المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

فهرس الكتاب

- ‌الباب الثالث عشرفقه الطاعات والمعاصي

- ‌1 - مشاهد الخلق في الطاعات والمعاصي

- ‌2 - فقه الطاعات والمعاصي

- ‌3 - فقه آثار الطاعات والمعاصي

- ‌4 - فقه النعيم والعذاب

- ‌5 - فقه الصبر عن المعاصي

- ‌6 - فقه الثواب والعقاب

- ‌7 - فقه الجزاء من جنس العمل

- ‌8 - فقه التخلص من المعاصي

- ‌9 - فقه التوبة من المعاصي

- ‌الباب الرابع عشرفقه أعداء الإنسان

- ‌1 - العدو الأول: النفس

- ‌1 - فقه النفوس

- ‌2 - آفات النفوس

- ‌1 - آفة الغفلة

- ‌2 - آفة الهوى

- ‌3 - آفة الكبر

- ‌4 - آفة العُجْب

- ‌5 - آفة الغرور

- ‌6 - آفة الكذب

- ‌7 - آفة اللسان

- ‌8 - آفة الرياء

- ‌9 - آفة الحسد

- ‌10 - آفة الغضب

- ‌2 - العدو الثاني: الشيطان

- ‌1 - فقه عداوة الشيطان

- ‌2 - فقه تسليط الشيطان على الإنسان

- ‌3 - فقه خطوات الشيطان

- ‌4 - فقه كيد الشيطان للإنسان

- ‌5 - ما يعتصم به العبد من الشيطان

- ‌3 - العدو الثالث: الدنيا

- ‌1 - فقه حقيقة الدنيا

- ‌2 - فقه الفتن

- ‌3 - فتنة الأموال والشهوات

- ‌4 - فتنة الأهل والأولاد

- ‌4 - العدو الرابع: المنافقون

- ‌1 - علامات المنافقين

- ‌2 - فقه عداوة المنافقين

- ‌5 - العدو الخامس: الكفار والمشركون

- ‌فقه عداوة الكفار والمشركين

- ‌6 - العدو السادس: أهل الكتاب

- ‌فقه عداوة أهل الكتاب

- ‌ فقه جهاد الأعداء

- ‌الباب الخامس عشرفقه الدنيا والآخرة

- ‌1 - فقه الدنيا والآخرة

- ‌2 - قيمة الدنيا والآخرة

- ‌3 - فقه حب الدنيا

- ‌4 - فقه الحياة العالية

- ‌5 - أحوال الخلق في الدنيا

- ‌1 - حال الأشقياء

- ‌2 - حال الظالم لنفسه

- ‌3 - حال المقتصد

- ‌4 - حال السابق بالخيرات

- ‌6 - فقه الغربة

- ‌7 - فقه الموت

- ‌8 - فقه البعث والحشر

- ‌9 - فقه الحساب

- ‌10 - فقه درجات الآخرة

- ‌11 - طبقات الخلق في الآخرة

- ‌الطبقة الأولى: طبقة أولي العزم من الرسل

- ‌الطبقة الثانية: طبقة من عداهم من الرسل على مراتبهم ودرجاتهم عند ربهم

- ‌الطبقة الثالثة: طبقة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام

- ‌الطبقة الرابعة: طبقة ورثة الرسل

- ‌الطبقة الخامسة: أئمة العدل وولاته

- ‌الطبقة السادسة: المجاهدون في سبيل الله

- ‌الطبقة السابعة: أهل الإيثار والصدقة والإحسان

- ‌الطبقة الثامنة: من فتح الله له باباً من أبواب الخير القاصر على نفسه

- ‌الطبقة التاسعة: طبقة أهل النجاة

- ‌الطبقة العاشرة: طبقة من أسرف على نفسه ثم تاب

- ‌الطبقة الحادية عشرة: طبقة أقوام خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً

- ‌الطبقة الثانية عشرة: قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم

- ‌الطبقة الثالثة عشرة: طبقة أهل المحنة والبلية

- ‌الطبقة الرابعة عشرة: قوم لا طاعة لهم ولا معصية

- ‌الطبقة الخامسة عشرة: طبقة أهل النفاق

- ‌الطبقة السادسة عشرة: طبقة رؤساء الكفر ودعاته

- ‌الطبقة السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة

- ‌الطبقة الثامنة عشرة: طبقة الجن

- ‌12 - دار القرار

- ‌1 - صفة الجنة

- ‌2 - صفة النار

- ‌13 - طريق الفوز والنجاة

الفصل: ‌7 - آفة اللسان

‌7 - آفة اللسان

قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114)} [النساء: 114].

وقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)}

[الحجرات: 11].

الله عز وجل خلق الإنسان في أحسن تقويم، وعلَّمه البيان، وأفاض على قلبه خزائن العلوم فأكمله، ثم أمده بلسان يترجم به عما حواه قلبه وعقله.

واللسان من نعم الله العظيمة، فهو صغير جرمه، عظيم نفعه، وعظيم جُرمه، رحب الميدان:

له في الخير مجال رحب .. وله في الشر مجال رحب.

فمن أطلق عذبة اللسان، وأهمله مرخي العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار، إلى أن يضطره إلى البوار، ولا يكب الناس على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم.

ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة.

وأعصى الأعضاء على الإنسان اللسان، فإنه لا تعب في إطلاقه، ولا مؤنة في تحريكه، وأكثر الأخطار والشرور من طريقه.

فخطر اللسان عظيم، ولا نجاة من خطره إلا بالصمت، فلذلك مدح الشرع الصمت وحث عليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ» . قَالَ: وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: «يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَالضِّيَافَةُ ثَلاثَةُ أيَّامٍ، فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ

ص: 3142

صَدَقَةٌ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ» متفق عليه (1).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ» أخرجه البخاري (2).

وسبب فضيلة الصمت أمران:

أحدهما: ما في الصمت من جمع الهمم، ودوام الوقار، والفراغ للفكر والذكر والعبادة، والسلامة من تبعات القول في الدنيا، ومن حسابه في الآخرة.

كما قال سبحانه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18)} [ق: 18].

الثاني: ما في نطق اللسان من كثرة الآفات من الخطأ والكذب، والغيبة والنميمة، والرياء والنفاق، والفحش والمراء، وتزكية النفس، والخوض في الباطل، والخصومة والجدال، والزيادة والنقصان، وإيذاء الخلق، وهتك العورات.

فهذه آفات كثيرة، وهي لا تَثْقل على اللسان، ولها حلاوة في القلب، وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك لسانه فيطلقه بما يحب، ويكفه عما لا يحب.

ففي الخوض خطر .. وفي الصمت سلامة، فلذلك عظمت فضيلته.

وآفات اللسان كثيرة، ولها في القلب حلاوة، ولا نجاة من خطرها إلا بالصمت.

وهذه أهم آفات اللسان:

الآفة الأولى: الكلام فيما لا يعني، فمن عرف قدر زمانه، وأنه رأس ماله، حبس لسانه عن الكلام فيما لا يعنيه، واشتغل بذكر ربه والطاعات وأعمال البر المختلفة، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

الآفة الثانية: الخوض في الباطل، وهو الكلام في المعاصي كذكر مجالس اللهو والخمر، وأحوال الفساق، ونحو ذلك من الجدال والمراء الذي ينتهي غالباً

(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6019)، ومسلم برقم (48).

(2)

أخرجه البخاري برقم (6474).

ص: 3143

بالسب والفرقة.

الآفة الثالثة: التقعر في الكلام بالتشدق، وتكلف السجع، ليُظهر الإنسان نفسه، ويُعجب الناس بحلاوة كلامه، فيفقد الإخلاص.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ وَالْمُتَفَيْهِقُونَ» قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ، قَالَ «الْمُتَكَبِّرُونَ» أخرجه الترمذي (1).

الآفة الرابعة: الفحش في الكلام والسب والبذاء ونحو ذلك مما هو مذموم.

والفحش: هو التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة، وأكثر ما يكون ذلك في ألفاظ الجماع وما يتعلق به.

وليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء.

الآفة الخامسة: المزاح.

أما اليسير منه فلا بأس به إذا كان حقاً وصدقاً، وكان مع الصبيان والنساء الكبار، ومن يحتاج إلى تأديبه من ضعفاء الرجال.

وكثرة المزاح تسقط الوقار، وتوجب الضغائن والأحقاد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً.

الآفة السادسة: السخرية والاستهزاء:

والسخرية الاحتقار والاستهانة بالناس، والتنبيه على العيوب والنقائص على وجه يُضْحَك منه بالقول، أو الفعل، أوالإشارة، أو الإيماء.

والضحك على الناس والسخرية بهم من جملة الذنوب والكبائر التي حرمها الله كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11)} [الحجرات: 11].

(1) حسن: أخرجه الترمذي برقم (2018)، صحيح سنن الترمذي (1642).

ص: 3144

الآفة السابعة: إفشاء السر، وإخلاف الوعد، والكذب في القول واليمين، وكل ذلك منهي عنه إلا ما رُخص فيه من الكذب في الحرب، والإصلاح بين الناس، وعلى الزوجة ليراضيها لمصلحة راجحة، وتباح المعاريض عند الحاجة إليها.

الآفة الثامنة: الغيبة.

والغيبة: ذكرك أخاك الغائب بما يكره.

والغيبة محرمة، والمستمع للغيبة شريك فيها إلا أن ينكر بلسانه، فإن خاف فبقلبه، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك.

وعلاج الغيبة: أن يعلم المغتاب أنه بالغيبة متعرض لسخط الله تعالى ومقته، وأن حسناته تُنقل إلى من اغتابه، وإن لم تكن له حسنات نُقل إليه من سيئات خصمه، وإذا عَرضت له الغيبة تفكر في عيوب نفسه، واشتغل بإصلاحها، فيستحي أن يَعيب وهو مَعيب.

وإن ظن أنه سليم من العيوب فليشكر ربه، ولا يلوث نفسه بأقبح العيوب وهو الغيبة، وكما لا يرضي نفسه بغيبة غيره له فينبغي أن لا يرضاها لغيره من نفسه.

وقد تحصل الغيبة بالقلب، وذلك سوء الظن بالمسلمين، ومن آفات سوء الظن التجسس، فإن القلب لا يقنع بالظن فيشتغل بالتجسس، وذلك منهي عنه؛ لأنه يوصل إلى هتك ستر المسلم، وهو محرم كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)}

[الحجرات: 12].

أما كفارة الغيبة:

فالمغتاب قد جنى جنايتين:

إحداهما: جناية على حق الله تعالى حيث فعل ما نهاه الله عنه، فكفارة ذلك التوبة والندم.

الثانية: جناية على عِرض المخلوق، فإن كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه

ص: 3145

واستحله، وأظهر له الندم على فعله.

وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل، أو مات، جعل مكان استحلاله الاستغفار له، والدعاء له، والثناء عليه، ولا يخبره بما لا يعلمه إن كان حياً؛ لئلا يوغر صدره.

قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأحد مِنْ عِرْضِهِ أوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ، قَبْلَ أنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» أخرجه البخاري (1).

الآفة التاسعة: النميمة.

والنميمة: هي كشف ما يُكره كشفه من الأقوال والأعمال.

وتطلق غالباً على قول إنسان في آخر، مثل أن يقول: قال فيك فلان كذا وكذا.

والقتات: هو النمام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ نَمَّامٌ» متفق عليه (2).

الآفة العاشرة: كلام ذي الوجهين.

وهو الذي يثني على الواحد في وجهه، ويذمه عند الآخر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ شَرَّ النَّاسِ ذُو الْوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلاءِ بِوَجْهٍ» متفق عليه (3).

الآفة الحادية عشرة: المدح، وله آفات، منها ما يتعلق بالمادح، فقد يقول ما لا يتحققه، وقد يبالغ في المدح فينتهي إلى الكذب، وقد يمدح من ينبغي أن يُذم.

وأما الممدوح، فإنّ مَدْحه يسبب له الكبر والإعجاب وهما مهلكان، ولأن الإنسان إذا أثني عليه رضي عن نفسه، وظن أنه بلغ المقصود، فيفتر عن العمل.

فإذا سلم المدح من هذه الآفات لم يكن به بأس، فقد أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على الخلفاء الراشدين، والعشرة المفضلين، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم.

الآفة الثانية عشرة: الخطأ في فحوى الكلام عن الدين:

(1) أخرجه البخاري برقم (2449).

(2)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6056)، ومسلم برقم (105) واللفظ له.

(3)

متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7179)، واللفظ له، ومسلم برقم (2526).

ص: 3146

فالشيطان يخيل للعاصي أنه بخوضه في العلم، ومجالسة العلماء، يكون من أهل العلم والفضل، ولا يزال يحبب إليه ذلك حتى يتكلم بما هو كفر وهو لا يدري.

وسؤال العوام عن غوامض العلوم من أعظم الآفات، فالأولى بهم الإيمان بما ورد في القرآن، والتسليم لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، والاشتغال بالأعمال الصالحة، وعدم التوسع فيما لا يقدرون على فهمه.

الآفة الثالثة عشرة: الغناء وهو ما يفسد القلوب، وقد غَرَّ به الشيطان خلقاً كثيراً من العوام والعلماء والزهاد حتى ظنوه قربة إلى الله.

الآفة الرابعة عشرة: اللعن: إما لحيوان أو جماد أو إنسان وكل ذلك مذموم، والمؤمن ليس بالطعان ولا اللعان.

واللعن: عبارة عن الطرد والإبعاد عن رحمة الله، وذلك غير جائز إلا على من اتصف بصفة تبعده عن الله عز وجل مثل الكفر والظلم ونحوهما، وينبغي أن يتبع فيه لفظ الشرع فإن في اللعنة خطراً؛ لأنه قد حكم على الله عز وجل بأنه قد أبعد الملعون، وذلك غيب لا يطلع عليه إلا الله تعالى.

والصفات المقتضية للعن ثلاثة:

الكفر .. والبدعة .. والفسق.

وللعن في كل واحدة ثلاث مراتب:

الأولى: اللعن بالوصف الأعم كقوله: لعنة الله على الكافرين والمبتدعة والفسقة.

الثانية: اللعن بوصف أخص منه كقوله: لعنة الله على اليهود والنصارى أو لعنة الله على الزناة والظلمة، وآكلي الربا، وكل ذلك جائز.

الثالثة: اللعن للشخص المعين، وهذا فيه خطر كقوله: زيد لعنه الله، وهو كافر أو فاسق أو مبتدع.

والتفصيل فيه: أن كل شخص ثبتت لعنته شرعاً فتجوز لعنته كقولنا: فرعون لعنه

ص: 3147

الله، وأبو جهل لعنه الله؛ لأنه ثبت أن هؤلاء ماتوا على الكفر، وعرف ذلك شرعاً.

وإما شخص بعينه كقول: زيد لعنه الله، وهو يهودي مثلاً، فهذا فيه خطر؛ لأنه ربما يُسلم فيموت مقرباً عند الله، فكيف يحكم بكونه ملعوناً؟.

فعلى المسلم أن يصون لسانه عن الكذب والغيبة والنميمة وقول الزور وغير ذلك مما نهى الله ورسوله عنه.

واللسان من نعم الله تبارك وتعالى العظيمة اللطيفة، فهو صغير جِرمه، عظيم طاعته ونفعه، وعظيم خطره وجُرمه.

فلا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان، وهما غاية الطاعة والمعصية.

والكلام ترجمان يعبر عما في الضمائر، ويخبر بمكنونات السرائر.

وللكلام شروط لا يسلم المتكلم من الزلل إلا بها، وهي:

الأول: أن يكون الكلام لداع يدعو إليه إما في جلب نفع، أو دفع ضرر، ذلك أن ما لا داعي له هذيان، وما لا سبب له هُجْر.

الثاني: أن يقتصر من الكلام على قدر حاجته منه، فإن الكلام إن لم ينحصر بالحاجة لم يكن لحده غاية، ولا لقدره نهاية، ومن كَثُر كلامه كثر سقطه.

الثالث: اختيار الألفاظ التي يتكلم بها؛ لأن اللسان عنوان الإنسان، فلا يتجاوز في مدح، ويسرف في ذم .. ولا تبعثه الرغبة والرهبة في وعد أو وعيد يعجز عنهما .. وإذا قال قولاً حققه بفعله .. وإذا تكلم بكلام صدقه بعمله .. ويراعي مخارج كلامه بحسب مقاصده .. فإن كان ترغيباً قرنه باللين واللطف .. وإن كان ترهيباً خلطه بالخشونة والخوف .. ولا يرفع صوته بكلام مكروه .. ولا ينزعج له انزعاجاً مستهجناً .. ويكف عن حركة تكون طيشاً .. ويتجافى هجر القول ومستقبح الكلام .. وليعدل إلى الكناية عما يُستقبح صريحه ويُستهجن فصيحه .. ؛ ليبلغ الغرض ولسانه نزيه، وأدبه مصون .. ولا يسمع الخنا ولا يصغي إلى فحش ولا يقوله .. ويتجنب أمثال العامة الساقطة .. ولا يذكر في

ص: 3148

كلامه إلا أمثال القرآن والسنة، وأمثال العلماء والأدباء، فلهذه الأمثال موقع في السمع وتأثير في القلب لا يكاد الكلام المرسَل يبلغ مبلغها ولا يؤثر تأثيرها.

الرابع: أن يأتي بالكلام في موضعه؛ لأن الكلام في غير حينه لا يقع موقع الانتفاع به، فإن قدم ما يقتضي التأخير كان عجلة وخرقاً، وإن أخر ما يقتضي التقديم كان توانياً وعجزاً، فلكل مقام قول.

فما عقل دينه من لم يحفظ لسانه، وحفظ اللسان أشد على الناس من حفظ الدينار والدرهم، ومن عد كلامه من عمله لم يتكلم إلا فيما يعنيه، وكثرة الكلام تذهب الوقار، ومن فتنة العالم أن يكون الكلام أحب إليه من الاستماع.

ولا خير في الكلام إلا في عشر:

تهليل وتكبير وتسبيح وتحميد .. والسؤال عن الخير .. والتعوذ من الشر .. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. وقراءة القرآن .. وما لا بدَّ منه في قضاء حاجته.

ص: 3149