو المعافرى أمر إقرار النظام فى البلاد. كذلك شهدت هذه الفترة ثورات المزارعين الأقباط المستمرة، احتجاجًا على المعاملات المالية السيئة.
وفى أواخر القرن الثانى/ الثامن الميلادى، عانى الإقليم من زيادة الضرائب التى فرضتها بغداد عليه. وبعد وفاة هارون الرشيد سنة 193 هـ/ 809 م، دخلت الولايات فى حالة فوضى بما فيها مصر، وقبل وفاة الرشيد بفترة قصيرة، قامت قوات خراسانية تحت قيادة السرى بن الحكم بالقدوم إلى مصر، وأحرزوا السلطة فى الفسطاط سنة 200 هـ/ 815 م، لكنهم وجهوا بمقاومة من قبل القائد المحلى عبد العزيز الجروى. ومما زاد من تعقيد الأمور، احتلال ثوار الربض الأندلسيين، الذين طردهم الأمير الأموى الحكم من الأندلس لدينة الإسكندرية. ولم يستعد العباسيون الإسكندرية من أيدى هؤلاء المهاجرين، قبل سنة 211 هـ/ 826 م على يد عبد اللَّه بن طاهر، وقد طردوا منها ليستقروا فى جزيرة كريت.
وأثرت الحرب الأهلية، بشدة على مصر الإسلامية، إذ حطمت هناك سلطة وجوه القوم المحليين واكتمل ذلك حين أسقط العرب من الديوان سنة 218 هـ/ 832 م وحُرموا من العطاء. وصارت القوة فى مصر فى يد مجموعة من الأشخاص العسكريين، القادمين من الخارج، بعض هؤلاء الرجال كان تركى الأصل والبعض الآخر أرمنى الأصل، خدموا كمساعدين لشخصيات البلاط الهامة فى بلاط سامرا. وأعطى سوء الأحوال فى مصر، وإجراءات ابن المدبر المالية المجحفة الفرصة للحكام الطامعين فى احتفاظهم بخراج مصر ودخلها لأنفسهم لاستخدامها فى بناء قوتهم العسكرية. وبهذه الطريقة نجح أحمد بن طولون، النائب عن عمه، الذى بقى فى سامرا، فى حكم مصر، وفى إحراز السلطة بها.
وكانت فترة حكم أحمد بن طولون (254 - 270 هـ/ 868 - 884 م)، فى عمومها فترة أمان ورخاء لمصر، ويكفى سببًا لذلك أن الأموال التى كانت تحمل للخليفة بقيت لها.
وجنَّد ابن طولون جيشًا جديدًا، غالبيته من اليونانيين والزنوج استطاع به أن يوطد قوته. وحتى يتمكن من إسكانهم ابتنى لهم ضاحية إلى الشمال من الفسطاط، سماها "القطائع" وابتنى بها جامعًا خاصًا، عُرف حتى اليوم بجامع ابن طولون، كذلك ابتنى قصرًا له للحكم.
وكان حكم ابن طولون بداية تغلغل النفوذ المصرى فى الشئون السورية. وكانت هنالك أسباب عدة وراء استمرار هذا التدخل، من بينها الحاجة لتوفير مختلف الإمدادات الغذائية لمصر فى حالة قصور النيل، وكذلك مسألة الأمن، حيث إن مصر من الممكن أن تُغزى من فلسطين إذا ما وقعت فى أيدى الأعداء. كذلك هناك جاذبية الحدود البيزنطية، خصوصا "لابن طولون" الذى تحمل مسئولية الدفاع عن الخلفاء الضعاف، مما يعطى حكمه مكانة وشرعية.
ولم يقم ابن طولون أو خليفته خمارويه أو الاخشيديون بكسر الولاء للخلافة العباسية. فلقد احرزوا استقلالًا إداريًا وماليا فى مصر، ولكنهم ظلوا تابعين لدولة الخلافة ولمذهبها السنّى. وحاول كل من ابن طولون ومحمد طغج الإخشيد أن يطلب من الخليفة القدوم إلى الفسطاط والإقامة بها.
وانتهت دولة الطولونيين باحتلال الجيش العباسى للبلاد سنة 292 هـ/ 905 م، وأن تظل البلاد ولاية من ولايات الخلافة حتى سنة 323 هـ/ 935 م وشهدت هذه الفترة بداية تطورين جديدين. الأول هو ازدياد قوة الفاطميين سنة 297 هـ/ 909 م وإحرازهم السلطة فى المغرب، وهذا يعنى أن مصر صارت دولة حدودية لهم. كذلك قيام حكم الأغالبة فى إفريقية كحكام مستقلين، دون أن تكون لديهم نوايا للتوسع ناحية الشرق. وادعى الفاطميون بأنهم الحكام الشرعيون لكل مسلمى العالم ولم يخفوا تصميمهم على أخذ مصر