الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - آفة الحسد
قال الله تعالى: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} [النساء: 54].
وقال الله تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق: 1 - 5].
أصل الحسد العداوة، وأصل العداوة التزاحم على غرض واحد، والغرض الواحد لا يجمع متباعدين، بل لا يجمع إلا متناسبين كالتجار والصناع والزراع، والعلماء والأمراء ونحوهم.
وأهم أسباب الحسد:
إما العداوة والبغضاء، فإن آذاه إنسان أبغضه، وغضب عليه، وأحب ضرره.
وإما التعزز، فإذا نال الإنسان منصباً ترفع على غيره، فيحسده ذلك الغير، ويتمنى زوال ذلك المنصب عنه.
أو يكون في طبيعته أن يستخدم غيره، فيريد زوال النعمة عنه ليستخدمه.
وقد يكون سببه الخوف من فوت المقاصد، وذلك يحصل بين المتزاحمين على مقصود واحد، ومنه تحاسد الضرات على مقاصد الزوجية، وتحاسد الأولاد في كسب ود الآباء، وتحاسد أصحاب المهن عليها.
أو يكون سببه حب الرياسة وطلب الجاه كأن يسمع عن شجاع أو عالم أو والٍ فيتمنى زوال النعمة عنه، ويحسده ليظفر بتلك النعمة.
أو يكون سببه شح النفس بالخير على عباد الله من علم أو مال أو غيرهما، فإن ذكر له شر فرح به، وإن ذكر خير ساءه.
وهذا من خبث النفس، وقد تجتمع هذه الأسباب أو بعضها في شخص واحد فيعظم ضرره.
وزوال الحسد بأمرين: بالعلم .. والعمل.
أما العلم فهو أن تعلم أن الحسد ضرر عليك في الدين والدنيا، وليس على المحسود ضرر، بل ينتفع به في الدين والدنيا.
أما ضرره عليك في الدين، فإنك بالحسد كرهت حكم الله، ونازعته في قسمة رزقه بين عباده، وشاركت إبليس وسائر الكفرة في محبتهم للبلايا للمؤمنين، وستنال العقاب العظيم عليه يوم القيامة.
وضرره عليك في الدنيا: أنك بالحسد تتعذب، وتكون في الغم والكدر كلما رأيت نعمة على من تحسد، وهذا يمرض بدنك، وينغص عليك لذة المطعم والمشرب.
والمحسود لا ضرر عليه في دينه ودنياه، فما قدر الله كائن لا محالة، وهو مأجور في حال السراء والضراء.
وأما أن المحسود ينتفع به في الدين فهو أنه مظلوم من جهتك، لا سيما إذا أخرجت الحسد إلى القول أو الفعل بالغيبة وذكر مساوئه.
فهذه هدايا يهديها الله إليه من حسناتك.
وحسد الحاسد يدل على اختصاص المحسود بفضل الله ونعمه، فهو مذكر له بفضل الله فليحمد الله.
أما العمل النافع الذي يزول به الحسد فهو أن يأتي بالأعمال المضادة لمقتضيات الحسد، فإن حمله الحسد على ذمه مَدَحَه، وإن حمله على التكبر عليه تواضع له، وإن حمله على إيذائه أحسن إليه، وإن حمله على الدعاء عليه دعا له .. وهكذا.
وللحسد ثلاث مراتب:
أحدها: أن يحسد غيره على ما أعطاه الله من النعم، ويتمنى زوال ذلك عنه، ويرتب على ذلك الحسد مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح، وهذا أعظم أنواع الحسد.
الثانية: تمني استصحاب عدم النعمة، فهو يكره أن يحدث الله لعبده نعمة، ويحب أن يبقى على حاله من جهل، أو فقر، أو ضعف، أو شتات قلبه عن الله، فهو يتمنى دوام ما هو فيه من نقص وعيب.
فهذا كله حسد على شيء غير مقدر، والأول حسد على شيء مقدر، وكلاهما حاسد عدو نعم الله وعدو عباده، ممقوت عند الله وعند الناس، لا يسود أبداً، فإن الناس لا يسودون عليهم إلا من يريد الإحسان إليهم.
الثالثة: حسد الغبطة، وهو تمني أن يكون له مثل حال المحسود من غير تمني أن تزول النعمة عنه، فهذا لا بأس به، ولا يعاب صاحبه، وهو محمود إن تمنى ما فيه خير من نعم يستعين بها على طاعة الله، وينفع بها الناس، وأعمال صالحة يكسب بها الأجر وينال عليها الثواب في الآخرة، وهذا قريب من المنافسة في الخيرات.
وقد قال الله تعالى: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} [المطففين: 26].
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا حَسَدَ إِلا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا» متفق عليه (1).
فهذا حسد غبطة الحامل لصاحبه عليه شرف نفسه، وحبها خصال الخير، والتشبه بأهلها، والدخول في جملتهم، وأن يكون من سباقهم وعليتهم، فتحدث له من هذه الهمة المنافسة والمسارعة والمسابقة في هذا العمل الصالح، مع محبته لمن يغبطه، وتمني دوام نعمة الله عليه.
والحسد المذموم من نتائج الحقد، والحقد من نتائج الغضب، والحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ويسبب العداوة والبغضاء، وقطع صلة الأرحام، والفرقة بين الناس.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلا تَحَسَّسُوا، وَلا
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (73)، ومسلم برقم (816) واللفظ له.
تَجَسَّسُوا، وَلا تَحَاسَدُوا، وَلا تَدَابَرُوا، وَلا تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا عِبَادَ الله إِخْوَاناً» متفق عليه (1).
ألا ما أجهل الحاسد بربه وقضائه ودينه، إن كان ما أعطاه الله لأخيك لكرامته عليه فلم تحسد من أكرمه الله؟ وماذا يضره حسدك له؟ وإن كان ما أعطاه الله لهوانه عليه فلم تحسد من مصيره إلى النار؟.
وقد حسد إبليس آدم (على رتبته وكرامته على الله، وحمله الحسد على معصية الله بعدم السجود، فاستحق الطرد من رحمة الله، واللعن إلى يوم الدين، والقرار في نار الجحيم هو وذريته ومن تبعهم أجمعين.
وكم فوت الحاسد على نفسه ثواب الحب في الله، وثواب الجنة، وأصل الإيمان، ولعله يسوقه حسده إلى غضب الله وإلى النار.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُمْ» أخرجه مسلم (2).
وشر الحاسد إنما يتحقق إذا حصل منه الحسد بالفعل كما قال سبحانه: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}
…
[الفلق: 5].
فعين الحاسد لا تؤثر بمجردها، لكن تؤثر إذا نظر إليه نظر من قد تكيفت نفسه الخبيثة وانسمت واحتدت، فصارت نفساً غضبية خبيثة حاسدة، فإذا نظر بهذا إلى المحسود أثر فيه تأثيراً بحسب صفة ضعفه، وقوة نفس الحاسد، فربما أعطبه وأهلكه، بمنزلة من وجه سهماً نحو رجل عريان فأصاب منه مقتلاً.
وهذه العين إنما تأثيرها بواسطة النفس الخبيثة، وهي في ذلك بمنزلة الحية التي
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري برقم (6064) واللفظ له، ومسلم برقم (2563).
(2)
أخرجه مسلم برقم (54).
إنما يؤثر سمها إذا عضت واحتدت، فإنها تتكيف بكيفية الغضب والخبث فتُحدث فيها تلك الكيفية السم، فتؤثر في الملسوع، وربما تؤثر بمجرد نظرة.
وإذا كان هذا في الحيات، فما الظن في النفوس البشرية الشريرة الغضبية الحاسدة، إذا تكيفت بكيفيتها الغضبية، وانسمت وتوجهت إلى المحسود بكيفيتها، فلله كم لها من قتيل وعليل وسقيم؟.
ومن له أدنى فطنة، ولطفت روحه، شاهد أحوال الأرواح وتأثيرها وتحريكها للأجسام، ورأى الأجسام كالخشب الملقى.
فلا نسبة لعالم الأجسام إلى عالم الأرواح، بل هو أعظم وأوسع، وعجائبه أبهر، وآياته أعجب.
فالهيكل الإنساني إذا فارقته الروح صار بمنزلة الخشب أو القطعة من اللحم.
فأين ذهبت تلك العلوم والمعارف والعقل والكلام والسمع والبصر، وتلك الأفعال العجيبة، والأفكار والتدبيرات؟.
كلها ذهبت مع الروح، وبقي الهيكل هو والتراب سواء.
وهل يخاطبك في الإنسان أو يراك، أو يحبك أو يبغضك، أو يواليك أو يعاديك، أو يؤنسك أو يوحشك، إلا ذلك الأمر الذي وراء الهيكل المشاهد بالبصر.
والعاين والحاسد يفترقان في شيء، ويشتركان في شيء:
فيشتركان في أن كل واحد منهما تتكيف نفسه، وتتوجه نحو من يريد أذاه.
فالعاين: تتكيف نفسه عند مقابلة المعين ومعاينته.
والحاسد: يحصل له ذلك عند غيب المحسود وحضوره أيضاً.
ويفترقان في أن العائن قد يصيب من لا يحسده من جماد أو نبات أو حيوان أو مال، وإن كان لا يكاد ينفك من حسد صاحبه، وربما أصابت عينه نفسه، فإن رؤيته للشيء رؤية تعجب وتحديق، مع تكيف نفسه بتلك الكيفية تؤثر في المعين كما قال سبحانه: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ
لَمَجْنُونٌ (51)} [القلم: 51].
والنظر الذي يؤثر في المنظور قد يكون سببه شدة العداوة والحسد، فيؤثر نظره فيه، ويقوى تأثير النفس عند المقابلة.
وقد يكون سببه الإعجاب، وهو ما يسمى بإصابة العين، وهو أن الناظر يرى الإنسان أو غيره رؤية إعجاب به واستعظام، فتتكيف روحه بكيفية خبيثة تؤثر في المعين أو تهلكه.
فالعائن حاسد خاص، وهو أضر من الحاسد، فكل عائن حاسد ولا بدَّ، وليس كل حاسد عائناً.
وأصل الحسد: هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها.
فالحاسد عدو النعم، وهذا الشر من خبث نفسه وشرها، بخلاف السحر فإنما يكون باكتساب أمور أخرى، واستعانة بالأرواح الشيطانية.
فلهذا والله أعلم قرن الله بين شر الحاسد وشر الساحر؛ لأن الاستعاذة من شر هذين تعم كل شر يأتي من شياطين الإنس والجن كما قال سبحانه: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)} [الفلق: 1 - 5].
فالحسد من شياطين الإنس والجن، والسحر من النوعين، لكن شياطين الجن ينفردون بالوسوسة في القلب، فالحاسد والساحر يؤذيان المحسود والمسحور بلا عمل منه، بل هو أذى من أمر خارج عنه.
والوسواس إنما يؤذي العبد من داخل بواسطة مساكنته له وقبوله منه.
واليهود أسحر الناس وأحسدهم كما قال الله عنهم: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109)} [البقرة: 109].
وقال سبحانه: {أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ
إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا (54)} [النساء: 54].
والشيطان يقارن الساحر والحاسد ويحادثهما ويصاحبهما.
ولكن الحاسد تعينه الشياطين بلا استدعاء منه للشيطان؛ لأن الحاسد شبيه بإبليس وهو من أتباعه؛ لأنه يطلب ما يحبه الشيطان من فساد الناس وزوال النعم عنهم، كما أن إبليس حسد آدم لشرفه وفضله، وأبى أن يسجد له حسداً، فالحاسد من جند إبليس.
وأما الساحر فإنه يطلب من الشيطان أن يعينه، ويستعين به، وربما يعبده من دون الله حتى يقضي له حاجته، وربما يسجد له.
وكلما كان الساحر أكفر وأخبث، وأشد معاداة لله ورسوله وعباده المؤمنين كان سحره أقوى وأنفذ وأشد.
ولهذا سِحْر عباد الأصنام أقوى من سِحْر أهل الكتاب، وسحر اليهود أقوى من سحر المنتسبين إلى الإسلام، واليهود هم الذين سحروا النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله سبحانه:{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)}
…
[الفلق: 5].
يعم الحاسد من الجن والإنس، فإن الشيطان وحزبه يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله، كما حسد إبليس أبانا آدم، وهو عدو لذريته.
ولكن الوسواس أخص بشياطين الجن، والحسد أخص بشياطين الإنس.
فنعوذ بالله العظيم الذي لا أعظم منه، وبكلماته التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر، وبأسمائه الحسنى ما علمنا منها وما لم نعلم من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ونعوذ بالله من غضبه وعقابه وشر عباده.
والفرق بين الحسد والمنافسة:
أن الحسد شدة الأسى على الخيرات تكون للناس الأفاضل، وتمني زوالها عنهم، والمنافسة طلب التشبه بالأفاضل من غير إدخال ضرر عليهم.
فالحسد رذيلة مذمومة، والمنافسة في الخيرات فضيلة محمودة؛ لأنها داعية إلى اكتساب الفضائل، والاقتداء بالأفاضل.
وبحسب فضل الإنسان وظهور النعمة عليه يكون حسد الناس له، فإن كثر فضله كثر حساده، وإن قل قلوا؛ لأن ظهور الفضل يثير الحسد، وحدوث النعمة يضاعف الكمد.
والفرق بين البخل والحسد:
أن البخل والحسد مشتركان في أن صاحبهما يريد منع النعمة عن الغير، ثم يتميز البخيل بالبخل بما في يده، والحاسد يتمنى ألا يعطي أحد سواه شيئاً.
والفرق بين الغبطة والحسد:
أن الغبطة تمني المرء أن يكون له مثل الذي لغيره من غير إرادة إذهاب ما لغيره، وهي من صفات المؤمنين، أما الحسد فهو إرادة زوال النعمة عن الغير، وهي من صفات المنافقين والكفار.
وشر الحاسد مؤلم ومؤذ وموجع، ويندفع شر الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب:
الأول: التعوذ بالله من شر الحاسد، والتحصن به، واللجوء إليه.
الثاني: تقوى الله عز وجل، فمن اتقى الله تولى حفظه ولم يكله إلى غيره.
الثالث: تجريد التوبة إلى الله من الذنوب التي سلطت عليه أعداءه، فما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رُفع إلا بتوبة.
الرابع: التوكل على الله، فمن توكل على الله فهو حسبه، والتوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق وظلمهم وعدوانهم.
الخامس: فراغ القلب من الاشتغال به والفكر فيه، فلا يلتفت إليه ولا يخافه، وبذلك يندفع عنه شره.
السادس: الإقبال على الله بكليته، والإخلاص له، وجعل محبة الله ورضاه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه حتى تقهرها وتذيبها بالكلية.
السابع: الصبر على عدوه، وأن لا يقاتله ولا يشكوه، ولا يحدث نفسه بأذاه أصلاً، فما نصر على حاسده وعدوه بمثل الصبر عليه.
الثامن: الصدقة والإحسان إليه ما أمكنه، فإن لذلك تأثيراً عجيباً في دفع البلاء، ودفع العين، ودفع شر الحاسد، فما حرس العبد نعمة الله عليه بمثل شكرها.
التاسع: إطفاء نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه، فكلما ازداد أذى وشراً وبغياً وحسداً ازددت إليه إحساناً، وله نصيحة، وعليه شفقة، وهذا من أعظم الأسباب وأصعبها على النفس، ولا يوفق له إلا من عظم حظه من الله كما قال سبحانه:{وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35)} [فصلت: 34، 35].
العاشر: تجريد التوحيد والترحل عن الفكر بالأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم، والعلم بأن هذه الآلات بمنزلة حركات الرياح، وهي بيد محركها وفاطرها وبارئها، ولا تضر ولا تنفع إلا بإذنه كما قال سبحانه:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (107)} [يونس: 107].
وهذا السبب جامع لما سبق كله، وعليه مدار كل شيء.