الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذهب بربر المغرب إلى مسافة أبعد حينما قامت بينهم ديانات محلية بنيت تقريبًا على الإسلام، فبعد محاولة الثورة التى قام بها ميسرة وبربر طنجة، التى قضى سريعًا عليها، اعترفت قبيلة براغواطة ببنى أبنائها هو صالح بن طريف، الذى جاء لهم بدين وقرآن باللغة البربرية. ولم يقض على هذه الديانات وهذه المحاولات الدينية بين البربر نهائيًا سوى على يد حكام الموحدين فى القرن السابع الهجرى/ الثالث عشر الميلادى. كذلك هناك الحركة التى قام بها "حم"(ت 313 هـ/ 927 - 928 م) بين قبيلة غمارة، قرب تطوان.
وبرغم حركات الانشقاق هذه، فإن الإسلام أصبح الدين الرسمى لأقوى البيوتات التى حكمت المغرب، وقد أخذ فى الانتشار تدريجيًا، واكتسب أرضًا له ببطء بين جبال البربر، لكن ذلك لم يقع إلا بعد وفاة عبد المؤمن الذى حطم دين البرغواطيين ووضع نهاية لحكم المرابطين الذين اتهموا بأنهم مجسّمين. ولقد وحد المرابطون الإسلام تمامًا فى المغرب. ومنذ ذلك الوقت صار للإسلام فى المغرب أبطال، كانوا جنودًا أكثر منهم رجال دين، أجبروا الناس بالحرب على قبول تعاليمهم. ولقد تطلب الأمر من ابن تومرت، البربرى من جبال الأطلس، ورجل الدين الذى تعلم فى المشرق، أن يعود إلى البلاد ليحصل على تأييد أتباعه ليؤسس جماعة سياسية ودينية هى جماعة "الموحدين".
وإذا كانت حركة الموحدين حركة مؤقتة فى المغرب، فإنها بدون شك كانت حركة موجية بما فيه الكفاية لدرجة أنها وقفت فى البلاد على كل آثار دعاوى الشيعة والخوارج كما استطاعت أن تؤسس وتثبت مذهب الإمام مالك بن أنس الذى ما زال متبعًا حتى اليوم فى الغرب.
جـ- تطور الإسلام فى المغرب:
منذ نهاية عهد دولة الموحدين، اكتسب إسلام المغرب بسرعة ملامحه الخاصة به. فبعد طرد المسلمين من الأندلس، واصل الأسبان الحرب ضدهم حتى فى المغرب. ولقد أصبح الإسلام
بعد أن هاجمه المسيحية واضُطر للجهاد غريمًا قويًا فعالًا. وتطلب الأمر استخدام كل قوى البلاد المعنوية. وقد كانت تلك هى الفترة التى ثار الإعجاب فيها بالأولياء والصالحين أحياءً وأمواتًا وبخاصة الأشراف منهم الذين وقفوا إلى جانب الإسلام فى المغرب وتولوا قيادة الناس للدفاع عنه، وقد أخذ هؤلاء اعترافًا رسميًا من المخزن بتلك القيادة.
وقبل المرينيين احتاج الإسلام لعون القوة الزمنية الدائم للدفاع عنه ولإحراز تقدمه. ومنذ عهد حكم تلك الأسرة المرينية، المنحدرة من قبيلة بربرية بدوية، انعكس الوضع، وصار الحكام آنذاك هم الذين استغلوا الإسلام ليزيدوا من قوتهم أنفسهم، وحاولوا احتكاره بإنشاء مدارس للتعاليم الدينية؛ وكانت (مدرسة الصغاريين) أول هذه المدارس التى أنشئت سنة 679 هـ/ 1280 م على يد السلطان أبو يوسف فى فاس، عاصمة البيت الحاكم، الذى جعل منها أكبر مركز ثقافى إسلامى فى غرب بلاد البربر. ولقد قام البيت الحاكم الذى خلف حكم بنى مرين، وهم بنو وَّطاس، بتأسيس ضريح فخم لمؤسس الأسرة إدريس الثانى، ليدفن فيه وقد كان آنذاك محل مهابة كبيرة. ولقد كوَّن إدريس الثانى طريقة (جماعة) دينية، وأخذت سلالته من بعده لقب (الشريف) وسرعان ما لعب الأشراف دورًا مهمًا فى المجتمع المغربى ذا سطوة سياسية ومعنوية، وسرعان ما إزدادت قوة الأدارسة (الشُرفا) بمؤازرة فرع آخر منهم من نسل الحسن بن على (الحسنيين) فكان الإثنان أصل أشراف المغرب: الأدارسة والعلويين. وإلى الغلويين ينتسب بيتا الأشراف: السعديين والغلاليين، ولا يزال الأشراف الفلاليون فى السلطة. ومن لحظة توليهم الحكم، صار نفوذ الشُرفا على مقدرات البلاد هو الأكثر رجحانًا.
ولقد ارتبطت ظاهرة الأشراف بنشأة الطرق الصوفية ورغم أننا وجدنا شواهد على وجودها عند نهاية دولة الموحدين (الحجاجية، المغرينية، الأمغارينية)، فقد تكونت الطريقة الجزولية، التى قاد حملة الجهاد فيها