الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولقد أثبتت هذه الأداة كفاءتها فى أيدى الحكام النشطين، ولكنها كانت غير ذات تأثير فى يدى الحكام الضعاف وفى أوقات الكوارث. وسرعان ما اكتشف السعديون ذلك، فلقد اندلعت بعد وفاة المنصور من جديد الميول الشقاقية التى كان المنصور قد أوقفها بجهده ولقد أدى الصراع على العرش إلى إنقلاب أبنائه على بعضهم البعض. وقد نجح أحدهم وهو "زيدان" فى الانتصار على منافسيه لكنه لم يستطع أن يحول دون تفكك الدولة. ولقد احتل الأسبان العرائش Larache، وخرجت فاس عن سلطة الأشراف، ولقد قام الأندلسيون فى الرباط وسالى، الذين كونوا ثروات من أعمال الجهاد البحرى، بتكوين دولة مستقلة. وأخيرًا، فإن السعديين برغم أنهم يدينون فى ارتقائهم الحكم للحركة الدينية، وجدوا المتصوفة آنذاك يثورون ضدهم. وبعد أن تخلصوا من الحواجز التى فرضها ارتياب المهدى وخلفاؤه من بعده عليهم، أخذ رجال الطرق الصوفية يفرضون مزيدًا من سيطرتهم على الناس وأسهموا بجهدهم فى هدم سلطة (الشُرفا) السعديين. ولقد أصبحت السوس فى قبضة أحدهم وهو سيدى على؛ وتافيللت تحت السيطرة الأشراف الحسنيين، والغرب تحت سيطرة العياشى، قائد "المجاهدين فى الدين". وفى الوسط تزايدت سلطة زاوية الولاع. ولقد بدا محمد الحجاجى، قائدهم المنتصر على السعديين وعلى العياشى، شريف سالى وفاس، أنه على وشك تأسيس إمبراطورية بربرية جديدة من الأطلنطى إلى ملويه. ولم يستطع السعديون -برغم المساعدة التى قدمها الإنجليز والهولنديون- التغلب على منافسيهم، ولم يتبق آنذاك للسعديين سوى مراكش وضواحيها القريبة. ولقد تُوفى آخر ممثل للبيت السعدى سنة 1071 هـ/ 1660 م، مقتولًا على يد شيخ قبيلة الشبانات.
الأشراف الحسنيون:
لقد توقف انحلال المغرب بمجئ الأشراف الحسنيين وتوليهم الحكم. ولقد استفادوا من الفوضى التى كانت
قائمة بالبلاد لفرض سلطتهم فى تافللت، ثم بالحملات التى قادوها لفتح شرق المغرب. ولقد حاول أحدهم وهو مولاى محمد، الاستيلاء على فاس ولكنه لم يوفق فى محاولته. لكن خليفته مولاى الرشيد (1076 - 1082 هـ/ 1664 - 1672 م) كان أكثر توفيقًا. فاستولى على فاس، ودمر زاوية الدِلاع، وأعاد فتح مراكش واتخذها عاصمة. وبعد أن فرض هذا البيت حكمه على المغرب بقوة السلاح، رأى أن يكسب إلى جانبه بقية بيوت الأشراف. فأغدقوا على أشراف وزَّان، الذين كانت حمايتهم ضمانًا للحكام أنفسهم.
ولقد بدأ مولاى الرشيد العمل وتابعه بنجاح خليفة إسماعيل (1082 - 1139 هـ/ 1672 - 1727 م). وخلال الخمس عشرة عام الأولى من حكمه، لم يتوقف عن شن حملاته على منافسيه الذين نازعوه الحكم فى نواحى مراكش والسوس وأثناء حربه لأعدائه، انشغل فى بناء جيش يعمل حسب إرادته. ولقد أضاف إلى (المخزن) عنصر عبيد النجارى، وقد كانوا ملكًا للسلطان؛ وقد خدم أبناؤهم خصوصًا فى الخدمة العسكرية. ولقد تزايد عدد هؤلاء فى نهاية عهد حكمه ووصلوا إلى 150.000 رجل. واستطاع السلطان بذلك أن يستعيد طاعة بربر الأطلس وبربر أعالى مولوية له. ولقد بقى هؤلاء بعد أن هُزموا وجردوا من أسلحتهم تحت سيطرة حاميات وُضعت فى (قصبات) بنيت على مخارج الوديان أو مُطلة على خطوط المواصلات. ولقد أخذ السلطان رؤساء القبائل ليعيشوا معه فى بلاطة، الأمر الذى جعل رجال القبائل ينزعون إلى السلم والهدوء.
ولقد امتدت بلاد المخزن، أى البلاد التى تدفع الضريبة المنتظمة للسلطان على أهل بلاد المغرب الأقصى. ولم يجعل الهدوء الداخلى مولاى إسماعيل ينسى فرض حكام المسلمين الجهاد على المسلمين لمحاربة الكفار. ولذلك واصل الحرب المقدسة ضد مسيحيى
الساحل. فأعاد الاستيلاء على المهدية، والعرائش، وأصيلة وطنجة، التى جلى الإنجليز عنها سنة 1684 م، لكنه لم يستطع أن يسترد سبتة من الأسبان برغم محاصرتها أو بالأحرى حصارها لمدة سبع عشرة عام متصلة، كذلك لم ينجح فى مغامرته ضد أتراك الجزائر، الذين تقاسموا مع المغاربة تملك سهول شرق المغرب و (قصور) جنوب وهران وقد انتهت حملاته التى وجهها إلى الجزائر بالفشل، وتابع المجرى الأدنى لمولوية ليكون حدًا لإمبراطورية الأشراف. وبرغم عدم توفيق هنا، فإن مولاى إسماعيل يُعد أعظم أمثلة الأسرة الحسنية، وهو المثل الأعلى لكل سلاطين المغرب الذين تولوا حكمه حتى الزمن الحاضر. على أن المغرب ظلت على ما كانت عليه من قبل، أى أنها ظلت تجمعًا لجماعات مختلفة، يعتمد تماسكها على نشاط الحاكم الشخص، الذى يحصّر رعاياه إلى أقصى حد ليحصل على الأموال اللازمة لبناء عاصمته مكناس، وبناء القصور التى شيدها العمال المقهورين من عامة الشعب ومن الأرقاء المسيحيين.
ولقد حدث رد فعل عند موت مولاى إسماعيل. فلقد تنازع أبناؤه من بعده فيما بينهم مدة ثلاثين عامًا. ولقد كان السادة الفعليون آنذاك هم عبيد النجارى، الذين كانوا يتحكمون فى اختيار السلاطين وفق هواهم. ولقد أقيم واحد منهم وهو مولاى عبد اللَّه، وأُقيل لست مرات. ولقد نجح فى إحراز النصر على منافسيه باستخدام البربر واستنفارهم ضد العبيد الذين زالت أهميتهم مع الوقت بسبب هزيمتهم فى الحروب. ولم يكن العلاج آنذاك بأحسن حالا من الداء. فلقد كانت هذه الفترة بالنسبة للمغرب فترة بؤس وخراب. ولقد عانت سلطة الأشراف وضعفت بسببها.
ولقد نجح مولاى محمد (1170 - 1206 هـ/ 1757 - 1792 م)، فى إستعادة تلك السلطة. وقد ورث نشاط جده إسماعيل وحماسه، واستطاع أن يستعيد إلى جانبه ثوار البربر، وبإستيلائه على مزقان فى سنة 1183 هـ/ 1769 م حطم آخر بقايا القوة البرتغالية على ساحل الأطلنطى.
وبعد اقتناعه -من جانب آخر- بأن ضعف السلطة الرئيسية يعود أساسًا إلى نقص الموارد المالية، بذل جهده لتدبير المال بتشجيع التجارة الخارجية. ولقد استن سياسة تجارية، تشتمل على عقد معاهدات تجارية مع الدانمارك والسويد وإنجلترا وفرنسا، وبذل جهده لجذب التجار الأجانب إلى مملكته بتأسيس مدينة موقادور (السويره) لهم فى سنة 1764 م، على أن الضرائب الثقيلة، التى فرضتها الدولة بصرامة، أعاقت تقدم هذه السياسة. ولقد ظلت المغرب قطرًا فقيرًا ولم تفتح نفسها -كما كان متوقعا، للتغلغل الأوربى. وظلت كذلك فى اضطراب دائم. ولقد عاشت البلاد فى فوضى سياسية أيام حكم مولاى سليمان (1208 - 1239 هـ/ 1794 - 1822 م). وبعد أن إستطاع فى أول الأمر أن يعيد النظام إلى البلاد، كان عليه أن يقضى العشر سنوات الأخيرة من حكمه فى اخماد ثورة البربر فى أطلس الوسطى، وفى إحدى الحملات التى أرسلها وقادها لهذا الغرض وقع فى أيدى الثوار.
ولمدة نصف قرن كان التاريخ الوطنى للمغرب سلسلة من الثورات التى بذل الحكام جهدًا كبيرًا فى إخضاعها. ولقد خرجت المناطق النائية وسط البلاد مثل: الريف، تافيللت، فيفيق، وشرق المغرب، عن سلطة وسيطرة المخزن. وفى قلب الإقليم، قطع البربر الإتصالات بين فاس ومراكش، مجبرين السلاطين حين يريدون التحرك من العاصمة إلى مكان آخر أن يقوموا بالتفاف كبير عن طريق الرباط. وزاد تدهور حال الدولة شيئًا فشيئًا وأكثر فأكثر. ولقد أجل مولاى الحسن (1290 - 1311 هـ/ 1873 - 1894 م) انهيارها لسنين قليلة. وقد تشابه حكمه مع حكم مولاى إسماعيل.
ولقد استخدم على رأس قوات جيشه سلاح المدفعية، الذى قامت بعثة فرنسية عسكرية بإعادة تنظيمه، فى قصف ثوار القصبة. واستطاع أن يستعيد النظام فى وجدة، وأجبر أهالى السوس على الاعتراف بقواده، وأخضع لطاعته أغادير وزيان، وبذل جهده بإرسال حملاته إلى مناطق البربر