الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأساس النظرى:
لم يحظ الموضوع باهتمام البحث النظرى قبل الموردى.
ففى كتابه "الأحكام السلطانية"، والذى وضعه فى محاولة لتدعيم سلطة الخلافة ضد تهديد السلاجقة، أفرد الموردى فصلا مسهبا عن نظام المظالم، هيكله وإجراءاته واختصاصاته.
فنظر المظالم مسئولية الخليفة، والوزراء، والولاة، أو من ينتدبونهم لهذه المسئولية ممن يجب أن تتوفر فيهم صفات الأمانة والسلطة والصلاحية للقضاء وتعتبر جلسة النظر فى المظالم صحيحة حين يوجد للمسئول عن نظرها من يعاونه من حرس وفقهاء وقضاة وحجاب ومسجلين (شهود). وقد عدد عشرة مواضيع كاختصاص لهذا النظام، تقع فى مجموعتين رئيسيتين: إساءة استعمال السلطة من قبل موظفى الدولة وتنفيذ أحكام القضاء.
والاختلاف الجوهرى طبقا لما أورده الموردى بين نظام المظالم ونظام القضاء يكمن فى الإجراءات. فسلطة صاحب المظالم أوسع فى توجيه الإجراءات، منها سلطة الإجبار، وقبول وسائل إثبات أيسر من المتطلبة قضائيا، واستدعاء الشهود، وتأجيل سماع الدعوى لحين التحقيق فيها قضائيا. ويرى الموردى أن هذا النظام يقطع سبل التحايل المحتمل لذوى النفوذ على الإجراءات القضائية. ويربط كتاب متأخرون عنه بين هذا النظام وما يسمى "السياسة الشرعية".
العصور الوسطى:
لم تتحقق آمال الموردى أو رؤسائه، فاستمر نظام المظالم فى تطوره دون تمسك بنظريات معينة. والظاهرة الملفتة للنظر فى هذه الحقبة هى ازدياد تضمينه فى المهام الإدارية الأخرى، خاصة فى عهود السلاجقة، وشاهات خوارزميين فى فارس وأواسط آسيا، والفاطميين والأيوبيين والمماليك فى مصر.
والخطوة الأولى هى تقديم المظلمة (الرقعة أو القضية). ورغم أن
تقديمها شفاهة فى جلسة علنية ظل هو الوضع المثالى، فإن المصادر تواترت على أن التعامل معها كان عن طريق الإدارة الحكومية. وقد عددت ست قنوات يتم فيها ذلك التعامل. فمن بين رجال الدولة الذين كانوا يحضرون جلسات نظر المظالم كان السلطان، ونوابه، والولاة، وكبار الضباط (غالبا الأتابك، الدويدار، الحاجب). أما القاسم المشترك لكافة القنوات فكان الجهاز الإدارى المتمثل فى ديوان الانشاء تحت رئاسة الوزير أو صاحب ديوان الإنشاء وكاتب السر منذ القرن السابع الهجرى. كما كان تجاوز الروتينيات يتمثل فى إحالة المظلمة إلى صاحب (موقّع) القلم الدقيق فى عهد الفاطميين، وصاحب (موقع) الدست فى عهد المماليك. وبدءا من عهد الفاطميين حددت القواعد المنضبطة شكل المرسوم الذى يصدر بالقرار فى المظلمة، والذى كان يحمل توقيع السلطان أو أحد أصحاب المناصب الكبرى، بصرف النظر عن الجهة التى تعاملت مع المظلمة.
وكانت المظالم تنظر فى جلسة علنية تسمى المجلس، وتكون عادة فى المقر الإدارى لمن سينظر فيها. وتغير ذلك الوضع حين أسس نور الدين زنكى "دار العدل" فى دمشق عام 459 هـ/ 1154 م خصيصا لهذا الغرض. وقد عرفت العواصم فى عهد الأيوبيين أيضا دور العدل. أما فى مصر فقد كانت الجلسات تعقد فى المدرسة الشافعية. وكانت الجلسات تعقد مرتين أسبوعيا، يوص الاثنين والخميس.
وكان انتقال السلطان وكبار رجال الدولة إلى دار العدل يتم بموكب رسمى كبير، أضيف إليه فيما بعد وليمة (سماط) وأصبح الإجراء فى مجمله يعرف باسم "الخدمة"، والتى بلغت أوجها فى بداية عهد المماليك.
ونقل السلطان بيبرس الأول مقر جلسات المظالم إلى دار العدل تحت القلعة، وكانت أيضا مقر الخدمة. وفى عهده ضم الموكب أعدادا من كبار الضباط ورجال الدولة، كما أضيفت للخدمة مهام أخرى مثل حضور الاحتفالات العامة، واستقبال