الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلم مرتكبها بأنه "منافق" وليس فاسقا. كما أن الحسن قد قال بخلود مرتكب الكبيرة فى النار، أسوة بالكافر، إذا لم يتب قبل موته، وهو نفس المبدأ الذى يعرف عند المعتزلة بمبدأ "الوعد والوعيد".
وقد قيل إن الحركة كانت ذات أهداف سياسية على أساس التفسير المنفرد للاعتزال ومبدأ المنزلة بين المنزلتين وبالتحديد الانتصار للدعوة العباسية، وهو قول ثبت خطؤه، ليس فقط لأن المعتزلة لم يثبت تأييدهم للعباسيين، بل إنهم قد انضموا لثورة إبراهيم بن عبد اللَّه عام 145 هـ/ 762 م فإن الاتجاه الذى سلكه واصل كان ذا طبيعة دينية خالصة ولم يكن الأخذ بمذهبهم رسميًا فى عهد المأمون سوى لفترة قصيرة.
التطور التاريخى:
ليس عصر ازدهار المعتزلة مقصورا، كما يذهب الرأى الغالب، على العصر العباسى الأول. ذلك أن القرار الذى أصدره المتوكل، بشأن إنهاء المحنة [محنة خلق القرآن، ] فى 234 هـ/ 848 م لم يكن سوى إنهاء لعصر تمتع فيه أصحاب المذهب بفترة من الحظوة عند خلفاء بغداد امتدت لقرابة ثلاثين عامًا. وفى هذا الوقت كان المذهب قد انتشر فى أرجاء الأقطار الإسلامية، خاصة فى فارس. وعلى الرغم من أنهم حرموا من رعاية الخلافة العباسية ومن ثم فلم يعدم المعتزلة دعمًا من أمراء ذوى نفوذ، وعلى الأخص البويهيين. بل إن هذا العصر، الذى قد نسميه العصر البطولى، أو عصر الأسلاف العظام، ليس من وجهة نظرنا على الأقل، أهم العصور. فمن وجهة تأصيل المذهب، يمكن القول إن عصره قد امتد من الربع الأخير من القرن الثالث إلى منتصف الخامس، (أى بداية عهد السلاجقة).
والفرق بين هذين العصرين ملموس بين أتباع المذهب أنفسهم، حيث يقولون مثلا عن رجال العصر الأول "المتقدمين" أو "القدماء" أو "السلف" وعن رجال العصر الأخير "المتأخرين".
والأهم من ذلك، فإن المذهب سرعان ما انقسم إلى طائفتين، معتزلة البصرة
ومعتزلة بغداد (دون أن يعنى ذلك انتماء جغرافيًا حقًا) بل اصطلاحى وبذلك ينقسم المعتزلة إلى أربع فرق فى علم الكلام تتميز كل منها عن الأخرى وهم المتقدمون والمتأخرون من كل من معتزلة البصرة وبغداد.
وأهم ما يميز هذه الفترة هو الخلافات الشديدة فى الآراء، وكان الهدف فى هذه المرحلة كان جمع أكبر عدد من الشخصيات البارزة على حساب الانتماء الفكرى، فعلى المستوى الشخصى، فليس هناك اختلاف أكثر مما بين اثنين من أتباع بشر بن المعتمر: ثمامة، المقرب من المأمون، فى نزعته لمذهب المتعة، وأبو موسى، الملقب "راهب المعتزلة"، فى تزهده، وطعنه فى كل من يتقرب من أصحاب السلطة. وعلى المستوى المذهبى، لم يكن الخلاف أقل مستوى فيختلف ضرار بن عمرو عن بقية أصحاب المذهب بالقول بأن الأفعال الإرادية من الإنسان هى من فعل اللَّه، مقتربا بذلك من جهم بن صفوان [صاحب مذهب الجبرية] لدرجة أنه يعتبر عند البعض خارجا على المذهب، ومن ثم فلا يورده القاضى عبد الجبار فى "طبقات المعتزلة". كما أن النظام يرفض قطعيا المذهب الذرى (انظر لاحقا) التى قال بها عمه واستاذه أبو الهذيل، وهو فى ذلك معتزل عن بقية المعتزلة أيضا. والأصم يرفض أيضا نظريات أبى الهذيل الخاصة بالكون، ولكن على أساس آخر، وهو رفضه لمفهوم "الحوادث" المؤسس عليها تلك النظريات. بل إنه لا يتفق مع المعتزلة فى أساسيات أصل المذهب، وسبب ظهوره، وهو المنزلة بين المنزلتين. كذلك منهم من رفض مبدأ خلود المسلم العاصى فى النار، وهم من يسمون "مرجئة المعتزلة"، ومنهم أبو شمر وابن عمران، من أصحاب أبى الهذيل، ومن بعدهم محمد بن شبيب.
ومن المعتزلة من تبنى آراء متطرفة، كما فى مذهب الزهد الذى نادى به أبو موسى، وتبعه فيه بعض من كبار المذهب. فهذا الاتجاه يقترب من الصوفية، ومن ثم التسمية "صوفية المعتزلة". وهؤلاء اتهموا من البعض بالهذيان، بل إن القاضى عبد الجبار،
فى طبقاته، لم يتردد فى رمى البعض منهم بالزندقة. وأيضا قال بفكرة "التناسخ" اثنين من أتباع النظّام أحمد ابن خابط أو حابط والفضل الهداثى، وهى الفكرة التى تبناها "غلاة الشيعة".
فإذا ما يممنا شطر الفترة الثانية، نجد أن الوضع مختلف جذريًا فهنا نجد الاهتمام بالتاصيل المذهبى فقد تأسست مدارس حقيقية، ذات مبدأ هيكلى متماسك الذى يمكن أن يسمى بنظام حقيقى فمن البصريين (والذين فى الواقع قضى أغلبهم حياتهم فى خوزستان) نجد الجبائى يمثل مدرسة قائمة بذاتها. ومن البغداديين يظهر أبو الحسين الخياط، والذى ينعت بـ "شيخ المتكلمين من البغداديين". وابنه أبو هاشم حيث تتردد اسماؤهم فى أعمال كل المؤلفين.
ويتضح الفرق بين المدرستين هنا بشكل أكثر تميزًا مما كان فى الفترة الأولى. وقد ضم مؤلف مشهور هو "المسائل فى الخلاف بين البصريين والبغداديين" لأبى رشيد النيسابورى أشهر مواضع الخلاف بينهم، خاصة فى الكونيات وأصل الإنسان. فنظرية "الأحوال" التى قال بها أبو هاشم هى على وجه الخصوص من أشد ما هوجم من جانب البغداديين. وإن كان البعض من البصريين يرفضها أيضا، منهم على سبيل المثال أبو الحسين البصرى. ولذلك فقد نشأ فى داخل الاتجاه البصرى مدرسة فرعية تسمى "البهشمية"، وهم مؤيدو أبى هاشم (وهى تضم أغلب الجبائيين) الذين ذكرناهم.
ويؤرخ لانتهاء الفترة الثانية، وبالتالى العهد الذهبى لمذهب الاعتزال ببدء عهد السلاجقة، (دون ارتباط بين الحدثين)، ولكن المذهب ذاته ظل باقيا.
فقد استمر وجود المذهب المعتزلى ردحا طويلًا من الزمان. ذلك أن الكثير من الحنفيين كانوا من معتنقى المذهب المعتزلى، وكان السلاجقة منحازين للمذهب الحنفى، الأمر الذى أدى إلى أن يكون أغلب القضاة فى بغداد والرى على مدى قرنين من الخلافة العباسية من المعتزلة. وفى خوارزم ظل هو المذهب الرسمى بتأييد من الأمراء المحليين، حتى أن لفظ "خوارزمى" كان