الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحنبلى، وبروكلمان فى ملحقه 1/ 212، وزسكين فى فهرسته 1/ 271 - 272.
المصادر:
وردت فى المتن.
بدرية الدخاخنى [ش. بيلات Ch. Pellat]
المصلحة
المصلحة: مفهوم إسلامى للتعبير عن نفع الجميع ومصلحة الجمهور والجمع مصالح هى المصدر الصريح للفعل صلح بفتح اللام أو ضمها بمعنى الإصلاح أو التحسين ويمكن القول بأن "المصلحة"، مثل "المنفعة"، نقيض "المضرة" و"المفسدة"، هذا بالمعنى الضيق، ولكن بالمعنى العام، فالمصلحة مصطلح عن "الخير" يستخدمه الفقهاء بمعنى "الخير العام" و"المنفعة العامة" فكل شئ يدفع ضررا، أو يرد مفسدة، ويسهم فى خير العباد، يمثل مصلحة ويجب أن نميز المصلحة، كمصطلح فقهى، عن "الاستصلاح"، وهو أسلوب للتخريج الفقهى (سوق الأدلة العقلية والنقلية) يتخذ المصلحة أساسا له. ونعرض فى هذه المقاله للمصلحة كمفهوم وكمبدأ فقهى شرعى.
وأول حادثة استخدم فيها مفهوم "الخير والنفع" كأساس لحكم شرعى كانت قضية "أرض السواد" بالعراق. فقد أشار فريق من الصحابة على عمر (رضى اللَّه عنه) بأن تقسم على المحاربين، وأشار فريق أخر بأن تظل فى أيدى أصحابها، ويجبى عنها "الخراج". وبعد المشاورة، استقر رأى الخليفة على أن مصلحة المجتمع فى عمومه هو فى تطبيق الرأى الثانى، حيث إنه يحقق "الخير لجماعة المسلمين. . . وعموم النفع لجماعتهم". ورغم أن عمر"رضى اللَّه عنه" لم يستخدم لفظ "المصلحة" فإن معناه متضمن فى كلمات "الخير" و"عموم النفع". ويمكن القول بأن هذا الاتجاه من عمر "رضى اللَّه عنه" قد شجع خلفاء آخرين على اتخاذ قرارات مماثلة مثل "جمع القرآن" فى عهد عثمان بن عفان "رضى اللَّه عنه" ولكن هذه الحالات، رغم سياقها على أنها سوابق، لا يمكن أن تضع "المصلحة" فى درجة مصدر مباشر للتشريع، فالقياس والاستحسان هما المنهجان الأساسيان المتبعان للوصول إلى ما تقتضيه
"المصلحة"، والمشهور أن مالك بن أنس (ت 179 هـ) هو أول من لجأ للمصلحة لتخريج أحكام فقهية باستخدام "الاستصلاح" و"المصالح المرسلة". ورغم أن كتاباته لا تتضمن إشارة لمصطلحى المصلحة أو الاستصلاح، فإن أتباعه قد أوردوا حالات كانت فيها "المصلحة" كمفهوم شرعى هى ما لجأ إليه فى حكمه، ويذكر الشافعى فى "الرسالة" وابن سحنون فى "المدونة" حالة إجازة مالك لبيع التمر وهو لم يزل رطبا على أنه يابس، خلافا للأصل العام، كمثال لتطبيق "المصلحة كأساس للحكم الفقهى". ويُذكر أن الجوانى (المتوفى 478 هـ/ 1085 م) هو أول من لفت النظر لها، ولابد أن غيره من الفقهاء قد ساهم فى ذلك، قبل أن تخرج كمفهوم واضح المعالم على يد أبى حامد الغزالى (متوفى 505 هـ/ 1111 م).
ويقول الغزالى إن "المصلحة" بالمفهوم الضيق يمكن أن تعرف بأنها استجلاب المنفعة ودفع الضرر، ولكنها تعتبر فى معناها الواسع المقصد الأسمى للشريعة، وتتضمن: حفظ الدين، والنفس، والنسل (أو النسب)، والعقل، والمال، ويبين أنِّ كل ما يؤدى إلى تحقيق ذلك يعتبر "مصلحة"، وكل ما يعوق ذلك يعتبر "مفسدة". والمصلحة عنده ثلاث صور:"الضرورات" و"الحاجات" و"التحسينات". ولتأسيس حكم على الصورتين الأخيرتين يجب اللجوء إلى دليل نقلى يطبق مع القياس. ولكن الصوره الأولى (الضرورات) تمثل أساسا قائما بذاته، باعتبار أن المصلحة بهذا الوصف هى المقصد الأسمى للشريعة. ويرفض الغزالى "الاستصلاح" كمصدر شرعى، قائلا إن القياس يغنى عنه. أما الضرورة فهى مصدر قائم بذاته. باعتبارها تبيح المحظورات ويضرب الغزالى مثلا لذلك، لو تترَّس "احتموا" بهم الكفار بعدد من المسلمين، فرغم أن الأصل هو تحريم قتل المسلم لأخيه المسلم، إلا أن قتل المسلمين مع الكفار فى هذه الحالة محققة لمصلحة المسلمين فى عمومهم، حيث إن الكفار لو كتب لهم الانتصار، سيبيدوا المسلمين، بمن فيهم أسراهم.
ولكن الغزالى يحذر من التوسع فى "استخدام" الضرورة، ويضرب لذلك مثلا لركاب سفينة مشرفة على الغرق، يريدون قتل البعض منهم لنجاة الآخرين.
ولكن التوسع فى استخدام المصلحة لم يأت من قبل المالكيين أو الشافعيين، بل من الفقيه الحنبلى "نجم الدين الطوفى" المتوفى 716 هـ/ 1316 م. فهو يتفق مع الغزالى فى كون المصلحة مصدرا مستقلا للتشريع بصرف النظر عن المصادر الأخرى وأن المصادر الأخرى تعترف بالمصلحة كمقصد أسمى للتشريع الإلهى، وبينما يقصرها الغزالى على "الضرورات"، يعممها هو لكافة المنافع العامة، ثم يذهب إلى أنه لو تعارضت مع أصل أن الأصول الأساسية، فإنها تكون الأولى بالتطبيق، باعتبارها المقصد الأسمى للتشريع. ويسوق أدلة نصية على ذلك من القرآن والسنة، أهمها الحديث "لا ضرر ولا ضرار" وعلى ذلك فإن مبدأ رعاية المصلحة هو المبدأ الذى له الغلبة فى "المعاملات" دون "العبادات".
وفى فترة انحسار الاجتهاد وغلبة التقليد، لم تجد المصلحة أنصارا لتطبيقها خاصة إذا كانت لا تعتمد على القياس أو على أية وسائل تخريجية (سوى أدلة عقلية أو نقلية أخرى) على أن أهمية مبدأ المصلحة قد تزايد فى العصر الحديث لدى الإصلاحيين من الفقهاء. فالإمام محمد عبده (المتوفى 1905 م) يساوى بين الشريعة و"القانون الطبيعى"، وفتح الباب أمام الفقهاء لاستخدام المنطق فى استخلاص الأحكام [الاجتهاد] على أن تلميذه رشيد رضا (المتوفى 1935 م) يمكن اعتباره أشد أنصار استخدام "المصلحة" كأساس للإصلاح الفقهى والقانونى والسياسى. مميزا أيضا بين "المعاملات" و"العبادات"، ونادى بتطبيق القواعد الشرعية عن طريق لجنة من العلماء على أساس الضرورات والمصالح. وهذا الاتجاه الإصلاحى المؤسس على المصلحة والتى يعبر عنها حاليًا بالمصلحة القومية غالبًا هو ما شجع الفقهاء القانونيين المعاصرين أمثال عبد الرازق السنهورى، على وضع تقنين مدنى مؤسس على مصادر غربية بالإضافة للشريعة الإسلامية.