الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعتمد بن عباد
هو ثالث حاكم من العبابدة وآخرهم فى أشبيلية فى القرن الخامس الهجرى (الحادى عشر الميلادى)، أما اسمه الحقيقى الكامل فهو محمد بن عباد المعتَضِد بْن محمد بن إسماعيل بن عبّاد.
حياته:
ولد المعتمد سنة 431 هـ (= 1040 م) وما كاد يبلغ الثالثة عشرة من عمره حتى عهد إليه أبوه من الناحية الشكلية بقيادة حملة خرجت ضد "شلْب" التى كانت فى يمين ابن مُزَين، فوقَعت فى يد هذه الحملة كما وقعت "سانتا ماريا دى الجارف" هى الأخرى بعد قليل، وهى المعروفة فى المراجع العربية باسم شنت مرية الغرب ولكنها تعرف اليوم باسم "فارو" التى كانت فى يد محمد بن سعيد بن هارون (444 هـ = 1052 م)، وحينذاك اختاره أبوه واليًا على هاتين المدينتين، أما أخوه الأكبر "إسماعيل" فقد أُعْدِم عقابًا له على ثورته (455 هـ = 1063 م)، وحينذاك صار محمد المعتمد وليًا للعهد ووريثًا لعرش أشبيلية، وما انقضى بعض الوقت حتى كان الجيش (الذى كان يقود. وخرج به لمساعدة عرب مالقة الذين تمردوا على ظلم باديس بن حبوس حاكم غرناطة البربرى) قد استؤصل على يد باديس، مما أرغم المعتمد على الفرار إلى رُنْدة، فاستشاط أبوه غيظًا منه لما أصابه من الفشل وانتهى به الأمر إلى أن بعث إليه بعفوه عنه، ولما مات حاكم أشبيلية القوى سنة 461 هـ (= 1069 م) خلفه ولده على مملكة بلغ من اتساعها الشديد أن كانت تشتمل على معظم الجزء الجنوبى الغربى من شبه جزيرة أيبيريا.
وقد أحاط المعتمد نفسه منذ البداية بالكثير من الأدباء والشعراء وبذلك خلق له مكانا عظيما فى تاريخ الأدب العربى بالأندلس وربما كان ابن زيدون (المتوفى سنة 463 هـ = 1070 م) هو الذى علّمه قواعد الشعر العربى قبل أن يصبح وزيرًا، وهى الوظيفة التى شغلها ابنه أبو بكر بن زيدون من 478 هـ إلى 484 هـ (= 1085 - 1091 م) بعد نكبة ابن عمار المتوفى سنة 479 هـ (= 1086 م)، على أن صلاته بجارية
شابة اسمها "الرميكية"(التى كانت هى الأخرى شاعرة موهوبة) كانت موضوع أبحاث أدبية، وكانت الرميكية تدعى "اعتمادًا" ومن هنا يقال إن المعتمد اختار لنفسه هذا الاسم الذى هو مشتق من الاسم "اعتماد"، وقد صارت الرميكية زوجته الحبيبة وأنجبت له بضعة أولاد.
أما فيما يتعلق بابن عمار، فبعد أن نفاه المعتضد استدعى إلى أشبيليه ثم مضى ليكون واليًا على شلب قبل أن يصبح الوزير الأكبر، وقد استطاع المعتمد فى السنة الثانية من حكمه أن يضم إلى مملكته إمارة قرطبة التى كان يحكمها بنو جهور رغم جهود المأمون ملك طليطلة، وأصبح الأمير الشاب "عباد" واليًا على عاصمة الأمويين القديمة، غير أن مغامر، اسمه "عكاشة" تمكن فى سنة 468 هـ (= 1075 م) -بتحريض من ملك طليطلة- أن يباغت قرطبة فيستولى عليها ويفتك بالشاب "عباد" وقائده "محمد بن مارتين" واستولى المأمون على المدينة ومات بها بعد ستة أشهر فقط من ذلك التاريخ.
أما المعتمد الذى حركت عاطفته الأبوية وأهينت كرامته فقد ظل على مدى ثلاث سنوات يحاول استرداد قرطبة فذهبت محاولاته أدراج الرياح، ولم يقدر له النجاح إلا سنة (= 1078 م)، فقد اغتيل ابن عكاشة واستولت جيوش أشبيلية على ذلك القسم من مملكة طليطلة الواقع بين الوادى الكبير والوادى اليانع، ومع ذلك فلم يقدر للوزير ابن عمار أن يقصد السلم مع ألفونسو السادس ملك قشتالة واقتضى ذلك منه بذل كل جهوده، ولم يتم الصلح إلّا حين أرسل حملة لمهاجمة أشبيلية.
فى هذه الأثناء كان الأمراء، النصارى قد نشطوا واستغلوا فرصة المنازعات الدائرة بين الحكام المسلمين المعروفين بملوك الطوائف وظهرت براعم حركة "الاسترداد المسيحى" التى استطاع آخر الأمويين صدّها ولكنها تابعت تقدمها على جنوب شبه جزيرة إيبيريا.
على أنه لا يجوز أن يغيب عن الأذهان أنه فى منتصف القرن الخامس
الهجرى (الحادى عشر الميلادى) اضطر كثير من أشراف ودول أسبانيا المسلمة أن تلتمس وقوف جيرانها النصارى على الحياد مؤقتًا وذلك بدفعها لهم الضرائب الباهضة، حتى أنه قبل قليل من استيلاء ألفونسو السادس على طليطلة سنة 478 هـ (= 1085 م) وجد المعتمد نفسه غارقًا فى لجة من الصعاب الخطيرة، ومن ثم استمع إلى نصيحة وزيره ابن عمار الخائبة وحاول أن يضيف إلى مملكته مملكة مرسية التى كانت تحت حكم أمير عربى الأصل هو محمد بن أحمد بن طاهر، ومن ثم ذهب ابن عمار إلى "رامون برنجوير الثانى" كونت برشلونة والتمس منه أن يمد إليه يد المساعدة لغزو "مرسية"، وتعهد له بدفع مبلغ قدره عشرة آلاف دينار، على أن يظل "الرشيد" ابن المعتمد رهينة فى يد "رامون" حتى يفى والده بدفع المبلغ كاملًا، ودارت مفاوضات مرهقة انتهت بدفع ثلاثة أضعاف المبلغ لكونت برشلونه وحينذاك تابع ابن عمار خطته لفتح "مرسية" وسرعان ما نجح فى تنفيذ هذه الخطة بفضل مساعدة أمير قلعة "بِلْج" له (وهى القلعة المعروفة الآن باسم "فلخز") على أن ابن عمار ما لبث أن سلك مسلكًا كريهًا كل الكراهية تجاه سيده حين ظهر بمظهر الحاكم المستقل، فلما لامه المعتمد على ما كان منه ردّ عليه ردا ملأه بالشتائم والإهانات، فلما غدر به ابن رشيق لم يجد بدا من الالتجاء إلى مرسيه، ثم فرّ إلى ليون وسرقسطة ولاردة، ولما كان فى سرقسطة حاول أن يساعد حاكمها المؤتمن ابن هور فى هجومه على "شقورة" Segura، ولكنه وقع فى الأسر. وسلموه إلى المعتمد، فلم تأخذه فيه رعاية لروابط الصداقة التى ربطت بينهما زمنًا طويلًا فقتله بيده شر قتلة.
لم يُخْف ألفونس السادس فى هذه الأثناء خططَه نحو طليطلة ولم يبقها سرًا مكتوبًا بل هب لحصارها فى سنة 473 هـ (= 1080 م) وحدث بعد سنتين من ذلك التاريخ أن أرسل سفارة لأخذ الجزية السنوية التى كان من الواجب أن يدفعها المعتمد إلى ألفونس، فما كان من الأخير أن عامل رجالها معاملة تنطوى على الإهانة وأمر
بقتل "ابن شلين" خازن بيت المال اليهودى الذى كان يصحب هذه السفارة إذ رفض أن يقبل عملة مزيفة، وحينذاك قام ألفونس فغزا مملكة أشبيلية وخرّب مدن "الشرف" aljarafe الأعلى فصارت يبابا بعد أن كانت مزهرة وتقدم عبر إقليم "شذونة" Sidons وجاس خلاله حتى بلغ "طاريف" Tarifa وهنا قال مقالته الشهيرة التى ازدهى فيها بأنه بلغ أقصى حدود أسبانيا.
لقد كان استيلاء ألفونس السادس على طليطلة ضربة قاصمة للإسلام فى الأندلس، إذ سرعان ما طلب ملك قشتاله من المعتمد أن يسلم له الأراضى التى فى يده والتى كانت تؤلف فى الماضى جزءًا من مملكة "ذى النون"، والواقع أن مطالبه التى كانت تزداد يومًا بعد يوم وفى أسبانيا وعلى رأسهم المعتمد إلّا أنهم اضطروا إلى التماس النجدة من سلطان المرابطين يوسف بن تاشفين الذى كان قد فرغ منذ وقت قريب من فتح كل المغرب دون أن يجد مقاومة، واتفق رأى ملوك الإسلام فى الأندلس على أن يرسلوا لابن تاشفين سفارة تتألف من الوزير أبى بكر بن زيدون وقضاة بطليوس Badagoz وقرطبة وغرناطة، وأمكن التوصل فى شئ من الصعوبة فعبر يوسف بن تاشفين مضيق جبل طارق وأنزل يوم 12 رجب 479 هـ) (= 23 أكتوبر 1086 م) بالقوات المسيحية هزيمة ساحقة فى وقعة زلاقة الشهيرة التى لا تبعد كثيرًا، عن بطليموس، ولسنا فى حاجة هنا لأن نقول كيف عاد يوسف بن تاشفين إلى أفريقية وكيف أنه لم يتابع نصره على الوجه الذى كان يطمع حكام أسبانيا المسلمون أن يكون عليه، على أنه ما كاد ابن تاشفين يرحل عن الأندلس حتى شرع المسيحيون فى معاودة مضايقاتهم للأراضى الإسلامية إلى الحدّ الذى حتم على المعتمد أن يذهب بنفسه إلى يوسف ابن تاشفين يسأله أن يعبر الندوة مرة ثانية على رأس قواته، فاستجاب له يوسف وأرسى فى الجزيرة الخضراء فى ربيع العام التالى (482 هـ = 1090 م) وحاصر قلعة حصن الليط Liyyit وإن لم يستطع الاستيلاء عليه،
ثم حضه الشعور العام ونصائح الفقهاء إلى أن الخير له أن ينادى بقيادته بالجهاد فى أسبانيا وأن يُسقط الأمراء الذين كانوا قد التمسوا من قبل تدخله ويخلفهم من عروشهم فوضع هذه الغاية نصب عينيه وأنفذ جيشًا لغزو مملكة أشبيليه بقيادة "سير أبى بكر" الذى استطاع فى ختام سنة 1090 م أن يستولى على رأس طريف ثم من بعده على قرطبة التى كان يقوم بحراسة قلعتها أحد أولاد المعتمد واسمه "فتح المأمون" ولكنه قتل لما سقطت كل من قرمونة وإشبيلية الواحدة بعد الأخرى على الرغم من قتال المعتمد البطولى بل إن المعتمد نفسه سقط أسيرًا فى أيدى المرابطين الذين أرسلوه ونساءه وأطفاله فى البداية إلى طنجة ثم بعدئذ إلى "مكناس" التى أقاموا بها بضعة أشهر ثم نقلوهم إلى "أغمات" القريبة من مراكش حيث عاش فيها معيشة ضنكًا لمدة بضع سنوات حتى وافاه أجله سنة 487 هـ (= 1095 م) وهو فى الخامسة والخمسين من عمره.
ولقد مست النهاية التى انتهى إليها المعتمد بن عباد شغاف قلوب كل من ترجموا له لاسيما الذين أطنبوا كثيرًا فى ماضيه وأضفوا عليه من المواهب الشعرية، وامتدحوا كرمه البالغ، وفروسيته، والحق أنه واحد من تلك النماذج العظيمة للمسلمين الأسبان المتنورين فى العصور الوسطى، وكان شديد الحرص على الأدب حفيًا برجاله، حر التفكير متسامحًا، ولكنه عاش فى جو من الترف والبلهنية والراحة التى لم تأذن له برعاية مملكة ذات حدود مفتوحة لجيران طماعين يحيطون بها من كل جانب، ولم يكن المعتمد حاكمًا عظيمًا قويًا كأبيه المعتضد إلا أنه كان أكثر منه جذبًا للأنظار وربما كان ذلك راجعًا إلى ما لقيه من نكد الحظ وسوء الطالع، وأنه لأهل أن يوضع فى صف واحد مع كبار الشخصيات الأندلسية العظيمة إلى جانب عبد الرحمن الناصر والحكم الثانى والمنصور بن أبى عامر ثم عندما جاء بعد زمن كلسان الدين بن الخطيب.
وإن المصادر التى كتبت عنه لكثيرة نذكر منها الذخيرة لابن بسام والحلة السيراء لابن الآبار والمعجب لعبد الواحد المراكشى والإحاطة لابن الخطيب وأعلام الإعلام له أيضًا والبيان المغرب لابن عذارى وقلائد العقيان للفتح بن خاقان والعبر لابن خلدون وروض القرطاس لابن أبى زرع، ولقد جمع دوزى أغلب المصادر التى كتبت عن المعتمد وضمّنها كتاب Scrihtarum arabim lai de Abbadidis (ليدن 1846)، والجزء الثالث من كتاب "المسلمون" فى الأندلس الترجمة العربية لحسن حبشى، وكتاب المعتمد بن عباد الخالص (بغداد 1958 م). كما أن أحمد شوقى وضع للمسرح رواية أميرة الأندلس ومثلت بالقاهرة، كذلك فإن هناك العديد من المقالات التى ربما اعتبرت ثانوية والتى ظهرت فى السنوات الأخيرة ومعظمها بمصر وتناولت المعتمد بن عباد، كما تناولت ماضى أسبانيا الإسلامية.
أيمن حسن حبشى [أ. ليفى بروفنسال Levi-Provencal]
+ المعتمد بن عباد "شاعرًا": توجد فى المخطوطات التى لديوان ابن زيدون أشعار للمعتمد ولأبيه، وتزخر مصادر الأدب والتاريخ الأندلسى فى العصور الوسطى بأشعار له، كما توجد مائه وثمان وثمانون قصيدة وموشح له محفوظة ووصلت إلينا حسب ما ذكره سوليتى فى نشرة لديوان المعتمد سنة 1975 م، ومعظم القصائد الموجودة بين أيدينا قصيرة تناولت فنون الشعر كالمديح، وإن ما نظمه لا يمكن مقارنته بما تركه كبار شعراء الأندلس وإن كان قراء العصور الوسطى ينزلونه منزلة سامية ويلاحظ أن جميع قصائده الخفيفة ترجع إلى الفترة التى سبقت خلعه ويدور معظمها حول "الغزل" مع أشعار قليلة مما يسمى بالخمريات والوصف وهى أرق من الرقة كما يقول سويسى فى كتابه "المعتمد وأشعاره" المطبوع فى تونس 1977 م، وغزلياته مميزة عن غيرها فهى موجهة إلى أحبائه من الذكور والإناث على السواء، لاسيما لجيبته اعتماد ومن بينها واحدة إذا جمعت حروف أول كل بيت فيها. يتألف منها اسمها، ولعل أكثر قصائده