الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - فقه الفتن
قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت: 2، 3].
وقال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)} [الفرقان: 20].
الفتنة في كتاب الله عز وجل تطلق ويراد بها الامتحان والابتلاء، سواء خَلُص صاحبه من الافتتان أو حصل له افتتان كما قال سبحانه:{إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ (155)} [الأعراف: 155].
وتطلق الفتنة على ما هو أعم من ذلك كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15)} [التغابن: 15].
ففي الأموال والأولاد شغل عن الآخرة، فلا نطيعهم في معصية الله، فالإنسان مفتون بولده؛ لأنه ربما عصى الله بسببه، وربما تناول الحرام لأجله إلا من عصمه الله.
والقصد من الفتنة امتحان العباد، هل يصبرون فيقومون بما أمرهم الله به فيثيبهم مولاهم، أم لا يصبرون فيستحقون العقوبة.
وقد فتن الله العباد فتنة عامة، وامتحن بعضهم ببعض كما قال سبحانه:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا (20)} [الفرقان: 20].
فامتحن الله الرسل بالمرسل إليهم ودعوتهم إلى الحق، والصبر على أذاهم.
وامتحن المرسل إليهم بالرسل .. هل يطيعونهم وينصرونهم ويصدقونهم، أم يكفرون بهم ويقاتلونهم؟.
وامتحن العلماء بالجهال .. هل يعلمونهم وينصحونهم ويصبرون على تعليمهم
وإرشادهم، أم يضجرون منهم ويتركونهم في غيهم وضلالهم؟.
وامتحن الجهال بالعلماء .. هل يطيعونهم ويهتدون بعلمهم، أم يعرضون عنهم ويتركون مجالسهم؟.
وامتحن الملوك بالرعية .. وامتحن الرعية بالملوك.
وامتحن الأغنياء بالفقراء .. وامتحن الفقراء بالأغنياء.
وامتحن الأقوياء بالضعفاء .. وامتحن الضعفاء بالأقوياء.
وامتحن الرجل بزوجته .. وامتحن الزوجة بزوجها.
وامتحن الرجل بأولاده .. وامتحن الأولاد بأبيهم.
وامتحن الرجال بالنساء .. وامتحن النساء بالرجال.
وامتحن المؤمنين بالكفار .. وامتحن الكفار بالمؤمنين.
وامتحن الآمرين بالمعروف بمن يأمرونهم .. وامتحن المأمورين بهم.
ولذلك كان فقراء المسلمين وضعفاؤهم من أتباع الرسل فتنة لأغنياء الكفار ورؤسائهم، امتنعوا عن الإيمان بسببهم مع معرفتهم بصدق الرسل فتنة كما قال سبحانه:{وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (53)} [الأنعام: 53].
فالفتنة كير القلوب .. ومحك الإيمان .. وبها يتبين الصادق من الكاذب .. والمؤمن من المنافق .. والطيب من الخبيث.
فمن صبر عليها كانت رحمة في حقه، ونجا بصبره من فتنة أعظم منها، ومن لم يصبر عليها وقع في فتنة أشد منها:{وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت: 3].
فالفتنة لا بدَّ منها في الدنيا؛ ليعلم الله الصادق من الكاذب، وكذلك لا بدَّ منها في الآخرة لكل من سقط في الفتنة في الدنيا كما قال سبحانه عن الكفار والعصاة:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)} [الذاريات: 13، 14].
والكافر مفتون بالمؤمن في الدنيا، كما أن المؤمن مفتون بالكافر، ولذلك سأل المؤمنون ربهم أن لا يجعلهم فتنة للذين كفروا كما قال سبحانه عن المؤمنين:{رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4) رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)} [الممتحنة: 4، 5].
وقال أصحاب موسى: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86)} [يونس: 85، 86].
أي لا تعذبنا بأيديهم ولا بعذاب من عندك فيقولون: لو كان هؤلاء على الحق ما أصابهم بهذا، ولا تظهرهم علينا فيظنوا أنهم على الحق، فيفتنوا بذلك فيهلكوا، ولا تقتِّر علينا الرزق وتبسطه عليهم فيكون ذلك فتنة لهم.
والإنسان في هذه الحياة الدنيا محل الفتنة، فهو مفتون لا محالة: إما بالخير وإما بالشر، فهو مفتون بشهواته، ونفسه الأمارة بالسوء، وشيطانه المغوي المزين، وقرناء السوء، وما يراه وما يشاهده وما يسمعه، وغير ذلك مما يعجز صبره عنه من الأموال والأولاد والشهوات كما قال سبحانه:{وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)} [الأنبياء: 35].
والفتنة نوعان:
فتنة الشهوات .. وفتنة الشبهات.
وقد تجتمعان للعبد، وقد ينفرد بأحدهما.
ففتنة الشبهات: من ضعف البصيرة، وقلة العلم، لا سيما مع وجود فساد القصد، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى، فهذا من الذين قال الله فيهم:{إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى (23)} [النجم: 23].
وهذه الفتنة أعظم الفتنتين، ومآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع على حسب مراتبهم.
وهذه الفتنة تنشأ من عدة أسباب:
تارة تنشأ من فهم فاسد .. وتارة من نقل كاذب .. وتارة من حق خفي على الرجل
فلم يظفر به .. وتارة من غرض فاسد .. وتارة من هوى متبع.
ولا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحكيمه في كل شيء، في دق الدين وجلِّه، وظاهره وباطنه، وعقائده وأعماله.
فيتلقى العبد عنه حقائق الإيمان، وشرائع الإسلام، كما يتلقى عنه وجوب الصلوات وأوقاتها وأعدادها، ووجوب الوضوء والغسل من الجنابة، ومقادير الزكاة وغيرها من أحكام الدين.
فلا يجعله رسولاً في شيء دون شيء من أمور الدين، بل هو رسول في كل شيء تحتاج إليه الأمة في العلم والعمل، لا يتلقى إلا عنه، ولا يؤخذ إلا منه.
فالهدى كله دائر على أقواله وأفعاله، وكل ما خرج عنها فهو ضلال كما قال سبحانه:{فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (158)} [الأعراف: 158].
والشبهات تأتي من أحد شخصين:
إما عدو حاقد على الإسلام والمسلمين .. وإما إنسان جاهل قذف الشيطان في قلبه ما جعل الحق يلتبس عليه.
فالأول أخطر النوعين وأخبثهما، وكلاهما خبيث يؤثر على ضعاف النفوس والهمج الرعاع، ويحدث بلبلة في أفكارهم وتصرفاتهم.
ولهذا يجب كشف هذه الشبهات الباطلة؛ لئلا تصد الناس عن دين الله.
لكن يجب في فقه الشبهات أمران:
الأول: أن لا يتصدى لرد الشبهات، وكشف زيفها إلا عالم متمكن من معرفة الحق والباطل بالأدلة الشرعية، حتى يحسن ويحكم إغلاق هذه الثغرات، ويسد هذه الشبهات، وهذا لا يستطيعه إلا العلماء الراسخون.
الثاني: ينبغي على طالب العلم ألا يشغل كل وقته بهذه الشبهات وردها؛ لأن الأعداء يريدون إشغال العلماء وأهل الإسلام عن الإسلام، والعمل به، وتعليمه، والدعوة إليه.
فيقذفون اليوم بشبهة وغداً بشبهة، فتكثر الردود، وتتنوع الإجابات، وتختلف الفتاوى، فيحصل الشك، ويقع الجدل، وإذا بالعلماء بعد مدة لا يستطيعون ولا يتفرغون لنشر الإسلام، ولا يجدون الفرصة لتعليم الناس أحكام دينهم.
وقد جاء البلاء من عدم الفقه بدين الله من صنفين من الناس:
من أناس يتصدرون لرد الشبهات بلا علم .. أو أناس يتصدون للشبهات حتى تضيع أوقاتهم فيها.
وحينئذ يحقق أعداء الإسلام ما يريدون بإقحام العامة ليقولوا ما شاؤوا بلا علم .. وإشغال العلماء عن الواجبات والأصول، وضبط العلم وفقهه وتعليمه الناس.
فالاشتغال بالشبهات ودراستها له قيمة في الدين، وهو من الحق الذي يزال به الباطل، لكن الاشتغال به أكثر من اللازم تضيع به حقوق وواجبات كبرى، أكد عليها الشرع وألزم بها عباده.
وليس المراد قفل باب الرد على الشبهات، فإنه من الدين، وإنما عدم المبالغة فيه، وعدم فتح الباب لكل أحد أن يقول ما شاء، وإنما ذلك للعلماء الراسخين الذين يعلمون على وجه الإجمال والتفصيل أن دين الله هو الحق، وأن ما سواه هو الباطل، وأن الباطل مهما كان لا يقف أمام الحق، كما قال سبحانه:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (81)} [الإسراء: 81].
ولا يحسب الناس أن دين الله عبث، فالحق يستمد قوته من ذاته، والجبار عز وجل يسمع ويرى، ويغار على دينه وحرماته، وهو العزيز الجبار، القوي الذي يدافع عن دينه وعباده المؤمنين، كما قال سبحانه:{إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38)} [الحج: 38].
فكل ما نرى من الكذب والافتراء، والصخب واللغط، والشبهات والتلبيسات، كلها منتهية مقطوع دابرها، ودابر أهلها، ودابر من دافع عنها، عاجلاً أو آجلاً.
أما الحق فهو باق ما بقي الزمان، وتعاقب الليل والنهار؛ لأن الله تكفل بحفظه،
وحيث ما حل الحق، وقضاء الشرع، كان هناك الأمن والطمأنينة في الدنيا والآخرة.
فالشريعة ليس فيها خلط ولا شبه، ولا أهواء، ولا ظلم، كما قال سبحانه:{قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ (57)}
…
[الأنعام: 57].
فالحق والعدل في أبهى صوره، وأجمل حلله، في الإسلام لا في غيره، كما قال سبحانه:{وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (105)}
…
[الإسراء: 105].
وكلما جاءت شبهة زادت ولي الله تمسكاً بالحق، وزهداً بالباطل:{فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (43)} [الزخرف: 43].
وأما النوع الثاني من الفتنة: ففتنة الشهوات.
وقد جمع الله بين الفتنتين في قوله سبحانه: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلَاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (69)} [التوبة: 69].
وأصل كل فتنة إنما هو من تقديم الرأي على الشرع، والهوى على العقل.
فالأول: أصل فتنة الشبهات، والثاني: أصل فتنة الشهوات.
وفتنة الشبهات تدفع باليقين، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر.
قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} [السجدة: 24].
وجمع الله بينهما في قوله سبحانه: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} [العصر: 1 - 3].
أي تواصوا بالحق الذي يدفع الشبهات، وبالصبر الذي يكف عن الشهوات.
فبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوات، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهات.
وإذا سلم العبد من فتنة الشبهات والشهوات حصلت له الإمامة في الدين، وحصلت له أعظم غايتين مطلوبتين بهما سعادته وفلاحه وكماله، وهما: الهدى .. والرحمة، كما قال سبحانه:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57)} [يونس: 57].
والشيطان في كل يوم، بل في كل لحظة، يبعث ويوجه ويحرك آلاف الأفراد والجماعات لعمارة الدنيا، والإفساد في الأرض، والاستمتاع بالشهوات والمحرمات، وغشيان الفواحش والآثام، ومزاولة السرقات والزنا وشرب الخمور، وأكل أموال الناس بالباطل، وظلم الناس، وإيذاء المسلمين، ولا يفتر عن ذلك ليلاً ونهاراً، ووقع في فتنة الشهوات ما لا يحصى من البشر من مسلم وكافر، فأعرضوا عن أوامر الله، واشتغلوا بتكميل شهواتهم من المطاعم والمشارب، والملابس والمساكن، والمراكب والمناكح:{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)} [مريم: 59].
وكذلك الشيطان يوجه ويحرك آلافاً من العلماء والدعاة، وطلبة العلم ويزين لهم الانتصار للنفس لا للدين، ويستعملهم في الجدل والمراء، ويغمسهم في السمعة والرياء، ويزين لهم الفتاوى الشاذة، ويحسِّن لهم أكل الدنيا بالدين، والازدحام على أبواب المناصب، وبذل الجهود من أجلها لنفع الدين من خلالها، وهيهات أن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، بالهدى والرحمة، والشفقة والتواضع، والعدل والإحسان، والبر والتقوى وغير ذلك من شعب الإيمان ومحاسن الأخلاق.
وكل ما أوجب فتنة وفرقة فليس من الدين، سواء كان قولاً أو فعلاً.
ولا تقع الفتنة إلا من ترك ما أمر الله به، فالله سبحانه أمر بالحق وأمر بالصبر.
فالفتنة إما من ترك الحق .. وإما من ترك الصبر.
فالمظلوم إذا صبر واتقى كانت العاقبة له كما قال سبحانه: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)} [آل عمران: 120].
وقد أمرنا الله عز وجل بالصبر على البلاء، والصبر على أذى أهل الكتاب والمشركين، تنبيهاً على الصبر على أذى المؤمنين بعضهم لبعض كما قال سبحانه:{لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)} [آل عمران: 186].
وقد أمرنا الله عز وجل بالعدل مع الكفار مع بغضهم، فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع متأول من أهل الإيمان، فاتقوا الله أيها المؤمنون:{وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8)} [المائدة: 8].
والكفر والفسوق والعصيان سبب لكل شر وعدوان.
فقد يذنب الرجل أو الطائفة، ويسكت آخرون عن الأمر والنهي فيكون ذلك من ذنوبهم، وينكر عليهم آخرون إنكاراً منهياً عنه، فيكون ذلك من ذنوبهم.
فيحصل بسبب ذلك التفرق والاختلاف والشر، وهذا من أعظم الفتن قديماً وحديثاً، إذ الإنسان ظلوم جهول كفار، ومن تدبر الفتن الواقعة رأى أسبابها ذلك.
ورأى أن ما وقع بين علماء الأمة وأمرائها، ومن دخل في ذلك من ملوكها ومشائخها، ومن تبعهم من العامة هذا أصلها، ومنه تفجر براكينها.
والفتن أقسام:
الأولى: فتنة الرجل في نفسه بأن يقسو قلبه، فلا يجد حلاوة الطاعة، ولا لذة المناجاة.
الثانية: فتنة الرجل في أهله، وهي فساد تدبير المنزل، وقد تولى ذلك الشيطان وذريته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ امْرَأتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أنْتَ» أخرجه مسلم (1).
الثالثة: فتنة تموج كموج البحر، وهي فساد تدبير المدينة، وطمع الناس في الخلافة والولايات من غير حق كما قال صلى الله عليه وسلم:«إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أيِسَ أنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ» أخرجه مسلم (2).
الرابعة: فتنة ملية، بأن يموت الصالحون، ويسند الأمر إلى غير أهله، ونحو ذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «سَتَكُونُ فِتَنٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» متفق عليه (3).
والفتن إذا جاءت كان ضررها على أهل الإيمان أكثر من غيرهم، كاللصوص إذا دخلوا بلداً، فأول من يخاف منهم أصحاب الأموال، فيتسلحون للدفاع عن أموالهم، أما غيرهم فلا يهتمون؛ لأنه ليس عندهم ما يخافون عليه.
وكذلك أهل الإيمان والأعمال الصالحة، إذا جاءت الفتن تسلحوا وتحصنوا بالإيمان والأذكار، والدعاء والعبادة، فذلك حصنهم من أعدائهم.
أما من ليس عنده إيمان وأعمال فلا يبالي؛ لأن حياته لم تقم على الإيمان والأعمال الصالحة، فليس عنده ما يخاف عليه، كالفقير الذي ليس عنده مال يخاف عليه من اللصوص.
والفتنة تطلق على العذاب وسببه، ولهذا سمى الله الكفر فتنة كما قال سبحانه:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [النور: 63].
فالكفار فُتنوا أولاً بأسباب الدنيا وزينتها .. ثم فُتنوا بإرسال الرسل إليهم .. ثم
(1) أخرجه مسلم برقم (2813).
(2)
أخرجه مسلم برقم (2812).
(3)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (3601) واللفظ له، ومسلم برقم (2886).
فُتنوا بمخالفتهم وتكذيبهم .. ثم فُتنوا بعذاب الدنيا .. ثم فُتنوا بعذاب القبر .. ثم يفتنون في موقف القيامة .. ثم إذا حشروا إلى النار، ووقفوا عليها، وعرضوا عليها، وذلك من أعظم فتنتهم:{وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (34)} [الأحقاف: 34].
ثم تحصل لهم في النهاية الفتنة الكبرى التي أنستهم جميع الفتن قبلها، وهي دخول النار وتعذيبهم بها وخلودهم فيها:{يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ (13) ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)} [الذاريات: 13، 14].
وقد حذر الله عباده المؤمنين من فتنة الأموال والأزواج والأولاد التي تشغلهم عن طاعة الله كما قال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)} [المنافقون: 9].
وأظلم الظلم: الشرك بالله، ونبذ شريعة الله في الحياة، واتباع شرع غيره:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (63)} [النور: 63].
فالأمة التي تسمح لفريق منها بالظلم في صورة من صوره، ولا تقف في وجه الظالمين، ولا تأخذ الطريق على المفسدين، هي أمة تستحق أن تؤخذ بجريرة الظالمين المفسدين كما قال سبحانه:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79)} [المائدة: 78، 79].
فالإسلام منهج كامل لا بدَّ من إقامته في حياة الناس، ولا بدَّ من حراسته والدفاع عنه، ولا بدَّ من إبلاغه للبشرية كلها.
فهو لا يسمح أن يقعد القاعدون، والظلم والفساد والمنكر يشيع في الأرض، فضلاً عن أن يروا دين الله لا يُتَّبع، بل أن يروا ألوهية الله تُنْكَر، وتقوم ألوهية
العبيد مكانها وهم ساكتون.
ثم هم بعد ذلك يرجون أن يخرجهم الله من الفتنة؛ لأنهم في ذاتهم صالحون طيبون.
إن هذا خلاف سنة الله الجارية، فليستجيبوا لله في كل ما أمرهم الله به، ويستعينوا به وحده، ويتوكلوا عليه وحده، وإلا أصابتهم فتنة تدع الحليم حيراناً:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)} [الأنفال: 24، 25].
ولما كانت مقاومة الظلم والفساد تكلف الناس أنفسهم وأموالهم، فإن الله يذكر العصبة المسلمة ويطمئنهم بتأييده ونصره ورزقه لمن استجاب لله والرسول فيقول:{وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)}
…
[الأنفال: 26].
فالعصبة المؤمنة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بما كان من ضعفها وقلة عددها، وبما كان من الأذى الذي ينالها، والخوف الذي يظللها، وكيف آواها الله بدينه، وأيدها بنصره، وأعزها ورزقها من الطيبات، فكما تحقق موعود الله لهذه العصبة التي استجابت، فهو كذلك وعد لكل عصبة تستقيم على طريقه، وتصبر على تكاليفه كما قال سبحانه:{ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)} [يونس: 103].
إن جوهرة الإيمان وقاعدته أزكى من كل شيء، وإن قيم هذه الأرض لمن الزهادة والرُّخْص، بحيث لو شاء الله لأغدقها إغداقاً على الكافرين به، لولا أن تكون فتنة للناس تصدهم عن الإيمان بالله.
ولولا خوف الفتنة على المؤمنين لبذلت الدنيا للكفار هكذا رخيصة بلا تعب؛
لهوانها على الله كما قال سبحانه: {وَلَوْلَا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ (33) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ (34) وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ (35)} [الزخرف: 33 - 35].
إن عَرَض الدنيا من مال وزينة ومتاع لَيَفْتِن أكثر الناس، وأشد الفتنة حين يرونه في أيدي الفجار، ويرون أيدي الأبرار منه خالية، أو يرون هؤلاء في عسر ومشقة، وأولئك في قوة وثروة وسطوة، والله عز وجل َيعلم وقع هذه الفتنة في قلوب الناس، ولكنه يكشف لهم عن زهادة هذه القيم وهوانها عليه.
ويكشف لهم عن نفاسة ما يدخره للمؤمنين في الآخرة، والمؤمن يطمئن لاختيار الله للأبرار والفجار، وما في الدنيا كله متاع، وما في الآخرة أفضل وأعظم وأبقى.
وهؤلاء المكرمون عند الله بتقواهم، فهو سبحانه يدخر لهم ما هو أكرم وأبقى، ويؤثرهم بما هو أقوم وأغلى.
وهذه الأموال، وهذا المتاع، كل ذلك رخيص عند الله، ومن هوانه أنه مبذول لشر خلق الله، وأبغض خلق الله.
ألا ما أعظم الفتن؟ .. وما أشد خطرها على الأمة؟.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ» . قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، أيُّماَ هُوَ؟ قَالَ:«الْقَتْلُ الْقَتْلُ» متفق عليه (1).
ومكان ظهور الفتن من المشرق.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مستقبل المشرق يقول: «ألا إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا، مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ» متفق عليه (2).
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7061) واللفظ له، ومسلم برقم (157).
(2)
متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (7093) واللفظ له، ومسلم برقم (2905).
وجماع معنى الفتنة الابتلاء والامتحان والاختبار.
والفتنة هي ما يبيَّن به حال الإنسان من الخير والشر.
والفرق بين الفتنة والابتلاء والاختبار:
أن الفتنة أشد الاختبار وأبلغه، وتكون في الخير والشر.
أما الفرق بين الابتلاء والاختبار:
أن الابتلاء لا يكون إلا بتحمل المكاره والمشاق.
والاختبار يكون بالخير والشر، والسراء والضراء.
وقد يكون الابتلاء باستخراج ما عند المبتلى من الطاعة والمعصية، والاختبار وقوع الخبر بحاله في ذلك.
والفتنة نوعان:
فتنة من الله .. وفتنة من العبد.
فالفتنة من الله كالبلية والمصائب التي تصيب الناس، وغير ذلك من الأفعال المؤلمة، فهذا كله يقع من الله على عباده على وجه الحكمة.
ومتى كان هذا من الإنسان بغير أمر الله كالقتل والتعذيب فهو بضد ذلك، ولهذا يذم الله الإنسان بأنواع الفتنة في كل مكان كما قال سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10)}
…
[البروج: 10].
وهذه الدنيا مملوءة بالفتن المضلة.
فتنة الأموال .. وفتنة الشهوات .. وفتنة النساء .. وفتنة الأولاد .. وفتنة الشبهات.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُر كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ» أخرجه مسلم (1).
وهذه الفتن تهجم على العبد، وتغريه بحسنها وجمالها، وتخدعه بعاجل لذتها،
(1) أخرجه مسلم برقم (2742).
فيقع في شراكها فيهلك.
فعليه بالمبادرة إلى الإيمان والأعمال الصالحة ليحفظ نفسه منها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، أوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعرضٍ مِنَ الدٌُّنْيَا» أخرجه مسلم (1).
والفتنة تطلق على العذاب وسببه، ولهذا سمى الله الكفر فتنة كما قال سبحانه عن الكفار:{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (14)} [الذاريات: 14].
(1) أخرجه مسلم برقم (118).