المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌المعرى (*) هو أبو العلاء أحمد بن عبد اللَّه بن سليمان، - موجز دائرة المعارف الإسلامية - جـ ٣٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌مرداس، بنو

- ‌المصادر:

- ‌مرصد

- ‌المصادر:

- ‌المرصفى، حسين

- ‌المصادر:

- ‌المرعشيون

- ‌1 - أسرة السادة المرعشيين فى "مازانداران

- ‌أ - المرحلة الأولى

- ‌ب- المرحلة الثانية

- ‌2 - بعض سلالة أسرة السادة المرعشيين فى "مازانداران

- ‌المصادر:

- ‌مرو الشاهيجان

- ‌مروان بن الحكم

- ‌مروان بن محمد بن الحكم

- ‌مريم عليها السلام

- ‌أ) نعم اللَّه على مريم عليها السلام ومنزلتها: البشارة

- ‌ب) منزلة مريم عليها السلام الدينية

- ‌قصة مريم وعيسى عليهما السلام

- ‌1) ميلاد مريم عليها السلام

- ‌2 - بشارة عيسى عليه السلام:

- ‌المصادر:

- ‌المزدلفة

- ‌المصادر

- ‌المساحة، علم

- ‌المصادر:

- ‌مساحة

- ‌المصادر:

- ‌مسقط

- ‌ المصادر

- ‌مسواك

- ‌المصادر:

- ‌مشربية

- ‌المصادر:

- ‌مصدق

- ‌المصادر:

- ‌مصر *

- ‌(أ) مصر -بكسر الميم- اسم شخص سميت باسمه مصر

- ‌المصادر:

- ‌(ب) - مصر - بفتح الميم- والجمع أمصار يعنى فى التاريخ الإسلامى الباكر تجمعات سكنية تنمو خارج معسكرات الجيوش العربية الفاتحة خارج شبه جزيرة العرب، وتلا ذلك إطلاقه على عواصم البلاد المفتوحة. وكلمة مصر -بفتح الميم- من أصل سامٍ قديم، وفى الأكادية، يدل اسم "مصرو" على "الحد الفاصل" وعلى البلد، وفى العبرية والآرامية تدل كلمة مصر ومصرانا على البيت أو الحقل كمكان معين محدد

- ‌مصر قبل الفتح العربى

- ‌فتح العرب لمصر:

- ‌النظم الإدارية والمالية والاجتماعية فى مصر منذ الفتح حتى عهد عبد الملك:

- ‌من العباسيين إلى الفاطميين 750 - 969 م:

- ‌الفترة الفاطمية 969/ هـ 1171 م:

- ‌المصادر:

- ‌مصطفى "الأول

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌مصطفى "الثانى

- ‌مصطفى "الثالث

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌مصطفى الرابع

- ‌مصطفى بشتلى

- ‌المصادر:

- ‌مصطفى باشا بيرقدار

- ‌مصطفى جلبى

- ‌مصطفى خازندار

- ‌المصادر:

- ‌مصطفى خيرى أفندى

- ‌المصادر:

- ‌مصطفى عبد الرازق

- ‌المصادر:

- ‌مصطفى باشا قره

- ‌مصطفى كامل

- ‌المصادر:

- ‌مصطفى باشا لالا

- ‌‌‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌مصطفى باشا النشار

- ‌مصعب بن الزبير

- ‌المصادر:

- ‌المصلحة

- ‌المصادر:

- ‌المطيع للَّه الفضل

- ‌مظالم

- ‌العصر العباسى:

- ‌الأساس النظرى:

- ‌العصور الوسطى:

- ‌ المصادر

- ‌معافر

- ‌ المعافرى

- ‌المصادر:

- ‌المصادر:

- ‌معاوية بن أبى سفيان

- ‌المصادر:

- ‌معبد بن وهب

- ‌المصادر:

- ‌المعتزلة

- ‌التطور التاريخى:

- ‌الأفكار المذهبية:

- ‌المصادر:

- ‌المعتضد باللَّه العباسى

- ‌المعتمد بن عباد

- ‌حياته:

- ‌المعجزة

- ‌معد

- ‌المصادر:

- ‌المعراج

- ‌1 - فى التفسير الإسلامى والتقاليد الشعبية والصوفية للعالم العربى

- ‌2 - فى الأدبيات العربية:

- ‌3 - أدبيات المعراج فى شرق وغرب أفريقيا:

- ‌المصادر:

- ‌4 - المعراج فى الأدب الإندونيسى:

- ‌المصادر:

- ‌5 - المعراج فى الفن الإسلامى:

- ‌المصادر:

- ‌معروف الرصافى

- ‌المصادر:

- ‌معرة النعمان

- ‌المعرة تاريخيا:

- ‌المصادر:

- ‌المعرى

- ‌المعز بن باديس

- ‌المصادر:

- ‌المعلقات

- ‌المعلوف

- ‌المصادر:

- ‌معن بن أوس

- ‌معن بن زائدة

- ‌المصادر:

- ‌المعنيون

- ‌المصادر: وردت فى المتن

- ‌معين المسكين

- ‌المغرب *

- ‌1 - جغرافية المغرب

- ‌2 - تاريخ المغرب

- ‌المغرب قبل الإسلام:

- ‌قدوم الإسلام:

- ‌المرابطون والموحدون:

- ‌المرينيون:

- ‌العدوان المسيحى وإحياء الشعور المدينى لدى المسلمين:

- ‌دولة الأشراف السعديين:

- ‌الأشراف الحسنيون:

- ‌المغرب والقوى المسيحية:

- ‌الأزمة المغربية وفرض الحماية الفرنسية:

- ‌3 - السكان

- ‌1 - البربر:

- ‌2 - العرب:

- ‌3 - اليهود:

- ‌4 - عناصر مختلفة:

- ‌4 - الحياة الاجتماعية والاقتصادية

- ‌أ- فى الريف:

- ‌ب- المدن:

- ‌ج- الحياة الاقتصادية:

- ‌5 - التنظيم السياسى

- ‌القضاء:

- ‌ملكية الأرض:

- ‌6 - الحياة الدينية

- ‌أ- البربر قبل الإسلام:

- ‌ب - الدخول فى الإسلام:

- ‌جـ- تطور الإسلام فى المغرب:

- ‌د - الإسلام فى المغرب الحديث:

- ‌7 - مسح لغوى

- ‌8 - الحياة الثقافية

- ‌مراكز التعليم:

- ‌مؤرخو المغرب الأقدمين:

- ‌الجغرافيا:

- ‌أدب التراجم:

- ‌المصادر:

- ‌المغناطيس

- ‌المغيرة بن شعبة

- ‌المغيرية

- ‌المفضليات

- ‌1 - جمع ورواية:

- ‌2 - نصوص منقحة وشروح:

- ‌3 - تحليل المضمون

- ‌المصادر:

- ‌المقالة

- ‌المصادر:

- ‌مقام

- ‌تشكيل وتطور السلم النظرى للأصوات:

- ‌قيم المسافات وتكوين الأجناس

- ‌تكون المقامات الديوانية الموسيقية من الأجناس:

- ‌التسمية والمقارنات

الفصل: ‌ ‌المعرى (*) هو أبو العلاء أحمد بن عبد اللَّه بن سليمان،

‌المعرى

(*)

هو أبو العلاء أحمد بن عبد اللَّه بن سليمان، الشاعر والناثر العربى المشهور، عاش فى العصر العباسى الأخير. وكان مولده سنة ثلاث وستين وثلثمائة هجرية 973 م، فى معرة النعمان، وهى مدينة تقع بين حلب وحمص فى الجزء الشمالى من سوريا، وقد توفى فيها أيضًا وكان ذلك فى عام 449 هـ/ 1058 م. وكان جدوده الأوائل من بنى سليمان الذين كانوا من العائلات المرموقة فى "معرة" ولما كانوا من علماء الشافعية، فقد تولوا منصب القضاء وهو منصب تولاه لأول مرة على التوالى جد لأحد أجداد أبى العلاء -وبالإضافة إلى ذلك نجد أن بعضًا من بنى سليمان كانوا شعراء مجيدين.

وقد أصيب أبو العلاء المعرى وهو فى الرابعة من عمره بمرض الجدرى مما ترتب عليه فقد بصره. لكن اللَّه عوضة إذ وهبه حافظة واعية غير عادية، وصلت -كما جاء فى سيرته- إلى أبعاد مذهلة، وقد أفرد الحجة الثقة ابن العديم فصلًا فى دراسة عن أبى العلاء) عن إدراكه العميق وقدراته الطبيعية وفكره المشرق المتوهج وبصيرته النافذة، أما أنه بدأ حياته كشاعر فى سن مبكرة تناهز الحادية عشرة أو الثانية عشرة، فهذا لا يدهشنا، أو أن هناك مثالًا مماثلًا فى أبى الطيب المتنبى وشعره المبكر أيضًا وقد أكمل أبو العلاء تعليمه المدينى واللغوى والأدبى، وفى هذا قرأ النصوص المطلوبة تحت إشراف كثير من "المشايخ" وعلى وجه الخصوص هؤلاء الذين كانوا فى المعرة وفى "حلب". ويقول ابن القفطى" فى كتابه "تعريف القدماء" إن من بين شيوخه رفاقا من حلقة "ابن خالويه"، الذى كان واحدا من الذين يشتركون فى اللقاءات الأدبية فى بلاط سيف الدولة فى حلب. كما يجب إن نذكر من بين أساتذته محمد بن عبد اللَّه بن سعد، الذى كان "راوية" لشعر المتنبى. . ويذكر ابن العديم فى الإنصاف كيف أن أبا العلاء -وهو يقرأ ديوان المتنبى تحت إشرافه- قد صحح رواية ابن سعد، وبمقارنة الفقرة ذات الصلة بتلك التى وجدت فى مخطوط

(*) رؤى إضافة هذه من الطبعة الأصلية الأحدث، ونشير إلى وجود ترجمة سابقة فى المجلد الثانى من هذه الدائرة بعنوان "أبو العلاء المعرى".

ص: 9443

فى العراق تبين أن أبا العلاء كان على حق فى تصويبه. . ويمكن أن نخلص من هذه الحادثة، إلى أن أبا العلاء كان على معرفة فى هذه السن المبكرة، بشعر المتنبى الذى كان يقدره تقديرًا كبيرًا حتى عندما تقدمت به السن.

ونعرج على المرحلة التالية فى حياة أبى العلاء، حتى رحلته إلى بغداد. . وهنا يختلف المؤرخون العرب فنرى بعضهم يقول إن، الشاعر سافر إلى بعض المدن الأخرى، بصرف النظر عن رحلته إلى بغداد. . بل ويصرون على أنه قام بزيارة أنطاكية وطرابلس بالشام، حتى يفيد من مكتباتهما المحلية. ويقول ابن القفطى، وآخرون ساروا على نهجه -إن الشاعر توقف وهو فى طريقه إلى طرابلس على مسافة قصيرة من اللاذقية- عند دير الفاروس يحيى سمى بهذا الاسم إحياء لذكرى المسيح. . وهناك استمع إلى راهب يناقش فى الفلسفة الهيلينية [اليونانية القديمة أو الاغريقية] مما أثار فى عقله بعض الشكوك التى انعكست بعد ذلك فى شعره، أما غير هؤلاء من المؤرخين فيقولون بوجهة نظر أخرى، فابن العديم واحد من هؤلاء الذين ينكرون أن يكون الشاعر قد تأثر بأية عقيدة غير الدين الإسلامى. . ففيما يتعلق بأنطاكية يقيم ابن العديم حجته على أساس الوضع السياسى محتجًا بأن أنطاكية كانت زمن أبى العلاء داخل الحدود البيزنطية محرمة على المسلمين ويستدل ابن العديم على ذلك من السلطات البيزنطية للمسلمين فى هذه المدينة أنه لا يمكن تصور أن توجد مكتبة فى هذه المدينة، كما لا يمكن تصور أى شخص يسافر إلى هذه المدينة سعيًا للمعرفة، أما فيما يتعلق بالوجود المزعوم لهذه المكتبة فى طرابلس، والتى يتذرعون بأنها الحافز وراء سفرة أبى العلاء إليها، فإن ابن العديم يشير إلى أن مثل هذه المكتبة قد تأسست فى عام 472 هـ/ 1079 - 1080 م، أى بعد وفاة أبى العلاء بسنوات طويلة، ولكن بالرغم من الحجج القوية لابن العديم، فإن البحوث تميل إلى تقبل احتمال أن يكون أبو العلاء قد قام بزيارة لهذه المدن التى ذكرت، كما قد يستدل على ذلك من بعض الإشارات إليها الواردة فى شعره.

ص: 9444

وقد جمعت قصائد النصف الأول من حياة أبى العلاء فى ديوان أطلق عليه اسم "سقط الزند" وفى هذه المجموعة من القصائد تتناثر هنا وهناك انفعالات الشاعر بالتطورات السياسية المعاصرة فى سوريا وردود فعله تجاهها. . وفى تلك الفترة تقريبًا بدأت أسرة الحمدانيين، التى كانت حلب مركز سلطتها، تفقد الكثير من سلطانها، الذى بلغ أقصى ذروته فى عهد سيف الدولة، والذى أخذ ينحدر بالتدريج فى ظل من خلفوه، إلى أن ترك الساحة فى النهاية لسلسلة أخرى من الأمراء هم "الرادسيون" وفى هذه الأثناء، تعرض الاستقلال النسبى للمنطقة الشمالية من سوريا لتهديدات متزايدة من الهجمات المتجددة للقوات العسكرية البيزنطية من الشمال ومن الجنوب ومن ظهور الفاطميين لأول مرة. . وفى الوقت نفسه لم يكن من المتوقع أن يصل أى عون من الأمراء البويهيين وسادتهم الاسميين: خلفاء بنى العباس فى بغداد -ففى عهد خلفاء سيف الدولة، وعلى الأخص سعد الدولة وسعيد الدولة، بدأ "الأئمة" الفاطميون يحاولون بسط نفوذهم من مصر إلى شمال سوريا، وأصبحت حلب -وعلى الأخص فى الوقت الذى بدأ فيها سعيد الدولة حكمه- هدفًا للعديد من عمليات الحصار التى كانت تطول ولكنها جميعا باءت بالفشل انظر ابن العديم: زبدة الطلب من تاريخ حلب (1/ 1851 - 192) -وقد اهتم أبو العلاء كثيرًا بهذه التطورات كما هو واضح من أربع قصائد على الأقل من قصائده فى المديح ضمها ديوانه سقط الزند. ففى هذه القصائد يمتدح أبو العلاء شخصيات مهمة من كلا الطرفين المتحاربين -وهكذا نراه يمتدح فى إحدى القصائد من يدعى "بَنْجوتكين"، الذى كان قائدًا من قواد الفاطميين- وكما أنه يمتدح فى قصيدتين أخريين شخصا اسمه "أبو الحسن على بن الحسين" وهو من "بنى المغربى". . وقد كان "كاتبًا "ووزيرًا" فى خدمة الحمدانيين، ولكنه خان سادته وشغل فى عهد الفاطميين منصب "مدبر الجيش" أى المشرف المالى والإدارى على الجيش وحاول أن يغزو حلب لصالح الفاطميين. ومن جهة أخرى قد يكون من المفيد أن نلاحظ أن "سعيد

ص: 9445

الدولة، الذى رسخ أقدامه فى حلب بصعوبة بالغة كان ممن مدحهم أبو العلاء فى شعره إذ يقول: أن الجمال ألحَت عليه بالسؤال ما وجهته فأجابها "سعيد" يعنى بذلك الممدوح كما نعنى أيضًا "المحظوظ".

وهكذا يمكن أن يكون اسم الأمير فألا طيبًا ومع ذلك كانت هذه المقاطع "المديحية" جميعا غريبة بعض الشئ، ذلك لأنها لا تتفق والصورة التى رسمها أبو العلاء لنفسه فى مقدمة ديوانه (شروح سقط الزند 1/ 10) عندما يقول "أنه لم يقرع الأبواب لكى يسمعه السادة وهو ينشد شعره، كما أنه لا يسعى بمدحه وراء جائزة ينالها ويمكن أن نفسر هذا التناقض بين الفرية الواضحة المحددة، والواقع الفعلى بأن الشاعر قد تعرض لضغط لينظم هذا الشعر فنظمه مرغمًا (راجع ابن العديم: بغية الطلب).

وفى عام 395 هـ/ 1004 - 5 م، كان على أبى العلاء أن يتكبد الصدمة المؤلمة بموت والده "أبى محمد عبد اللَّه بن سليمان" الذى كان أول معلم له، ونحب أن نشير هنا إلى أن هناك روايتين لتاريخ وفاة أبيه: رواية عماد الدين فى "فريدة القصر" وابن "العديم" فى الانصاف ص 493 التى تذكر أن الوفاة كانت فى عام "395 هـ" ثم الرواية الأخرى لياقوت فى معجم الأدباء وتذكر أن الوفاة كانت فى عام 377 هـ/ 987 - 988 م وهى رواية خاطئة وأن أخذ بها معظم من ترجموا له من الغربيين وينفعل الشاعر بهذا الحديث أعنى وفاة أبيه، وينظم مرثية محكمة متقنة امتدح فيها مواهب أبيه الشعرية ومناقبة بعبارات رائعة فيقول:

أمولى القوافى كم أراك انقيادها

لك الفصحاء العرب كالعجم اللكن

مضى طاهر الجثمان والنفس والكرى

وسهد المنى والجيب والذيل والردن

ويقال إنه بعد هذا الحديث بثلاث سنوات غادر "المعرة" ليستقر فى بغداد، حيث مكث بها عاما ونصف العام فقط وقد أشار الشاعر نفسه فى رسائله إلى الدافع الذى حفزه على السفر إلى بغداد، وهو أن المكتبات فى ذلك المكان هى التى أثارت اهتمامه ولا شئ أكثر من ذلك. . ونحن نعرف من سقط الزند أن الشاعر كان على اتصال

ص: 9446

ببعض الشخصيات التى تعمل فى مكتبات بغداد، ومن بين هؤلاء "أبو منصور محمد بن على" الذى كان يعمل بدار العلم والذى نظم فيه أبو العلاء قصيدة طويلة: وكذلك أبو أحمد عبد السلام البصرى الذى كان يتولى الإشراف على دار الكتب فى بغداد (انظر تاريخ بغداد 11/ 57 - 58)، والذى وجه إليه المعرى بعد عودته إلى المعرة -قصيدة يعرب فيها عن ذكرياته الكئيبة فى بغداد، ويذكر حلقات النقاش الأسبوعية أيام الجمعة- وبالرغم من الفائدة التى كان يمكن أن يجنيها لو أنه أقام طويلًا فى بغداد، إلا أنه آثر الرحيل والعودة إلى بلده ويبدو أنه عانى ضائقة مالية -وهذا لا يدهشنا لأنه كان عازفًا عن نظم المدائح فى كبار القوم وأشرافهم فى بغداد مثلما فعل المتنبى مثلًا. وهناك سبب آخر وقد ذكره فى قصيدة وجهها إلى "أبو القاسم على بن المحسن التنوخى"، ابن مؤلف "نشوار المحاضرة" المعروف يشكو إليه أنه لم يعد قادرا على لقائه. لسببين: أحدهما موت أمه وثانيهما إفلاسه التام. . .

وبصرف النظر عن تفسيره لما حمله على الرحيل عن بغداد مبكرا يذكر المؤرخون العرب أحداثًا أخرى قد تكون هى التى دفعته إلى هذا الرحيل -ومن بينها ما حدث فى مجلس أدبى للشريف العلوى "المرتضى" شقيق الرضى الشاعر الشيعى المعروف- فقد انتقد المرتضى الشاعر المتنبى. فردَّ عليه أبو العلاء مدافعًا عن المتنبى دفاعًا حارًا فأمر الشريف المرتضى أن يجروه فجرُّوه وقذفوا به خارج المجلس (وكان قد رد على المرتضى بأن قال لو لم يكن للمتنبى من الشعر إلا قوله "لك يا منازل فى القلوب منازل" لكفاه. . . فقال المرتضى أتودون أى شئ أراد هذا الأعمى بذكر هذه القصيدة فإن للمتنبى ما هو أجود منها لم يذكره -فقال الحضور "النقيب السيد أعرف" فقال أراد قول المتنبى:

"وإذا أتتك مذمتى من ناقص

فهى الشادة لى بأنى كامل

ويذكر ابن كثير فى البداية تحت أحداث عام 449 هـ أن فقهاء بغداد هم الذين طردوه لأنه أثار غضبهم ببعض الأسئلة الحرجة عن تطبيق أحكام معينة فى الفقه الإسلامى. .

ص: 9447

وفى رمضان من عام 400 هـ/ 1010 م بدأ أبو العلاء رحلة عودته، ولكنه وجد عند رجوعه أن أمه قد ماتت. وكانت ضربة قاسية نظم على أثرها مرثيتين نفث فيهما عن مشاعره الحزينة وكيف أنه كان يتمنى أن يسبقها إلى الموت، وأن عزاءه الوحيد أن يدفن بجوار قبرها، وأعرب عن أمله فى أن يلقاها مرة أخرى بعد البعث الذى ليس ببعيد، وقرر أن يعتزل الناس جميعًا. ويبقى فى بيته إلى الأبد رغم أن الناس كانوا يفرون خوفًا من اليونانيين ومن ثم أصبح يعرف "برهين المحبسين"(أى رهين عماه وداره).

ولكن خرج على هذا الحبس الذى فرضه على نفسه مرة واحدة فحسب بسبب حادثة وقعت فى مدينته فى عام 417 هـ/ 1026 - 1027 م. ففى ذلك الوقت كانت حلب وأقاليمها تحت حكم صالح بن مرداس الذى أصبح -بصفته زعيمًا لقبيلة كلاب- مؤسس الأسرة المرداسية وقد أثار وزيره المسيحى تادرس الملقب بوزير (السيف والقلم) بسبب سياسته القوية العنيفة، التوتر بين الطوائف المسيحية والمسلمة فى سكان حلب والمنطقة المحيطة بها ونتج عن هذه التوترات أن اندلعت أعمال العنف فى "معرة" ففى يوم من أيام الجمعة اقتحمت امرأة على جموع المصلين جامع المدينة تشكو من ضيق ألمَّ بها على يدى مسيحى مالك لأحد محلات الخمور، حيث اعتاد بالإضافة إلى بيعه الخمر -أن يقدم النساء أيضًا للمتعة. وعلى الفور هب الحضور جميعًا -باستثناء القاضى ووجهاء القوم- لسلب المحل وتحطيمه. وقد قام صالح -بتحريض من هذا الوزير بسجن بعض الوجهاء وكان من بينهم "أبو المجد" شقيق الشاعر. واضطر أبو العلاء أن يتدخل لدى صالح من أجل أبناء بلدته وقد وفق فى ذلك كثيرًا ونجد الشاعر يتذكر هذه الأحداث فى قصائده العديدة فى ديوانه "لزوم ما لا يلزم". ومن الواضح أن الشاعر كان يقر ما أقدم عليه أهل بلدته، وقد ورد الخبر مفصلا عن هذا الحديث التاريخى فى زبدة الحلب لابن العديم وفى كتابه الآخر الإنصاف وهذا الذى حدث فى معرة ورد فعل الشاعر تجاهه يقال إن أبا العلاء لم ينعزل كلية بل جرى العكس

ص: 9448

إذ أصبح بيته مزارا للكثيرين من الوزراء والدارسين والتلاميذ، على حين كان يواصل رسائله ومراسلاته النثرية. أما مراسلاته الشعرية مثل تلك التى جاءت فى مجموعته الأولى من سقط الزند فترجع إلى الفترة السابقة لبغداد وكان ممن اتصل بهم الشاعر الشخصيات التالية:

1 -

حاكم حلب أبو شجاع فاتك ابن عبد اللَّه الرومى "عزيز الدولة" والذى عينه الفاطميون وحكم فى الفترة من 407 هـ/ 1016 - 17 م حتى 413 هـ/ 1022 - 23 م (انظر زبدة الحلب 1/ 215 وما يليها) وقد قام بزيارة لأبى العلاء ليعرض عليه دعوة من الإمام الفاطمى "الحاكم" ليذهب إلى مصر ولكن الشاعر لم يوافق على الإقامة فى مصر.

2 -

أبو القاسم المغربى -وكان ولدًا لأبى الحسن المغربى كاتب الحمدانيين الذى ذكرناه من قبل، ولما كانت سنة أربعمائة للهجرة (1009 م) وفى الوقت الذى أعدم فيه الحاكم جميع أفراد أسرة المغربى إلا القليل منهم، استطاع أبو القاسم أن يهرب من المذبحة.

وبعد كثير من الترحال عين وزيرًا فى ميافارقين وقد وجه أبو العلاء الكثير من الرسائل إليه بل وأنشا قصيدة رثاه فيها عند وفاته.

3 -

أبو نصر أحمد بن يوسف المغازى وهو شاعر ووزير عينه حاكم ميافارقين -وقد زار أبا العلاء ويقال أنه وجه إليه أسئلة دقيقة محرجة بعض الشئ عن أسلوبه الزاهد فى الحياة (انظر ابن القفطى: انباه، ص 63).

4 -

أبو الفضل محمد بن عبد الواحد البغدادى الذى كان وزيرا للخليفة العباسى القائم بأمر اللَّه، وسفيرًا له أيضًا بعث به إلى الأمير الزيرى "المعز ابن باديس" فى تونس. وقد مر بمعرة النعمان وهو فى طريقه إلى الغرب.

وقام بزيارة أبى العلاء ثم واصل رحلته على مراحل حتى استقر نهائيا فى الأندلس (انظر الصفدى الوافى، ص 70 - 71. الإنصاف لابن العديم، ص 563) على أنه يجب أن نشير إلى واحد من تلاميذ مدرسة أبى الفضل الذى كتب تعليق نفيسًا على سقط الزند.

ص: 9449

5 -

أبو زكريا يحيى بن الخطيب التبريزى الذى كان لعدة سنوات تلميذا لأبى العلاء -ثم عمل أستاذًا فى المدرسة النظامية فى سنواته الأخيرة، وقد وضع هو الآخر شرحًا لسقط الزند.

6 -

أبو المكارم عبد الوارث بن محمد الأبهرى. وقد قرأ على يد أستاذه أبى العلاء لمدة أربع سنوات، ولمعرفة مزيد من أسماء بعض من اتصلوا بأبى العلاء انظر الإنصاف لابن العديم ص 517، 565.

وفى أواخر أيام حياته اتصل الشاعر بقليل من الدارسين ذوى الميول "الإسماعيلية" وفى عام 438 هـ/ 1047 م مر الشاعر الفارسى والناثر المعروف "ناصرى خسرو" بمعرة النعمان وهو فى طريقه إلى الإمام الفاطمى المستنصر. وهو يقدم فى روايته عن رحلاته انطباعًا غريبًا إلى حد ما عن أبى العلاء فيقول إنه كان بالغ الثراء وإن كل سكان المعرة كانوا خدما له، فى الوقت الذى كان فيه الشاعر يعيش حياة زاهدة فهو دائم الصوم، ويحافظ على صلوات الليل -وهكذا يبدو أنه فرض على نفسه حياة الزهد رغم يسره وغناه.

وبعد ذلك بعشر سنوات تقريبًا كان أبو العلاء على اتصال فكرى غير مباشر بمراسلاته مع "داعى الدعاة" الإسماعيلى أبى نصر بن أبى عمران المؤيد فى الدين وفى عام 448 هـ/ 1057 م -بناء على أوامر من الخليفة الفاطمى المستنصر قام "المؤيد" بمهمة إلى شمال سوريا لحشد حكامها المحليين ضد الأتراك السلاجقة الذين أصبحت مقاليد الأمور منذ قريب ببغداد فى أيديهم وبدأ داعى الدعاة -وهو يقوم بهذه المهمة- بمراسلة أبى العلاء متظاهرًا أنه يطلب توجيهاته فيما يتعلق بأسلوب للحياة يحدده أبو العلاء شعرا. وفى ديوانه "لزوم ما لا يلزم" ينصح الشاعر بأسلوب فى الحياة يتسم بالزهد. . فهو يرفض أكل السمك واللحم واللبن والبيض والعسل. ويعلن فى الوقت ذاته أنه على جانب من المعرفة بالغيب لا ينبغى الجهر بها وأدى تناول الرسائل بينهما فى النهاية إلى توقفها إذ رأى فيها المؤيد عملًا لا جدوى منه.

ص: 9450

وقد حدث أن مات أبو العلاء بعد هذه الرسالة (449 هـ/ 1058 م). . ومن ثم فلا يدهشنا أن نجد بعض المؤرخين العرب يحاولون إيجاد دليل للربط بين هذه المراسلة وبين موت الشاعر ويقول ابن الهبارية فى كتاب "فلك المعانى" أنه انتحر حتى لا يخرجه قسرًا داعى الدعاة ويعاقبه على هذه الهرطقة -ومع ذلك فإن معظم المؤرخين يتفقون على أنه مات ميتة طبيعية ويستشهدون على ذلك بأن الطبيب "ابن بطلان" كان بجواره عند وفاته، فقد طلب الشاعر وهو فى لحظاته الأخيرة من أفراد أسرته أن يأتيه بورق وقلم ليملى عليه شيئًا، فلما جاءوه بما طلب أخطا بعض الأخطاء -على غير ما كان ينتظر منه- فى إملائه، وهنا أعلن ابن بطلان أن أبا العلاء مات فعلا. ونحب أن نشير إلى أن الشاعر فى كثير من شعره كان يرى أن الإنجاب خطيئة وأن الفناء النهائى هو أمل البشرية ولذلك لم يتزوج وطلب أن يكتب على قبره "هذا جناه أبى على وما جنيت على أحد" والظن أنه قد ضاع الكثير من أعمال أبى العلاء بسبب الحروب الصليبية التى أحدثت الكثير من الخراب فى سوريا، ومنها المعرة بالطبع، وقد وضع مصطفى صالح قائمة بجميع مؤلفات المعرى سواء ما هو موجود منها أو مفقود، ومن بين تلك المؤلفات التى لا تزال موجودة ممكن أن نسرد ما يلى:

1 -

سقط الزند. وهو يتضمن فيما يتضمن قصائد فى المدح أشرنا إلى بعضها فيما سبق. وينهج الشاعر فى هذا الديوان النهج الثلاثى التقليدى للقصيدة أى النسيب والرحيل والمديح -ولكنه من حين إلى آخر يرفض النسيب بل ويلغيه تمامًا. وفى هذا الصدد لا يمكن أن يقارن بشاعر مثل أبى نواس الذى هجر النسيب ليتحول إلى وصف الخمر- وفيما يتعلق بأبى العلاء الزاهد فإن تناول الخمر ووصفها مرفوضان عنده أما الماء فهو الذى يفضله.

وعندما كان يتعرض للنسيب كان يركز على سمته الحزينة بوصفه لسجع القمريات فغناؤها الهامس يوحى كان بها لوعة على فقد صغارها منذ زمن بعيد، ويقارن ذلك بحنين الشاعر ورثائه لحبيب بعيد المنال، وعندما

ص: 9451

يصف الشاعر هذا كله، فانه يكون يفكر فى كيف أن الهديل يثير فيه أفكارًا عميقة. . وفى بعض قصائد النسيب القليلة الأخرى يطلب الشاعر وهو الكفيف أن يتبع مرافقوه فى السفر وميض برق بعيد من أرض معشوقته، ولكنه عندما ينام يراود. طيفها الخادع فيزوره، أما قصائد الرحيل فهى أكثر إحكامًا إذ يصف الجمال قد أعياها السفر الطويل فهزلت، ويشير الشاعر من بين حيوانات الصحراء إلى الظبى والقطاة والنعامة والحرباء. . ثم إن تفضيله وصف الليل واضح جدًا حتى أن بعض الشراح يحاولون أن يربطوا بين هذا الاهتمام بوصف الليل وبين فقدان بصره. وأما شعر الغزل فلم يكن مولعًا بنظمه، فإن نظمه تكلّف (انظر طه حسين تجديد ذكرى أبى العلاء، ص 49 وما بعدها) وفيما يتعلق بالمديح وهو الجزء الأخير من القصيدة، فإنه غالبًا ما يغالى فى إطراء الممدوح، حتى لقد اعتذر عن ذلك فى مقدمة ديوانه لأن كل الأوصاف المغالى فيها والتى تتعلق لأول وهلة بكائن بشرى، فى الوقت الذى تتطابق فيه مع صفات اللَّه جل جلاله، فيجب أن تنسب إلى اللَّه وحده -وقد جمع فى سقط الزند بعض النماذج التى يمكن أن تكون شكلا آخر من أشكال القصيدة وهى المرثيات وفى أبيات مليئة بالحكم والأقوال الجامعة المانعة نلحظ جذور تلك اللهجة المتشائمة التى نراها كثيرًا بعد ذلك فى اللزوميات. ويتميز الشعر فى سقط الزند بكثرة المحسنات اللفظية، كما يمكن أن نتبين الكثير من ألوان البديع من مجاز وتشبيه واستعارة إلى جانب بعض صور الجناس، كما نلحظ أسلوب "التورية" الذى يمثل براعة الشاعر الفنية الفائقة وهناك إحدى وثلاثون قصيدة فى سقط الزند جمعت تحت عنوان "الدرعيات". وهى تتميز بوصف واحد أو أكثر من الدروع المصنوعة من الزرد. . وهنا يتخلى عن الموضوعات المألوفة فى القصيدة من رحيل ومديح ويبقى النسيب موضوعًا ثانويًا فى قليل من الحالات. .

2 -

لزوم ما لا يلزم وهو مجموعة أخرى من الأشعار نظمها أبو العلاء فى الفترة التى أعقبت إقامته فى بغداد. ولم تلق هذه المجموعة من الشهرة فى العالم

ص: 9452

الإسلامى ما لقيته مجموعته سقط الزند، بسبب شكلها ومحتواها غير التقليديين فقد التزم بطريقة أكثر صعوبة جعلته مبتدعًا فى القواعد المألوفة للقافية -مما جعل الأدباء العرب يسمون نهجه هذا بالالتزام، وقد وصف الشاعر نفسه مضمون هذه المجموعة فى المقدمة بأنها تعظيم للَّه (سبحانه) وتذكير للغافل، وإيقاظ للكسول المتهاون وتحذير للعالم من عدم اتباع تعاليم اللَّه "سبحانه"- ويذكر الشاعر أيضًا أنه لا يريد أن يتبع ما استقر من أفكار، ويقول إن الشعراء "يستهدفون تجميل ألفاظهم بالأكاذيب والمبالغة". وهو يشير بهذا إلى الأوصاف التى يخلعها الشاعر على محبوبته فى الغزل والنسيب، وعلى الجياد والابل فى الرحيل، وعلى الخمر مثلا فى الخمريات أما هو فإنه على النقيض من ذلك يبحث عن الصدق والحقيقة والتقوى. .

3 -

زجر النابح. . وفى هذا الكتاب يدفع الشاعر عن نفسه الاتهامات التى أثارتها بعض الأبيات فى شعره فى اللزوميات وقد نشرت مقتطفات من هذا الديوان المفقود فى دراسة نقدية تحت عنوان "زجر النابح مقتطفات نشرة مخصصة بقلم الكاتب أمجد الطرابلسى"(دمشق 1385 هـ) انظر: S.M. Stern: Sane noteworlly manuscripts of the poens of Alre - I ala (in) oriens (1954) 342 fol، وقد دافع ابن العديم عن أبى العلاء فى كتابه "الانصاف والتحرى فى دفع الظلم والتجرى. عن أبى العلاء المعرى". . وهذا بحث منصف فى الدفاع عن الاتهامات الظالمة ضد أبى العلاء. . وابن العديم مؤرخ معروف يدقق فى التحرى عن كل ما يتعلق بأبى العلاء والذى قام به بعد موت المعرى بقرنين، إذ كان يتصل بأسلاف هؤلاء الذين كانوا على اتصال بالمعرى فى بلدته "معرة"، كما أفاد من المصادر التاريخية المحلية وكل ذلك مع تقديم الأسانيد.

4 -

الفصول والغايات فى تمجيد اللَّه والمواعظ وقد كتب الشاعر هذا الكتاب بالنثر المسجوع. . وكان ذلك قبل سفره إلى بغداد ثم أكمله بعد عودته منها إلى المعرة (انظر معجم الأدباء لياقوت 1/ 180).

ص: 9453

وهو يضم مقاطع كثيرة قصيرة يختمها بنهاية أو غاية ". . ولذلك يكون فى مجمله عبارة عن عدد من الفصول، كل منها يضم مقاطع تنتهى دائمًا بحرف معين من الحروف الهجائية، ولذلك نجد مثلا: فصلًا غايته همزة""وفصلًا غايته باء" وهكذا حسب ترتيب الحروف الهجائية العربية.

وقد ضاع الجزء الأكبر من هذا العمل، ولكن حدث أن اكتشف الجزء الأول منه، فى نسخة غير كاملة، فى عام 1918 - 1919 وحققه بعد ذلك "محمود حسن زناتى" (القاهرة 1356 هـ/ 1938 م) وهذا الكتاب يتضمن من بين موضوعات كثيرة أخرى أفكارًا عن اللَّه (سبحانه): مثل قدرته الكلية وعدله وفضله وخلوده وأبديته، بالإضافة إلى ملاحظة قوية لصروف القدر التى لا مهرب منها والتى تحكم الإنسان فى حياته اليومية العادية. . وكثيرًا ما نرى فكرة "اللَّه سبحانه" ترتبط بالقضاء والقدر المحتوم، وبالثواب والعقاب الأبدى، الأمر الذى يحضن الإنسان بدوره على أن يتبع سبيل الزهد والتقشف -وقد زعم بعض المؤرخين المتأخرين أنّ هذا الكتاب محاكاة للقرآن ولكن المؤلف كان يستهدف من كتابته تعظيم القرآن فى إعجازه. (انظر طه حسين: مع أبى العلاء فى سجنه، الفصل التاسع)

5 -

رسائل أبى العلاء وهى الرسائل المختصرة التى كتبها أبو العلاء فى عديد من المناسبات ووجهها إلى الكثيرين من أفراد أسرته ومعارفه -وقد كتب هذه الرسائل بأسلوب شديد الأناقة البلاغية وملأه بالأمثال والنثر المسجوع المزين بأبيات من الشعر- وهناك طبعتان من هذه الرسائل الأولى تحقيق شاهين عطية - بيروت 1894 م - والأخرى مع ترجمة انجليزية تسبقها مقدمة تتضمن سيرة الشاعر، ومناقشة بعض من أعماله بقلم د. س. مارجليوث وهى بعنوان رسائل أبى العلاء (The letters of Abu'l Ala - اوكسفورد سنة 1898 م) - وهناك طبعة تتضمن دراسة نقدية للخطاب رقم 30 (حسب ترقيم مارجليوث) أعدها إحسان عباس، بعد عام 1945 م فى القاهرة تحت عنوان "رسالة فى تعزية أبى على بن أبى الرجال فى ولده أبى الأزهر".

ص: 9454

6 -

رسالة "الصاهل والشاحج" أى رسالة حصان وبغل والتى من بين أعمال أخرى ضاعت الآن، قد وجهت إلى أبى شجاع فاتك عزيز الدولة حاكم حلب من قبل الأئمة الفاطميين -وهذه الرسالة التى قيل إنها ضاعت، قد اكتشفت أخيرًا فى المغرب، حققتها مع دراسة نقدية ومقدمة، عائشة عبد الرحمن -بنت الشاطئ- (القاهرة 1975 م) وقد أتم أبو العلاء هذه الرسالة الضخمة فى عام 408 هـ/ 1017 - 1018 م تقريبًا وهو العام الذى اختفى فيه الحاكم، عندما تولى العرش فى مصر الإمام الظاهر الذى يتبعه المؤلف بأمير المؤمنين -وهناك حدث مهم آخر ذكرته الرسالة وقع عام 408 هـ/ 1017 - 1018 م، عندما كتب عزيز الدولة إلى صالح بن مرداس، وهو زعيم بدوى، أسس بعد ذلك أسرة المرداسيين، يأمره بإحضار أمه (أم صالح) إلى داخل أسوار حلب -وكانت هذه الخطوة من عزيز الدولة تعنى طمانة سكان حلب، فى مواجهة الشائعات حول تهديد بيزنطة بالهجوم على بلدهم وهذا التوتر الذى سرى بين السكان فى شمال سوريا أحد موضوعات الرسالة، الذى حشد فيه أبو العلاء -تدريجيًا- عددًا من الحيوانات التى -مع تمتعها بموهبة الكلام -تقول من بين أشياء أخرى- رأيها فى الوضع السياسى فى بلاد الشام فى عهد عزيز الدولة -ولكن السبب المباشر لتأليف الرسالة كان مشكلة الضرائب -فقد كانت قطعة أرض يملكها أفراد من عائلة أبى العلاء، وكان لابد -لاستغلالها- أن يدفعوا لبيت المال فى حلب قدرا معينًا من المال كضرائب -فطلبوا من أبى العلاء أن يبعث بكتاب إلى ابن مرداس فاستجاب لهم وكتب هذه الرسالة يسأله فيها إلغاء هذه الضريبة المفروضة لأن هذه الأرض لا ماء فيها ولا تغل إلا القليل -وبعد ذلك يعرض لشاحج (أى بغل) يقوم وهو معصوب العينين- بسحب الماء لكى يملأ الصهريج، دون أن يفيد من ذلك الجهد حتى لنقع غلته وإرواء ظمئه -ويتذمر البغل فى أول الأمر ثم يبدأ يتكلم يلاحظ أن أبا العلاء وهو يقوم أول حيواناته التى تتكلم مع إيراد مقتبسات من القرآن الكريم كما جاء فى سورة النمل/ 18، 23 من حديث نملة

ص: 9455

بوادى النمل، والهدهد مع سليمان الذى كان يفهم حديث الطير ومن جهة أخرى وفى موضع آخر من الرسالة، يقارن أبو العلاء بين عزيز الدولة، وبين سليمان فكل منهما يتصف بالحكمة والإدراك والفهم ثم تظهر بعد البغل حيوانات مختلفة على مسرح الأحداث من بينها الحصان والجمل والثعلب. . فالبغل يريد من الحصان أن يحمل شكوى إلى عزيز الدولة عن الحياة الشاقة التى يعيشها لكن الحصان -وهو يشير إلى أسلافه النبلاء، يرفض باستعلاء أن يقوم بهذه المهمة- وفى المنظر الثانى يعلن الجمل أنه على استعداد لنقل شكوى البغل -ولأن البغل واسع المعرفة فقد قرر فى أول الأمر أن يبعث بالشكوى شعرًا، ولكن احترامه للجمل حمله على العدول عن هذه الفكرة لسبب يعكس وجهة نظر أبى العلاء فى الشعر إذ يقول (البغل) أنه لا يريد أن يتصف بما يتصف به بنو البشر إذ يحملون الشعر معهم بهدف شئ من النفع ويريد البغل بدلًا من ذلك أن ينقل الجمل أخبارًا غريبة إن ألقاها لم يكن لها سوى معنى واحد عند من يسمعها، بينما هى تحمل فى الواقع معنى ثانيًا خفيًا (التورية). . وعندما يصل الثعلب أخيرًا إلى مسرح الأحداث، يتغير الموقف، إذ يسمع فجاة صراخ مبهم ينبعث من المدينة القريبة فيقوم الثعلب بناء على طلب البغل، بمهمة الاستطلاع ويتضح بعد ذلك أن الصراخ هو نتيجة ذعر أصاب أهل الشام بسبب حملة عسكرية بيزنطية وشيكة القدوم، ويبدأ أبو العلاء فى التلميح إلى التطورات السياسية العديدة التى حدثت فى تلك الفترة التى عاصرها.

7 -

رسالة الغفران وقد ألفها أبو العلاء فى عام 424 هـ/ 1033 م، تقريبًا فى عهد الأمير المرداسى الثانى نصر بن صالح شبل الدولة -وهذا العمل هو رد على رسالة صغيرة وجهها إلى أبى العلاء شخص يدعى على بن منصور بن طالب الحلبى دَوْخله، ويعرف أيضًا با "بن القارح" وكان محدِّثا وعالمًا بالنحو وهو يعرب فى هذه الرسالة عن شكواه من تقدم سنه وما يصاحب ذلك من أسقام وأوجاع، ويذكر لأبى العلاء أن أبى عون يرفده به سوف يلقى ترحيبًا من جانبه

ص: 9456

وبالإضافه إلى ذلك فإن ابن الطامع يفصح عن كبر علمه وتسامحه بذكر عدد من الشعراء والأدباء يتهمهم بالزندقة ويرد عليه أبو العلاء فى سخرية فيفترضه وقد تقدمت به السن فمات هذا المراسل العجوز لتوه ثم يتخيله قد حوسب حسابًا عسيرًا يوم البعث ثم يدخل إلى جنات النعيم التى يصف ابن القارح عددًا كثيرًا من الشعراء الأدباء قد غفرت خطاياهم السابقة على غير ما كان متوقعًا (راجع معنى عنوان الرسالة) وبينما يتجول ابن القارح فى الدار الآخرة، يتمكن من زيارة الجحيم، حيث يجرى مناقشات مع إبليس والشيطان، والشاعر بشار بن برد الذى يعتبر هرطقيًا وهناك جوانب عامة فى رسالة الغفران نذكرها هنا، أولا أن متع الفردوس ونعيمه تقوم على التفسير الواقعى والحرفى لما قرره القرآن والسنة.

وثمة جانب آخر ملحوظ فى رسالة الغفران وهو التعويض عن أى ضرر عانى منه الإنسان والحيوان فى حياته الدنيوية ومن الحيوان خبر حمار وحشى اصطاده صياد وسلخه ثم استفاد من جلده، ثم جاء الأتقياء فأخذوه بدورهم واستفادوا منه فى الطهارة، وهكذا يبدو أنه يوجد فى الجنة شيئان مختلفان تمامًا الأول مادة الفردوس وتمثلها الأبكار اللائى ورد ذكرهن فى القرآن والثانى الحيوانات يهدف الصيد وكلاهما لزيادة متع المنعمين -ثم هناك فى المقام الثانى بنو البشر والحيوانات الذين قدر لهم أن يسعدوا بالأبدية بناء على معاناتهم فى الحياة الدنيا. . أما بالنسبة لابن القارح فإن رؤية أبى العلاء الساخرة له واضحة جدًا، حيث يصف المشهد الرسمى لتوبة ابن القارح والشهود الرسميين الذين صدقوا عليها فى أحد مساجد حلب ثم ما أعقب ذلك من ابتهاج وفرحة فى السماء.

(تجدر الإشارة هنا إلى كتاب عائشة عبد الرحمن "الغفران" القاهرة 1954 م، والذى يناقش الفرق بين رسالة الغفران ورسالات التوابع والزوابع لابن شُهَيْد وهى ذات أهمية عامة كدراسة رائعة لرسالة الغفران)

8 -

رسالات الملائكة تتعلق بمسائل خاصة بأصل بعض الكلمات العربية

ص: 9457

وهكذا نجد فى مقدمة الرسالة إجابة غير مباشرة على أسئلة تتعلق بتصغير وبعض الكلمات والأسماء الموجودة فى القرآن والحديث. ونسمع أبا العلاء -الذى هو صاحب القصة فى هذه الرسالة- يقدم بعض الأسئلة إلى ملاك الموت تتعلق بكل النظم الشكلية (المورفولوجية) التى يمكن أن تُصَغّر بها كلمات مثل ملاك وعزرائيل. وهناك أسئلة أخرى تتعلق بتصغير وكلمات مثل القبر والآخرة والثواب والعقاب ومباهج الفردوس. ويجب أن نلاحظ أن الجنة فى هذه الرسالة هادئة جدا وتتماشى مع ما يراه المتمسكون بالتقاليد -على حين لا تكون كذلك فى رسالة الغفران مع وجود مقاطع ساخرة، أما هدوء الفردوس فيضطرب بالتجول والمناقشات بل والشجار العنيف بين الشعراء والعلماء.

9 -

مُلقى السبيل -وهو عمل قصير جدا ويأتى فى الشهرة بعد شعر أبى العلاء. . وكثيرا ما كان هدفا للمعارضة وخصوصا فى الغرب الإسلامى- ويمكن أن نجد بعض المقتطفات القصيرة من هذه المعارضات فى كتاب "حسن حسنى عبد الوهاب" المسمى "معارضات المغاربة لملقى السبيل" وهذا الكتاب يتضمن فقرات قصيرة من النثر المسجوع، تتبادل مع فقرات أخرى من بعض أبيات الشعر مع التقيد بأن تكون كل فقرة من النثر المسجوع متماسكة فى قليل أو كثير مع فقرة الشعر التالية حسبما يقتضيه المضمون. وهذا المضمون تقليدى جدًا فى طبيعته وليس هناك أى فرق للأخلاقيات التقليدية والتراث الأدبى، ويرى حسن حسنى عبد الوهاب بعض التشابه مع خطباء ما قبل الإسلام مثل قس بن ساعدة الإيادى. . وهناك من يرى تأثير شعر أبى العتاهية فيه. . ويرى البعض أن أبا العلاء كتبه فى أوائل حياته اعتمادًا منهم فى ذلك على بساطة أسلوبه ويرى آخرون أنه كتبه فى أواخر حياته. وأخيرًا نعرض للتعليقات التى ذكرها أبو العلاء حول دواوين الشعراء الآخرين:

1 -

معجز أحمد -تعليقات على ديوان المتنبى ويرجح أن أبا العلاء كتبه وهو فى صدر أيام شبابه.

ص: 9458